حسن علي خلف
للازمات مواسم ولها ايضا عبر مواسمها تأثيرات تترك شروخا في تاريخ الامم والشعوب ربما يشعر معها الفرد بالرفض او الندامة او الاستنكار او يعتمدها محطة للاعتبار والاتعاظ ( وسعيد من اتعظ بغيره ) فلو استقرءنا التاريخ القريب والأقرب بدء من اجتياح جيوش هولاكو للخلافة العباسية ، وما جرى من عمليات سلب ونهب وتقتيل وتدمير وملابسات يطول تعدادها من النوع الذي يندى لها جبين الإنسانية ، وتشمأز منه النفوس وتنفر. لما تحمله في طياتها من حقارة الانسان عندما يتسلط على اخيه الانسان . وهذا موضوع له حديث يطول . ولكن الذي اعنيه في هذا المجال ان هذه الشعوب الوافدة التي اجتاحت الخلافة العباسية وأسقطت الإمبراطورية الاسلامية . ادخلت معها العديد من المفاهيم والعادات الى الشعب الذي احتلته ، فراحت هذه العادات والتقاليد والقيم الجديدة تتصارع مع عادات وموروثات وقيم الامة المغلوبة ، ايهما يطفو على السطح ليسيطر نهجه على الحياة . ولكن عملية الاصطراع هذه عادة ما تكون امتزاج بين اراء وأفكار وموروثات وقيم ، ربما لم يألفها الجيل السابق ، ولكنا ستكون مادة الجيل الذي يليه سلبا كانت او إيجابا قوية كانت او هشة . اذن فالوافد حمل معه موروثاته وحاول فرضها على من سيطر عليه . لذلك ولغيره الكثير ، كانت فترة احتلال التتر للدولة الإسلامية والعثمانيون الذين اعقبوهم من احلك الفترات في تاريخ امة الإسلام وأكثرها ظلامية وظلما . فكانت عاداتهم وتوافههم وتخلفهم وجهلهم هو المسيطر ، بل والجاثم على صدور الناس. فتمزقت اوصال امة الإسلام ، وأصبح الأوربي والأميركي والاسترالي والروسي ينعت الدولة العثمانية بالرجل المريض الذي نهايته كانت معروفة . وعدما دخل الانكليز الى بلدنا العراق بشكل خاص ، سواء عندما وطأت أقدامهم الفاو في تشرين 1914 ، او استكمال احتلال بغداد 1917 . وما رافق ذلك من فوضى واقتتال ايضا . فأن هذا الوافد ادخل عاداته وتقاليده وقيمه ومعاييره لبلدنا ، واصبحت السمة الغالبة لسلوك مجتمعنا هو خليط من التصرف العثماني والانكليزي والهندي واحيانا الخلق الإسلامي في احسن حالاته . فادخل الانكليز لنا عادات عجيبة فمنها مثلا الطنطل ( ten tells ) الذي هو نوع من وحوش الظلام الخرافية ، وعادات الربا وانتشار الخمور وشرب الشاي وانتشار التدخين واستشراءه والاخلاق المراوغة والرقص والتياترو . هذا في السيئة ، اما الجوانب الطيبة فقد تغير مستوى التعليم وازداد مستوى الاحساس بالوطن والمواطنة والحرص على الدين وتغيير اثاث بيوتنا وأزياءنا وسلوكنا اليومي بكثير من تفاصيله الى حد الحلاقة التي رحنا نقلد الغرب بها . بل ودخلت لنا الالة مثل السيارة والقطار ومضخة الماء والكهرباء وغيرها ، وهكذا هي عملية اختلاط الشعوب دائما ما تفرز قيما جديدة . ولكن العجيب الذي يلاحظه أي مراقب منصف بعد عمليات التغيير منذ 2003 ، لحد الان ،وبعد عودة الطيور المهاجرة الى وطنها بعد ان دفعت اغلى ما في حيتها في الغربة ، وما رافق تلك الفترة من فوضى ونهب وسلب ايضا ، وتردي بعض الاخلاق . برزت لدينا قيم جديدة بشكل ملفت للنظر ، من ابرزها المحسوبية والانتماء الى العشيرة والبيروقراطية وعدم الحرص على المال العام وخفوت بريق القانون . والانكى من ذلك ، استشراء عملية الربا ( الفائض ) ورب احد يسأل ، الم يكن الربا موجود في زمن نظام صدام ؟ الجواب نعم ، الربا موجود على مستوى البنوك ، لانه مسوغ بقانون الدولة العلمانية ، وتلك الدولة كما هو معروف فيها الدين لله والوطن للجميع ، لم يدعي احد فيه الاسلام ، وانما كان انتمائهم الى البعث . اما على مستوى الافراد فان الذين يتعاطون الربا في ذلك العهد كانوا محسوبين ومعدودين في كل مدينة ، ينفرهم المجتمع ويحتقرهم وينبذهم ويعزلهم ، او ان بعض الطوائف الدينية من غير المسلمين تمارس عملية الربا مع المسلم او مع من هو من غير طائفتها دون ان يمارسونها مع بعضهم ، لانها حرام ان تمارس فيما بينهم . وهذا ايضا منطقي كون المسلم اساسا منهي من الربا عبر دينه وثقافته . لكن الذي يحصل الان ان كل المصارف دون استثناء تمارس الربا ( الفائدة ) وبنسب متفاوتة منها القليلة ومنها الكثيرة . فان تلك الفوائد سواء كانت ماخوذة عن قرض او تمويل مشاريع او سلف موظفين او سلف عقارية او زراعية فهي قطعا ربا . ومن المعلوم انه في الشرع الاسلامي الدين يحرم الربا قليلا كان او كثيرا . واشر ديننا الاسلامي الحنيف بان البيع بيع والربح ربح والربا ربا ، وقد فصل الفقهاء في ذلك الكثير . والانكى من ذلك ان دستور الدولة الحالي اسلامي ، والقائمين على شؤون الدولة غاية في التدين والانتماء الى الاسلام ، بل اغلبهم قادة الاسلام بانتمائهم الى احزاب هي احزاب اسلامية ، ولكنك ترى ان عملية الربا راحت تستشري وتنتشر بشكل مخيف فاذا استمر الحال هكذا ولم يوضع لها ضابط قوي للحد منها يرتكز على تعاليم دين الاسلام السمحة ، فان الكل سيغرق في الحرام وياكل السحت من حيث يدري ومن حيث لا يدري . وبما انني لست ضليعا في الاحكام الفقهية ، فان منع الربا ومحاربته هل هو فرض كفاية ام فرض عين ؟ فأنا لا ادري .. وبكلا الحالتين ياثم الناس اذا لم يكافح . وهذ مهمة الدولة الاسلامية وتشريعاتها ، ومهمة رجال الدين والدعاة والمبلغين والمرشدين والوعاظ ، نرجو ان نسمعها منهم صرخة مدوية في وجه كل البنوك التي تتعامل بالربا وكل الجهات التي تتعامل باخذ الفائدة على القروض والفائدة على بيع السيارات والفائض على العقارات . لكي تستقيم امورنا ويقبل دعاء العراقيين اذا رفعوا اكف الضراعة الى الله ، يطلبون منه المغفرة والرحمة . ومعلوم ايضا ان الدعاء ( العمل الصالح يرفعه ) مثلما تعلمنا من كتاب الله العزيز ، وشرحه لنا رجال الدين الافاضل . فهي دعوة مخلصة ان نتصدى متكاتفين لهذه الظاهرة الدخيلة التي يسوغها البعض من الذين تركت اوربا بصماتها في جباههم قبل ان نغرق جميعا في اكل السحت والحمد لله رب العالمين .
https://telegram.me/buratha