حافظ آل بشارة
كثير من ارباب السلطة يلقون خطابات فارغة حول الاعمار والاستثمار والتنمية ويعلم الخطيب وسامعوه ان اي حديث عن الاستثمار والاعمار في ظل الفساد حديث كاذب صاحبه مغرض او جاهل ، لي صديق يعمل اداريا في محطة تعبئة بنزين أهلية في مدينة تشتهر بالنزاهة ، المحطة مشروع استثماري نهض به أحد رجال الأعمال المتدينين من أهل المنطقة ، صديقي يتحدث كشاهد عيان يواكب الحدث يوميا ، قال : نذهب أولا الى مبنى المحافظة لنتسلم ورقة حصة اسبوعية من البنزين ، الموظف صاحب الشاربين الغليضين يرمقنا وهو مبتسم ببشاعة ويمد يده وهو يفرك الابهام بالسبابة علامة التوريق ، والاشارة تدل على مئة الف دينار ثابتة يتقاضاها هذا اللص الغامض لقاء تسليمنا ورقة الحصة ، نأخذ الورقة ونقصد مركز الشحن وقد اصطحبنا معنا صهريج المحطة ، يستقبلنا موظف لطيف المظهر ذو ابتسامة عريضة ، يرمقنا بنظرة عميقة ثم يمد اليد نفسها ليفرك السبابة بالابهام علامة التوريق ، مئة الف تسلم اليه نقدا خوف تلاعبه بالعداد ، ويخرج الصهريج ثقيلا محملا بالبنزين وعند باب الخروج تجتمع عصبة رجال مدنيين وعسكريين مسلحين وغير مسلحين واصوات الحاكيات في كل مكان وكأن حربا ستندلع بعد لحظات يطلبون ابراز ورقة جواز الخروج ، يجتمعون كمخلوقات مفترسة باشكالهم الكريهة ثم يتقدم اليه كبيرهم يبتسم ببشاعة كاملة ويمد يده وهو يفرك الابهام بالسبابة وهي اشارة الى مئة الف دينار تسلم اليه وان لم يحصل عليها منع السائق من المغادرة بتهمة نقص اجراءات السلامة ! وينطلق الصهريج وحين يصل الى نقطة معلومة في الصحراء يتوقف فجأة على جانب الطريق وينزل السائق بدشداشته وكرشه وشاربيه الغليضين ينظر من طرف خفي الى بيت قديم في المزرعة القريبة وفجأة ينطلق من ذلك البيت الخرب سرب من الاطفال القذرين يحملون عشر عبوات بلاستيكية من فئة 20 لترا ، وكلما امتلأت عبوة تلقفوها عائدين الى البيت العتيق ، ويختتم المشهد بيد السائق يمدها الى كبيرهم يفرك السبابة بالابهام علامة تسليم ثمن مئتي لتر ، يصل الصهريج الى المحطة ويستقبله العمال ويبدأون بتفرغ الحمولة في المخزن ، بعد لحظات يتقدم حشد من العسكريين يطوقون المحطة ، من هؤلاء الرجال الاشاوس ؟ انهم حماية قائد عمليات المحافظة جاءوا يريدون حصته المجانية ومعهم صهريج صغير ! وعصابة عسكرية ثانية وثالثة حماية فلان ، و حماية علان ، يقول صديقي : افتح السجل وعلي ان احصي مجموع ماقدمنا من رشوات لهذه الحصة ومجموع ما اعطيناه من البنزين خوفا وطمعا ومجموع ما سرقه السائق فيبقى لدينا مقدار لا يسد رواتب موظفي المحطة ، ما هو الحل ؟ الحل واضح ومكرر ، اعزلوا نصف الكمية المتبقية ليبيعها فريق الغلمان التابعين لنا على الارصفة بسعر السوق السوداء ، والنصف الآخر يباع بسعر المحطة وهو لا يكفي الا نصف عدد السيارات التي تقف بالدور منذ عشر ساعات فقط . بربكم هل هذا مشروع استثماري وما هو مصير هذا المستثمر المسكين ؟
https://telegram.me/buratha