السيد حسين الصدر
من أهم المؤشرات ، التي يمكن من خلالها التعرف على المستوى الحضاري لمجتمع من المجتمعات ، هو مقدار عنايته بذوي الكفاءات والمواهب من أبنائه وبناته فثمة تناسب طرديّ بين الرقيّ الحضاريّ وبين الاهتمام الحقيقيّ بالخبراء، والعلماء ، والنابهين ، والمبدعين ، والادباء ، والفنانين ، ورجال الفكر والثقافة والصحافة ....والعراق الجديد على المستوى النظري أعلن عن ترحابه بعودة الكفاءات العراقية في الخارج واستعداده لاحتضانها ، والأفادة منها في مختلف الحقول والاصعدة ، ولكنه عملياً لم ينجح في التعامل مع هذه الكفاءات الواعدة والمهارات النادرة وحين يتقدّم " المزوّرون " للشهادات العلمية على البارعين الماهرين من الأكادميين ، نجد أنفسنا أمام كارثه رهيبه ، تطفئ شموع الأمل وتبعث على الاحباط .اننا لابُدَّ ان ندرك ان شريحة المزوّرين - وهي شريحة نافذة ناشطة - لا يروق لها ان يحتل الناهبون مواقعهم المناسبه في كل دوائر الدولة واجهزتها ، ومن هنا فهي تبرع في اصطناع العوائق أمامهم ،وتضع الألغام في طريقهم ،بغيه ايصالهم الى قناعة مفادها :ان ليس ثمة من ضمان لمستقبلهم ،وان عليهم ان يعودوا من حيث أتوا انّ الخطأ القاتل هو تزهيد المواطنين بالوطن ،أياً كان المواطن ،فكيف به اذا كان من الموهوبين القادرين على الاسهام الايجابي في بناء البلد ،ودفع عجلة تقدمه وازدهاره الى الأمام ؟!ان الشكوى من طريقة التعامل القاسي في غالب الدوائر والأجهزة الرسمية لا تقف عند ذوي الكفاءات وحدهم ،بل تمتد الى سائر الشرائح والقطاعات الأخرى ان انجاز المعاملات يحتاج الى أحد شفيعين :امّا دفع الأموال المطلوبة وايصالها الى المعنيين من الموظفين ذوي العلاقة مباشرة أو عن طريق وسيط وأمّا تدخل شخصية رسمية نافذة توعز بأنجازها وهكذا يبدو أحد وجوه عمليات الفساد المالي والاداري المستشري بشكل رهّيب ،في مفاصل معظم المؤسسات والاجهزة الرسمية ان مشكلات السكن ،والبطالة ،والبطاقة التموينية ،وسوء الخدمات، والثغرات الامنية ،ومفارقات المحاصصات ،وانشغال المحترفين السياسيين بصراعاتهم ومصالحهم ،وعمليات النهب المستمر للمال العام والتزوير للوثائق والمستندات ،والصفقات والعقود الوهمية ....قد اثقلت كاهل المواطنين العراقيين وجعلتهم يرزحون تحت وطأة أعباء مرهقة ، حتى قال الشاعر :في كل منعطفٍ وحاره غُصصٌ ومشكلةٌ مُثاره والشعب يكرعُ ناقماً كأس الظلامة والمراره يصلى بنار همومه وتضيقُ بالوصف العبارهوالنهب والتزوير يختطفانِ أسرار الحضاره والسؤال الآن :اما آن للعراق ان يحتضن أبناءه الذين غادروا الوطن نتيجة القمع والاضطهاد وطغيان الدكتاتورية البائدة ؟أليس هو الأحّق بخدماتهم من غيره ؟والى متى تستمر ليالي غربة العراقيين الراغبين بالعودة اليه دون ان يوفقوا لتأمين أوضاعهم ؟حالتان :ولسنا نتحدث عن قصص يخترعها الخيال وانما نتحدث عن وقائع حيّه فبالأمس وقفت على حالتين محزنتين :الاولى :قرأتها في مقالة للأعلامي اللامع الاستاذ توفيق التميمي عنوانها {الطاردون لكفاءاتهم } يتحدث فيها عن عودة ابن خالته الباحث والأكاديمي الى وطنه بعد غربة دامت أكثر من ثلاثين عاماًوقد تخصص في علم السيمونولوجيا (البصريات ) - وهو علم لا غنى عنه في الدراسات العلمية بمجالات الفنون والسياسة والأثريات والجنائيات وغيرها - يقول :{عاد ابن خالتي وفي نفسه تجد لكل الظروف التي شاهد صورها في الأعلام ، وما سمعه عن قصص الإذلال والمهانة من زملائه العائدين على أبواب الدوائر الحكومية .كان يتصور ان كل ما سمعه مبالغٌ فيه ويقع في سياق التأمر على التجربة الجديدة ومحاولات الاطاحة بها ولكن رحلة لشهر واحد والصلف واللامبالاة التي قوبل بها في استعلامات الدوائر المعنية التي راجعها ،عارضاً على موظفيها شهاداته العلمية المتعددة وشهادات خبرته ، كانت كفيله لان تقمع في نفسه رغبة البقاء ،والندم على قرار العودة }انه أخيراً { تلقى عرضاً لائقاً ومغرياً من جامعة عربية ،عرفت سيرته وقدرت شهادته العلمية من خلال محرك الغوغل ليس الاّ ،فتسابقت لجذبه ووضع المغريات في عرضها ...} { لهذا قرر ابن خالتي حزم حقائبه الى تلك الدولة العربية لاكمال مشوار الغربه في محطة جديدة }ان هذه القصة التي اختصرتُُ فصولها ،ألمتني ودعتني الى ان أكتب مقالة أناشد فيها المسؤولين العراقيين في مختلف المواقع ان يكونوا أكثر حرصاً وأكثر اهتماماً بالعراقيين الأوفياء لوطنهم الحبيب ، التواقين لخدمته ، والمتطلعين الى المشاركة في نهضته .أقول هذا ،وأنا لا أعرف حتى اسمه ، فالقضيه ليست قضية شخصية ، وأنما هي قضية وطنيه في الصميم .من هنا كان عليّ التذكير ، وكان على المسؤولين عن هذه الملفّات المسارعة الى التغيير ،تغيير طريقة التعامل معهم وازالة كل العوائق والعقبات التي تعترض طريقهم وليس ذلك بعسير الثانية :قدّم لي الاستاذ الدكتور صادق التميمي ملّفا حافلاً عن خدماته الجامعية، ومراتبه العلمية ،وشهاداته الأكاديميه وخبراته الوظيفية وقد عاد الى الوطن سنة 2009 استجابه لقرار مجلس الوزراء رقم 441 لسنة 2008 الهادف الى تشجيع عودة الكفاءات العراقية ولكنه يقول :{ ولم تمض سوى أشهر معدودات ،حتى فوجئت بانتهاء خدمتي ، وايقاف صرف راتبي الشهري ( أيلول 2010 ) }ويقول :{ وبدلاً من المكافأة لي شخصياً ، كوني أمضيت لحد الآن مدة تزيد على خمسين سنة من حياتي استاذاً وباحثاً ومؤلفاً للكتب الجامعية والتربويه والأدبية ،ومشرفاً على الرسائل العلمية للدكتوراه والماجستير (العدد 262 اطروحه ) في العراق وفي بلدان المهجر ، وجدت نفسي وقد ألْقَتْ دائرتي بي وبعائلتي في كف القدر ،بلا راتب وظيفي ، وكأنه عقاب لي لسبب عودتي من خارج الوطن وبلا راتب تقاعدي (في متاهة اداريه مربكه لها أول وليس لها آخر ) فضلاً عن الخسارة العلمية والاكاديمية والأدبية الناتجه عن توقف عملي في الجامعة ،في وقت أشعر فيه أنني في ذروة عطاء عملي ،مشهود له محلياً وعربياً وبهذا انهارت الآمال التي بيناها في اذهاننا بشأن العودة الى الوطن ومن الواضح ان هذا ليس في صالح مجمل عملية اعادة الاساتذة والكفاءات من بلدان المهجر }ويتضح جليّاً من خلال هاتين الحالتين عمق المعاناة التي تغمر العائدين الى الوطن فهم إمّا ان يعودوا من حيث أتوا ،دون ان يحظوا بطائل وامّا ان يقلب لهم ظهر المجن ،فيحرمون حتى من رواتبهم الشهرية ويبلّغون بأنهم لايستحقون الراتب التقاعدي والضلامة في الحالتين صارخة ،لابُدَّ ان ترفع ولابُدَّ ان تنتهي برفع الحيف اننا على يقين ان ملّفات المظلومين من ذوي الكفاءات وغيرهم أكبر من ان تحصى ، وهي تنبو عن التعداد ان الحالتين المذكورتين انما هما قطرتان من بحر متلاطم الأمواج ...ولا يسوغ لأحد ان يمارس الظلم بكل أشكاله ،فكيف بالدولة التي يفترض فيها ان تكون الاب الراعي لأبنائه ؟!!انها مطالبة بالحلّ العاجل والعدل الشامل
https://telegram.me/buratha