حافظ آل بشارة
يمر العراق بتجربة سياسية حافلة بالدروس والعبر ، انه الفشل الضروري الذي يتبين فيه الخيط الابيض من الخيط الاسود ، قبل التغيير كان المطلب الشعبي الوحيد هو النجاة من القمع ، والقبول بأسوأ الحلول ، مثلا القبول باحتلال اجنبي رحيم ، القبول بدكتاتور حنون ، دكتاتور عادل ، بأي نوع من انواع الديمقراطية المتاحة ، ولكن بعد التغيير عرف الناس ان الديمقراطية مثل الطبخة الخاصة بشعب دون غيره ، لا يمكن للهندي ان يطبخ بامية عراقية بنجاح كامل ، الديمقراطية فيها تفاصيل لا يعرف معناها الا وطن المنشأ ، استهلكت فرنسا وبريطانيا اجيالا من المفكرين والساسة وقادة العسكر لينتجوا أحدث نسخة من الديمقراطية ، فبلورت نموذجها الاجتماعي والاقتصادي والعقيدي والتنموي ، كان العراقيون يتصورون انهم مجرد حشد بشري يخرج من خيمة الاستبداد ليدخل الى خيمة الديمقراطية وسط الهلاهل . لكن مصائب ما بعد التغيير جعلتهم يتسائلون : اين الخلل في الشعب ام في الديمقراطية ام في الساسة ؟ وبدأت الاجوبة تأتي . الديمقراطية اداة تنتج نموذجا للحكم يحدده نوع الفوز الانتخابي ، هناك كتلة تحقق فوزا كاسحا فيمكنها تشكيل حكومة اغلبية سياسية ، وهناك مجموعة كتل متقاربة في الاصوات تضطر الى تشكيل حكومة ائتلافية ، بالمقارنة بين النوعين يتضح ان حكومة الاغلبية السياسية هي الافضل ، ومن حسناتها انها دستورية وشرعية متجانسة في عقيدتها السياسية متشابهة في رؤيتها التنموية متماثلة في برنامجها موحدة الهم موحدة الجهد متضامنة متكاتفة متعاونة لان فشل الجزء فيها يعني فشل الكل ، أما الحكومة الائتلافية فقد يحل فيها التنوع بدل التجانس ، وتعدد الرؤى بدل توحيدها ، فيجب ان تسعى الى تحقيق التكامل والتعاون والتفاهم أولا وتجنب التنافس ، فيؤدي ذلك الى تأخير مسار الحياة السياسية فتكون الادارة الأئتلافية اكثر بطئا وتعقيدا وبيروقراطية . أما في العراق فقد وقع الخيار الأسوأ ، وهو اختراع شكل ثالث جديد من الحكومات لاهي حكومة اغلبية ولا هي حكومة ائتلافية بل حكومة مشاركة وطنية ، انه نموذج ديمقراطي خاص مبني على الاعتقاد الخاطئ بأن الحكومة مكسب وتشريف وليس واجبا وتكليفا ، اراد العراقيون نموذجا يتخلص من مساوئ الحكومة الائتلافية فوقعوا في الاسوأ ، بدل التكامل بين القوى حل التنافس ، وبدل التعاون العداء ، وبدلا من ان يسعى كل طرف الى تقوية الاطراف الاخرى بدأ يسعى لاضعافها ، كل كتلة تسعى الى اثبات فشل شركائها ، وبدل الثقة المتبادلة تنمو المخاوف المتبادلة ، وبدل تقاسم الادوار يجري احتكار الادوار ، وبدل توحيد الصف مقابل الاجنبي يجري تمزيق الصف بمساعدة الاجنبي ، فرق شاسع بين حكومة المشاركة التشريفية وحكومة الواجب الائتلافية ، مقابل حكومة الاغلبية التي اصبحت حلما ، وهذا هو الدرس المهم الذي حفظه العراقيون من تجربتهم الحالية . في الانتخابات المقبلة سيفر الناس من حكومة المشاركة فرارهم من الطاعون ان كانوا مؤمنين .
https://telegram.me/buratha