حمودي جمال الدين
كما يعرف نفسه ((عربي في وجوده ومشاعره ومسلم في هويته ودينه وديمقراطي في اسلوبه وممارسته))ولد في العام 1927 بقرية المؤمنين قضاء سوق الشيوخ لأسرة دينية وأدبيه ,تربى في حضن جده الذي كان زعيما لقبيلته ومرجعا دينيا تعود إليه بعض عشائر وقبائل ألوية الناصريه والبصره والعماره.وعند بلوغه الحادية عشر من عمره ولظهور علامات النبوغ والتفوق عليه توسم جده به خيرا , فبعثه لدراسة العلوم الدينيه والادبيه في مدينة النجف الاشرف التي كانت ولازالت مركزا علميا وأدبيا وفكريا يستقطب اليه كل طالب علم ودين حيث كان يؤمها من جميع المدن العراقيه والأقطار الاسلاميه ألاف الطلبه للتتلمذ والدراسه والنهل من علومها وآدابها .انكب شاعرنا على دراسة العلم والفقه في حوزاتها ومساجدها وترعرع على دراسة الأدب واللغة في مكاتبها ومجالسها وندواتها الادبيه . وبالرغم مما كانت تفرضه البيئة النجفيه الصارمه في ألمحافظه والانغلاق في مظاهرها الاجتماعيه إلا أنها كانت منفتحة في ثقافاتها وأفكارها لتنوع مصادرها وقراءاتها . لهذا كان يسميها 0(الفكر المنفتح في المجتمع المغلق ).ولتعدد مدارسها العلمية وكثرة أقسامها الداخلية التي تقطنها مختلف الأعراق والأجناس من الوافدين للدراسة إليها واللذين يحملون ثقافات وميول تختلف باختلاف بلدانهم التي انحدروا منها ,واضافه الى ما كانت تزخر بها الساحة السياسية العراقية والعربية والعالمية من تناقضات وصراعات في النصف الأول من القرن العشرين ونظرا لتطلعات العراقيين نحو الثورة والتغير والمطالبة بالاستقلال والسيادة الوطنية أسوة إلى ما كان يعصف بالعالم من حركات التحرر الوطني والقومي . ولكون شاعرنا ينحدر من أسرة مفعمة بالحس الوطني حيث قارعت الانكليز وناصبتهم العداء إذ رفع جده عناية الله جمال الدين راية الجهاد متزعما عشائر سوق الشيوخ وضواحيها في معركة الشعيبه والسفحه الشهيرتين إثناء الحرب الكونية الأولى ,فكان يعتز بهذا الموروث ويؤرقه.ضمن هذا الوسط الاجتماعي والوطني والثقافي انصهر جمال الدين فتكيف عليه وتجانس معه وتفاعل مع معطياته مما خلق في نشأته وتربيته النواة الأولى لبلورة فكره ومعتقده واتساع مداركه ومشاعره الوطنية .فراح ينشد التغير والتطور ومناهضة التحجر والخمول ابتداء من مناهج الدراسة وطرق التدريس في البيئة الثقافية النجفيه ,فشكل مع شلة من الشباب اللذين يحملون نفس نهجه وتفكيره ملتفين حول العالم والشيخ الفقيه محمد رضا المظفر الذي كان يتزعم حركة التغير والتطوير. وبعد معاناة وصراع طويل استطاعوا إن يؤسسوا نواة( كلية الفقه ) التي أدخلت في مناهجها الدراسية دروسا جديدة كالمنطق والعروض والتاريخ والفلسفة واللغة الانكليزية وغيرها الكثير اضافه الى التجديد في أسلوب و طرق التدريس التي اعتمدت على الامتحانات الفصلية والسنوية .هذه ألبذره أثرت وبشكل ملحوظ على عموم الدراسة العلمية والدينية وطرقها في النجف الاشرف.وقد استعرض في قصيدة له في العام 1955 المناهج التي تدرس ومساؤها ومطالبته بالتجديد.هذي المناهج أقمار مهلهلة مرت على نسجها الإحداث والعصروسوف يأتي زمان لا ترون بها إلا خيوطا لهمس الريح تنتشرومغالط من راح يقنع نفسه إن القتاد إذا سقاه يثمرحتى كأنك قلت دين محمد متفسخ ونظامه متأخرالتزم بقضايا وطنه وأمته ومعتقده ,فلم يتخلف أو يتوانى يوما عن المشاركة والانصهار في احداثها الساخنة ولم يترك مناسبة يشترك فيها إلا ووظفها للتعبير عن أحاسيس الناس وتطلعاتهم وإيصال ما يجيش في أذهانهم من طموحات وأمال ومن الام ومحن ,كان مأخوذا في الإحداث في وطنه وأمته فيدخل في وسطها بكل جرأة وشجاعة غير هياب أو متململ ليقول رأيه مستعرضا ومتلمسا مواطن الخلل والضعف مقتفيا السلبيات والأخطاء ومحرضا بعين ثاقبة وبصيرة واعية ليوقظ النفوس ويثير العزائم ويشحذ الهمم لمواصلة العطاء ومواكبة الأمم في تطورها ورقيها .تلك سجية جبل عليها من شبابه الشعري الأول حتى وفاته ,وديوانه الشعري يعج بعشرات القصائد التي يؤرخ فيها الإحداث الجسام لشعبه وأمته ,مذكرا بالتضحيات والبطولات والنضالات التي خاضوها في مقارعة الظلم والطغيان وبالمأثر الخالده التي توجت هاماتهم وتأريخهم.عاش شاعرا مستقلا لم ينتمي لاءي حزب أو جهة تنظيميه سياسيه من التنظيمات التي عرفتها الحركة الوطنية العراقية (وله فهم في السياسة كما يفهمها المحترفون السياسيون فهي زاد العرب اليومي )لكن كونه شاعر فضل إن يكون مستقلا برأيه لا إن يكون مسيرا من أي حزب أو تنظيم يفرض رأيه وإرادته وأسلوبه عليه .فهذه الاستقلالية تعطيه متسعا يستطيع من خلالها إن يأخذ أي موضوع ويتناوله بطريقته الخاصة وبأسلوبه ليعبر فيه عن رأيه ومعتقده لا بما يفرض عليه ,فهو ملتزم بالقدر الذي لايسمح للالتزام بمعناه المتحجر الضيق الأفق والذي يوقف الشاعرفقط على ما التزم به من انتماء .وله رأي قاطع في ذلك اذ يقول ((ان الشاعر العربي اما ان يكون شاعرا او سياسيا منتميا هكذا علمتنا صرامة الانتماء في الوطن العربي حيث لا تترك مجالا لاي شاعر يريد ان يعبر عن احاسيسه ومشاعره بالشكل الذي يمليه عليه وجدانه فهو شاعر لا منتم يقف مع الجميع ويختلف مع الجميع في الحدود التي يمليها عليه وجدانه الشعري من جهه والتزامه السياسي والفكري من الجهه الاخرى)). وبهذ استطاع ان يفرض وجوده كشاعر ليس على مستوى القطر فحسب بل على مستوى الامه العربيه.عرفته كل منتديات ومؤتمرات الادب والشعر العربي ابتداء من مطلع الستينيات من القرن الماضي الى ان وافاه الاجل ,فكان فارس حلباتها وصوتها الجهور. وما قصيدته الرائعه في مؤتمر ادباء العرب الذي انعقد في بغداد 1965 والتي عنوانها (بغداد والعصر الذهبي)
بغداد ما اشتبكت عليك الاعصر إلا ذوت ووريق عمرك اخضرمرت بك الدنيا وصبحك مشمس ودجت عليك ووجه ليلك مقمرلله أنت فأي سر خالد إن تسمنيوغذاء روحك يضمرإن تشبعي جوعا وصدرك ناهد.أو تظلمي افقا وفكرك نيرتألق نجمه كشخصية اجتماعيه ووطنية وفكرية مرموقة دون إن يكون محسوبا على أي طرف أو حزب سياسي وما يضفيه ذلك من ترويج وتطبيل للصعود والشهرة لمنتسبيه .عرف بعزة النفس والنزاهة فلم يرخص قلمه وشعره لإغراض التزلف والتمسح بأذيال الحكام أو مراجع الدين العظام الذين عاصرهم .كان عصاميا رغم شظف العيش والحاجة التي عاشها في البيئة النجفيه ,فلم يعرف شعره مديحا لأي حاكم أو مرجع دين ,ولم يحكر شعره وهمومه على وطنه بل امتدت منابت شعره من تلال وهران حتى صحراء طبس في ايران .كان يفرح لفرح هذه ألامه ويتألم لآلامها ويشاركها المصير والهدف ,وكانت قضية العرب المركزية فلسطين التي شب عليها وعلى إحداثها رفيقة له حتى مماته حيث أخذت من شعره الكثير فأفاض فيها ولم يترك مناسبة في كل المحافل والمؤتمرات العربية التي اشترك فيها إلا وكانت فلسطين محور قصيده . فيقف في مؤتمر الأدباء العرب الذي انعقد في بغداد 1969 ممجدا بالعمل الفدائي الذي جاء ليغسل عار هزيمة الخامس من حزيران ويحذر من مغبة التآمر عليه وإجهاضه ويرى فيها إن طريق إنصاف الحلول استسلام وليس سلام فالسلم لا يأتي الا بمنطق القوه حيث يقول.لملم جراحك واعصف أيها الثارمابعد عار حزيران لنا عاروخض لهيب وغى لابد جاحمها .يوما فان بريق السلم غرارإن تحرق البغي تجلو ذل موقفناأو تحترق فطريق الجنة النارعشرين عاما ركبنا ظل قادتنا نطوي المتيه ونسري حيثما سارواوقال في مؤتمر الأدباء العرب في دمشق سنة 1971 .يبس الجرح فانتفض ياشهيدنام عن ثأرك الكماة الصيدالعيون التي تجمر فيها السهديوما قد مل منها الرقودوالسيوف التي تفجر فيها الحق حتى ذابت عليها الغموديالاحلامنا الثكالا اهذا الكالح الوجه فجرنا الموعودخير ما عندنا حماس يشق الدرب للسالكين وهو قعيدوخطاب كجلوة الورد باق.............منه في كل مسمع توريدحارب التعصب الديني والمذهبي ودعا إلى تقارب المذاهب والأديان والالفه بينها ((وان الاختلافات الحاصله رحمة وضروره من ضرورات الحياة والوجود لأي فكر ودين على ان لايؤدي الى الاصطراع والتجزئة وتشتت قدرات ومؤهلات هذه ألامه أو أبناء الوطن الواحد في أمور وقضايا جانبيه تبعدهم عن أهدافهم وتحقيق مصيرهم المشترك)).كان يرى في الإسلام مشروع العصر وآلامه والأفق الذي يتحقق فيه الانفتاح والتحرر والانعتاق ,لم ير فيه سجنا للإنسان ضمن اطر محدده وعقيدة جامدة لاتقبل النقاش والحوار او ملائمة العصر كان يرى فيه فكرا وعقيدة حضاريه تتلاءم مع مختلف العصور ,فبمنهجية الإسلام وأسلوبه ومعالجته لكثير من الأمور يستوعب كل الحضارات والثقافات والأفكار لكن عندما يتحول الإسلام إلى المتاجرة والتسييس يصبح ملكا عضوضا يستغل من قبل الحكام والسلاطين في تمرير مآربهم ومصالحهم النفعية وتسيد آرائهم وأفكارهم فيغدقوا العطاء لذوي النفوس الضعيفة من المتزلفين والانتهازين ووعاض السلاطين ليدبجوا مااوحي لهم من ذوي النفوذ والتجبر.لم تعرف الطائفية مدخلا لفكره وأسلوبه وتعامله مع الجميع بمختلف مللهم ونحلهم ,جاهد مخلصا في بلده لنبذ الطائفية والتقليل من غلوائها ,وشارك في تقديم الأطروحات والمذكرات التي تعالج الموضوع الطائفي إلى كل الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق شاجبا التمييز والتعصب المذهبي وواضعا الحلول لها وفي مقدمة ديوانه يقول ((لقد استوعبت هذه العقيدة بتشريعها وفكرها جميع متطلبات أبناء الديانات الأخرى التي عاشت في ظل الإسلام في هذه القرون ورعت حقوقهم الدينية والمدنية حتى في العصور التي كانت فيها دولة دينيه فكيف لاتحميهم ونحنو ندعوها لان تكون دولة مدنيه ذات أسلوب ديمقراطي تستمد تشريعها من أصول وتشريعات الإسلام )) وقال في ذلك شعرا كثيرا فهو حين يخاطب امة الإسلام.وتعددي طرقا فلا توهي السرى سعة المذاهب والمدى متوحدوالرأي تصقله العقول تخالفت.نظرا وقد يصديه عقل مفردوالخوف ليس بان نكون منائراشتى تضيئ لنا السبيل وترشدالخوف بان يبنى فريق مسلمبحطام أخر مثله يتبددوالخوف ان العنصرية هومتزمنا فايقضها الدم المستوردوالخوف ان الطائفية تبتنياعشاشها بين العقول فتمجدكان يرى في الديمقراطية الأسلوب الأمثل للدولة العصرية في النتاج الحضاري المعاصر فهي لاتتعارض مع معتقدات وخصوصيات كل أمه مهما اختلفت وفي أي مكان وزمان كانت ,فلا يكون فيها تمييز لبشر دون أخر حيث تذوب فيها العنصرية والمذهبية واللون والمعتقد وهي في مجتمع كالعراق خير آلية لحل كثير من مشاكله وإمراضه المستعصية .ويرى (إن لا وجود لأي تعارض في هذا المزيج الثلاثي بين العروبة والديمقراطية والإسلام في ذهنه كشاعر إلا أنها تجد تعارضا في أذهان المحترفين من القومين والاسلامين الذين اتخذوا من العروبة والإسلام إيديولوجيه عصبيه وشوفينية ضيقه لهم )والعروبة التي كان يدعو لها (هي ليست تلك القومية ألضيقه بل هي ذلك الجسد الذي كان الإسلام روحه تتسع لكل ما يتسع له الإسلام من قوة وسماح وباستطاعتها إن تحمي ثقافات ولغات شركائها في الوطن الواحد وتحمي حقوقهم القومية بنفس المستوى التي تحمي بها العروبة لغتها وحقوقها القومية).كان من مؤيدي الحداثة والتجديد في الشعر العربي فلم يقف منه موقفا رافضا ومعارضا كما وقف غيره من شعراء العمود الشعري ,إذ يرى في الحداثة سمة من سمات كل جيل حيث لابد إن يأخذ بسمات التطور والتجديد ,لكنه يأخذ عليه تنكره لثوابت لغته وأدبه وتركها وراء ظهره وهو يحاول هذا التحول (فبدا وكأنه يزرع الرز في صخور الجبال أو الزيتون في مستنقع الاهوار ).كتب عن هذا الموضوع الكثير من المحاضرات والمقالات وله مؤلف في عروض الشعر العربي يعتبر من المراجع العروضية التي يرجع إليها ومن المناهج المقررة في قسم الآداب جامعة بغداد وكلية الفقه في النجف الاشرف والموسوم (الإيقاع في الشعر العربي من البيت إلى ألتفعيله ).والى جانب تألقه في الشعر والأدب والى آرائه في الحياة والدين والسياسة ,كان عالما متنورا في علوم الشريعة وفقهها ونحويا بليغا سبر غور اللغة وغاص في أعماقها وله الكثير من الدروس والمحاضرات والبحوث في ألبلاغه والمنطق والعروض والفلسفة أضافه إلى كتبه ألمنشوره في الفقه والأدب والنحو .زاول التدريس لأكثر من عشرين عاما في كلية الفقه وأصول الدين وجامعة بغداد كلية الآداب.فعرفته مقاعد الدراسة وتتلمذت على يديه أجيال فاستنارت بعلمه وأدبه وفكره .وأشبعت كتبه وبحوثه ومؤلفاته التي زخرت بها المكتبة العربية إفاضة وتحليلا ودراسة من لدن ذوي الاختصاص والباحثين .وفي ظلام الدكتاتوريه وسياستها الرعناء وادعاءاتها الفارغة في محاكاة الانفتاح واستيعاب التجارب السابقة حاولت الالتفاف على بعض الشخصيات ذات البعد الاجتماعي والثقافي والوطني في محاولة لكسب ودها وتأيدها والاصطفاف الى جانبها ,حيث جاهدت بكل أساليبها الخبيثة في استمالته إليها بمحفزات ومغريات ومناصب ظنا منها انه ينخدع وتستهويه هذه المظاهر وبهرجتها البراقة.ولتعففه واحتراما لمبادئه واعتزازا بشخصيته وسمعته أبى بكل عزم وثبات إن يرضخ لمغرياتها وأساليبها الدنيئة ,حيث كان يتوجس بهذه الفئة التي اعتلت السلطة في غفلة من الزمن شرا ومن بشائرها الأولى وإنها ستغرق العراق وشعبه في أحلك الظلمات وستجره إلى عصور الانحطاط والتردي. ولما تمادت في غيها وأعلنت الحرب على ألجاره إيران وأرادت إن تحشد لها الدعم والتأيد لعدوانها الصارخ من رجالات العراق وشخصياته فكان جمال الدين من ضمن أهدافها نظرا لما كان يتمتع به من سمعة طيبه وسلوك قويم ومن مركز اجتماعي مؤثر في نفوس محبيه وعارفيه ,لكن احابيلهم وحيلهم وضغوطاتهم باءت بالفشل فلم تنل مرادها في الحصول على تأيد اوتصريح او تعاطف يتماشى مع صلفهم وعنجهيتهم ,ولما عجزت محاولاتهم اتبعوا معه أسلوب التهديد والوعيد .وهنا كان إمام خيارين لا ثالث لهما إما التمسح بأذيال السلطان والقوه والتسبيح لهما وبذلك يفقد شخصيته واسمه وقلمه وستلاحقه لعنة التاريخ والضمير الذي لايرحم ,أو ألهجره عن أهله ومربض صباه وطفولته ووطنه وكان هذا خياره الأرجح الذي نجا فيه من التلوث في وحل الجريمة والذي انتصر فيه لاسمه ومركزه وشرفه ولقلمه وللفكر والثقافة عموما .ولكنه في غربته ظل ملتصقا في وطنه ومواصلا النضال من موقعه الجديد حيث وجد ألغربه أكثر وأنجع سخاء وحرية في العطاء شعرا وأدبا ونضالا ,وظلت قضية العراق وشعبه شغله الشاغل وهمه الذي لاينقطع فكانت واجبا مقدسا لم يراها منفصلة عن حياته الخاصة ومتطلباتها حيث حملها فوق عمامته وبقلبه وقلمه من اجل إيصالها إلى كل المحافل العربية والاسلاميه والدولية من خلال اشتراكه في الندوات والمنتديات السياسية والادبيه والفكرية.تميز بالشفافية ورهافة الحس والتواضع فكان مجلسه وبيته في دمشق يكتظ بالزائرين ومن مختلف المشارب والطبقات ومحط أمان وراحة لأبناء شعبه ممن اعياهم التعب وكدهم الحيف والظلم في زمن المحنه والتشرد.لم يتحرج يوما في الولوج إلى أي موضوع ومناقشته أو الاجابه عن أي سؤال يطرح عليه حتى تلك التي لا تتناسب مع زيه ومقامه ومركزه ,سؤل يوما من احد الصحفيين لماذا تكتب الشعر في الغزل وأنت رجل دين ومعمم ؟؟وهو سؤال يكاد يكون تقليديا ممن لم يطلعوا على ثقافته وسلوكه ,فلم يجد حرجا إن يجيب سائله (وهل خلق رجل الدين بلا قلب أم إن قلبه من حجر الله خلق المشاعر والأحاسيس عند رجل الدين كما خلقها عند أي إنسان آخر ولم يقف الإسلام وشرائعه حائلا إمام مشاعر الناس وأحاسيسهم اذا كانت ضمن المألوف والمعقول ).كان يصغي لمحدثه بكل انتباه وأناة أيا كانت منزلته وشخصيته ومستواه فيمنحه الثقة والاطمئنان.عرف بتواضعه الجم إلى حد ألبساطه فلم يركبه الغرور والنرجسية أو التكبر وهو يصغي إلى كلمات وقصائد المدح والتبجيل في كل محافل الحفاوة والتكريم التي كانت تقام له أينما حل وارتحل ,كان يتقبلها بوداعته وهدوئه وابتسامته المعهودة التي لم تفارق شفتيه سخر كل ما كان يتمتع به من جاه ومنزلة لقضاء حاجات الناس من أبناء شعبه ممن انقطعت بهم السبل وخاب بهم الرجاء .لم يتوانى او يتلكأ عن أي مطلب لمحتاج فخدمة أبناء شعبه واجبا وفرضا لا مندوحة عنها تحتمها مبادئه وانتمائه وسيرته .وبروحية الشاعر الملتزم بقضايا وطنه وأمته تعامل جمال الدين مع الأدوار السياسية التي عاصرها معبرا عن أماني وطموحات أبناء شعبه في الحرية والانعتاق وفي بناء عراق مستقل متقدم يضاهي الأمم في تطورها .ففي العهد الملكي يقف ومن دار الاذاعه العراقيه في سنة 1957 منددا بالسياسات الفاضحة التي تحاول ربط العراق وجعله رهينة لسياسة الأحلاف الاجنبيه وتوجهاتها التأمريه على بلده وعلى الشقيقة العربية سوريا ومحاولة إسقاط الحكم الوطني فيها عندما اتهمت بانحيازها للمعسكر الاشتراكي .ياشعب همك من بنيك لأنهموان احتملت همومهم غرباءممن اتو للحكم يثقل خطوهمفي الدرب إن قطيعهم أنضاءياشعب همك من بنيك وعاذرامن كان شر عدائه الأبناءقالوا بأن سياسة بناءةسلك العراق وأننا سعداءوبأن إخوتنا تنكب ركبهمعنا وشرق ريحهم فأساء
وكغيره من أبناء جيله كان يتطلع للغد السعيد الأتي الذي سينتشلهم نحو الرقي والتمدن ويأخذ بهم إلى مصاف الحضارة والتقدم إلى مجتمع تسوده المساواة وسيادة القانون مجتمع التكامل الاقتصادي المستقل الذي تختفي مظاهر النعرات الطائفية والمحسوبية العشائرية ألضيقه .فكانوا أرضية خصبه لاحتضان هذا الوليد بإطلالته البهية وبروح المتلهف الولهان وبمظاهر الاحتفال والغبطة شاركوا أبناء شعبهم غمرة فرحهم ,لكنه مر طيفا مسرعا يحرق اكفهم ويسدل غمامة سوداء على أحلامهم ,ويحيل الأرض إلى ساحة من الصراعات والمنازعات ,ويغرق العراق في لجة متلاطمة صاخبة الأمواج والأهواء ,فيقف مستنكرا ومستاء مع أبناء شعبه لهذا الإحباط . واليأس ومتسائلا \\\\\\ لاتسلنا اين انتهينا وماذا..............سوف ياتي به الغد المنشود سوف يأتي به الغد المنشودليس غير الأحلام نجترها ضغثا ونلهو بصقلها ونعيدياخيال الغد السعيد سلاملك من عطف أمسنا وعهوديوم كنا وانت احلى أمانيناوأشهى مازوقته الوعودفإذا أنت في الشخوص التينلمح طفل مغرر رعديدتتساوى لديه إغفاءة الفجرولفح الظهيرة الموقودولم يتوانى أو يألو جهدا لمواصلة النقد والتوجيه والكشف عن مواطن الزلل والخلل ,مستعرضا السنين العجاف التي مرت على عمر الاستقلال الوطني ,ولم يحصد العراق منها سوى أكداس من الخطب والشعارات البراقة بفعل السياسات الحمقاء والممارسات الخاطئة لحكام العراق .ففي العهد ألعارفي الذي تميز بالانكماش السياسي والاقتصادي وتفشي مظاهر الطائفية والعشائرية والفؤيه. ينتهز جمال الدين اربعينية العلامه الشيخ محمد رضا الشبيبي حيث يقول.ياسنينا شاب الزمان بها روحاوما شاب عزمنا والوثوبورياحا قد مزقتنا ولكنما نسى ضيعة الشمال الجنوبودماء يظل ينهبها السيففيذوي لأنه المنهوبوشعار نجلو به وحشةالمسرى وكل الذي به مكذوبأرفق بالعراق قد ذبل الحبوجفت من الضرام القلوبوفي غربته يضل ملتصقا بوطنه ويواصل العطاء معبرا عن الام واحاسيس شعبه وما يعانيه من الم وجوع ومن ظلم وحرمان تحت رحمة السياسه الهوجاء لنظام القتله في بغداد المنصرفين لإرضاء إطماعهم و ملذاتهم وشهواتهم متناسين إلام شعبهم.على حين يبني الحزب يختا مذهبالمن غال مجد الرافدين وهدماثلاثون ندعو العرب فيها لوحدةحصيلتها إن العراق تشرذماوحرية ذاق الجنوب وبالهاوعب الشمال الغاز حتى تسمماوكانت ثمار الاشتراكية التيرفعنا عراقا فاقد القوت معدماوشيدت قصور الحكم فينا بأضلعتكسرن في العشرين كي يتحكماوكانت انتفاضة الشعب العراقي في آذار 1991 تتويجا للتحدي والصمود العراقي وكسرا للخنوع والذل الذي عانى منه شعب العراق طيلة عمر النظام ,فكان فيه موضعا للشك والريبه في قدرته وارادته وانه شعب لاحول ولا قوة له فجاءت وثبته لتثبت أصالة معدنه ووحدة ترابه ودمه وتاريخه المشترك ,فلم تنل منه الحروب الداخلية المصطنعة ولا النعرات الطائفية والاثنيه التي حاول النظام جاهدا طيلة عمره زرعها في نفوس أبنائه ,حيث ناغم الشمال الجنوب في ترنيمة واحده خاليه من الاحقاد والفتن .وكانت أكثر زهواوفخرا في نفس شاعرنا عندما يجد أبنائه وأهله وعشيرته في غرة فجرها ومن المشاركين في إشعال شرارتها الأولى متناغمين بأحاسيسهم ومشاعرهم مع زعيم قبيلتهم وأبوهم الروحي والرافض للإذلال والمهانة.ومن رسالة كتبها إلى أولاده في معسكر رفحاء السعودي على الحدود العراقيه السعوديه والذي استوطنوه بعد قمع ألانتفاضه من قبل النظام الصدامي,حيث يحي فيها وقفت الصمود والتصدي لأبناء شعبه في مقارعة الظلم والطغيان.((كتب عليكم إن تكافحوا الطغيان والعسف طيلة عشرين عاما حتى اذن الله لكم إن تثوروا عليه مع قلة العدة فلاقيتم صابرين صنوف الأذى ولا تزالون وليس تقلبكم في هذه الصحراء المجدبة وصبركم عليها إلا استمرارا للظروف القاسية التي امتحنكم الله بها طيلة هذه السنين العجاف فصابرو واصبروا وترقبوا الفرج فأن الله لايمكن إن يترك الظلم مطلق العنان فنحن وان كنا نجهل حكمته في ذلك إلا إننا نؤمن بعدله وان الله لابد إن يأخذ للدماء التي أريقت والإعراض التي هتكت ثأرها من الظالمين والمستبدين))ولا عجبا من إن يؤرخ انتفاضة الشعب العراقي شعرا ومن خلالها يؤرخ تاريخ شعب العراق في اقسى وأمر فترة ممحلة هدرت كل طاقاته وامكانياته ,وبروح صادقة تفيض عذوبة وحنانا واستلهاما من تلك الصفحة الخالده التي سطرها أبناء العراق يستبشر شاعرنا بحفيده (يقظان) الذي وضعته أمه في صحراء نجد بعد إن فرت مع من فروا من أهلها وذويها عندما قسى النظام بصواريخه ومدافعه على قريتها إبان قمع ألانتفاضه.نبؤني يامن برفاحاء بانوا كيف يغفو بليلها اليقظانكيف هزت عواصف الرمل مهداضجرت من بكائه الأوطانضاق فيه حضن االفراتين ذرعافتلقته هذه الكثبانفأستنامت في نجد إحدى مقلتيه وفي العراق الجنانوهنيئا لحاضني القائد الرمزوما يحضنون هذا الرهانغير إنا على الصحارى وما هناوهم في ذرى القصور وهانترأس وفدا رفيع المستوى بعد قمع الانتفاضه إلى الدول الكبرى صاحبة القرار طارحا فيها مأساة العراق وشعبه تحت نير الجلاد واستبداده ,وما كان يعانيه هذا الشعب من حصار جائر مزدوج متحملا تبعت اخطاء نظامه .منددا ولائما على مواقف تلك الدول التي حثت الشعب على الانتفاض على حكامه بعد نصرها الذي حققته بتحرير الكويت وتركت هذا الشعب وجها لوجه مجردا من كل قوة متكافئة مع القوه والتسليح الذي يمتلكها النظام ,حيث وقفت هذه الدول مكتوفة الأيدي تتفرج على حمام الدم الذي استباحه النظام على شعبه بعد إن ولت جيوشه هاربة مخذولة تجر أذيال الخزي والعار فارتدت فوهات أسلحتها على أبناء شعبها لتثأر عن هزيمتها وانكسارها .كما خاطب الضمير الضمير العربي والإنساني شعرا ونثرا واشتركا في النداءات مع بقية الأحزاب والهيئات الانسانيه ,وكانت مأساة تجفيف الاهوار في المنطقة الجنوبية تحزنه فكتب فيها محاضرة ألقاها في لندن في محفل جماهيري من مختلف الأعراق سماها.(محنة الاهوار والصمت العربي) شارحا فيها الطبيعة الطوبوغرافيه للمنطقه وتاريخها وكيف يعمد النظام الى إبادة الجنس البشري والحياتي من خلال تجفيفه للاهوار فيقتل الزرع والضرع ليخلق حزاما امنيا لنظامه .وفيها يناشد الامه العربيه والاسلاميه ان ترفع أصوات الاستنكار والاحتجاج وترفع يدها عن هذا النظام وتأيده ((ونريد منكم إن تشعرونا إننا عرب مثلكم وان دمائنا التي تسيل في اهوار العراق وسهوله هي من نفس الشرايين التي أمدتكم بدماء قيس وتميم وأسد وعامر فلماذا هذا الصمت))فرمى الماء للصحارى ليظمئالحقل والنخل والربى والطيوروالى كل نخلة لم تطأطئرأسها واللظى عليها يجوروالى كل نبتة شمخت ظمأىفماتت وما لواها الهجيرجئت اهدي الديوان يعبقمنفيا وما ضمخ الطغاة العبيروكان يؤرقه التمزق والتشتت في الصف الوطني المعارض للنظام الصدامي ولكونه يتمتع باحترام وتقدير من جميع الإطراف المعارضه ,لذا كان يسعى دائما للملمت الصف وتوحيد الجهود والتقريب بين وجهات النظر المتصارعه والمتفاوته.فكان بيته ملتقى فكريا وسياسيا يحف بالجميع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار .اشترك في كل المؤتمرات التي عقدتها المعارضه العراقيه وعمل على إذابة الجليد بينها محاولا الإصلاح وتهدأت المواقف وكان من المشجعين على إقامة مؤتمرا وطنيا تنضوي تحت لوائه كل الكتل والفصائل الوطنية المعارضة للنظام ,ولكن ظل يحز في نفسه ويؤلمه ذاك التشرذم والانقسام فقال يخاطب إخوته المعارضون العراقيون متبرما ومعاتبا.أيها المدلجون في ظلم المنفىوزاد المسيرة الارهاقالقريبون والوفاق بعيدوالطليقون والخلاف وثاقليس امنا إنا ننامولا يألف أجفان أهلنا إطباقوقصارى ما تأملون تصاريحسمان تلوكها الأشداقثم لا شيء غير إنا قطيعباعه المترفون منا وساق
وفي 23101996 رحل جمال الدين إلى دار حقه تاركا ورائه الذكر العطر والسيرة الحسنه والحب الذي يعتمل في صدور عارفيه ومريديه .وتقديرا ووفاء لعلمه وأدبه وشاعريته ومواقفه الوطنية والقومية من قضايا وطنه وأمته منح اعلي وسام استحقاق من الدرجة الممتازة من قبل القيادة السورية بعد وفاته حيث وري جثمانه الطاهر التراب في مقبرة الغرباء بدمشق مجاورا لعقيلة الطالبيين ألسيده زينب .في الوقت الذي بخل عليه وطنه إن يحقق له أمنية طالما راودته ان يدفن في المدينة التي نشأ وترعرع في أحضانها جوار علي والأئمة الأطهار .له من المؤلفات المطبوعة
الاستحسان حجيته ومعناهالانتفاع بالعين المرهونةالبحث النحوي عن الاصولينالإيقاع في الشعر العربي من البيت إلى ألتفعيلهديوان عيناك واللحن القديموالديوان بجزأينوهناك الكثير من البحوث والمحاضرات والدراسات المطبوعة وغير المطبوعة.معذرة لتركيزي على الجانب السياسي لسيرة الشاعر وتجاربه الشعرية في هذا المضمار لتصوري إن العراق وشعبه يمر في أدق مرحلة فاصلة من تاريخه السياسي والحياتي لبناء دولته المدنية الديمقراطية التعددية التي ناضل مصطفى جمال الدين من اجل تحقيقها وازدهارها ,والتي تتطلب منا جميعا إن نؤثر في هذا الحديث على غير من اجل تعضيد ومؤازرة هذا البناء الجديد.
https://telegram.me/buratha