المقالات

مسرحية ساذجة رأسها في واشنطن وذيلها في الرياض

809 14:50:00 2011-10-15

حمزة الدفان

استقبل المراقبون الحكاية الامريكية الجديدة حول المؤامرة الايرانية لاغتيال سفير السعودية في واشنطن بالضحك والتندر والدهشة من ضعف الحبكة في هذا الملف الجديد ، ايران كانت على خلاف دائم مع السعودية والولايات المتحدة لاسباب ستراتيجية عميقة ، ومع ان امبراطورية علماء الدين في ايران ذات نهج راديكالي ولا تبدي مرونة في كثير من ملفات الخلاف الاقليمي والعالمي الا انها لم تفكر يوما باستخدام آليات العنف في مواجهة خصومها ، ذلك لانها حققت الكثير من اهدافها بوسائل سلمية حيث استخدمت آليات النفوذ المعلوماتي والغزو الثقافي والحشد المذهبي ، وقد احرزت نجاحات كبيرة الى جانب استخدامها التغلغل الاقتصادي في الشرق الاوسط واواسط آسيا وشمال افريقيا وامريكا اللاتينية ، كما قامت بتنشيط الايقاع المذهبي غير الطائفي في الرقعة السكانية للهلال الشيعي الذي شاع اسمه في عواصم العرب المتوجسة خيفة من الزحف الايراني ، وحاولت مرارا تعزيز عروبة التشيع أملا في ايجاد ضد نوعي للتشيع الايراني ، لكن الايرانيين بشيطنتهم المعهودة فهموا المخطط فبادروا هم انفسهم الى احتضان التشيع العربي بلغته وزيه وتقاليده ، وتعريبه لشخصية اهل البيت (ع) وتأكيد قرشيتها ومكيتها ، فالتشيع الحالي في العراق والخليج والشام وشمال افريقيا عربي قح لكنه يحضى بتأييد ايران ، وهو يحاصر الوهابية الجديدة ، ويبدو ان الفرق بين العدوين التأريخيين الوهابية والتشيع الحديث هو فرق جوهري ، فالوهابية تدعو الناس الى الانتحار والفناء والكراهية وبغض الآخر وتكفيره وقتله ، بينما تستخدم ايران ادوات مختلفة في تحقيق هيمنة التشيع الحديث فهو تشيع يحاول تسجيل موقف ابوي بالنسبة الى المذاهب الاسلامية الأخرى انطلاقا من الامام جعفر الصادق الذي اسس المدرسة الفقهية الاسلامية ودرس عنده ارباب المذاهب او درس بعضهم عند كبار تلاميذه المشاهير بما فيهم احمد بن حنبل جذر الوهابية الاول وملهم علمائها اللاحقين انتهاء بعبد الوهاب ، التشيع مقلوب كامل للوهابية فهو ابوي الموقع في نظر ايران ، وهو داعية تأسيس دولة ممهدة للمهدي حسب قولهم ذات اقتصاد قوي وهيمنة ثقافية وذراع عسكرية دفاعية رادعة تسعى الى ضم العامل النووي الى عضلاتها المتنامية ، ايران حسب قراءة بسيطة لاستراتيجيتها المستقبلية الطموحة وعناصر انشاء المجال الحيوي لها في العالم العربي والشرق الاوسط لا يمكنها ان تجهض برنامجها في التوسع الثقافي والاقتصادي بعمل احمق يستخدم العنف ، خاصة وان اسلوبها هذا اثبت نجاحه ، ثم ماذا تربح ايران من قتل سفير السعودية في واشنطن ؟ وهل يخدم هذا العمل اي جزء من البرنامج الايراني ذي الطابع السلمي ؟ ماذا يحدث اذا مات ذلك السفير او بقي على قيد الحياة خاصة وان طهران في نظرتها الاستعلائية لدول المنطقة ترى ان السعودية دولة تابعة لواشنطن وليست صاحبة قرار سياسي ، ولا يمكن ان يكون لأي سياسي من ساستها بما فيهم الملك قيمة ستراتيجية ! اذن لماذا تجازف بهذا العمل ؟ هذه قناعات انتشرت خلال يومين في اغلب الاوساط الاعلامية العربية والغربية ، اذن لا بد من قراءة هذه المسرحية الساذجة الاخراج من زاوية أمريكية ، العراقيون يحبون واشنطن لأنها انقذتهم من نظام صدام واسست لهم الديمقراطية ووفرت لهم حماية من الاعداء ، ويأسفون ان يروا راعيتهم العالمية تتصرف بهذه الاساليب القديمة ، هناك ملفات أمريكية عديدة في الشرق الاوسط بدأت تصل الى نهايات غير سارة ، وواشنطن ترى ان طهران يمكن ان تكون ابغض الشركاء في حل تلك الأزمات لكن دورها له ثمن باهظ ، عندما عجز العراقيون عن تشكيل حكومتهم قبل عام عجزت واشنطن ايضا فاعطت الضوء الاخضر لايران كي تقنع اصدقاءها العراقيين ، فرحبت طهران وابدت لواشنطن احتراما خاصا عندما اقنعت بغداد فأشركت اصدقاءها واصدقاء واشنطن سوية في الحكومة في سبق براغماتي واضح المغزى ، واشنطن ادركت الرسالة واخذت تتصور ان الملفات الاخرى مع طهران يمكن ان تحل بالطريقة نفسها ، بشرط ان لا تأخذ طهران امتيازات اكبر من القدر المسموح به ، الملفات الامريكية الراهنة الصعبة هي : ملف اسقاط الرئيس السوري بشار الاسد برغبة مشتركة امريكية اسرائيلية سعودية منظورا اليه على انه حارس ارض الحرام بين اسرائيل وايران والجسر الواصل الى حزب الله في لبنان ، والخط المتقدم للمعسكر الايراني في اي نزاع محتمل ، وهكذا يستخدم الثالوث المتحالف موجة الربيع العربي بشكل مختلف في سورية ، الا ان الاسد تجاوز عنق الزجاجة ولم يعد اسقاطه سهلا وذلك ما تريده ايران . الملف الثاني ملف الانسحاب الامريكي من العراق الذي اصبح صعبا هو الآخر ، بقاء الامريكيين في العراق سيفجر موجة جديدة من الارهاب بحجة مقاومة الاحتلال الذي اخلف وعده بالانسحاب ، ورحيلهم يفجر موجة ارهاب ايضا بحجة الاستفراد بالحكومة العميلة للاحتلال واستغلال ضعف قواتها المسلحة ، خياران احلاهما مر ، ملف منغلق يواجه واشنطن ، وما دام الارهاب سينفجر في العراق في الحالين فالبقاء الامريكي اولى بشرط ان تتوفر له ذرائع ، لا بد من الحصول على ضوء أخضر ايراني للبقاء فايران دولة نفعية ويمكنها ان تصل في نفعيتها الى الاتفاق مع واشنطن على البقاء في العراق مقابل ثمن كبير . الملف الآخر هو حصة النهوض الشيعي في الربيع العربي فالشيعة العرب في المنطقة عندما يتحررون من الانظمة الطائفية السائدة المتساقطة حاليا يعززون نفوذ ايران ويضيفون الى رصيدها ، ايران تستثمر في مشروع الربيع العربي بطريقة ذكية ، الولايات المتحدة تريد ان يكون البديل العربي الجديد لخدمتها في اطار التبشير اللبرالي فكيف يمكن السماح لعدو ستراتيجي مثل ايران ان يحصد ثماره ؟ اذن لابد من خلق مشكلة وحلحلة الوضع الذي يتوازن سلبيا ليس لصالح واشنطن مطلقا ، الملف الآخر ملف مستقبل النظام السياسي في السعودية ، فقد اعلن الاطباء ان خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز بصدد اجراء عملية جراحية ثانية هذه الايام ولم يذكروا نوع العملية مع انه قام توا من عملية في ظهره تطلبت ان يأخذ فترة نقاهة في المغرب استمرت 10 اشهر ، الملك تجاوز 88 من عمره ، والجراحة في هذا العمر خطيرة ويقال ان الديوان الملكي يخفي حقائق مقلقة عن وضع الملك وقدرته على الاستمرار ، ويأتي هذا المتغير الخطير في وقت يخشى السعوديون والامريكيون من نزاع محتمل داخل الاسرة حول خلافة الملك الامر الذي يرشح المملكة لازمة حكم متوقعة قد ترافقها حرب اهلية ، في ظل هذه الظروف بدأ شيعة السعودية القاطنون في شرقها النفطي والذين يضعون ثروة المملكة تحت احذيتهم أخذوا ينظمون تظاهراتهم كامتداد للربيع العربي مطالبين بحقوقهم ، النظام السعودي الحالي مطلوب امريكيا اكثر من اي وقت مضى لخنق اي تحرك شيعي في شرق السعودية ولابقاء الاحتلال العسكري السعودي غير المعلن للبحرين فلولا القبضة السعودية لابتلع الشيعة البحرين في اسبوع (80% من السكان) واعلنوا دولتهم الموالية لايران ، اهتزاز النظام السعودي الحالي لا يؤدي الى خسارة البحرين فقط بل سيؤدي الى اشتعال الشرق السعودي المحتقن ، وهذا ملف امريكي سعودي مشترك يمكن ان يكون حصاده لصالح ايران التي اصبحت مثل شركة تمويل كبيرة اسهمها تربح في جميع البورصات وهي جالسة في مكتبها الانيق تشرب النسكافا ، بامكان الولايات المتحدة ان تفتح طريق التفاوض مع طهران مباشرة لحسم جميع هذه الملفات بشرط الاعتراف بطهران كشريك وند محترم وباعتبارها الديك الوحيد في مجموعة الدجاج الشرق اوسطي كما يقول مقال في صحيفة عربية ، الا ان واشنطن تريد ان تضعف الموقف التفاوضي لايران الى اقصى حد ممكن قبل ان تنصب طاولة التفاوض ، تريد ان ترسم لها صورة الدولة النووية الشريرة ، الداعمة للارهاب والمستخدمة له في تنفيذ مشاريعها ، الدولة الاسلامية الاصولية التي تريد اعادة المنطقة الى القرون الوسطى ، الدولة التي تنشر الدكتاتورية الدينية الثيوقراطية المنقرضة ، وهكذا ستكون تلك الدولة التي سيفتح لها ملف ادانة في الامم المتحدة وربما يصدر ضدها قرار دولي ، وقرارات اضافية لتضييق الحصار العالمي عليها ، وتصريحات اسرائيلية بتوجيه ضربة خاطفة الى المفاعلات النووية الايرانية وتهديدات امريكية مماثلة وهكذا . واذا بدت ايران بعد شهر من الآن وكأنها بعير طرفة ابن العبد الذي افرد من قطيعه لاصابته بالجرب فسوف تحضر طاولة التفاوض السري مع واشنطن وهي منهكة لما تلقت من لكمات مؤلمة سياسية واعلامية وصنوف من تشويه السمعة والتهديد والتعبئة العالمية المضادة واستعراض العضلات ، فترضى بأقل العروض كشريك مفترض لاعادة حياكة الشرق الاوسط الجديد بنول امريكي فيه ايران ليست خاسرة بل هي اقل الرابحين . على ان هناك سيناريو آخر مفترض ، فقد تتولى واشنطن بنفسها منفردة حسم هذه الملفات الخطيرة من سورية الى السعودية والبحرين الى مستقبل جيشها في العراق غير معترفة بأي شريك ، فالدول العظمى تبحث دائما عن عملاء لا عن شركاء ، لكنها قبل ان تبدأ بمواجهة تلك الملفات لا بد من تحييد ايران واضعاف موقفها لوجود مصالح ايرانية غير معترف بها في جميع تلك الملفات . وكلا الافتراضين نتيجتهما واحدة . انطلاقا من هذه الرؤية تبدو هذه التمثيلية واضحة الاهداف ، وقد لا تكون مقدمة لحرب خطيرة بل هي مقدمة لصداقة خطيرة امريكية ايرانية فيها اقتسام غنائم طال انتظاره ، وكل شيء فيها يجري من تحت الطاولة لا من فوقها .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
عبد علي
2011-10-16
كلمة الحق قل الحق ولو على نفسك اتريد ان تبقى علاقات العراق مع الدول التي لاتحترم شعبها اولا ولاتحترم سيادة حكومتها في الفبركه السعوديه امعه لامريكا ممكن الذيل تستفيد منه اما المملكه فلا خير فيها
الدكتور شريف العراقي
2011-10-15
على اتباع اهل البيت في العراق عدم زيادة عدد الاعداء ضدهم
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك