احمد عبد الرحمن
لعقود طويلة، ولاسيما العقود الثلاثة التي شهدت سيطرة حزب البعث العفلقي على مقاليد الامور في العراق، تعرض مفهوم المواطنة الى حملات تشويه وتزييف كبيرة من قبل ذلك النظام، ولم تكن الاهداف والدوافع من وراء تلك الحملات غامضة وغير مفهومة، فالنظام البائد سعى جاهدا الى دق اسفين التفرقة بين ابناء الشعب العراقي الواحد مستغلا حالة التنوع القومي والمذهبي والطائفي والديني والعشائري، وراح يصنف العراقيين كيفما يشاء، ويوزع على البعض صكوك الوطنية، ويسلبها من البعض الاخر، ليوصمه بأوصاف عجيبة غريبة. وهكذا اختلطت المفاهيم وانقلبت التفسيرات لها، بحيث بات السارق شريفا، والخائن وطنيا من الطراز الاول، وصاحب المواقف المبدئية متخاذلا وجبانا، والامي والجاهل عالما، والمبدع والمفكر والمنتج جاهلا.وبسبب هذه التصنيفات والتوصيفات باتت المواطنة درجات ومستويات، لتتعرض لنفس ما تعرض له مفهوم الوطنية، وبالتالي حلت الماسي والكوارث والويلات، فالحروب الداخلية اندلعت لتحصد ارواح اعدادا هائلة من العراقيين في الشمال والوسط والجنوب، ومن ثم الحروب الخارجية لتزيد اعداد الضحايا وتلحق افدح الاضرار بالبنى التحتية وبموارد البلاد، ولتشيع العزلة والتخلف والامية والفوضى بدلا من الانفتاح والتقدم والتطور والعلم والمعرفة والثقافة، اضافة الى تحويل البلاد الى سجن كبير، يحتوي على الاف الزنازين الصغيرة وغياهب التعذيب والتغييب، ناهيك عن حملات التهجير القسري بأبشع الصور والمظاهر والاشكال، والحرمان من ابسط الحقوق الاساسية التي اقرتها كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية.ان النظام المقبور حينما راح ينتهج السياسات الاقصائية والتهميشية والدموية الاجرامية، لم يكن يهدف من ورائها الى بناء المجتمع والنهوض والدفع به الى الامام، بل انه كان يهدف الى يحطم اواصر الترابط بين مكوناته المختلفة، ويوفر ارضيات التصادم والتنازع، أي انه اراد ان يقوي ويعزز وجوده على حساب قوة الدولة والمجتمع.واليوم كلنا -كعراقيين-نشهد ونعيش وندفع الاثمان الباهضة لتلك السياسات الخرقاء والحمقاء.واذا كنا جادين في منع تكرار التجربة المأساوية فعلينا ان نقر بأنه في العراق الجديد لايوجد مواطن من الدرجة الاولى واخر من الدرجة الثانية. بل ان الجميع متساوون في الحقوق والواجبات وفق الدستور وان الفرص متاحة والافاق مفتوحة امام الجميع للمشاركة في بناء هذا البلد.
https://telegram.me/buratha