عبد الغفار العتبي
إلى متى نبقى نفتخر على غيرنا من الشعوب والأمم ، وان بأننا أولأصحاب حضارة عرفها التاريخ ،وان أجدادنا أول من كتب وشرع الشرائع وسن القوانين .ولكن أين الباقي من هذه الحضارة عندنا؟ وأين أثرها على واقعنا اليوم ؟ إلى متى نتحدث بكل سذاجة على مسلة حمو رابي وماأحتوته من مبادئ وقيم وحقوق الإنسان وحقوق الحيوان ،وفي الوقت الذي نعيش نحن بعد 4000 سنة في أسوأ مرحلة من مراحل انتهاك حقوق الإنسان ! نتبجح في لقاءاتنا ووفي مؤتمراتنا على أننا أصحاب حضارة عمرها ستة آلاف سنة في الوقت الذي لانرى فيه أثراً لهذه الحضارة سوى مجموعة من الأحجار والطين تركن في زوايا متاحفنا ومعابدنا التي تعرضت للنهب عشرات المرات على أيدي الغزاة وعملائهم !وهل معنى أننا نمتلك حضارة عريقة فيجب أن نكون حتماً أفضل من غيرنا ؟والجواب أكيد أن المنطق والعقل هكذا يقول .فلو قسمنا عمر تاريخ حضارتنا على عمر حضارة الولايات المتحدة الأمريكية أي نقسم 6000سنة على 400سنة ماذا ينتج من ذلك ؟ينتح بأن حضارتنا تعادل 15 مرة أكثر من حضارة أمريكا !وما علينا أن نرى الفرق الهائل في حقوق الإنسان والحياة المدنية والتقدم والصناعة والرخاء العميم والاستقرار السياسي بين حضارة الوليدة وتلك الحضارة التليدة!! أين المشكلة ياترى ؟هل هي فينا؟أم في حضارتنا ؟ولماذا عندنا هذه الحضارة العظيمة ونحن نعيش في أجواء التخلف والتراجع العجيب في كل نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية وحقوق الإنسان والحياة المدنية؟ لماذا عندنا النفط الكثير والثروات العظيمة ، والماء الغزير والأرض الصالحة للزراعة،،ولكننا لازلنا نستورد كل شيء من الشعوب التي لاتمتلك من الحضارة سوى بضع سنوات ،ونعيش تحت خط الفقر والعوز والفاقة والتخلف !؟إن مشكلتنا في الشرق أننا نتحدث في التاريخ كثيراً كمجد عظيم لنا ،في الوقت التي تهز الهزائم والانتكاسات كل كياناتنا ..أن التاريخ يمثل سبابا للحاضر عندما يكون هو في مواقع المجد ونكون نحن في مواقع السقوط .ومن المضحكات المبكيات أن كل واحد منا يردد هذه النغمة دائما ويقول : نحن أبناء اؤلئك العظام الذي صنعوا التاريخ وأسسوا الحضارات ،ولقد فتح آباؤنا العالم وانتصروا على كل الطغاة وأعطوا العالم علماً وثقافة وأخلاقا،وهذا كله صحيح .نعم لقد فتحوا القلوب والبلدان ونشروا فضائل وقيم الإسلام ولكن السؤال الأهم هو: ماذا فتحنا نحن ماذا أعطينا ماذا أبدعنا ؟لذا علينا إذا أردنا أن نرجع إلى التاريخ أ ن نأخذ منه خلاصته لنعطيها مما عندنا وليتفاعل مايبقى من التاريخ مع ما نصنع في الحاضر ونكون كما قال الشاعر العربي ليس الفتى من قال كان أبي إن الفتى من قال ها أنا ذافعلينا أن لانكتفي ونعيش بإنجازات غيرنا حتى وأن كانوا أجدادنا العظام بل علينا أن نكون أفضل من ذلك .وكما يراد لنا من خلال ماتوحي به كلمات الدعاء المأثور (اللهم أجعل مستقبل أمري خيراً من ماضيه وخير أعمالي خواتيمها وخير أيامي يوم ألقاك فيه ) أي نظل في الخط التصاعدي ،فإذا وصل آباؤنا الى خمس درجات فلا يصح أن نقف عند الدرجة الخامسة فقط بل لابد أن نصل على الدرجة العاشرة .وان يصل أولادنا الى الدرجة العشرين وأن تصل أجيالنا القادمة الى الدرجة الخمسين وهكذا .فعلينا أن نعيش دائماً حالة قلق التقدم وحالة قلق الطموح وحالة قلق الارتفاع ،أي علينا دائماً أن نعيش مع أعلى درجات التفضيل في العطاء وفي الإنتاج وفي الحرية والعدالة ، وأن لانجعل من التاريخ قمقم نحبس أنفسنا وأفكارنا فيه ، بل علينا أن ننطلق الى الأمام بما نملكه من ميراث تأريخي عظيم يسدد لنا خطانا ،ويقوم لنا سلوكنا وعلينا أن نكون على الأقل كما قال الشاعر نبني كما كانت أوائلنا تبني وتفعل مثلما فعلوا!فالأمة عليها أن تصنع تاريحاًجديداً في وقتها الحاضر خاصاً بها وبمجهودات أبنائها اليوم ،وإذا أراد لنا ان نرجع الى تاريخها العظيم فليكن رجوعنا إليه مثل المبتكر المبدع الذي يبحث في السوق عن أدوات احتياطية ينجز بها ماتبقى من عمله الجبار الذي صنعه بنفسه في الوقت الحاضر لتنتفع الأجيال بمنجزه الجديد .فلا يصح أن تكون عودتنا للتاريخ فقط للتعالي والتفاخر الفارغ من كل قيمة إبداع وتطور ولكن لنستمد منه محاولتنا لصناعة حاضرنا المشرق بعون الله تعالى ...
https://telegram.me/buratha