السيد حسين الصدر
ربحوا الحج وخسروا الناس
اذا كانت الرغبة في التشرف بأداء مناسك الحج تملأ جوانح المؤمنين فان ثمة كوابح وعقبات تحول دون تحقيق ذلك .وفي طليعة المعّوقات أنّ الحج لا يُتاح الاّ للفائزين بالقرعه التي تجريها هيئة الحج والعمرة لعموم المواطنين الذين يقدمون طلباتهم اليها ،حيث ان المحدّد من الارقام لكل بلد يفرض ذلك .ولكّن السؤال المركزي الذي يطرح نفسه بإلحاح هو :هل النواب العراقيّون المتوجهون الى الديار المقدسة هم من الذين فازوا بالقرعة ،وساووا انفسهم بسائر المواطنين العراقيين وفيهم مجاميع هائلة من كبار السن الذين يخشون ان يعاجلهم الموت قبل ان يصل اليهم الدور؟ثم هل هؤلاء النواب المتجهون الى الديار المقدسة هم جميعاً ممن لم يؤد الفريضة سابقاً ، أم أنهم يغتنمون فرصة كونهم (نّوابا) ليحتلوا مقاعدهم هذا العام ؟ان المطروح في الاعلام ان قرابة ثلث النواب العراقيين ، يتوجهون الى الديار المقدسة في هذا العام .قيل :ان مائة نائب من أصل 325 نائباً سيتوجهون الى الديار المقدسة هذا العام .أنّ من المؤكد ان معظم اولئك النواب المحترمين قد قفزوا على (القرعة )وعلى كل الشرائط التي وضعت بوجه المواطنين العراقيين من قبل هيئة الحج والعمرة .وهنا يثور سؤال آخر :هل هم مواطنون عراقيون يسري عليهم ما يسري على منتخِبيهم أم أنهم فوق الضوابط والشرائط ؟من الواضح انهم لم يخضعوا لما خضع له منتخبوهم من ضوابط ، وأنهم رفضوا ان يعاملوا معاملة المواطنين الآخرين ....وهذه نقطة نظام ، يؤاخذون عليها ويلامون فليس عدلاً ان يحظى النواب بمثل هذه الامتيازات على حساب منتخبيهم من المواطنين .كان الأليق والأجدر ان يبادر (النواب) المحترمون لبذل مساعيهم الحميدة لتسهيل مهمة الحجاج العراقيين من كبار السن مثلاً بدل ان تكون مساعيهم محصورة في نطاق (انفسهم ) و ( عوائلهم ) وخاصة (اصحابهم ) ...!!!ان المواطن العراقي اليوم وصل الى حالة نفسية متأزمة ، تجعله يستهجن ويستنكر بشدة كل عمليات الاستئثار وكل الامتيازات التي يحيط المسؤولون بها أنفسهم ولسان حاله يقول :ولو كان سهماً واحداً لاتقيتُه ولكنه سهمٌ وثانٍ وثالثُ ان وزير الدفاع البريطاني قدّم استقالته قبل أيام لأتهامه بأستغلال منصبه فهل فكّر مسؤول عراقي واحد بالكفّ عن استغلال منصبه فضلاً عن تقديم استقالته ؟وحين تحتل الامتيازات - امتيازات المسؤولين - مساحة واسعة وعلى كل الصعد والمستويات ، تؤكد قضية خطيرة تكشف عن عمق الاستخفاف بالمواطنين والموازين .ان الشعائر العبادية وفي طليعتها الحج هي آخر ما يمكن ان تمتد اليه يَدُ التلاعب بالموازين وقد امتدت - وللأسف - وبهذا الحجم الكبير ، والتنكر الخطير لتضيف الى ملفاتنا الساخنة ملفاً جديداً ..!!ثم أنّ هيئة الحج والعمرة اعلنت أن الرحلة الى الحج هذا العام قد تمتد من 45 - 60 يوماً فهل سيقضي النواب المحترمون المتوجهون الى الديار المقدسة هذه المدة هناك مع ما ينتظرهم من واجبات خطيرة في مجلس النواب ؟أم أنهم سيقدمون أنفسهم على الآخرين بامتياز جديد هو سرعة الرجوع وعلى رؤوس الرافضين التراب !!ان الحقيقة المرّة التي يجب الا تغيب عن بال هؤلاء النوّاب ، بان المسارعة الى استغلال المنصب على حساب الموازين والمواطنين لا تعد رصيداً ايجابياً لهم في نفوس منتخبيهم ومحبيهم ..ان معنى ذلك صراحة انهم ربحوا الحج وخسروا الناس .ومثل هذه الصفقة ليست بالكفة الراجحة في الميزان ..!!اننا ندعو الى اشاعة ثقافة جديدة يكون فيها ( المسؤول ) أكبر الساعين لنبذ الامتيازات والاستثناءات فالدولة هي دولة المواطن لا دولة المسؤول المستثأر بالامتيازات والمكاسب إنّ أفظع ما يمكن ان تفرزه الممارسات اللامنصفه ،هو تعميق الهوّه بين (المواطن) و (المسؤول) وهذا هو معنى الافلاس السياسي ....انه الموت الزؤام ، والنهاية المرّة لكل الأحلام .
https://telegram.me/buratha