المقالات

فضائل العترة الطاهرة (ع) (الحلقة الرابعة )

596 14:41:00 2011-10-16

اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف لاشرف

عزيزي القارئ اليك فضائل العترة الطاهرة في حلقات من تاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري واعداد الشيخ حيدر الربيعاي ومن اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرف

فضيلة خلود النسل والذرّيّة

معنى الخلود لغةً: دوام البقاء.ومنه قوله تعالى: (ولدان مخلّدون) ; أي مبقون ولداناً لايهدون ولايتحيّرون.ومنه أيضاً (وهم فيها خالدون) ; أي باقون.اصطلاحاً: هو استمرار الوجود النورانيّ لعترة النبيّ الطاهرة (سلام الله عليهم) وذرّيّتهم في الحياة الدنيا إلى يوم القيامة لهداية الناس، ومن ثمّ الخلود في دار البقاء الأبديّ في جنّة الخلد، استمراراً للنشأة الأولى.قال تعالى: (يومَ ندعو كُلَّ أُناس بإمامهم) ، وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)في بيان معنى هذه الآية المباركة: بإمام زمانهم، وكتاب ربّهم (عزّوجلّ) وسنّة نبيّهم .وقد عرفت أنّ الإمام الحقّ الذي يجب أن يلازم وجوده الكتاب العزيز والسنّة المطهّرة هو خصوص الإمام المعصوم المنصوب من قبل الله تعالى في كلّ زمان إلى يوم القيامة لحفظ الرسالة الإلهيّة المحمديّة.هذا في الدنيا، أمّا في الآخرة فمنه قوله تعالى: (إنّ الذينَ آمنوا وعَمِلُوا الصالحاتِ لهُمْ جنّات النعيم * خَالدينَ فيها وَعْدَ الله حقّاً...) ; أي يوم القيامة يتنعّمون فيها ـ جنّات النعيم ـ مؤبّدين في تلك الجنّات، وعداً وعده الله (تبارك وتعالى) حقّاً لاخلف له .من هذا وذاك يتحصّل، أن أهل بيت العترة الطاهرة (سلام الله عليهم) هم أوتاد الأرض (الذين لولاهم لساخت الأرض بأهلها) وأركان السماء وأنوارها; فلابقاء للموجودات في الحياة الأولى إلاّ بوجودهم المبارك، بل لاخلود للإنسان في النشأة الأخرى التي أعطاها لهم الباري القدير ـ جلّت قدرته ـ إلاّ بولايتهم التي يتحصّل بها للبشريّة الحشر معهم (عليهم السلام) والفوز بالخلود الذي ملّكه الحكيم سبحانه وتعالى لنبيّه المختار (صلى الله عليه وآله وسلم)وعترته الطاهرة (عليهم السلام)، حينما خاطبه (جلّ وعلا) في كتابه المجيد بقوله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر) بأنّه أعطاء الزهراء (عليها السلام)، فكانت هي سرّ هذا الخلود.

الزهراء (عليها السلام) سرّ الخلود:قال تعالى: (إنّا أعطيناك الكوثر * فصلّ لربّك وانحر * إنّك شانئكَ هو الأبتر) .ـ اتّفق أغلب المفسّرين على إنّ المراد بالكوثر في هذه السورة المباركة، هي سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)والخطاب فيها للنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل الحقّ (جلّ وعلا)، بأن أعطاه الخير الكثير حيث جعل له ذرّيّة كثيرة من ابنته فاطمة (عليها السلام) ونسلاً خالداً; ليرفع الله تبارك وتعالى عن نبيّه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) الهمّ الناتج من وصف قريش له بأنّه أبتر وهذا هو سبب نزول هذه السورة المباركة، كما سيأتي ذكره.وفي قبال ذلك وردت تفسيرات أُخرى ولكن مع وجود هذه الاختلافات لاتخرج عن معنى الخير الكثير كما جمعها صاحب مجمع البحرين بقوله:الكوثر ـ هو الشيء الذي من شأنه الكثرة .وذلك ـ سبب النزول ـ لوجود المبغضين لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين يميلون إلى انتهاج الأساليب الوضيعة لمقابلة الرسالة الإلهيّة التي جاء بها (صلى الله عليه وآله وسلم). ومن تلك الأساليب التافهة الانتقاصُ من صاحب الرسالة العظيمة، توهّماً منهم بأنّ ذلك سوف يعينهم على إضعافها من خلال محاولة إسقاط هيبته في نفوس الناس.(يريدون أن يُطفؤا نور الله بأفواهِهِم ويأبَى اللهُ إلاّ أن يُتمَّ نُورَهُ وَلَو كَرِهَ الكفرون) .لذلك كانوا يصفون الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه أبتر، حتّى بيّن القرآن الكريم لهم فشل أساليبهم الجاهليّة، وذلك من خلال إظهار هذه الحقيقة، بإعطاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)النسل الخالد والذرّيّة الصالحة من نسل عليّ (عليه السلام) وابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام); لذلك وضّح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الحقيقة قائلاً:«ان الله جعل ذرّيّة كلّ نبيّ في صلبه وجعل ذرّيّتي في صلب هذا ـ يعني علياً (عليه السلام) ; بل أكدها القرآن الكريم بقوله تعالى:(إنّا اعطيناك الكوثر) ووصف كلّ من أبغضه بأنّه هو الأبتر بقوله تعالى: (إنّ شانئك هو الأبتر); فأنزل الله تبارك وتعالى هذه السورة المباركة ردّاً على قول العاص بن وائل السهميّ وذلك أنه رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخرج من المسجد ـ الحرام ـ فالتقيا عند باب بني سهم وتحدّثا، وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد، فلمّا دخل العاص، قالوا: من الذي كنت تتحدّث معه؟ قال ذلك الأبتر، وقد تُوفّي قبل ذلك عبدالله بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو من خديحة، وكانوا يسمّون من ليس له ابن الأبتر .لذلك يقول السيّد العلاّمة الطباطبائيّ (رحمه الله): ولِما في قوله: (إنّا أعطيناك) من الامتنان عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) جيءَ بلفظ المتكلّم مع الغير الدالّ على العظمة، ولما فيه من تطييب نفسه الشريفة أُكِّدَت الجملة بإنّ، وعُبِّر بلفظ الإعطاء الظاهر في التمليك .ثمّ يضيف (قدس سره) قائلاً: والجملة لاتخلو من دلالة على أنّ ولد فاطمة (عليها السلام)ذرّيّته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا في نفسه من ملاحم القرآن الكريم فقد كثّر الله تعالى نسله بعده كثرةً لايُعادلهم فيها أيّ نسل آخر مع ما نزل عليهم من النوائب وأفنى جموعهم من المقاتل الذريعة .وهكذا أبطل القرآن الكريم محاولاتهم بإخبار النبيّ المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه تعالى أعطاه الذرّيّة الطاهرة الخالدة في الحياة الدنيا، والمستمرّة بوجود الحجّة المنتظر (عج)، ولم تزل متّصلةً إلى اليوم وكرّمهم سبحانه في الآخرة بأن جعلهم الشفعاء لأُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) في جنّة الخلد ودار الأبد، وجعل ولايتهم ميزاناً للأعمال والنجاة في العبور على الصراط كالبرق الخاطف في يوم لانجاة فيه إلاّ لمن تبعهم ووالاهم (صلوات الله عليهم أجمعين).

حقيقة الخلود:قال تعالى: (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجةً عند الله وأولئك هم الفائزون * يبشّرهم ربُّهم برحمة منه ورضوان وجنّات لهم فيها نعيمٌ مقيم * خالدين فيها أبداً...) .في هذه الآية المباركة وصف للخلودِ الذي يحصل عليه الإنسان نتيجة لصدقه مع الله تبارك وتعالى في إيمانه واعترافه بوحدانيّة ربّه ورسالة نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم)ولتحملّه المشاقّ في مواجهة ومجاهدة أعداء الدين، وأهل البيت (عليهم السلام) هم المصداق الحقيقيّ لذلك، فحصلوا على البشرى بالرحمة والرضوان الإلهيّ والفوز الأبديّ في النعيم المقيم بدار الخلود والبقاء، بل لهم فيها أعلى الدرجات (جنّات لهم فيها نعيم مقيم)لايزول ولاينقطع (خالدين فيها أبداً)دائميين فيها مع كون النعيم مقيماً لهم .بعد أن أنزل الله تبارك وتعالى نور الإيمان ـ القرآن الكريم ـ على نبيّه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)ليبدّد ظلام الجاهليّة ويضيء ظلمات النفوس ويهدي البشريّة إلى سبيل الرشاد والهداية، وسدّد تعالى النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته بالحفظ من المشركين وستبقى أنوار الهداية التي جاء بها (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بقي الليل والنهار على الأرض لاتحجبها ظلمات الوهم والضلال. كما قال تعالى: (فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيراً) .(فإنّ الله هو مولاه)الذي يتولّى حفظه وحياطته ونصرته (وجبريل) أيضاً معين له وناصرا يحفظه (وصالح المؤمنين) يعني خيار المؤمنين ، هذا وقد وردت رواية من طريق العامّة والخاصّة على أن المراد بصالح المؤمنين; هو أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام)، وهو قول مجاهد.وفي كتاب شواهد التنزيل بالإسناد عن سدير الصيرفيّ، عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: لقد عرَّف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً (عليه السلام) أصحابه مرتين، أمّا مرّة فحيث قال: «من كنتُ مولاه فعليّ مولاه»، وأمّا الثانية فحيث نزلت هذه الآية (فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين) الآية، أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد عليّ (عليه السلام) فقال: «هذا صالح المؤمنين».وبعد هذا اللطف الإلهيّ والعناية الربّانيّة لنبينا المختار (صلى الله عليه وآله وسلم)، أعطاه (جلّ وعلا) المقام المحمود والدرجة الرفيعة في الدنيا والآخرة، أعطاه الخير الكثير في الدنيا، وهو النبوّة والرسالة وهداية البشريّة وجعل له الذرّيّة المباركة من ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) التي لم تزل متّصلة ليومنا هذا، كما وضّح (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الحقيقة حيث قال:«كلّ ولد أب فإنّ عصبتهم لأبيهم، ما خلا ولد فاطمة; فأني أنا أبوهم وعصبتهم» .ومن ثمّ أعطاه الخير الأكثر في الآخرة، حيث وعده سبحانه بذلك بقوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربّك فترضى) .بعد أن كرّمه تعالى في الدنيا واجتباه وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) من بين خلقه لحمل الرسالة وهداية الناس، وجعل ذرّيّته خالدة ونسبه محفوظاً إلى يوم القيامة حتّى يردوا عليه الحوض.ولذلك بشّره تبارك وتعالى بأنّه وأهل بيته (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) في أعلى منازل الآخرة، بل جعل لهم الشفاعة في ذلك العالم، لمن والاهم وشايعهم في الدين الحقّ، وقد بيّن (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الحقيقة بقوله: «إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، ولسوف يعطيك ربّك فترضى» .وبقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي رواه الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) حيثما سئل عن الشفاعة قال: «أي والله حدّثني عمّي محمّد بن الحنفيّة عن عليّ: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أشفع لأمّتي حتّى يناديني ربّي أرضيت يا محمّد؟ فأقول: نعم يارب رضيت» .

* خاتمة الكلام:وبهذا اتّضح أنّ الله تبارك وتعالى أعطاهم، بل اختار لهم ما اختاروا في الحياة الدنيا وخير الآخرة خيرٌ وأبقى من خير الدنيا وذلك قوله تعالى: (وللآخرة خيرٌ لك من الأُولى) بما فيها من الثواب والنعيم الدائم والنسب الخالد لأهل بيت العترة الطاهرة (سلام الله وصلواته عليهم)، حيث إنّ هذا المقام هو من الفضائل الخاصّة لهم(عليهم السلام); وذلك لانقطاع الأنساب في ذلك العالم جميعاً إلاّ نسبهم وحسبهم المبارك.قال تعالى: (فإذا نُفِخَ في الصُّور فَلا أنسابَ بَينهُمْ يومئذ ولايتسآلُون) .روي في شواهد التنزيل، بسنده عن عطاء، عن عبدالله بن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):«كلّ حسب ونسب يوم القيامة منقطع إلاّ حسبي ونسبي إن شئتم اقرأوا: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولاتسألون)) .

اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف لاشرف

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك