المقالات

إستشراف المستقبل العراقي ...معادلة الأرض و النفط و الإنسان

963 20:12:00 2011-10-13

علي بابان وزير التخطيط السابق

كلما حاولت أن أسطر بعض الأفكار و الرؤى حول المستقبل العراقي انتابني شعور بالأسى لم أجهد كثيرا في التعرف على أسبابه ، و أول هذه الأسباب يتمثل في إن الرأي العام العراقي يبدو و كأنه في عزلة و عدم إكتراث لهذه المباحث ..غائب أو مغيب عنها..له ما يشغله و يصرف انظاره بعيدا عنها ، فهو يفكر في يومه( و قد حاصرته هموم الحياة) أكثر مما يجهد في التفكير بغده ، ثم أن المفردة السياسية ..و العنوان السياسي يفرض نفسه على سمعه و بصره صباح مساء ولا يترك موضعا لسواه. النخبة السياسية من جانبها و المفروض بها أن ترتقي بوعي المواطن و تعيد ترتيب اولوياته و تضع الملفات الأساسية الخطيرة في دائرة إهتماماته المباشرة لا تفعل ذلك مع الأسف ، و إذا جئت تستقصي العناوين البارزة في نشرات الأخبار العراقية و وكالات الأنباء المحلية فما الذي ستجده..؟؟ ..نفس العناوين تتكرر بلا كلل ولا ملل منذ بضعة أشهر و كلها تدور حول مسائل فرعية تافهة لا ترقى ابدا لمستوى التحديات التي تحاصر الإنسان العراقي بالفعل ..ستجد عناوين مضى عليها ستة أو سبعة أشهر دون أن يحدث حولها شيء و الموطن المسكين ( أدمن) سماعها ...تسمية الوزراء الأمنيين و من يتولى وزارة الدفاع (س) أم (ص) أم غيره ...و رواتب الرؤوساء الثلاثة وهل يستحق الوزارء أو النواب خمسة أو ستة ملايين أو أكثر..و إذا اردنا تحديث الأخبار لقلنا أن موعد قدوم الوفد الكردي صار الخبر الرئيسي هذه الأيام..و هل سيجئ الوفد أم لا..؟؟و ما موعد قدومه..؟؟ و ما هي تشكليته ..؟؟ .الحراك السياسي في بلادنا صار (علاكا سياسيا) يمضغ فيه المسؤولون و الساسة القضايا و المواضيع كالعلكة فيما يمر الوقت الثمين بلا حساب و تضيع الفرصة على العراقيين للخروج من هذا الواقع الكئيب..أما ثاني أسباب الأسى الذي يضربني كلما كتبت و فكرت حول مستقبل وطننا فمرده إلى أننا نعيش أزمة وطنية خطيرة يتحسس منها أهل الوعي و يرصدون نذرها و يتخوفون من عواقبها ...أزمة يصح أن نصفها ببيت الشعر العربي المعروف..أرى خلل الرماد و ميض نار و يوشك أن يكون لها ضرام نحن اليوم في أتون أزمة وطنية هي أكبر من خلافات السياسيين و تنافساتهم فهذه الخلافات و التنافسات هي من لوازم الحياة السياسية في أي بلد ولا تثير المزيد من القلق و لكن ما نعيشه اعمق من ذلك و أشد خطرا لأنه مرتبط بأصل العلاقة بين مكونات المجتمع العراقي ...و بأساس تكوين الدولة العراقية و مستقبل تماسكها ..و لهذا فعندما أكتب عن معادلة المياه ...و النفط..و السكان في مستقبل العراق سيعترض علي كثيرون و يقولون ..هلا أقمنا أسس الدولة السياسية و الدستورية و حسمنا الجدال حول العلاقة بين مكوناتها قبل أن نتحدث عن مستقبل و رخاء اجيالها القادمة..؟؟.و يبدو مثل هذا الإعتراض و كأنه يحمل في طياته هاجسا أو شكا كئيبا بأن العراق بصيغته الحالية قد لا يستمر إذا لم تحسم الأسئلة الرئيسية التي تطرح اليوم بالسر أو بالعلن حول ترتيب اوضاعه و علاقات عناصره ،قال لي صديق عزيز قبل أيام أنت كمن يتحدث و يناقش حول تفاصيل المنزل و تزيين غرفه و نحن لم نفرغ من وضع أساساته بعد و لم نحدد ملكية هذا البيت لمن يكون ..؟؟، ربما يكون في إعتراض صاحبي قدرا من المصداقية و لكني في واقع الأمر لا اعتقد أن انحسار المياه أو قنبلة المواليد العراقية القادمة أو مستقبل الثروة النفطية و استراتيجيات التنمية في وطننا هي مما يمكن للمرء أن يسقطه من وعيه أو يؤجل التفكير فيه حتى ينهي السياسيون خلافاتهم و نقاشاتهم ..!! .من المؤسف أننا كعراقيين نتحددث كثيرا عن التاريخ نجتر تفاصيله أو نبكي له أو ننقسم حوله..و نصطرع حول تقييم احداثه صراعا تسيل له الدماء...و لكننا لا نتحدث كثيرا عن المستقبل و إحتمالاته ...و ندير ظهورنا لإستحقاقاته ..أو نشيح بوجوهنا عنه فيما التاريخ صار وراء ظهورنا..و المستقبل هو الذي أمامنا ..و إذا كان البعض يفهم هذا الإنشداد للتاريخ على أنه جزء من الإلتزام الديني فأن الأمر ينبغي أن يكون على النقيض من ذلك تماما (و بالأدلة الدينية الشرعية ذاتها)...فالإسلام ينحاز للمستقبل وفق نصوص القرآن التي يقرأها الكثير منا دون أن يفقهوا مغزاها ..فالقرآن يعلمنا..( يا أيها الذين آمنوا أتقوا الله و لتنظر نفس ما قدمت لغد..)..إذن فنحن كأمة مأمورين شرعا أن ننظر ماذا قدمنا للغد و عندما تفتح كتب التفسير تجد أن علمائه يقولون أن الغد في القرآن الكريم و في اللغة العربية هو ( كناية) عن المستقبل ...القرآن يندد بمن يقدم ( العاجلة) أي يجعل همه مقتصرا على يومه و لحظته و يعتبر ذلك منهجية مرفوضة في حياة الفرد المسلم ..و المجتمع المسلم و سلوكية منحرفة عن السبيل القويم، (كلا بل تحبون العاجلة) ، ( إن هؤلاء يحبون العاجلة و يذرون ورائهم يوما ثقيلا )..و اليوم الثقيل هنا لا يمكن قصره على الأخرة وحدها دون غيرها لأن نقيض العاجلة هو ( الآجلة) و ليس اليوم الآخر فقط..يا ترى هل نحن في العراق كمجتمع و دولة هو ممن يقدم حسابات العاجلة ..و إجتياجات العاجلة ..على سواها تاركين لأجيال العراق القادمة ( يوما ثقيلا) و اوضاعا صعبة لن نبذل نحن عراقيو اليوم جهدا في عكسها و تجنبها..؟؟، هل نحن أمة ( بلا بوصلة) لا ندري أن كنا نسير في طريق صاعد أم منحدر هابط..؟؟ ، عيوننا مغمضة و ليس لدينا (إطلالة) على المستقبل و لذلك لا ندري كم ( هاوية) أو ( درك) ينتظرنا في الغد ..إذا كان هذا هو وصفنا فعلينا أن نقر بأن إمام إبنائنا و أحفادنا على هذه الأرض العديد من ( الأيام الثقيلة ) كما يصف القرآن و يحذر .عندما توليت مسؤولية وزارة التخطيط في منتصف عام 2006 كانت تراودني احلاما عريضة بأن تصبح تلك الوزارة ( عقلا مركزيا و إستراتيجيا ) للدولة العراقية و لم يطل بي الوقت لأكتشف خطأ حساباتي و هشاشة أحلامي فعندما رسمت هيكلا تنظيميا جديدا للوزارة وضعت مقترحا بتأسيس وحدة( للتخطيط بعيد المدى) و كان تصوري عنها مبسطا للغاية ، تشكيل إداري يضم عدد بسيط من خبراء الوزارة يرسمون بعض السيناريوهات الأساسية لأوضاع العراق بعد 30 سنة فصاعدا، أوضاع السكان و الدخل و الزراعة و المياه و التعليم و القوة العاملة و الإستيطان الحضري و غير ذلك من أساسيات الأمور، و اعتبرت أن وجود مثل هذه الوحدة هو من ( ألف باء) عمل وزارة التخطيط غير أني عندما طرحت المقترح فوجئت بعيون جاحظة و أفواه فاغرة و كأني اتحدث عن أمر من ضروب المستحيل و المؤسف أن هذا حصل من قيادات الوزارة و بعضهم ممن يحمل شهادة الدكتوراه في اختصاصه ، كنت أدرك أن وزارة التخطيط قد اصابها ( الهزال) في خبراتها و أنها فقدت في السنوات الأخيرة أفضل خبرائها لكني لم اتصور أن يصل الأمر لحد الإستغراب من وجود وحدة للتخطيط بعيد المدى في تشكيلاتها، و حصل مثل هذا الأمر عندما أردت تأسيس مديرية عامة للدراسات السكانية تتجاوز مهمتها جمع الاحصائيات عن السكان في العراق بكل معطياته و تفاصيله حيث كان الاعتراض على تأسيس هذه الدائرة أن هناك قسما للإحصاء السكاني في جهاز الإحصاء بالوزارة..!! .في الشهر الرابع من عام 2004 كتبت مقالا في موقع إيلاف الإلكتروني ذكرت فيه أن شركة يابانية كلفت وحدة التخطيط الإستراتيجي فيها برسم إستراتيجية تمتد لخمسمائة عام و مهما يحمل الخبر من صور المبالغة فأنه يدلل على ولع القوم و سعيهم الحثيث لإستشراف أبعد نقطة ممكنة من المستقبل و التحسب لإستحقاقاتها أو التكيف مع أوضاعها، كان مما كتبته في هذا المقال الصغير و مما أرى فيه فائدة من إعادة التذكير به...( إنعدام الرؤية الإستراتيجية أخطر ما يمكن أن تصاب به أية أمة و الأمم الحية هي التي تتقن فن صناعة المستقبل و التي تتحسب لغدها و تؤثره على يومها و في عالم يتسم بالحراك السريع فأن إمتلاك رؤية للمستقبل و وضع تصورات عن سيناريوهاته من ضرورات و أساسيات إستمرار و إزدهار أية جماعة أو منظمة).إذا ذهبت إلى أية مؤسسة في الدول المتقدمة تجد أن وحدة التخطيط الإستراتيجي هي أهم ما فيها من تشكيلات و علم الإدارة الإستراتيجية هو اليوم على رأس العلوم التي تهتم بها الجامعات الغربية و هو يحظى بأفضل الطلبة و أكثرهم ذكاء ، و مثل هذا أو نحوه يحدث في ( علوم المستقبليات) و هو حقل له مساحة مشتركة كبيرة مع الإدارة الإستراتيجية فقد تطور هذا العلم في السنوات الأخيرة و تطورت طرائقه و تقنياته إلى حد كبير و صار يوظف علوم الإحصاء و الإحتمالات و الرياضيات مع العلوم الإجتماعية و الطبيعية بشكل مبدع و خلاق .أول مهارات هذه العلوم هي رسم السيناريوهات و وضع التصورات و الفرضيات وصولا إلى نموذج المستقبل و كل ذلك بالإعتماد على معطيات اليوم و حقائقه ، و في عملية رسم السيناريوهات يجري التركيز على ما يطلق عليه ( السيناريوهات السيئة) أو ( المسارات الحرجة ) و ربما نجده في بعض المصادر تحت أسم ( الإحتمالات الخطرة) وهي كلها مصطلحات لشيء واحد يمكن أن نعبر عنه ( بأسوأ ما يمكن أن يحصل) ، و في الحقيقة فأن تركيز هذه الدراسات على تلك السيناريوهات هو من صلب التفكير العقلاني السوي و من موجباته فأن الأمم أن استطاعت أن تتجنب المخاطر و المهددات فهي بخير و عافية ، و ليس في الأمر ميلا إلى التشاؤم ابدا بل هو منهجية الحيطة و الحذر التي غالبها ما يفضلها العقلاء و يوجد في عقيدتنا الإسلامية ما يعضد هذه المنهجية و يرجحها حيث تقول القاعدة الأصولية ( درء المفاسد أولى من جلب المصالح) ، و لعل من المفارقات الطريفة أن نذكر أن دراسة احصائية تم إجرائها في عدد من الدول الأوروبية انتهى إلى نتيجة هامة مفادها أن إحتمال حدوث السيناريو السيء أو الخطر هو أكبر من إحتماله النظري، و لتوضيح ذلك فأنه إذا كانت المعطيات المالية و الإحصائية لشركة أو مؤسسة تجارية ما تشير إلى أن احتمال إفلاسها عشرين بالمائة و هو ما يشار له بالإحتمال النظري ، فأن متابعة العديد من الحالات أشارت إلى ان إحتمال حدوث ذلك فعليا يفوق بعشرة أو عشرين بالمائة ذلك الإحتمال النظري ، و ربما كان لمثل هذه الظاهرة تفسيرها العلمي المقنع الذي سينجح العلماء في فك الغازه لاحقا.عندما ( نطل) على المستقبل العراقي اليوم و نمد بأبصارنا ثلاثين عاما إلى الأمام أي إلى عام 2040 فما هي العناصر التي ينبغي أن تكون تحت أبصارنا و موضع دراستنا و تركيزنا..؟؟ .أنها من وجهة نظري (الأرض..و النفط و الإنسان) ، ربما يود البعض أن نضيف عوامل أخرى أو أن نعرف هذه العناصر بأسماء أضافية فيقترح ( الأرض و المياه) أو يزيد( النظام السياسي و الدستوري) أو أن نستقرئ حالة ( المجتمع العراقي و أوضاعه) و هي كلها إضافات سائغة و معقولة و لكني فضلت التعامل مع عناصر تبدو ( منضبطة) و ( قابلة للقياس) و يمكن للتوقعات حولها أن تكون ذات مصداقية و أقرب إلى الدقة.ربما أكون قد اطنبتوا في مقالتي السابقة ( البكاء عند أنهار تحتضر) في الحديث عن البعد الأخطر و الأكثر أهمية في البيئة العراقية و هو الأنهار و لذلك لن يكون لبعدالأرض مساحة كبيرة في مقالتي هذه ، و سأركز على بعدي النفط و السكان قدر ما تسمح به هذه المقالة مقتصرا على ذكر الأساسيات دون التفاصيل ، و لعل الإستنتاج الأول الذي يقفز إلى الذهن و يلح على الضمير ..و الجملة التي تفرض نفسها على الوجدان كخلاصة لمعادلة ( الأرض..النفط..السكان) في العراق طيلة العقود المنصرمة هي ..( أغني أرض و أفقر إنسان) ...أنها كلمات أربع و لكنها تحمل مفارقة محزنة و تكتنز كل صور التفريط..و الإهمال من الدولة و المجتمع على حد سواء، كما أنها تنتج بدورها جملة أخرى لا تقل في إيلامها و قساوتها عنها و هي ( فشل و عجز كامل لكل سياسات التنمية و بناء الدولة و الإنسان طيلة العقود المنصرمة) ...قد تختلف كثيرا في الأسباب و الجذور التي قادت إلى تلك النتائج و لكننا لا نختلف كثيرا عليها و هذا هو المهم.الإنسان العراقي ..أو ما يصطلح عليه بــ (السكان) كم سيكون عديده في عام 2040..؟؟ و كم سنحتاج من فرص العمل في تلك السنة..؟؟ و كيف سيكون شكل الإستيطان الحضري بذلك التاريخ ..؟؟يتضاعف سكان العراق كل 25عاما فإذا كنا اليوم 33 مليونا من السكان أو ما يزيد على ذلك قليلا فأننا سنكون 66 مليونا عام 2036 أو ما يقارب من الـ 70 مليونا عام 2040 ، هذه التقديرات تعتمد بالطبع على معدل الزيادة الطبيعية التي تقدر بـ 3 بالألف و كذلك على معدلات الإنجاب و الوفيات خلال هذه الفترة مع هامش بسيط من الخطأ زيادة أو نقصا، هذه القنبلة السكانية القادمة و هذا الإنفجار السكاني سيكون بدون أي جدال التحدي الأكبر لصانع القرار العراقي و سيفرض إستحقاقاته على كل نواحي الحياة في بلادنا و سيشكل مع تناقص المياه و زيادة عائدات النفط صورة جديدة للواقع العراقي مختلفة في تفاصيلها تماما عما نعيشه اليوم، و ما لم نتمكن من حسن استغلال العائدات النفطية خلال العقود القادمة فأن نتائج القنبلة السكانية مع إنحسار المياه ستشكل كارثة حقيقية للعراق بكل ما تعنيه الكلمة و سوف تسلط ضغوطا هائلة على وحدة كيانه و استقراره السياسي و الاجتماعي فيما ستصبح مفردة الرخاء للفرد و المجتمع شيئا من مخلفات الماضي..!!

طبقا لنتائج إسقاطات الفريق الوطني للتحليل الديموغرافي فأن العراق قد دخل مرحلة ( الهبة الديموغرافية) منذ عام 2010 و في هذه المرحلة يزداد عدد و نسبة السكان العامل أي من الفئات (15-45) حتى يصل إلى أعلى مستوى له كما تنخفض نسبة السكان المعالين ( أقل من 15 سنة و أكبر من 65 سنة ) إلى أقل مستوى، هذا يقودنا إلى جملة تساؤلات فكم عدد فرص العمل التي ينبغي توفيرها لهذه الأعداد أو لهذه الملايين...؟؟ ، و كم من الأموال يجب أن تصرف لتعليم و تدريب و تأهيل هذه الملايين ليدخلوا أسواق العمل و يتحولوا إلى قوة منتجة..؟؟، و بصيغة أخرى للأسئلة هذه..أين هو الهيكل الإقتصادي الذي سيستوعب هذه الملايين داخله..؟؟ ، و أين هي القطاعات الإنتاجية الزراعية و الصناعية و الخدمية المؤهلة لتوليد فرص العمل لتلك الملايين ..؟؟ .إلا يقود وجود هذه الملايين العديدة التي ستبحث عن عمل للتفكير جديا بأعادة هيكلة جذرية للإقتصاد العراقي بحيث نعيد تأهيل و إحياء القطاعات الإنتاجية لتدور العجلة فيها مجددا..؟؟ هل سنحشر تلك الملايين في الدواوين الحكومية لتزداد ترهلا و فسادا و لتبقى الدولة الجهة الوحيدة التي توفر فرص العمل علما أن الجهاز الحكومي بات يعيش حالة ( موت سريري) منذ بضع سنوات و غدا عاجزا عن إداء أية وظيفة و لم يعد يكتفي بعدم إنجاز الأعمال بل بات أداة لعرقلتها و تعطيلها ...أم نحرر الإقتصاد و نخلق قطاع أعمال خاص مزدهر و متطور ليخفف من أعباء الدولة و يصنع المزيد من فرص العمل..؟؟ .هل ستبقى صناعاتنا على حالها أكوام من الحديد الخردة يتحرك العمال بين قاعاتها بلا عمل لنبقى معتمدين على دول الجوار كي تصدر لنا نفايات بضائعها إلى ما شاء الله..؟؟و هل سنستمر بتفريطنا بالمياه و الأرض و نتركها فريسة للتصحر و الملوحة لنشتري بكل عائدات النفط غذاء للعراقيين..؟؟هذا الهيكل الفتي الشاب للأعمار في العراق يعني طاقة كامنة للإنتاج و فرصة للإزدهار في وجه من الوجوه..و هو في الوجه الآخر قنبلة موقوتة من البطالة و التذمر يمكن أن تنفجر في الكيان العراقي لتحيله إلى شظايا متناثرة، و إذا كنا اليوم بمعدلات بطالة تزيد على الأربعين بالمائة (قدر البنك الدولي البطالة في العراق ب 39 بالمائة )و إذا أخذنا بنظر الإعتبار البطالة الناقصة و صيغ العمل التي فيها الكثير من التبديد و الإهدار و في بلد كالعراق يعاني كل هذه الأزمات الإجتماعية و السياسية فكيف سيكون الوضع مع إضافة عشرة ملايين عاطل أو يزيد للمجتمع العراقي مع معدلات فقر و حرمان أكبر.بدون ثورة حقيقية في أسلوب إدارة الأقتصاد و سياسات راديكالية جرئية لن تنجح الدولة في إستيعاب هذه الملايين في العملية الإنتاجية و سوف تكون عاقبة الفشل وخيمة جدا و لن تفلح مليارات النفط الإضافية التي سيحصل عليها العراق خلال السنوات القادمة في إمتصاص و تهدئة تلك العواقب.هنالك بعد سكاني آخر غالبا ما يغفل عن الإهتمام به مخططونا و أعني به توزيع السكان الحضري أي تركز السكان في المدن و الحواضر و إذا كانت الأرقام تقول لنا أن السكان حاليا يتوزعون بين 70 بالمائة يسكنون في الحضر و 30 في المائة بالريف و أن العراق شهد خلال العقود المنصرمة نزوحا من الريف إلى المدينة بسبب إضمحلال الزراعة و تراجعها فأن هذه الحقائق المتعلقة بما مضى ليست هي الظاهرة الأهم و التي هي فيما قادم من الزمن إذ أن تناقص المياه سيفاقم من حالة الهجرة إلى المدن هذا من ناحية و من ناحية أخرى فأن نسبة الحضر المحسوبة في العراق تشمل سكان الأقضية و النواحي أيضا و هم معرضون كغيرهم للهجرة للمدن الكبيرة خلال السنوات القادمة بسبب نقص المياه ، أي أننا سنشهد هجرة من حضر ( مفترض ) إلى المدن الكبيرة كبغداد و الموصل و البصرة و غيرها ،ستختفي مدن و حواضر أو تضمحل لتنمو مدننا الكبرى نموا سرطانيا منفلتا هذا سيشكل ضغطا هائلا على صانع القرار الحكومي لإنفاق المليارات على مشاريع المياه و المجاري و النظافة و الكهرباء و النقل و الإسكان في هذه المدن المتورمة و ستبتلع هذه المدن تلك المليارات دون أن يكون لها أثر واضح ، إذ أن تلك المنظومات ستتعرض لضغط شديد و ستصبح المنظومات القديمة عاجزة عن تلبية إحتياجات الملايين الوافدة، ستتغير خطط هندسة المدن و النقل الداخلي و بناء الخدمات و توزيعها تغيرا جذريا و مع إتساع حجم المدن و إمتدادها ستكون هناك فرصة أكبر للفوضى الإدارية و الفساد المالي و التوتر الإجتماعي و السياسي و سترتخي قبضة الدولة على الأطراف المتباعدة للمدن، هذا لا يعني أن ذلك هو قدرنا المقدور فما زال هناك متسع للتعاطي مع مسألة إمدادات المياه و منظومات الري و علاج مشاكل الأرض و بناء زراعة حديثة كما أن هناك حلول لمشاكل التركز السكاني من خلال إعادة النظر بمشاريع بناء المدن الجديدة و إنشاء المجمعات السكنية التي يسهل وصول الخدمات إليها و التي تقرب السكان في مناطق نشاطهم الإقتصادي من خلال شبكات الطرق الحديثة كذلك يمكن التعاطي مع مشاكل تركز السكان و منع هجرتهم للمدن الكبيرة بإعتماد منهجية توزيع المشاريع على المناطق و بناء العديد من المدن الصناعية و المناطق الحرة و تعمير الموانئ و المنافذ و غيرها كل هذه الأساليب و العلاجات مرتبطة بمشروع النهوض الإقتصادي الشامل و إتباع منهجيات و إستراتيجيات جديدة في التنمية تركز على القطاعات الإنتاجية، ولا شك أن النجاح في ذلك لن يواجه مشكلة التورم السكاني في المدن الكبرى فحسب و لكنه سيستوعب الملايين الجديدة الوافدة في سوق العمل و يرفع مستوى الدخل الفردي و يقلص درجة الإعتمادية على الخارج و مستوى الإنكشاف الخطر الحالي في الإقتصاد الوطني.أن تخطيط الخدمات و توزيعها على المدن و الحواضر لن يأخذ شكله النهائي حتى يستقر شكل التوزيع الحضري بصورة نهائية أو شبه نهائية و هذه الحقيقة ينبغي أن تكون إمام المخطط أو متخذ القرار في العراق لكي لا يتم إعادة النظر في توزيع الخدمات و مشاريعها أو يعاد النظر في إحجامها و سعاتها المرة تلو المرة و ما يترتب على ذلك من إنفاق مبالغ إضافية و إجراء عمليات ترقيعية هنا و هناك و هو الأمر الذي بات يلمسه العراقيون في مدنهم في السنوات الأخيرة. قد تبدو هذه المسارات عسيرة التطبيق و بحاجة إلى توفير المزيد من المستلزمات و التمويل و الإرادة السياسية و المخططين الأكفاء و الجهاز الحكومي الفاعل و الرشيد لكن علينا في المقابل أن نتساءل عن الثمن الفادح الذي يتوجب على العراق دفعه أن لم يتحقق ذلك و أن ندرك حجم التقصير الكارثي تجاه أجيال العراقيين القادمة أن لم ننهض بهذه المسؤولية بكل همة و فورا دون إبطاء ..و لنتجنب السيناريو البديل في حالة الفشل و الذي وصفت بعض ملامحه و عواقبه.لا نريد ان نوغل في الإشارة إلى تفاصيل الوضع الديموغرافي الحالي في العراق لأننا نتحدث عن المستقبل بالدرجة الأساس و لأن الواقع الحالي كئيب و مثير للإحباط و حسبي أن أشير هنا إلى رقمين ذات دلالة هامة ، فمتوسط عمر حياة الإنسان العراقي عند الولادة حسب تقديرات الأمم المتحدة و لعام 2010 هو 59 عاما للفرد و يقبع العراق في القائمة بين بلدين هما من أفقر بلدان العالم و أكثرها تخلفا و هما كمبوديا و غامبيا في حين يبلغ معدل العمر عند الولادة للفرد 82 عاما للفرد اللبناني و 76 عاما للفرد الأردني و 79 عاما لمواطن الإمارات و إذا جئنا إلى مؤشر آخر و هو معدل وفيات الأمهات لكل مئة ألف من الولادات الحية نجد أنه في العراق 84 بالألف مقابل 1,8 بالألف في السعودية و 0,01 من الواحد بالألف في الإمارات أي ان مقابل كل إمراة تموت عند الولادة بالسعودية تموت 47 إمرأة بالعراق و مقابل كل إمرأة تموت عند الولادة بالإمارات تموت ثمانية الآف و اربعمائة أم عند الولادة بالعراق علما ( أننا نتحدث عن معدلات و نسب ولا نتحدث عن إرقام إجمالية) و اعتقد أن دلالة هذه الأرقام ابلغ من أي تعليق .أن الفكرة الأساسية التي يقوم عليها هذا المقال تتمثل في أن ثروة النفط القادمة يمكن أن تلعب دور حبل الإنقاذ الذي يمد إلى الإقتصاد العراقي إذا احسن إستغلالها و بعكس ذلك ( و بسبب التغيرات التي ألمت بالبيئة العراقية خصوصا فيما يتعلق بتراجع الإمدادات المائية و التصحر و تملح التربة و التي ستترافق مع تضاعف عدد االسكان )فأن العراق سوف يواجه اوضاعا كارثية على صعيد الإقتصاد و مستوى معيشة المواطن و سوف تتعدى تلك الآثار السلبية الجانب الإقتصادي لتهدد كيان الدولة و تماسكها و إستقرارها الإجتماعي و السياسي.إن معادلة أو ثلاثية الأرض و المياه و الإنسان توحي بوجود نقاط بالسلب في بعدي الأرض و المياه خلال العقود الثلاثة المقبلة و ما لم ننجح في تحقيق اعلى النقاط الموجبة في البعد النفطي و تغطية السلب في العنصرين الآخرين فأن تلك المعادلة لن تكون لصالح العراقيين ، إذ ستتفاقم معاناتهم و سنصبح شعب ( المعذبون في الأرض)بحق ..أو بتعبير آخر شعب ( المشردين في الأرض) و ستصبح بلادنا ( وطنا طاردا) و ليس (وطنا جاذبا) كما كان العراق في فترات طويلة من تاريخه عندما كان أرض السواد و منبع الحضارات و مضرب الأمثال في الغنى و التحضر.أن حسن الإفادة من ثروة النفط و تجاوز الأوضاع الخانقة التي يمكن أن تحل بالعراق بسبب شحة المياه و إزدياد السكان تستلزم عدة شروط أولها ..أن يتمتع العراق بالإستقرار السياسي الذي يتيح إطلاق عملية إعادة هيكلة شاملة للإقتصاد..ثانيها..إمتلاك رؤية إستراتيجية واضحة لتلك العملية باعتماد الحلول الراديكالية الجذرية و نبذ الأساليب و المنهجيات المتبعة و التحرر التام من قوالب العمل و الآليات التي اعتادت عليها الأجهزة الحكومية في البناء ثالثها..إدماج القطاع النفطي بالأقتصاد العراقي من خلال بناء صناعة التكرير و البتروكيماويات و التوسع في إستغلال ثروة النفط و الغاز محليا في توليد الكهرباء و دعم الصناعة و الزراعة الوطنية و بأسعار تفضيلية تدعم تنافسية تلك القطاعات و تخفض كلف إنتاجها.أن هذه المنهجية المقترحة و التي نراها الفرصة التي قد تكون الأخيرة لإنقاذ الأقتصاد العراقي تقوم على إحياء و تأهيل و تطوير القطاعات الإنتاجية في العراق و بناء قلاع و مدن صناعية و القيام بثورة زراعية شاملة و الإرتقاء بقطاعات النقل و الإتصالات و السياحة و غيرها من القطاعات الخدمية ، و في كل الأحوال لابد أن تحكم العملية كلها بمنظور شامل لأن الرؤى المجتزأة و الخطط المتنافرة طالما قادتنا إلى الفوضى في مجال البناء الإقتصادي و أدت إلى تبديد الجهد و الوقت و المالأن إعتماد الحلول الراديكالية الجذرية و نبذ الأساليب و المنهجيات المتبعة حاليا و التحرر التام من السياقات و الآليات التي اعتادت عليها الأجهزة الحكومية في بناء المشاريع و تنفيذها ، غدا ضرورة لا مناص عنها إذا اريد للأقتصاد العراقي أن ينجو من حالة التراجع و الجمود التي يعيشها حاليا، لقد قلنا في موضع سابق من هذا المقال ان ( الجهاز الحكومي العراقي) في حالة ( موت سريري) و أنا أعني ما اقوله بالضبط فهو غير قادر بوضعه الحالي على تحقيق أي إنجاز و كل ما يقدر على تحقيقه هو التعويق ...و التسويف ..و الفساد..و سوء الإنجاز ..و تبديد الأموال ..و لذلك لابد من التفكير بهياكل جديدة تسود فيها قيم عمل و تشريعات و روح جديدة للنهوض بمثل هذه المهام .

أن القطاع الخاص العراقي و الإستثمار الأجنبي شريكان هامان في عملية النهوض هذه ، أن التجربة الحالية مع القطاع الخاص العراقي ليست مشرقة، وقد كان فاقدا للمبادرة ولم يستطع أن يؤدي دورا يذكر خلال السنين الماضية لكنه ليس مسؤولا عن هذه النتيجة.. فالمسؤولية الأساسية في ذلك تقع على الدولة التي لم توفر له البيئة المناسبة بسبب الفساد المستشري وانعدام الكفاءة لدى الأجهزة الرسمية وقصور النظرة حول دور القطاع الخاص وكذلك بسبب التشريعات واللوائح التي لم تخلق بيئة قانونية منظمة ومتطورة لعمل القطاع الخاص الذي اضطر أن يتعامل مع (غابة) من التشريعات التي يختلف اصحاب الشأن في تفسيرها... لم تتوفر خلال الفترة المنصرمة اية شروط لنجاح القطاع الخاص فلا نظام مصرفي ناجح ... ولا سوق مالي فاعل ... ولا دعم حكومي واع... وفتحت اسواق العراق ومنافذه للإستيراد بلا ظوابط ولا رقيب مما ادى إلى الإجهاز على ما تبقى من زراعة وصناعة محلية. إما الإستثمار الأجنبي فلا غنى عن مشاركته إن لم يكن بالتمويل ففي جانب تقديم الخبرة الفنية و التقنية المتطورة وقد لا يكون العراق بحاجة كبيرة للمال مع تعاظم عائداته النفطية و دخول القطاع الخاص العراقي كشريك فاعل في عملية التنمية و علينا أن نتذكر أن العراق ينزف من ثروته الوطنية و رأس ماله الثابت منذ عدة عقود و قد أشتد النزف في السنوات الأخيرة خصوصا بعد عام 2003 و ذلك بسبب رحيل و هجرة الثروة العراقية إلى الخارج من خلال التهريب أو غيره و كل أسبوع يبشرنا البنك المركزي العراقي أنه قام ببيع مائتا أو ثلاثمائة مليون دولار و بالطبع فأن جزءا لا يستهان به من هذه الأموال يذهب للتهريب و ليس لتمويل عمليات التجارة الخاصة و لذلك لن نفرح إذا جاءنا مستثمر خارجي بعشرة ملايين أو عشرين مليون دولار فيما تغادر الأموال العراقية موطنها بالمليارات كل سنة لتؤسس مشاريعا أو تشتري عقارات في دول الجوار أو بالمنافي البعيدة..!!فإذا استطعنا أن نجعل العراق موطن جذب للرساميل المحلية أو رساميل العراقيين المهاجرة إلى الخارج فربما نكون قد قطعنا الشوط الأهم على هذا الطريق.يجدر بنا التنبيه أنه من غير الإستقرار السياسي لا يمكن الشروع بعملية نهوض إقتصادي واسع النطاق كالتي نتحدث عنها، هكذا تعلمنا تجارب الدول و مع أن العلامة تبادلية بين التحسن الإقتصادي و الإستقرار السياسي فأي تقدم يحرز في احدهما ينعكس على الآخر إلا أن الشروع بالنهوض الإقتصادي يتطلب حد أدنى من الإستقرار للبدء و حيازة ثمرات تلك العملية.إمتلاك رؤية إستراتيجية واضحة الأساس عمادها عبارة (القطاعات الآنتاجية أولا)، حيث نجري عملية حساب اولويات داخل هذه القطاعات وتكون الأولوية ( للمشروع الذي يمتلك المزايا النسبية و القدرة على المنافسة) و ( الذي يولد أكبر عدد من فرص العمل) و ( الذي يخفف من الإستيراد الخارجي و الإرتهان للخارج في الغذاء و الحاجات الأساسية)و ( الذي يقلص إنكشاف الإقتصاد العراقي)..وبناء على هذه الرؤية سنكون بحاجة إلى بناء قلاع صناعية ..أو ربما مدينة صناعية في كل محافظة عراقية..و نسعى لإحياء كل كيلو متر مربع من الأرض العراقية و نمسح عن وجهه كآبة الملوحة و التصحر ..وإنشاء منظومات الري و البزل و التوسع في أساليب السقي و الحزن الحديثة للمياه للتغلب على أي نقص محتمل في إمدادات المياه و أية مواسم شحيحة المطر..وبالطبع هناك الكثير مما يمكن قوله عن هذه المشاريع في كافة المجالات و لكن ليس في هذا الموضع..

وبهذه الرؤية ايضا يصبح إدماج القطاع النفطي في الاقتصاد الوطني ضمن الأولويات الملحة ومن المؤسف أن مثل هذا الشعار لم يأخذ حقه من الإهتمام في العراق سواء لدى الإقتصاديين العراقيين أو ممن كتب في قضايا النفط رغم أنه ذات تأثير بالغ على مسيرة الإقتصاد المحلي ، أن مفهوم ( الإدماج) هذا يعني أن لا نقتصر على عملية بيع النفط و جني عائداته و إنما إقامة صناعة التكرير و صناعة البتروكيماويات و أن يقدم النفط و الغاز العراقي للصناعة و الزراعة العراقية و باقي الخدمات و الأنشطة بأسعار مدعومة و مخفضة بالفعل فلا يعقل أن تحصل المصانع العراقية على سعر للنفط أو الغاز أو مشتقاتها بسعر يزيد بخمس أو عشرة أضعاف مما تحصل عليه نظيراتها في إيران او السعودية أو الإمارات..أن معنى ذلك أننا نحكم على الصناعة و الزراعة العراقية بخسارة المنافسة مع دول الجوار و بالموت البطئ أو السريع..فالصناعة العراقية اقفلت أبوابها و سرحت عمالها و علا الصدأ ماكناتها القديمة و قل مثل ذلك عن الفلاح العراقي الذي بات في حال يرثى لها و هو يشاهد أرضه يضربها الجفاف و التملح و هو عاجز عن شراء الوقود و الأسمدة و المبيدات فيما منتجات دول الجوار تغمر الأسواق المحلية التي اعتاد أن يصرف بها بضاعته...الحجة التي تطرحها وزارة النفط في الإبقاء على أسعار عالية لمنتجاتها هو الخوف من التهريب و أن هذه التخفيضات يراد لها أن تغطي على فشل مؤسسات حكومية لم توفق في تحقيق مهامها بالأصل و تريد الوقود المخفض لكي تخفف من حجم خسائرها..هذه الحجج نراها مردودة ولا تصمد أمام النقاش فكيف يهرب الوقود صانع أو فلاح هو بأمس الحاجة لها لإستمرار نشاطه..؟؟،و إذا كانت هناك مؤسسات حكومية فاشلة و تعاني التعثر فهل نزيد فشلها برفع سعر الوقود و ما ذنب القطاع الخاص العراقي لكي يدفع هذه الفاتورة المرتفعة للوقود..؟؟علينا أن ننظر إلى ما تفعله دول الجوار المنتجة للنفط بهذا الشأن فهي قد أقامت قلاعا صناعية عملاقة للبتروكيماويات تدر عليها مليارات الدولارات و صارت مؤسسة سابك السعودية على سبيل المثال لا الحصر أكبر مؤسسة لصناعة البتروكيماويات في العالم و قد قاتلت الرياض قتالا مريرا مع منظمة التجارة الدولية التي اشترطت عليها أن تبيع النفط و الغاز لمؤسساتها الصناعية و منشئاتها البتروكيماوية بالأسعار العالمية و رفضت ذلك و كان لها ما أرادت إذ رضخت منظمة التجارة الدولية لمطالبها بهذه الشأن و حصل مثل هذا الأمر أو نحوه في إيران و الإمارات و مصر..إننا نؤكد و بصراحة أن لا فرصة لصناعة أو زراعة عراقية مزدهرة ما لم تحصل هذه القطاعات على وقود رخيص و ما لم ينتفع العراق بمزية إمتلاكه لهذه الثروة..فلا مزية نسبية لتلك الصناعة سوى حيازتها لوقود رخيص لأنها بالتأكيد لن تكون الأفضل تقنيا وهي لا تملك تقاليد صناعية عريقة ولا تضمن السوق الواسعة.لا يوجد بلد في العالم له هذه الدرجة الخطيرة من الإنكشاف الإقتصادي و تلك الدرجة من الإعتمادية على الغير، يستورد لقمة غذائه و كسوته و علبة دوائه من الجوار لا بل صار يستورد علب المياه المعبأة من صحراء الربع الخالي..!!، (صورة فاقعة) من الفشل الإقتصادي الواضح و السياسات الخائبة و السقيمة التي قادت إلى وضع كارثي ينبغي أن لا يستمر و عندما تستحصل المليارات الإضافية العائدة من بيع النفط خلال السنوات القادمة يجب أن تكون البوصلة مسددة بوضوح نحو بناء و تأهيل الصناعة و الزراعة في العراق و أن لا نسمع احاديث عن ( زيادة مفردات البطاقة التموينية و تحسن نوعيتها) و ( زيادة عدد المشمولين بالرعاية الإجتماعية).إن مشكلة السياسة الاقتصادية في العراق أن قراراتها يتم إتخاذها من قبل ساسة همهم الأول هو إكتساب الشعبية السريعة و تلبية بعض المطالب الفئوية و الإحتياجات الآنية، و ربما كان الأمر ليس مقتصرا على العراق في ذلك، و لكن الضرر من هذا الأمر يكتسب في العراق بعدا إضافيا بسبب الأوضاع المتردية للإقتصاد و لأن تلك الآعتبارات الظرفية والقصيرة المدى التي يراعيها الساسة و متخذي القرار تعيق بناء إستراتيجية رصينة و صائبة للإقتصاد فيما العراق هو بأشد الحاجة لها و صار ثمن التأخير في إعتمادها والسير الحثيث نحوها باهظ التكلفة.تفترض هذه الإستراتيجية المنشودة تقليص جدي لمخصصات البطاقة التموينية وصولا إلى إلغائها بالكامل خلال فترة وجيزة و كذلك مخصصات الرعاية الإجتماعية، فيما توضع خطة تفصيلية لتقليص العاملين في الدواوين الحكومية إلى الربع و الخمس من خلال نقل مهام الدولة إلى القطاع الخاص و شبه الحكومي، و من خلال إستيعاب العاملين في المشاريع الإنتاجية الجديدة و نقل عدد كبير منهم إلى سلك التعليم في المدارس الجديدة التي ستنشأ أو المنشأة أصلا...نحقق بهذه الخطوات اهدافا عديدة أولها خفض الإنفاق التشغيلي في الموازنة العامة و توفير الأموال للمشاريع الإنتاجية حيث أن معركة تقليص النفقات التشغيلية التي باتت تلتهم ما بين ثلثي إلى أربعة أخماس إيرادات العراق يمكن إعتبارها ( أم المعارك) في الإقتصاد العراقي، و هي مهمة عاجلة فتلك النفقات التشغيلية تتحول إلى بند الإستهلاك الذي يهاجر بدوره للخارج ولا يتم تدويره في الإقتصاد المحلي ليحرك الصناعة أو الزراعية أو قطاع الخدمات العراقي و ذلك لأن النفقات التشغيلية تؤول إلى الإستهلاك الذي ينصب بدوره على المستورد في غياب المنتج العراقي بصورة شبه تامة .أن مصير المليارات التي تدفع كرواتب أو مساعدات أو بطاقة تموينية هو ملابس صينية أو سورية رديئة الصنع و خضار و فواكه أردنية أو إيرانية أو تركية، و هكذا هو مآل مليارات النفط العراقية ولا شك أن إستمرار هذا الوضع المزري يعني إهدارا ما بعده إهدار للثروة الوطنية و إصرار على الإستمرار في منهجية خاطئة تحمل في طياتها أوخم العواقب.قد يرد سؤال أو إعتراض هنا حول هذه المقترحات وهو ..هل هذه الإستراتيجية التي نقترحها ..عدوة للفقراء و المحرومين في المجتمع..؟؟ ،هل يوجد من سياسي يستطيع أن يجازف بإعلان تقليص أو إلغاء البطاقة التموينية أو الإعانات الإجتماعية ..؟؟الجواب على ذلك هو أن هذه الإستراتيجية ليست عدوة للفقراء بل هي النصير الحقيقي لهم ..أنها الإستراتيجية التي تجعلهم منتجين ..و يدا عاملة في عجلة الإنتاج التي ستدور بقوة و تغنيهم عن دعم الدولة و مساعدتها ..أن السؤال الذي ينبغي طرحه بهذه الطريقة..هل الأولى أن تستمر الدولة بتقديم الدعم الغذائي و المالي للطبقات الضعيفة أم توجه الأموال لخلق فرص العمل في هيكل إنتاجي سليم و فاعل..؟؟ ، في الواقع أن هذا الذي نقترحه ينبغي أن يطرح في سلة واحدة (يد تأخذ و أخرى تعطي)، فالعطاء سيتجاوز ما سيتم أخذه ولا يمكن مقارنة فرصة عمل مستقرة و مجزية أو فرص عمل في الأسرة الواحدة مع سلة مساعدات غذائية باتت لا تصل في واقع الحال لتلك الأسرة أو بمبلغ بسيط من المال في شبكة الحماية الإجتماعية المحشوة بالأسماء الوهمية و ممارسات الفساد..!!لو أرادت الدولة اليوم الإيفاء بالمتطلبات الكاملة للبطاقة التموينية لأحتاجت إلى عشرة مليارات دولار على الأقل بالسنة بأسعار عام 2011 فكم ستكون الحاجة عام 2020 أو 2030 او 2040 مع اسعار غذاء أعلى و عدد سكان مضاعف، أعتقد أن عائدات النفط ستُلتهم كلها لإطعام شعب يجلس بلا عمل ولا إنتاج، ومع افتراض أننا سنستمر بسياسة البطاقة التموينية لعشر أعوام قادمة فإننا سننفق بحدود مائة و خمسين مليار دولار لتلبية إحتياجات السكان الغذائية و السؤال هنا ما الذي يمكننا عمله بهذا المبلغ..؟؟. نستطيع إنشاء عشر مدن صناعية ننثرها في محافظات العراق المحرومة و معها ننفذ سد ( بخمة) مفتاح الأمن المائي و الكهربائي للعراق، و نستطيع إستصلاح ملايين الأفدنة و بناء منظومات الري و حل مشكلة الكهرباء جذريا و إضافة طاقات جديدة لمنظومته وهكذا...و قل مثل ذلك على الإنتفاع من ملايين ومليارات تخصص اليوم لبرنامج الرعاية الإجتماعية سيء الصيت..!! إن مهمة السياسي الصالح أن يرتقي بوعي الجمهور لا أن يسايره، و مهمة الكتل السياسية هي التوعية و رفع مستوى الإدراك العام للقضايا الوطنية و ليس مجاملة الناس بدعم وترويج منهجية وخيمة العواقب و كسب رضا العامة بالسياسات الخاطئة، و ليست مهمة الإقتصادي أو المخطط أن يعطي إنسانا مصابا بمرض عضال قرصا من المسكن فيما الحاجة هي إلى مبضع الجراح.طبعا تبقى على الدوام فئات محرومة من العجزة و الأرامل و اليتامى و الذين لا معيل لهم و غيرهم من غير القادرين على العمل، هؤلاء لابد من شمولهم ببرنامج للدعم قد يكون من خلال برنامج وطني للضمان الإجتماعي يدمج في الإقتصاد الكلي و تدار أمواله بطريقة إستثمارية .أن من ينفذ إستراتيجة كهذه فأنه يكون في سباق حقيقي مع الزمن لكنه من جانب آخر بحاجة لرصد أية تأثيرات سلبية قد تترافق مع مثل هذا البرنامج ومن ثم استيعابها، وبالتأكيد سيكون هناك قدر من الفوضى الإقتصادية و الإدارية و لكن ذلك يعد أمرا طبيعيا في أية خطة للإصلاح الإقتصادي وسيكون أمرا مؤقتا و ستُغمر سلبيات مثل هذه الاستراتيجية في الثمرات الطيبة التي ستؤول لها النتائج و التي يمكن أن تظهر في أمد زمني قصير أو متوسط.من المؤسف إن كل الموازنات العراقية منذ عام 2003 ولحد الان (وبالطبع السنوات التي سبقتها) لم يكن لها أي توجه تنموي واضح و محدد المسار ، لقد كانت البوصلة فيها تائهة و مفردة الإستراتيجية غائبة عنها تماما ، فالتخصيصات الإستثمارية هي رقم متواضع يقبع في الميزانية على إستحياء حتى لو بلغت نسبتها الـ 20 أو الـ 30 بالمائة، في حين أن الاحتياجات الإستثمارية هي أضعاف هذه الأرقام، و بدون أية مبالغة ( و على سبيل المثال ) لا الحصر فأن التخصيصات الإستثمارية بمجملها بالكاد تكفي تنفيذ مشروع عملاق لوحده أو سد إحتياجات وزارة واحدة كالكهرباء أو الصحة أو النفط لو ارادت أن تصل إلى المستوى اللائق المقبول ( مقارنة بدول الجوار ولا نقول مقارنة بالدول المتقدمة ) ، و السؤال الذي ينبغي طرحه هنا إذا كان الأمر على هذا المنوال فكيف يمكن للعراق النهوض مجددا و بناء القاعدة الإنتاجية كما ندعوا و نطالب أو الإرتقاء بمستوى الخدمات و تخفيف معاناة مواطنيه..؟؟.في الواقع يوجد سيناريوهين للخروج من هذه ( الحلقة المفرغة ) ...الأول هو حصول طفرة كبيرة في العائدات النفطية، و الثاني يتمثل في تدفق كبير للإستثمارات الأجنبية و المحلية و نجاح الحكومة في عقد شراكات و صيغ عمل متطورة مع رأس المال الخارجي و الوطني ، هذا السيناريو الثاني دونه ( خرط القتاد ) كما يقولون رغم أننا يجب إلا نزهد به و نستبعده، لكن المشهد الحالي بتفاصيله المعروفة لا يدفع إلى القناعة بأمكانية النجاح في تحقيق ذلك في المدى الزمني القريب على الأقل، فيما السيناريو الأول ( طفرة العائدات النفطية) يبدو قريب المنال خصوصا بعد جولات التراخيص و وعد وزارة النفط ببلوغ الإنتاج النفطي ( 12) مليون برميل في اليوم خلال الستة أو السبع سنوات القادمة مما يعني توفر ( عائدات فلكية) للعراق و من هنا جاءت ضرورة إغتنام الفرصة و الإمساك بها بقوة و الحرص على عدم إضاعتها أو التفريط بها ، لأنه إذا استمرت سياسات الإنفاق الراهنة و توجهات الميزانية العامة الحالية (فقل على الدنيا السلام) و يكون العراق بذلك أضاع فرصة تاريخية قد لا تتكرر و أهدر سانحة من السوانح و هبها الله اياها لإنقاذ شعبه من المعاناة التي يعيشها و رفع مستوى معيشة مواطنيه و العراق المرتبة التي تليق به و بتاريخه و حضارته ، ان هذه العائدات الإضافية يمكن أن تتبدد ولا يظهر لها أي أثر إذا بقى الإنفاق الحكومي في توجهاته الحالية و استمرت مستويات الفساد الراهنة أو أطاح عدم الإستقرار السياسي بالقرار الإقتصادي أو إذا تدخلت دول الجوار الإقليمي التي صار لها وزن و تأثير في ذلك القرار لتحرفه حتى لا يهدد مصالحها بعد أن أصبح العراق سوقا رائجة لبضائعها و صناعاتها ، و هنالك اليوم الكثير من الشواهد على ضغوط تمارسها تلك الدول على القرار الإقتصادي للعراق و بالضد من مصالحه الوطنية لكي لا تؤثر تلك القرارات على مصالحها و لعل موقف بعض القوى السياسية من ميناء مبارك الكويتي الذي سيلحق الضرر بالموانئ العراقية و الضغوط التي مورست على العراق لتأجيل العمل بقانون التعرفة الجمركية و كذلك للتخفيف من ضوابط التقيسس و السيطرة النوعية التي فرضتها وزارة التخطيط خير شواهد على ذلك.اليوم و عندما تعلن الدولة موازنتها العامة لعام 2011 و بتخصيصات توصف بأنها الأضخم في تاريخ العراق و بأنها ( أرقام إنفجارية)فأن الأمر لا يبعث على السعادة ابداً ، فالعبرة ليست بأرقام الميزانية و إنما بتوجهاتها و ما تخلقه من تنمية حقيقية في البلد و ما تعبر عنه من رؤية سليمة في بناء الإقتصاد و هي أمور مفقودة كلها في هذه الميزانية و ما سبقها من ميزانيات ، فإذا تضخمت الأرقام فهذا مؤشر على زيادة عائدات النفط و التضخم العالمي الذي يدفع الأرقام دائما إلى أعلى كما هو معلوم و لذلك نحن نسمع مصطلح ( الميزانية الأضخم في تاريخ العراق) يتكرر كل عام و هو أمر إعتيادي ولا إنجاز باهر في الأمر ..!!، و عندما تتضخم أرقام الموازنة التشغيلية فأن ذلك يكون عيبا و نقيصة لان هذه المليارات ستضيع دونما عائد أو مردود على الإقتصاد الوطني.عندما نتناول البعد الثالث من ثلاثية ( الأرض ، النفط ، الإنسان ) في العراق و بعد أن تحدثنا عن ضرورة إدماج القطاع النفطي بالإقتصاد العراقي و أن تنتفع الصناعة و الزراعة و باقي الأنشطة من وجود النفط بالعراق لابد أن نتناول هذا البعد من ثلاثة جوانب ( النفط كضمانة و أساس لوحدة الكيان العراقي ، مستقبل النفط كسلعة في السوق العالمية ، صناعة النفط الوطنية من خلال جولات التراخيص التي قامت بها وزارة النفط)، و فيما يتعلق بالجدال المحتدم منذ عدة سنوات حول حدود و صلاحية المركز أو الإقليم و من له حق إبرام العقود و إدارة القطاع النفطي فأود أن أشير إلى أنني لا أرغب أن انكأ الجروح و أن أساهم بتوسيع دائرة الخلاف الذي يبرز حاليا بالنسبة لهذا الموضوع، و لكنني ارى من الواجب الوطني التأكيد على أن أي تهاون أو شرخ في ( مركزية) القرار النفطي سواء ما يتعلق منه بإبرام العقود أو إدارة هذا القطاع و جني عائداته سوف يعني تفكك الدولة العراقية في آخر المطاف و أن ( لا مركزية) القرار النفطي هي الطريق المضمون نحو ( الصوملة) و إذا كانت الدولة العراقية قد تهاونت و لم تحسم أمرها تجاه هذا الموضوع مجاملة لبعض الأطراف و لحسابات سياسية فأن هذا الأمر لا ينبغي إستمراره أبدا لما فيه من الخطر على وحدة الدولة و المجتمع في العراق ، و إذا كان هناك قدر من الغموض في الدستور العراقي فيما يتعلق بهذا الموضوع فأن هذا الغموض يجب أن يفسر طبقا للمصالح الوطنية العليا ، أنني اتساءل لماذا يكون الحق لإقليم كوردستان في إبرام عقودها و الإحتفاظ بعائدات النفط ولا يكون للبصرة مثلا التي تنتج ما يقارب الـ 60 بالمائة من نفط العراق ..؟؟، و بأي منطق سنرفض مطالبة البصرة و الأنبار أو العمارة بمثل هذه الحقوق إذا سمحنا لأقليم كوردستان بفعل ذلك..؟؟، و إذا كان رأي الأخوة في الإقليم أنه لا مانع لديهم من أن تتمتع كل محافظات العراق و اقاليمه بمثل هذا الحق فأنه ينبغي التساؤل ..و ماذا بقى للعراق كدولة موحدة إذن..و ماذا سيبقى لموازنته العامة ..؟؟ و كيف يمكن عندها للأخوة في إقليم كوردستان المطالبة بنسبة الـ 17 بالمائة كاملة غير منقوصة ..؟؟.في واقع الحال فأنه لا يمكن مع إستمرار الوضع الحالي منع أي محافظة أو إقليم عراقي منتج للنفط من المطالبة بأحتذاء النموذج الكردي و هنا مكمن الخطورة وقد رأينا شيئا من هذه المطالبة عندما أرتفعت الأصوات في الأنبار و البصرة قبل بضعة أسابيع تطالب بأقليم تحتفظ بحصصها من النفط و الغاز المنتج في أراضيها..!! و في الحقيقة فأن شعار ( الشراكة في القرار النفطي) هو شعار عادل و صائب تماما ، و لكن علينا أن نحدد أي شراكة..؟؟ و بأية صيغة ..؟؟الشراكة التي نريدها و نعنيها هنا هي شراكة الخبراء و المختصين في القطاع النفطي و الاقتصادي ممن يمكن أن يكون لرأيهم الفني وزن و تأثير ، هنا نريد أن يكون العراق كله حاضرا و أن توسع دائرة الشراكة لأن هذه الثروة ملك لكل العراقيين و لهذا كان لزاما أن تكون كل خبرات العراقيين و كفاءاتهم حاضرة ولا نريد ( شراكة السياسيين) أو من يأتون ( ممثلين لطوائفهم و قومياتهم أو لمحافظاتهم أو لكتلهم السياسية) ...أن كان للسياسيين دور هنا فهو الرقابة على القاعدة الوطنية الحاكمة من ( أن النفط هو ملك لكل الشعب العراقي في جميع المحافظات و الإقاليم) أو التأكد من حسن تنفيذ ( مبدأ إستغلال الثروة النفطية لأجل رخاء المواطن العراقي)، هذا هو دور الساسة و بأمكانهم أن يؤدوه في البرلمان أو في أي منبر سياسي آخر و بالتأكيد فأن القرار النفطي هو أكبر من إجتهادات دولة رئيس الوزراء نوري المالكي أو نائبه حسين الشهرستاني أو كتلة دولة القانون أو أي فرد آخر لأنه قرار وطني عام يخص الشعب العراقي كله و لأنه قرار يعتمد على المعايير الفنية ولا يحق لأي أحد أن يستخدمه في المزايدات السياسية. أن منح القرار النفطي ( سواء أكان إبرام العقود أو متعلقا بأدارة هذه الثروة أو التحكم بعائداتها ) للسياسيين يعني إصابته بالشلل و جعله مادة للصراع السياسي و التجاذبات و هو آخر ما يحتاجه القرار النفطي الذي هو بطبيعته يستلزم الحسم و السرعة و الإنسيابية و التعاطي اليومي شأنه شأن أي قرار تنفيذي تحكمه المعايير الفنية، و من المستغرب أن نسمع بأن هناك ( نسخة معدلة من قانون النفط) يدافع عنها البرلمان تجعل القرار النفطي بيد مجلس النواب و لجنة النفط و الطاقة فيه و هذا أمر مرفوض لأنه سيصيب القطاع النفطي بالشلل التام و يحيل عملا تنفيذيا محضا للبرلمان الذي دوره رقابي بالأساس ولا نجد نظيرا لمثل هذه الصيغة في أي بلد منتج للنفط بالعالم .. وإذا قبلنا بمثل هذه الصيغة فأننا نحكم على القطاع النفطي بالخضوع للخلافات السياسية و سوف نجد مع كل عقد نفطي يوقع معركة داخل البرلمان و ربما إنسحابات من القاعة و تلاسن كلامي أو إشتباكات بالكراسي و تكون النتيجة تعطل كامل لهذا المرفق الذي يعتاش منه العراقيون و الذي بات اليوم يشكل الأمل و الخلاص للخروج من ( عنق الزجاجة ) الذي يعلق به الإقتصاد العراقي .أذكر أننا في عام 2007 كنا نناقش النسخة الأصلية من قانون النفط في منزل السيد نائب رئيس الوزراء آنذاك الدكتور برهم صالح و عندما وصلنا إلى تركيبة المجلس الإتحادي للنفط و الغاز اقترحت أن تضاف عبارة ( أن يكون المجلس ممثلا لكل مكونات الشعب العراقي ...!!) و أثار طلبي بعض الإستغراب من بعض الحضور و كان ذلك مبررا عندي فما كنت أفكر فيه يختلف عما خالج بعض زملائي من مشاعر ، كنت أريد أن يكون ( الخبراء) من كل الطيف العراقي حاضرون في قرار وطني كهذا بصفتهم خبراء لا بصفة أخرى و أن يدلوا برأيهم الفني لا سواه أي لا يتحدث أي منهم بلسان طائفته و قوميته و كانت مخاوف بعض الحضور من أن يكون ذلك طريقا للمحاصصة، و المفارقة أني وجدت بعد ذلك نداءا لعدد من خبراء النفط من كل مكونات الشعب العراقي يطالبون بألغاء هذه الجملة لكي لا تكون مدخلا للمحاصصة و احترمت رأي هؤلاء الخبراء و أكبرته رغم أن ما قصدته كان يختلف كليا عما توجسوا منه.عندما نقرأ التقارير و المقالات التي تتناول الأوضاع العراقية أو تتناولها بالتحليل نجد أن ثروة النفط توصف بأنها ( المادة اللاصقة أو الصمغ) الذي يبقي الكيان العراقي متماسكا ، و نجد مثل هذا التشبيه في الدراسات الأمريكية على وجه الخصوص و أعتقد أن ذلك يحتوي على قدر كبير من المصداقية ، ففي ظل تراجع المشاعر الوطنية و ضعف الإنشداد إلى الهوية العراقية فأن المصالح تلعب دورها بلا شك ، و بالتأكيد سيتساءل أبن كوردستان إذا ما فكر بالإنعزال عن الكيان العراقي من أين سأحصل على نسبة الـ 17 بالمائة ..؟؟ و مثل هذا التساؤل قد يطرح في الأنبار أو نينوى أو كربلاء، ولا اعتقد أن في ذلك عيبا أو نقيصة فالمصالح الإقتصادية في عالم اليوم أصل معترف به و عليها تقوم كيانات العديد من الدول المستقرة و كذلك التكتلات و التجمعات الإقتصادية المزدهرة.لقد أدت التجاذبات السياسية و تضارب المصالح و بشكل خاص بين الحكومة المركزية و إقليم كوردستان إلى تأخير إقرار قانون النفط الذي أعدت نسخته الأولى عام 2007 ، ولا شك أن هذا التأخير لا يعد مقبولا ولا مبررا في بلد يشكل النفط و عائداته ما يوازي 95 بالمائة من موارد الخزانة العامة و بالتأكيد فأن هذه التجاذبات أدت إلى عزوف العديد من الشركات للقدوم للعراق و ترددها في إبرام العقود معه و في هذا خسارة كبيرة للبلد ،و اليوم عندما يبرز الخلاف مرة أخرى بين الحكومة المركزية و إقليم كوردستان لابد من التأكيد (و بغض النظر عن أية إعتبارات سياسية) فأن الخسارة الوطنية ستكون فادحة مع أي تأخير إضافي و مع أي صيغة تعتمد لا تحسم الجدال حول تكريس مركزية القرار النفطي و بشكل قاطع.إن مستقبل النفط كسلعة تشتد الحاجة إليها سيبقى مرهونا بعدة عوامل على المدى البعيد أولها نجاح أو فشل التجارب العلمية في تطوير بدائل للنفط من أجل توليد الطاقة ، و ينبغي هنا أن نشير إلى بعض الحقائق الأساسية المتعلقة بالموضوع أولها أن الجهود الدولية التي أنصبت حول البدائل و الأموال الطائلة التي انفقت لم تحقق أية نجاح لحد الان و ما زال الوقود الأحفوري هو الأرخص والاكثر عملية من كل البدائل، هذا على الصعيد الإقتصادي أما على الصعيد البيئي فالإتجاه متزايد لإعتماد البدائل الآمنة و مصادر الطاقة النظيفة لكن هذا لا زال مقتصرا على البلدان الغنية إلى حد كبير ، أما الطاقة النووية و التي طالما نُظر إليها على أنها البديل المناسب في العديد من الدول فأن حوادث التسرب النووي في بعض المفاعلات و كذلك الزالزل الذي حدث في اليابان و أصاب مفاعل فوكوشيما أدى إلى تعاظم الوعي حول مخاطر المحطات النووية و عزوف كثير من الدول عن مشاريعها بهذا الخصوص .أن إستقراء التاريخ البشري يثبت لنا أن ما من سلعة أو معدن كان له السيادة على التجارة الدولية أو مسيرة الحضارة الإنسانية إلى ما لا نهاية و هذا بالتأكيد سيشمل النفط في زمن سيحل قريبا أو بعيدا هذا من جهة ،و من جهة أخرى و رغم النجاحات في الإستكشافات الحديثة للثروة النفطية فأنها تبدو ابطأ مما كان عليه الأمر قبل عقد أو عقدين من الزمن و هذا يؤكد حقيقة أن النفط سلعة ناضبة طال الزمن أو قصر، وهذا ما ينبغي أن يكون نصب أعين المخططين و اصحاب القرار في العراق فغدا أو بعد الغد ستذبل أثداء النفط عن العطاء و سنصبح في مواجهة حقائق المياه المنحسرة و الانفجار السكاني و الأرض المتصحرة ما لم نستثمر سنوات عطاء النفط و نصنع منها حقائق جديدة على الأرض العراقية وقبل أن تحل سنوات جذب النفط و إنقطاع عطائه.إن الإرتهان لسعر النفط وتقلباته يجعل الإقتصاد العراقي في حالة إنكشاف دائم ، ولا زلت أذكر تجربة العامين 2008 - 2009 في الحكومة العراقية عندما وصل سعر برميل النفط إلى 140 دولارا، وكنا يومها في (بحبوحة) وظننا أن هذا (الربيع) سوف يطول، وما هي سوى أشهر حتى هوى السعر لنقوم ببيع برميل النفط العراقي بأقل من 35 دولارا في بعض الأيام مما أوقعنا في ورطة حقيقية، وبدا وكأن الدولة على شفير الإفلاس، وجاءت بعض التحذيرات بأن الدولة قد لا تستطيع تأمين رواتب موظفيها لو استمرت الأسعار بتلك المستويات لأشهر إضافية.لقد كانت تجربة الحصار الإقتصادي الذي تعرض له العراق في حقبة التسعينيات من القرن الماضي غنية (بالدروس الإستراتيجية) التي لم يلتفت إليها الكثيرين، فعندما حرم العراق من تصدير نفطه لم تكن له أية بدائل تمكنه من التعويض والوقوف على قدميه فإضطر للركوع أمام الإرادات الدولية الغاشمة، والقبول بكل ما يصدر عنها من إملاءات وقرارات ظالمة...إن جميع الدول الإقليمية المنتجة للنفط تسعى بشكل جدي وبمختلف الطرق لتقليص اعتمادها على النفط وتصغير نسبته في ناتجها القومي، وهي تفاخر كل عام بما أنجزته في هذا الجانب كما تضع خططا استراتيجية بعيدة المدى لتحقيق هذا الهدف وبعض هذه الدول لا تملك البدائل التي يمتلكها العراق ، ولا تحوز على فرصة التنوع الإقتصادي الذي يحوزه العراق، إن تجارب إيران ودبي والسعودية رائدة على هذا الطريق، وأنه من المؤسف أن يكون العراق هو الإستثناء الوحيد بين هذه الدول ، فهو لا يملك أية خطط واضحة لتقليل إعتماده على النفط ، وإيراداته تصعد وتنزل مع عائدات النفط كل عام،ومعها تتحرك قدرة الدولة العراقية ومستوى معيشة المواطن.هناك جدل يثور في كثير من الدول حول جدوى إنتاج النفط وتحزينه في باطن الإرض والإقتصار على نسبة محددة من الإنتاج، وذلك حفظا لحق الأجيال القادمة في هذه الثروة الناضبة، وهناك جدالات أخرى في بعض الدول حول القدرة الإستيعابية لإقتصاداتها للإفادة من عائدات النفط، وربط حجم الإنتاج من أراضيها بتلك القدرة، إن بعض الدول تنشئ (صناديق سيادية) للمستقبل لكي تستفيد منها الأجيال المقبلة فيما دول أخرى لا تحرص على (أعلى مستوى ممكن من الإنتاج) إحتفاظا بالثروة في باطن الأرض، ولمحدودية حجم الإقتصاد الوطني فيها، إن التجربة النرويجية تعد رائدة في هذا المجال حيث يتم الإحتفاظ بالثروة للمستقبل والمفارقة أن الذي أطلق هذه التجربة خبير عراقي هاجر لتلك الدولة في الستينيات من القرن الماضي، وكان من الرواد الأوائل الذين شادوا صناعة النفط ووجهوا النرويج للإفادة من ثروتها النفطية لصالح الأجيال القادمة ، فاروق القاسم المهندس البصري الذي وصفه أحد مسؤولي شركة (شتات أويل) النفطية النرويجية (ويلي أولسن) لصحيفة الفايننشال تايمز بـ"هو على الأرجح أعظم خالق قيمة شهدته النرويج" ، هو ذاته يؤكد بأن التجربة النرويجية لا تصلح لغيرها من الدول وأن لكل دولة ظروفها وحساباتها.نحن في العراق لا نستطيع أن نكون خارج هذه الجدالات التي لابد منها لكل بلد نفطي، وأول ما يجدر الإشارة إليه في هذا المجال أن العراق لا يملك خيارا سوى إنتاج أكبر كمية من النفط ، والإفادة من كل دولار من عائداته النفطية اليوم قبل الغد لأن بنيته التحتية في حالة يرثى لها والقاعدة الإنتاجية فيه مدمرة ومعطلة.والعراق عندما يعتمد خيار الإنتاج الأكبر لا يقرر إيثار هذا الجيل على الأجيال القادمة ولكنه يبني قاعدة إنتاجية لتلك الأجيال، ويضع ركائز الإنطلاق الإقتصادي للمستقبل، ومن هنا يأتي تشديدنا على ضرورة إتباع الإستراتيجية الأفضل في استثمار عائدات النفط من خلال التركيز على بناء وإعادة تأهيل القطاعات الإنتاجية وبهذه الإستراتيجية وبشرط اعتمادها فقط تصبح منهجية (إنتاج أكبر كمية من النفط) المنهجية الأصوب للعراق والإ فلا ...، فإذا استمرت توجهات الإنفاق الحالية في العراق ، وبقى الإقتصاد العراقي تائها بلا بوصلة فإن منهجية (الإنتاج الأكبر والعائد الأعلى) تفقد جدواها وتصبح على العكس من ذلك صورة من صور هدر وتبديد الثروة الوطنية.إن العراق ليس كأبوظبي أو قطر التي تملك بنية تحتية ممتازة واستنفذت فرص النماء في اقتصادها الوطني والتي لا يتجاوز عدد مواطنيها نصف مليون أو ربع مليون من المواطنين، وهو كذلك ليس السعودية التي لا تقارن بنيتها التحتية بالعراق والتي أنشأت قطاعا صناعيا مزدهرا ، بالتأكيد فإن العراق لا يمكن مقارنته بالنرويج ذلك البلد الأوربي المتطور والمحدود السكان الذي حمل له فاروق القاسم فكرة (صندوق الأجيال) ، هذه الدولة التي أنشأت صناديق سيادية تحفظ حق أجيالها القادمة في هذه الثروة، لا يمكن للعراق أن يحذو حذوها لأنه يعيش واقعا مختلفا ولأن مواطنه بات اليوم في حال لا يجوز استمرارها، ولأن مصادر الإنتاج والمستقبل فيه معطلة بصورة شبه تامة وهذا يعني أن حرمان العراقي المعاصر سينتقل إلى أبناءه وأحفاده بصورة أقسى إذا لم نتدارك الأمر ونبادر بإستثمار الثروة النفطية بالصورة السليمة ومن خلال منظور مستقبلي صرف...!!في الواقع العراق اليوم ليس لديه أية فوائض يمكن له أن يودعها في صندوق للمستقبل لأن الإحتياجات الراهنة كثيرة جدا، وأعظم من أي دخل يأتيه ولأنه إن لم يفعل ذلك اليوم فإن الفاتورة ستكون عليه أكبر في المستقبل وقد لا يمتلك عندها أية موارد لتغطية إحتياجاته التي ستتعاظم أو مواجهة مشكلاته التي ستتفاقم.غالبا ما يردد المختصون بصناعة النفط العراقي الرأي الذي مفاده أن العراق هو صاحب الإحتياطي النفطي الأول في العالم وليس المملكة العربية السعودية، وأن أخر برميل ينتج في العالم سيكون عراقيا، ولا تبدو مثل هذه الأراء وليدة المشاعر الوطنية فقط ولكن لها الكثير من المعطيات الواقعية التي تستند إليها والتي يعرفها اولئك الخبراء والمختصون والمستمدة من التاريخ الجيولوجي للأرض العراقية وطبيعة طبقاتها وتراكيبها ، كما أن نسبة المستكشف من الأرض العراقية والذي خضع لعمليات استكشاف علمية وجدية محدود للغاية ، ولا زالت المساحات الأوسع لم تطالها يد الإسكتشاف والتطوير وحيثما نقبت في الأرض العراقية وجدت مخزونات وبحار من النفط تموج بها قيعان العراق، ولا يتردد العديد من خبراء النفط العراقيين في وضع الرقم 300 مليار برميل لإحتياطي النفط العراقي فيما تضعه الأرقام الرسمية عند 140 مليار برميل غير أنه يجدر الإنتباه هنا إلى حقيقة فنية بالغة الأهمية فهذا الإحتياطي محسوب على أساس (نسب استخلاص) واطئة تبلغ 20 أو 30 بالمائة (نسبة ألإستخلاص في حقول كركوك تبلغ تسعة بالمائة) في حين أن الأساليب البدائية لا تستطيع إنتاج أكثر من 20 إلى 25 بالمائة من النفط المستكشف، فإن الأساليب المتطورة وهو ما نفترض أن الشركات العالمية التي فازت بجولات التراخيص ستقوم به، من الممكن أن تصل بنسب الإستخلاص إلى أكثر من 50 بالمائة من النفط الموجود بالمكمن، وتتركز الدراسات الحديثة من أجل الوصول إلى نسب استخلاص تصل إلى 70 بالمائة أو أكثر، وهذا يعني أن الإحتياطي المحسوب على نسبة أستخلاص 25 بالمائة سيتضاعف ثلاثة مرات، أو أنه سيكون 280 مليار برميل (بناء على افتراض نسبة أستخلاص تبلغ خمسين بالمائة).أن هذا التطور في نسب الإستخلاص (يحتاج إلى دراسات بالغة التعقيد وتختلف من مكمن نفطي إلى أخر). حيث كان الحصول على التقنيات المتطورة (بالإضافة إلى التمويل) العاملين الرئيسيين اللذين حدا بمتخذ القرار في العراق إلى اللجوء إلى الشركات الأجنبية والقيام بجولات التراخيص، وإن افتراض استخدام التقنيات الحديثة المتطورة والحصول على نسب إستخلاص مرتفعة سيؤدي إلى مضاعفة الإحتياطي النفطي حتى من دون القيام بعمليات الإستكشاف الجديدة وهو أمر جدير بالإهتمام البالغ، إن أستخدام هذه التقنيات لا يتطلب مضاعفة كلف الإنتاج كما قد يتصور البعض بل يمكن بزيادة لا تربو على عشرة أو عشرين سنتا للبرميل الواحد مضاعفة حجم الإحتياطي وهو أمر مثير للغاية، غير أنه لا يمكن ضمانه إلا بإستخدام التقنيات الحديثة في الإنتاج.إن مسألة حجم الإحتياطي النفطي وزيادة نسب الإستخلاص (بحيث نحصل على أكبر كمية من الإنتاج النفطي في المكمن الواحد) تجرنا إلى مسألة فنية أخرى ذات علاقة وثيقة بالموضوع، وبمستقبل ثروة النفط العراقية، وهو موضوع شيخوخة الأبار أو أستنزاف الحقول أو بتعبير فني أخر (سرعة تهاوي الإنتاج) إذ أن الموضوع بالغ التعقيد من الناحية الفنية ويجب التعاطي معه بحذر، لقد ركزت عقود الخدمات التي أبرمتها وزارة النفط مع الشركات الأجنبية على بلوغ مستويات انتاج معينة، ولتوضيح الأمر نشير إلى أنه حتى يبدأ الحقل بالإنتاج يحدد القائمون عليه أفضل الأساليب الواجب إتباعها لإسترداد أكبر كمية ممكنة من الإحتياطيات وتحديد مسار الوصول إلى ذروة الإنتاج ، والعمل على إدامته لأطول فترة ممكنة ومن ثم المحافظة على نسبة تهاوي واطئة من الإنتاج مع العلم أن الصناعة النفطية كانت دائما متعايشة وموفقة في هذا التحدي...مصدر القلق لدينا أن الشركات بحكم اهتمامها بمصالحها وتعظيم أرباحها بالدرجة الأساس وبحكم تفوقها الفني الكبير على شركائها العراقيين ربما تحرص على تحقيق أفضل النتائج خلال فترة نفاذ العقود وخلال السنوات التي حددت لها لزيادة الإنتاج وبلوغه أرقاما معينة غير مكترثة لحالة الأبار والإحتياطيات التي تختزنها بعد تلك الفترة مما يعرض العراق لخسارة أجزاء هامة من احتياطياته ويقود إلى تهاوي الإنتاج وشحة الأبار في فترة لاحقة، إن هذا المحذور يجب التعامل معه بجدية ولا يمكن ذلك إلا من خلال فاعلية وكفاءة المجاميع الفنية العراقية التي ستعمل مع الشركات لتتأكد من سلامة أوضاع الأبار ومستقبل الإنتاج النفطي بعد انتهاء مدة التعاقد مع الشركات.يمكن النظر إلى عقود الخدمات التي أبرمتها وزارة النفط من خلال جولات التراخيص المتعددة التي أجرتها على أنها من أفضل الإنجازات التي حققتها الوزارة والوزير وهو مما يسجل لصالحهم بالتأكيد ، غير أنه ينبغي الإنتباه بأن الخطوات اللاحقة هي الأهم وأن الكثير يتوقف على التفاصيل قبل إعطاء أي حكم نهائي على نجاح تلك العقود في تحقيق الأهداف الوطنية المنشودة في قطاع النفط ، وأنه إذا كان (عقد الخدمات) هو الأفضل من الناحية النظرية وأكثرها ملائمة للظروف العراقية فإن مزايا هذا العقد قد يطاح بها وتتحول إلى مثالب إذا لم ينهض الكادر العراقي المنوط به مهام الإدارة والمتابعة والرقابة بواجبه على النحو الأفضل أو إذا أتسم أداؤه بعدم الكفاءة أو الأمانة، ومن المؤسف أن نجد بعض التلكؤ من وزارة النفط في إعداد الكوادر العراقية لهذه الأدوار في الوقت الذي بدأت فيه الشركات الأجنبية عمليات التطوير للحقول حيث يتوقع أن يتم صرف حوالي 60 بالمائة من الكلف الإجمالية للتطوير والتي قد تصل إلى مئتي مليار دولار خلال الفترة الأولى من عمليات التطوير هذه ، وإذا لم يقم الكادر العراقي بأدواره المفترضة العديدة والمسندة إليه بموجب نصوص العقود فإن إحتمال الهدر والفساد في هذه المبالغ قد يكون واردا ، إن هناك الكثير مما يطلب انجازه من الشريك العراقي خصوصا في عمليات الرقابة المكمنية والدراسات الدورية على المكمن النفطي فيما يبدو هذا الشريك غائبا ومغيبا في الوقت الحاضر مما سيترك أثارا سلبية على انتفاع العراق بهذه العقود وحقوق الجانب العراقي فيها ، كما لا يلاحظ دورا واضحا للقطاع الخاص النفطي العراقي في العديد من مراحل العمل بينما يستعان بالخبراء الأجانب التي تصل رواتب بعضهم إلى ربع مليون دولار في الشهر الواحد ، ويتم احتساب ذلك كله في (كلف الإنتاج) والتي هي اصلا بحاجة إلى رقابة وتدقيق صارمين من الطرف العراقي.لقد حددت وزارة النفط العراقية الرقم (12) مليون برميل كهدف للإنتاج يتم بلوغه خلال الست أو السبع سنوات القادمة، وبينما تؤكد الوزارة أن تحقيق ذلك ممكن ، تشير دراسات فنية غربية مستقلة لإستحالة تحقيق هذا الهدف وتستند إلى عدم إكتمال البنية التحتية اللأزمة من خزانات وأنابيب نقل ومرافئ تصدير وغيرها، ومن المؤسف أن التقارير الأولية تدعم رأي الخبراء الغربيين لحد ما خصوصا مع بروز بعض الأشكاليات في تصدير النفط العراقي من الجنوب بسبب عدم وجود طاقات خزنية تعوض القدرة على التصدير في حالة تصدع رصيف من أرصفة الشحن أو إذا ما ساءت الأحوال الجوية وهكذا لبقية العناصر المرتبطة بالبنية التحتية وأيا ما يكن الأمر فإنه حتى مع تباين ارقام الإنتاج الذي سيتحقق بالفعل خلال الأعوام القادمة مع تقديرات وزارة النفط بنسبة بسيطة أو كبيرة فإن العراق سيشهد طفرة في عائداته نتيجة الزيادة الحاصلة في إنتاج النفط.ثروة الغاز هي الأخرى تحمل أفقا مشرقا للعراقيين ليس بما تحققه من عائد نقدي فقط ، ولكن بالفرص التي توفرها لتوليد الطاقة الكهربائية وتعزيز الصناعة العراقية من خلال استخدام الغاز ك(لقيم) لها، وكما دعونا إلى إدماج القطاع النفطي في الإقتصاد الوطني فإننا ندعو للشيئ ذاته بالنسبة لثروة الغاز وبقوة أكبر لما لهذه الثروة من خصوصية بسبب الإستخدام الواسع لها في الصناعة ومحطات الكهرباء.إن إستهلاك العالم من الغاز يتصاعد بشكل سريع وهناك تقديرات بأن سوق الغاز العالمية على وشك الخروج من حالة الإستقرار النسبي خلال فترة لا تزيد على الخمس سنوات أي أن فائض الإنتاج الغازي عالميا يقترب من النفاذ حيث سيحصل تعادل بين العرض والطلب مما سيدفع بالأسعار إلى أعلى.أجرت شركة شل العالمية دراسات عديدة على إحتياطيات العراق الغازية في منطقة البصرة والجنوب ، وكانت النتائج مبشرة جدا ، وانتهت إلى أن البصرة تتربع على بحيرة من الغاز وكان فريق عراقي روسي مشترك في وقت سابق أعلن أن العراق يستحوذ على إحتياطي محتمل كبير جدا ، وان كل ما هو مطلوب من العراق القيام به هو عمليات إستكشاف واسعة ومكثفة، ويشير الخبراء إلى أن ثلث أراضي العراق لم يجرى بها أي مسح جيوفيزيائي على طول الحدود السعودية العراقية بعمق (150) كيلو مترا في الأراضي العراقية حيث يعتقد أن تلك المنطقة تحديدا غنية جدا بالغاز، يضاف لذلك الطبقات السحيقة تحت الحقول النفطية الحالية حيث أنه لم يجرى لها أية عمليات تقييم حقيقي لما تحتويه من الغاز الطبيعي.وكما تجذب ثروة النفط العراقي طمع واهتمام القوى الخارجية فإن ثروة الغاز تجذب شهية واهتمام الدول الأخرى وخصوصا تركيا ودول الإتحاد الأوربي، ومن المؤسف أن أستراتيجية وزارة النفط العراقية تركز على بيع وتصدير الغاز أكثر من استخدامه محليا لأغراض الصناعة وتوليد الطاقة الكهربائية ويظهر ذلك جليا من خلال عقد الشراكة مع شركة شل إذ يقوم ذلك العقد على بيع الغاز بالأسعار العالمية لضمان أرباح الشركة المنتجة مما يعني في نهاية المطاف عدم إفادة صناعة العراق ومحطات توليد الطاقة الكهربائية فيه من أي سعر مخفض للغاز.

الأرض.. والنفط.. والإنسان.. هي عناصر المستقبل العراقي وهي بنفس الوقت عناصر الثراء أن أفلح العراقيون في استثمارها لصالح اجيالهم... وهي عناصر الصراع والهدم والتنافس إن لم يوفق العراقيون في ذلك.الإنسان العراقي في أخر المطاف هو الذي سيقرر شكل المستقبل على هذه الأرض... وأجيال العراقيون التي ستتوالد وستتكاثر هي التي ستحدد أين ستضع الجيل الحالي وكيف سيكون تقييمها له...عشر سنوات قادمة ربما ستكون هي الذروة في العائدات النفطية ولا ندري كيف سيكون سعر النفط عندها وبعدها يبدأ الهبوط السريع أو المتدرج في العائدات، فهل نفلح في إقتناص الفرصة ودق الركائز للنهوض في هذه السنوات أم نجعلها كسابقاتها تضيع في الصراعات.. والتوترات... وتهدر بسوء الإدارة.. وانعدام الكفاءة.. ونقص الوعي.. وممارسات الفساد...؟؟هل سيتحد العراقيون من أجل المستقبل ....؟ أم سيبقون متفرقين بسبب التاريخ ..؟ اسئلة متروك الإجابة عليها للزمن الأتي، ولكن شتان ما بين إجابة وإجابة، وما بين حال وحال........ وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابة الكريم:"أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فأحترقت كذلك يبين الله لكم الأيات لعلكم تتفكرون".

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
الدكتور شريف العراقي
2011-10-15
مقال قيم على الحكومة الاستفادة منه
ابو علي
2011-10-14
لا تتركوا هذه العقول خارج مسيرة العراق . يجب ان يكون الخبراء والمستشارين من هذا الوزن . انهم ثروة العراق التي لا تعادل بثمن , فاستفادوا منهم رحمكم الله .
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك