حسن طبرة ماجستير علم نفس تربوي
تعتبر الواسطة إحدى مظاهر الفساد المتفشية في المؤسسات الحكومية، والتي تتمثل من خلال قيام الأفراد من داخل المؤسسة الرسمية بالتوسط بين أفراد من خارج تلك المؤسسة سواء كانوا أقارب أم أصدقاء أو غيرها من العلاقات الإجتماعية، وبين المسؤولين في الدولة بغية الحصول على منفعة معينة أو إمتياز معين بشكل تفضيلي، أي يتم تمييزهم وتفضيلهم على سائر أفراد المجتمع المستحقين لتلك الخدمات والحقوق والإمتازات على السواء، في حين أن التفضيل في بعض الإمتيازات كالتعيين على سبيل المثال ينبغي أن يكون على أساس الكفاءة والنزاهة بشكل أساس، وليس للقربات والعلاقات الإجتماعية دخل في تحديد الشخص الذي يجب أن يشغل الوظيفة المعينة.تعدد مظاهر الواسطة في المؤسسات الحكومية، وإن التسمية العلمية والقانونية لهذه الظاهرة هي التوسط، إذ إن الواسطة تشير إلى الآلة التي تستخدم للقيام بعمل معين كالسيارة واسطة لنقل الأفراد، والمحراث واسطة لحرث الأرض، والمقلاة واسطة لإعداد الطعام، أما التوسط فهي الأقرب لتلك الظاهرة وذلك لأن مفردة التوسط تشير إلى (سلوك) إذ إن الشخص الوسيط يقوم بسلوك الوساطة بين شخصين أو جهتين محددتين، بغية إنجاز مهمة معينة، ومن الواسطة ما هو محمود، أي أن التوسط في بعض صوره يكون محموداً وممدوحاً في حال كون التوسط لأجل الحصول على إمتيازات وخدمات خاصة، ليس لها علاقة بالمال العام، وليس لها ضرر بالمصلحة العامة، كأن يتوسط شخص بين عائلتين لإتمام عملية زواج، أو التوسط بين فردين لإتمام عملية بيع أو شراء أو صفقة معينة، حول أموال وخدمات وإمتيازات خاصة، تخص أفراد معينين من المجتمع. وهي من الظواهر الإجتماعية السليمة التي تعمل على تسهيل الكثير من الأمور وتمشية حاجات أفراد المجتمع بعضهم مع بعض.أما إذا كان التوسط لأجل الحصول على منفعة عامة يشترك في حق الحصول عليها الجميع كالتعيين وإنجاز المعاملات والحصول على الخدمات التي تقدمها الدولة فهو ضرب من أنواع الفساد، وأن على المؤسسة الحكومية أن لا تميز بين الأفراد على أساس العرق أو الجنس أو القرابة أو الطائفة أو الحزب وما إلى ذلك من أصناف العلاقات المختلفة.وقد يستغرب البعض حول تسمية هذه الظاهرة بالفساد الذي لا يقهر !! .. لماذا لا يمكن قهر هكذا نوع من الفساد .. ومكافحته والقضاء عليه في مؤسسات الدولة؟ .. سؤال وجيه . قد أعجز عن إيجاد إجابة دقيقة بشكل كامل، لكنني أرى أن الذي يميز هذه الظاهرة هو الدعم المجتمعي بكل تشكيلاته لها، وبمختلف أشكال الدعم، فالواسطة حتى في المؤسسات الرسمية تعد من الظواهر الممدوحة إجتماعياً، وأن الشخص الذي لا يقوم بعملية التوسط وتمييز العشيرة والحزب والجهة .. يعد خائناً وجباناً وغير أمين من وجهة نظر المجتمع، في حين يعد نزيهاً وأميناً وملتزماً من وجهة نظر القانون والتعليمات الإدارية. لذا تغلغلت هذه الظاهرة بشكل كبير وعلني في بعض الأحيان في المؤسسات الحكومية .. حتى قيل إن من لا واسطة لديه .. لا وظيفة لديه، ومن لا واسطة لدية .. لا تنجز معاملته بشكل سريع وبدون عراقيل ..!!من المعروف أن أي ظاهرة معينة في المجتمع تكون غير مرغوبة من قبل جهة معينة من وجة النظر الإجتماعية والسياسية والنفسية، يجب أولاً أن تخلق الرفض الداخلي لتلك الظاهرة، حتى تتحقق عملية فرز تلك الظاهرة عن سلوك المجتمعات وتجريمها إجتماعياً قبل أن تجرم قانونياً وإدارياً. فلو أردنا أن نحارب تلك الظاهرة .. يجب علينا قبل كل شي، أن نخلق رأياً عاماً رافضاً لتلك الحالة، من خلال إعادة بناء وتشكيل القيم والثقافة المجتمعية، لتكون تلك القيم والثقافة محاربة للفساد بدلاً من أن تكون حاضنة وراعية للفساد كما هو الحال الآن، إذ أن هنالك العديد من الظواهر الإجتماعية المصنفة من ضمن سلوكيات الفساد، ولكنها مستندة على أرضية واسعة من القيم والتقاليد الإجتماعية الحاضنة لها.خلاصة القول .. إن كنا نريد ان نكافح تلك الظاهرة، فعلينا أن نقوم بإعادة تنظيم وترتيب القيم الإجتماعية وإدخال بعض القيم الحديثة التي تنبذ الفساد كقيم حقوق الإنسان والعدالة والمساواة وغيرها من القيم التي تساعد المجتمع على النهوض وإزالة غبار التقاليد البالية التي أصبحت حجر عثرة أمام التطور والتقدم في شتى المجالات. وبالجانب المقابل يجب أن يصار إلى دعم وتحفيز تلك القيم الإجتماعية السليمة التي تنبذ الفساد بكل أشكاله، فكما أن هنالك قيماً إجتماعية حاضنة للفساد، هنالك قيم رادعة ومحاربة للفساد.
https://telegram.me/buratha