فضائل العترة الطاهرة (ع)(الحلقة الثامنة)أعداد الشيخ حيدر الربيعاوياصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرف
فضيلة الوسيلة في القرب الالهي
معاني الوسيلة:الوسيلة في اللغة: التوصُّلُ إلى الشيء برغبة وهي أخصُّ من الوَصِيلةِ; لتضمنها لمعنى الرَّغبة.
الوَاسِلُ: الرّاغِبُ إلى الله تعالى.ويقالُ أنّ التوسُّل في غير هذا: السِّرقة، يقالُ: أخذَ فلانٌ إبلَ فُلان تَوسُّلاً. أيّ سَرِقَة .وفي الاصطلاح: هو إتخاذُ الرَسول الاكرم وأهل بيته المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وسيلة مباركة في الوصول إلى الرب الكريم (جلت قدرته) والتوسل بهم (عليهم السلام) لاستجابة الدعاء، وقضاء الحوائج في الحياة الأولى وطلب الشفاعة في الحياة الأخرى.وعليه يكون الواسل: هو المتقرب لله تعالى عن طريق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)والأئمّة الاطهار (عليهم السلام)في كل ما يرغب اليه مِنَ الطاعات للفوز برضاه عزّوجلّ.
الوسيلة في القرآن الكريمقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون) .لما تقدم ذكر القتل والمحاربين ـ في الآيات الشريفة المتقدمة عليها ـ عقب سبحانه ذلك بالموعظة والأمر بالتقوى ـ حيث كان الخطاب لأهل الإيمان خاصة ـ فقال تعالى: ـ (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) أي اتقوا معاصيه واجتنبوها، (وابتغوا اليه الوسيلة) أي اطلبوا اليه القربة بالطاعات .بعد أن أمر الله تعالى المؤمنين بابتغاء الوسيلة اليه، بيَّنَ لهم تلك الوسيلة التي يحصل بها القرب الالهي، وهذا البيان ورد عن طريق أهل بيت العترة الطاهرة (عليهم السلام)في روايات عديدة، تؤكد على أنّ الوسيلة إلى الله (تبارك وتعالى); التي أمرنا أنْ نتخذها للوصول إلى الحق تعالى وتكون هي الرابطة، بل الواسطة الحقيقية بين العباد وخالقهم (جلّ وعلا).فعن سعد بن طريف عن الاصبغ بن نباتة عن علي (عليه السلام) قال: «في الجنة لؤلؤتان إلى بطن العرش إحدهما بيضاء والاخرى صفراء في كل واحدة منهما سبعون ألف غرفة أبوابها وأكوابها من عرق واحد فالبيضاء الوسيلة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)وأهل بيته (عليهم السلام) والصفراء لابراهيم (عليه السلام) وأهل بيته» .وهكذا يتبيّن لنا أنّ طلب القربة بالطاعات التي هي الغاية لرضى الله (عزّ وجلّ) والفوز بقربه، لايمكن أن يتحقق إلاّ مِنْ خلال تلك الوسيلة الإلهيّة المتمثلة باهل بيت العترة الطاهرة (عليهم السلام)، فهم وسيلة العباد إلى الله تعالى التي يمكن مِنْ خلالها الإرتباط بالله (جلّ وعلا)، لأنه تعالى وعد عباده أن لايخيب بهم آملاً ولايرد بهم سائلاً.
أصحاب الوسيلة هم العروة الوثقى:ورد في التفسير المنسوب للامام الحسن العسكري (عليه السلام) بصدد بيان معنى هذه الاية المباركة (... وابتغوا اليه الوسيلة...).قال: قال علي بن الحسين (صلوات الله عليهما): حدثني أبى، عن أبيه، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .. قال: قال: يا عباد الله! إنّ آدم لمّا رأى النور ساطعاً مِنْ صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا مِنْ ذروة العرش إلى ظهره، رأى النور ولم يتبيّن الأشباح فقال: ياربّ ما هذه الأنوار؟قال الله عزوجل: أنوار أشباح نقلتهم مِنْ أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت وعاءً لتلك الاشباح.فقال آدم: ياربّ لو بيّنتها لي؟فقال الله تعالى: إنظر يا آدم! إلى ذروة العرش.فنظر آدم ووقع نور أشباحنا مِنْ ظهر آدم على ذروة العرش فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا كما ينطبع وجه الانسان في المرآة الصافية فرأى أشباحنا فقال: ما هذه الاشباح ياربّ؟فقال الله (تعالى): يا آدم هذه الاشباح أفضل خلائقي وبريّاتي، هذا محمّد وأنا المحمود والحميد في أفعالي، شققت له أسماً مِنْ أسمي، وهذا عليٌّ وأنا العلي العظيم شققت له إسماً من أسمي، وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والارض فاطم أعدائي عن رحمتي يوم فصل قضائي وفاطم أوليائي عما يعتريهم ويشينهم فشققت لها إسماً مِنْ أسمي، وهذا الحسن وهذا الحسين وأنا المحسن المجمل شققت لهما اسماً من أسمي هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريتي بهم أخذ وبهم أُعطي وبهم أُعاقب وبهم أثيب فتوسّل إليَّ بهم يا آدم! وإذا دهتك داهية فاجعلهم إلي شفعاءك فإني آليت على نفسي قسماً حقاً لا أُخيب بهم آملاً ولا أرد بهم سائلاً.فلذلك حين نزلت منه الخطيئة دعا الله عزوجل بهم فتاب عليه وغفر له .وورد بشكل صريح في ينابيع المودة بسنده المذكور، عند بيان المراد من الوسيلة في قوله تعالى: (... وابتغوا اليه الوسيلة...).عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):«الأئمّة من ولدي، فمن اطاعهم فقد اطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله، فهم العروة الوثقى، والوسيلة إلى الله جلّ وعلا» .اذن إتخاذ أهل بيت العترة الطاهرة (عليه السلام)، وسيلة إلى الباري عزوجل بعد رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، هي طاعة له تعالى، وإتخاذ غيرهم معصية لامره تعالى في الآية المتقدمة (وابتغوا اليه الوسيلة..) بعد أن قرنه تعالى بالتقوى في حال خطابه للمؤمنين وحثهم على تلك الوسيلة ـ أعني أهل البيت (عليهم السلام) ـ لانها العروة الوثقى التي لا أنفصام لها والحبل الممدود مِنْ السماء إلى الأرض فمن توسل باصحابها إلى الله تعالى: (فقد استمسك بالعروة الوثقى لا إنفصامَ لها).
* كيفية التوسل بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)والعترة الطاهرة(عليهم السلام):ثبت في القرآن الكريم والسنة المطهرة أنّ الوسيلة إلى الله تعالى، هم النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) ـ كما تقدم ـ وكذلك أنّ الكلمات التي تلقاها آدم (عليه السلام) لما نزلت به الخطيئة وأُخرج مِنَ الجنة فتوسل بهن إلى الله تعالى فتاب عليه، وهو قول الله عزّوجلّ:(فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم) .وقد روي في البحار عن ابن عباس (رضوان الله تعالى عليه) قال:سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه.قال: سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا ما تبت عليَّ، فتاب عليه .وفي تفسير الفرات، عن ابن عباس (رضوان الله تعالى عليه) ايضاً، إنه قال:قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما نزلت الخطيئة بآدم وأُخرج مِنَ الجنة أتاه جبرئيل (عليه السلام)، فقال:يا آدم! إدع ربّك.قال: يا حبيبي جبرائيل! ما أدعو؟قال: قُلْ: ربِّ أسألك بحقِّ الخمسة الذين تخرجهم مِنْ صلبي آخر الزمان إلاّ ما تبتَ عليَّ ورحمتني.فقال له آدم (عليه السلام): يا جبرئيل! سمهم لي.قال: قل: ربّ أسألك بحقّ محمد نبيك وبحقّ عليّ وصيّ نبيك وبحقّ فاطمة بنت نبيك وبحقِّ الحسن والحسين سبطي نبيك إلاّ ما تبت عليَّ.فدعا بهنّ آدم، فتاب الله عليه وذلك قول الله تعالى جلّ ذكره:(فتلقى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه) وما من عبد مكروب يخلص النيّة ويدعو بهن إلاّ إستجاب الله له .وعلى هذا، فأن نجاة آدم (عليه السلام) وقبول توبته والمغفرة له، إنما كانت نتيجةً لتوسله بالنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته الطاهرة (عليهم السلام)، بل لانهم تداركوه فأنقذوه في ذلك العالم الملكوتي، مما هو فيه بعد الندم الذي ملأ قلبه حزناً، فلا عودة بعده ابداً.فكانوا وسيلته الخاصة لربه ودعوته المستجابة التي لاترد بأذن الله بسبب شرافة أصحابها وعلوّ منزلتهم وعظم مقامهم (سلام الله عليهم) عند الغفور الرحيم (تبارك وتعالى).كما أنهم (صلوات الله عليهم أجمعين) الوسيلة العامة للخلائق، التي يستجاب بها الدعاء، لانهم أحب الاسماء إلى الله عزوجل، والوجهاء عنده كما ورد في دعاء التوسل، الذي قال عنه العلامة المجلسي (قدس سره)، عن بعض الكتب المعتبرة، أنّه روي محمد بن بابويه (رضوان الله تعالى عليه):هذا التوسل عن الأئمّة (عليهم السلام)، وقال: ما توسّلت لأمر مِنَ الأمور إلاّ وجدت أثر الاجابة سريعاً.كما ينقل الشيخ المحدث القمي في مفاتيح الجنان في مطلع الدعاء المذكور.ومطلع هذا الدعاء هو:(اللّهمّ إنّي اسئلك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، يا أبا القاسم يا رسول الله يا إمام الرحمة يا سيّدنا ومولانا إنّا توجهنا واستشفعنا وتوسّلنا بِكَ إلى الله وقدمناك بين يدي حاجاتنا، يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله..) .وهكذا يستمر التوسل بهذا الدعاء بذكر جميع أهل البيت (عليهم السلام)، ويتُوسل بهم كما يتوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مطلعه إلى آخرهم الحجة المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه) في آخر الدعاء.وعن محمد بن مسلم، عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: قال جابر الانصاري (رضوان الله تعالى عليه): قلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما تقول في علي بن ابي طالب (عليه السلام)؟فقال: ذاك نفسي.قلت: فما تقول بالحسن والحسين (عليهما السلام)؟فقال: هما روحي وفاطمة أمهما ابنتي، يسوؤني ما ساءها ويسرّني ما سرّها، أُشهد الله أني حربٌ لمن حاربهم، سِلمٌ لمن سالمهم.يا جابر! إذا أردت أن تدعو الله فيستجيب لك فادعه باسمائهم، فإنها أحب الاسماء إلى الله عزوجل .
خاتمة في التوسّل:يا سادتي وَمَوالي إنّي توجَّهتُ بِكُم أَئمّتي وَعُدّتي ليَومِ فقري وحاجَتي إلى الله وَتَوسَّلتُ بِكُمْ اِلى اللهِ وأستَشفَعْتُ بِكُمْ اِلى اللهِ فأشفَعُوا لي عِندْ اللهِ وأستَنقِذُوني مِنْ ذنوبي عِندْ اللهِ فَاِنَّكُمْ وسيلَتي إلى اللهِ وبِحُبِّكُمْ وبِقُربِكُمْ أرجُو نَجاةً مِنَ اللهِ فَكُونُوا عِنْدَ اللهِ رَجآئي يا سادَتي يا أوليآءَ اللهِ.صَلَّى اللهُ عَلَيْهِم أجْمَعينَ ولَعَنَ اللهُ أعَدآءَ اللهِ ظالِميهم مِنَ الاولينَ والآخرينَ.آمين ربّ العالمين
اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرف
https://telegram.me/buratha