فضائل العترة الطاهرة (ع)(الحلقة السّابعة)اعداد الشيخ حيدر الربيعاوياصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرف
فضيلة سُبل النجاة وطريق الهداية
السَّبيلُ لغةً : الطّريقُ الذي فيهِ سُهولةٌ، وَجْمعُهُ سُبْلٌ.قال ]تعالى[: (وأنهاراً سُبُلاً) .(وجَعلَ لكُمْ فيها سُبلاً) (ليصَّدنهم عن السَّبيلِ) .يعني به طريقَ الحق; لأنّ اسم الجنس إذا اُطلق يختصُّ بما هو الحقُّ.وقيل لسالكهِ سَابِلٌ، وجمعهُ سَابِلَةٌ.ويستعملُ السبيلُ لكل ما يتوصلُ بهِ إلى شيء خيراً كانَ أو شراً.اصطلاحاً: هو الاقتداء بأهل بيت العترة الطاهرة (عليهم السلام) بعد النبي الاعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)والسير على سلكوهم، ونهجهم الطاهر، والتمسك بهم في السلوك إلى الحق المتعال (جلّ وعلا) لمن شاء، وذلك للفوز برضوانه في الدارين.قال تعالى: (فَمْن شاءَ اتخذَ إلى ربه سبيلا) .وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه قال:(أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا، فمن تمسك بنا «اتخذ الى ربه سبيلاً») .وكيف كان، يتضح لنا مما تقدم; انَّ ائمة أهل البيت (عليهم السلام)، هم سُبل النجاة وطريق الهداية إلى الله عزوجل، كما سيأتي تفصيله.
حقيقة سُبل النجاة في القرآن الكريمقال تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرّق بين احد منهم ونحن له مسلمون * فأن آمنوا بمثل ما امنتم به فقد اهتدوا وإن تولّوا فانما هم في شقاق سيلقيكم الله وهو السميع العليم) .ورد عن مولانا الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في بيان المراد مِنْ هذه الاية المباركة إختصاص الهداية باهل بيت العترة الطاهرة (عليهم السلام)، ففي الكافي عن محمد بن يحيى بسنده المتصل عن محمد بن النعمان عن سلام. عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله: (آمنّا بالله وما أنزل إلينا) قال: عنى بذلك علياً وفاطمة والحسن والحسين وجرت بعدهم في الأئمّة (عليهم السلام). قال ثمّ رجع القول من الله في الناس، فقال: (فإن امنوا) يعني الناس (بمثل ما أمنتم به) يعني علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة مِنْ بعدهم (عليهم السلام) (فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما هم في شقاق) .لقد إقتضت الحكمة الإلهيّة أنْ يرتقي الإنسان في مراتب الهداية التي تُدخله بداية سلم الكمال لكي يتسلق في درجاته بحسب ما إستضاء به مِنْ نور الهداية والصفاء مِنَ الشوائب في سبيل النجاة بكامل إختياره مسترشداً بعناية ربه وهدايته، لانّ هداية الله (تبارك وتعالى) هي الهداية الحقيقية، بل الحقة ولاتتضح هذه الحقيقة إلاّ من خلال القرآن الكريم كما قال تعالى (ومن يهدى الله فهو المهتد)ولاهدى سوى هدى الحق تعالى:(ان هدى الله هوالهدى) لانه سبحانه وتعالى جعل العهد على ذاته المقدسة بأن يبيّن طريق الهدى وسبل النجاة ومِنْ خلاله يتضح طريق الضلال وسبل الإنحراف حيث قال تعالى:(إن علينا للهدى) .وبحكم ولايته المطلقة (جلت قدرته) نصبّ الهداة وجعلهم وسائط للنجاة وائمة يهدون بأمره، لانهم (عليهم السلام) وصلوا إلى أعلى مراتب المعرفة، وبذلك اصبحوا المصداق الاكمل للانقياد التام للحق تعالى.لقد نال أهل بيت العصمة (عليهم السلام) هذه المنزلة لِما أتصفوا به مِنَ الصفات الجليلة في سبيل توحيده (جلّ وعلا) والاخلاص له في العبودية، فهم (عليهم السلام)اصحاب النفس الزكية الطاهرة فكراً وخُلقاً وسلوكاً، وهم طريق الهدى إلى الله (عزّ وجلّ) الذين اهتدوا اليه بقلوب صافية وعقول سامية فزادهم الله هدى، كما قال تعالى: (والذين إهتدوا زدناهم هدى) .وبذلك بلغوا قمة الكمال ونالوا شرف الولاية الإلهيّة ووسام الهداية الربانية، فاصبحوا سبل النجاة في الوصول إلى الحق، بل سفينتها (فاركبوا فيها باسم الله مسراها ومجرها)فمن ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك وغرق، لانهم كما وصفهم القرآن الكريم (عبادٌ مكرمون لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) .وهكذا جعلت الهداية في سنة الله (تبارك وتعالى) التي جاء بها الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)في إتباع أهل البيت (عليهم السلام) والاقتداء بهم فهم الأحق بذلك مِنْ غيرهم.
القدوة في الهداية سبب النجاة:قال تعالى: (افمن يهدي إلى الحق أحق أن يتّبع أم من لايهدي الا أن يهدى) .قلنا أن الله (تبارك وتعالى) خلق الانسان لغاية معرفته تعالى والسمو في مراتب الكمال، وذلك بالهداية لطريق الحق والصراط المستقيم، وجعل (سبحانه) الانسان مختاراً في أفعاله، بل خلقه كذلك وبيّن له طريق الهدى مِنَ الضلال، وجعل نفسه مستعدة لفعل الخير والشر بالإختيار في طريق الحياة الدنيا حيث لاجبر ولاتفويض.فقال تعالى: (ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها) أي عرّفها طريق الفجور والتقوى، وهما مِنْ صفات الانسان دون غيره، والخالق العظيم (جلت قدرته وعظمته) أعطاه العقل والإرادة والقدرة على الفعل لكن بإختياره، بعد أن بيّن له طريق الخير وأمره به، والشر ونهاه عنه; حيث قال تعالى: (وهديناه النجدين) فمَنْ اطاعه سبحانه في فعل ما آمره به واهتدى اليه نجى، ومَنْ عصاه بأن فعل ما نهاه عنه ضل وخسر.وبما أنّ الهداية الإلهيّة والسلوك لله تعالى لايحصل إلاّ مِنْ خلال تطبيق الرسالة المحمدية طبقاً لمذهب أهل البيت، اذاً لابد مِنْ وجود هاد يجب أن يُتَّبع حتى تحصل تلك الهداية من خلال إتباعه والاقتداء به.من هو الهادي إلى الله؟من خلال ما تقدم يطرح هذا السؤال: من هو الهادي الأحق بأن يتبع فيُهتدى به إلى الله تعالى، كما هو مضمون الاية الكريمة المتقدمة في صدر البحث.أقول: مَنْ بلغ الحق الذي اراده الله سبحانه وبلّغهُ وكان قادراً على أنْ يهدي اليه فهو الأحق بأنْ يتبع، لانه المستضيء بنور الله وهداه فلايحتاج إلى هاد غير الله (جلّ وعلا)، وهذه الأحقية ثابتة له مِنْ قبله تعالى دون من يحتاج إلى الهادي والمرشد فانه (أعني المحتاج إلى الهادي) غير جدير بأن يكون متبوعاً كما يدرك ذلك العقل والوجدان.وبما أنّه لم يبلغ الحق بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا اهل بيت العترة الطاهرة (عليهم السلام)، إذ هم الهداة الاحق بالإتباع، بل يجب إتباعهم (صلوات الله عليهم) في الهداية الإلهيّة، ويدل عليه ما تقدم في الاية المباركة (إنّما أنت منذر ولكل قوم هاد) فالمنذر هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)والهادي هو أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمّة الاطهار (عليهم السلام) من بعده.فعلى مَنْ أراد أن يهتدى إلى الحق ويسير فيه إلى الله تعالى، أن يقتفي أثر الأئمّة الاطهار بعد الاقتداء برسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعندها يفوز بالهداية الخالدة ورضى الله عزوجل. والفوز بالفلاح والبشرى التي لايوجد بعدها شيء، أَلا وهي الثبات على الحق والحقيقة في المنهج الصحيح لمذهب اهل البيت (عليهم السلام) بعقل الكمال والتكامل الانساني.* خاتمة الكلام:قال تعالى:(فبشر عبادِ الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذي هداهم الله واولئك هم اولوا الالباب) وبتلك الالباب يمكن تحقق الهداية الحقّة ـ العقول ـ فهي عقول أتبعت أحسن القول ـ قول الأئمّة الاطهار (عليهم السلام) ـ في الإرشاد إلى الله; والذي تجسّدَ فيه قول الله (جلّ وعلا)، لانهم ـ كما تقدم بيانه ـ ترجمان القرآن، بل هم القرآن الناطق لتحقق الهداية العملية للعباد باعلى مراتبها والتي تتحلى في أتباعهم الأحسن، بل هم مظهر لتجلي الهداية الالهية.
اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرف
https://telegram.me/buratha