عزيزي القارئ اليك صفات العترة الطاهرة (ع) في حلقات من اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرف من تاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري واعداد الشيخ حيدر الربيعاي
صفة الحلم===============================معاني الحلم:الحِلم لغةً: (بالكسر) هو العقل النؤده وضبط النفس عن هيجان الغضب .واما الحُلُم (بضمتين) واسكان الثاني للتخفيف ـ فهو الصفح والستر، أي انه اذا صفح وستر فهو حليم.وفي الاصطلاح: هو طمأنينة النفس واستقرارها بحيث لايستفزها الغضب ولم يعاجل صاحبها في العقوبة عند الاساءة اليه.وقد ورد في الحديث: (ان الرجل ليدرك درجة الصائم القائم) أي الرجل الحليم.الحليم: هو الذي لم يعاجل بالعقوبة، وهو من اسمائه تعالى وهو الذي لايستفزه الغضب اذا عُصيَّ ولكن تسرهُ طاعة عباده تحنناً منه ورحمه عليهم فهو اللطيف الخبير ومنه قوله تعالى: (انك لانت الحليم الرشيد) .وبما ان اهل البيت هم المظهر المتجلي للكمال الالهي بين العالمين، وقد تقدم انهم خلقوا من نور الحق تبارك وتعالى والاية المباركة اشارت الى ان الحليم من اسمائه تعالى وهو صفة كمالية لله تعالى، اذا هم مظهر من مظاهر الحلم الالهي.* حلم اهل البيت (عليهم السلام):تقدم ان اهل بيت العترة الطاهرة (صلوات الله عليهم) حقيقة نورانية، ليس بالامكان ادراكها وهذا ما يجب التاكيد عليه في صدر كل مبحث اقراراً بمقامهم السامي وايماناً بحقيقتهم الالهية، ولكننا في هذا البحث نأخذ دروساً من بعض حقائقهم التي كشفوا لنا عنها.أقول: لو اردنا الوقوف على استقراء صفة الحلم عند البشرية، لَعُسِرَ علينا ذلك لقلة اهل الحلم وندرة مصاديقه، لكننا عندما نراجع الظروف التي مرَّ بها أهل البيت (عليهم السلام) نجد ما لايحصى من المحن والمصائب التي تعرضوا لها ولم يعالجوها بالعقوبة أو العداء، وانما كانوا يدفعون بالتي هي أحسن أمتثالاً لامر الله تعالى: (.. ادفع بالتي هي احسن) .فيقابلون السيئة بالحسنة والعفو عنها.كان حلمهم (عليهم السلام) احد اساليب الدعوة الى الاسلام وتبليغ الرسالة بحيث كانوا مصداقاً لقوله تعالى:(فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم) .فمن المواقف التي تعرضوا لها ما حصل مع الامام الحسن (عليه السلام) من ذلك الرجل الشامي عندما التقى به في طريقه راكباً.* روى المبرد وابن عائشة: ان شامياً رأى الحسن (عليه السلام) راكباً، فجعل يلعنه والحسن لايرد، فلما فرغ اقبل الحسن (عليه السلام) فسلم عليه وضحك فقال (عليه السلام): ايها الشيخ أظنك غريباً، ولعلك شُبهت، فلو استعتبتنا اعتبناك، ولو سألتنا اعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وان كنت جائعاً اشبعناك، وان كنت عرياناً كسوناك، وان كنت محتاجاً اغنيناك، وان كنت طريداً آويناك وان كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك الينا وكنت ضيفنا الى وقت ارتحالك، كان اعود عليك لان لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً، ومالاً كثيراً.فلما سمع كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت انت وابوك ابغض خلق الله اليَّ، والان انت احب خلق الله اليَّ، وحول رحله اليه، وكان ضيفه الى ان ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم .نعم هذه هي حقيقة حلم اهل البيت (عليهم السلام)، الحلم القائم على اساس الحكمة والصبر وهكذا كان امامنا الحسن مصداقاً لآيات الله تبارك وتعالى.فمن خلال الموعظة الحسنة والصبر على الاذى اصبح اهل البيت (عليهم السلام) احب الخلق لذلك الشامي بعد ما كانوا أبغض خلق الله اليه ـ على حد تعبيره ـ (وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم) .
مصداق الحلم الأمثل:قال تعالى: (محمدٌ رسول الله والذين معه اشداءُ على الكفار رحماء بينهم) .يمكن ان نستفيد من خلال استعرض هذه الاية المباركة، صفتان من صفات اهل البيت من خلال القرائن الموجودة فيها.1ـ صفة الشجاعة (اشداء على الكفار): وذلك من خلال التفحص في سيرتهم والتوقف عند مواقفهم البطولية التي جسدوها في الدفاع عن الدين والجهاد في سبيل الله، وأوضح مصداق للتعبير عنه، هو ما حدث لسيد الشهداء (عليه السلام) في يوم عاشوراء.2ـ صفة الحلم ـ (رحماء بينهم) وأي رحمة اوضح من رحمة أهل البيت (عليهم السلام)مع شيعتهم بل مع المسلمين، وكما مر ما حصل مع الرجل الشامي للامام الحسن، حيث كان الشامي يلعن الامام، ولكن نرى العكس يصدر من الامام، حيث كان في جوابه يعتذر بالنيابة عنه، وهكذا تنتهي القصة مع ذلك الرجل بالترحم الذي جسّده الامام ونتج عنه ولاية الشامي.
حلم الامام الحسن (عليه السلام) وعلاقته بالصلح مع معاويةهناك عدة مواقف اخرى لسيدنا ومولانا الحليم الحسن والتي جَمعَ فيها بين الحلم والشجاعة منها الصلح مع معاوية الذي كانت له ابعاده العميقة في الاسلام وحقن الدماء، كما قال (عليه السلام) لاصحابه: (ما أردت بما فعلت، الا حقن الدماء فارضوا بقضاء الله وسلموا لامر الله، والزموا بقوتكم وامسكوا) .وفي كلام آخر لمولانا الحسن في بيان علة الصلح مع معاوية اسوة بمصالحة الرسول الاعظم في جواب له لابي سعيد عندما سأله عن سبب ذلك: (يا أبا سعيد) علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله لبني ضمرة وبني أشجع، ولأهل مكة مني عندما، انصرف من صلح الحديبية، اولئك كفار بالتنزيل، ومعاوية واصحابه كفار بالتأويل، يا أبا سعيد اذا كنت اماماً من قبل الله تعالى ذكره، لم يجب ان يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربه، وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبساً) .اذا وكما يقول العلامة المجلسي (قدس سره) في البحار: لولا صلح امامنا الحسن لما حفظ كيان الشيعة والتشيع .وهكذا كان حلم اهل بيت العترة الطاهرة (صلوات الله عليهم أجمعين) مستمداً من حلم رسول الله وهو عندهم واحد بلا فرق، فلو كان امامنا الحسين في موقع الامام الحسن مع معاوية لصالحه، كما انه لو كان الامام الحسن في موقع الحسين مع يزيد لكان معه كما كان الحسين مع يزيد في يوم الطف.ولذا لم يكتف بني أمية بصلحهم مع الأمام الحسين (عليه السلام) ومهادنته لهم كخطوة إوّلى، وإنما أخذوا يخططون للتخلص منه والقضاء عليه في خطوتهم الثانية; بدليل: إنّه(عليه السلام) كان يتعرّض دائماً الى مؤامرات ودسائس بني أمية وظلمهم، وبالاخص معاوية (لع).مما أدى ذلك الى إنسحاب الآثار السلبية على أصحابه، فلم يفوا له، ولهذا رحل بعد حادثة الصلح ـ (والهدنة) مع معاوية من الكوفة الى المدينة.وبعد أنْ بائت محاولات معاوية ـ في القضاء على الأمام الحسين (عليه السلام) من بعيد ـ بالفشل أخذ يكيد للامام (عليه السلام) من قريب، فَنَفَذَ الى جُعدة بنت الأشعث زوجة الامام الحسن (عليه السلام) عن طريق الاغراء بالمال، مضافاً الى وعده لها بتزويجها من أبنه يزيد إذا ساعدته في قتل الحسن، فبعث إليها مالاً كثيراً، وحملَ إليها مشربة سمّ تسقيهاالحسن(عليه السلام)، فوافقت جُعدة، وهنا وصل معاوية الى مراده في خطوته الثالثة والأخيرة مع الامام الحسن (عليه السلام).وحينما جاء الامام الحسن (عليه السلام) الى منزله وهو صائم، فأخرجت له وقت الافطار ـ وكان يوماً حاراً ـ شربة لبن وقد ألقت فيها ذلك السم، فشربها (عليه السلام)، فأحس بالسَمِّ، فقال لها:«يا عَدوّةَ الله قتلتيني قَتلكِ الله، واللهِ لاتُصيبنّ منّي خَلَفاً، ولقد غرّك وسخر منك ـ يعني معاوية ـ والله يُخزِيكِ ويُخزيه».فمكث (عليه السلام) يومين ثم أُستشهد.وأما معاوية فغدر بها كما هي شيمته، ولم يفِ لها بما عاهد عليه، من تزويجها من إبنه يزيد (لع) .نقل المحدث الثقة الشيخ عباس القمي (رحمه الله) بأن هؤلاء الظلمة المارقين.. رموا بالنّبال جنازته حتى أخرجوا منها سبعين نبلاً .ومضى الحسين (عليه السلام) وأهل بيته بتابوت الامام الحسن (عليه السلام) فدفنوه في البقيع.. بعد ذلك وقف أمامنا سيد الشهداء (عليه السلام) وحيداً منكسراً لفقد أخيه الامام الحسن (عليه السلام)نازف القلب لتلك المصيبة، فأنشد راثياً:أَأَدهن رأسي أمْ أطِيبُ محاسِني***ورَأسُكَ مَعْفُورُ وأَنْتَ سَلِيبُفلازِلْتُ أبكي ما تَغنَّتْ حَمامَةٌ***عَلَيْكَ وما هَبَّتْ صَبا وجُنوبُبُكائي طَويلُ والدُّمُوعُ غَزيرَةٌ***وَأَنْتَ بَعيدٌ والمَزارُ قَريبُفَليْسَ حَريباً مَنْ أصيبَ بِمالهِ***وَلكنَّ مَنْ وارى أَخاهُ حَرِيبُ * * *ورزيّة حَزّتْ لَقَلْبِ محمّد***حَزْناً تكادُ لها السَّما تتزعزعُمازالَ مُضطَهداً يُقاسي منهُم***غُصَصَا بِه كأسُ الرّدى يتجرَّعُحتّى إذا نفذ القضاءُ محتّماً***أَضحى يُدسُّ إليه سمٌّ منقعُوغَدا بُرعُم الدِّين وهو مُكايِدُ***بالصّبرِ غِلَّة مُكْمد لاتَنْفَعُوتَفْشَتْ بالسَّمِّ مِن أحشائهِ***كبَدُ لَها حتى الصّفا يتصدّعُوقضى بِعينِ اللهِ يَقْذفُ قلبْهُ***قَطَعَاً غَدَتْ مما با يتقطّعُ * * *تَعَزَّ بِمَنْ مضى اُسْوَةً***فإِنَّ العَزَ أيُسلّي الحزَنَبموتَ النبيّ وقَتلُ الوصي***وَذَبْحُ الحُسين وسمُّ الحسنِ
https://telegram.me/buratha