جمعة العطواني
تظهر على السطح هذه الايام موضوعة البعث والبعثيين والمخاوف من عودتهم الى المشهد السياسي من جديد . وهذا ما حدا بالاجهزة الامنية الى القيام بضربة استباقية استطاعت من خلالها ان تلقي القبض على عدد كبير من زمر البعث الصدامي والتي كانت تروم القيام بعمليات ارهابية مستغلة الصراعات السياسية وموضوع انسحاب القوات الامريكية من العراق ، ومستفيدة من وجود حاضنة سياسية تدافع وبقوة عن زمر البعث سواء من( حكم منهم بالاعدام )او من هو (مطرود بسبب قانون المساءلة والعدالة) او من هو في( قعر السجون لقيامهم باعمال قتل ضد المدنيين) وتطالب هذه الكتل بالعفو العام عنهم .
اتصور ان المشكلة ليس بجديدة بل هي متوقعة من اغلب القوى السياسية، خاصة تلك التي قارعت نظام البعث طيلة العقود من وجوده في السلطة ، والكل كان يحذر من عودة البعث وبوسائل شتى ، وتحضرني مقولة لشهيد المحراب اية الله السيد محمد باقر الحكيم(قدس) يقول فيها( كان البعث عدونا الاول وهو اليوم كذلك وسيبقى كذلك)، _ قالها بعد سقوط نظام البعث مباشرة _ وعندما ساله احد الاعلام ، سيدنا كان البعث عدونا الاول فهمنا ذلك لانه قتل وانتهك الكرامات ، وكذلك نتفهم انه اليوم عدونا لانه لازال يمارس نفس الدور الارهابي من خلال العميليات الارهابية ، لكن كيف يمكن ان نتفهم انه سيبقى عدونا الاول وقد زال من الحكم الى غير رجعة ؟
فاجاب السيد قائلا ان البعث مر بادوار وتعرض الى ضربات اكثر من مرة واستطاع ان يستفيق منها ويكيف نفسه ويعود الى السلطة من جديد وبوجوه مختلفة . بل اكثر من ذلك اننا جميعا كنا نتغنى بكلمة سيد شهداء العراق الامام محمد باقر الصدر ( قدس) عندما قال ( لو كان اصبعي هذا بعثيا لقطعته وقطعت الذي بجنبه )، وللاسف الشديد فان البعض يعد مقولة السيد الشهيد كلمة سياسية جاءت لظرفها ومكانها ، ولم يع هذا البعض ان كلمة السيد الشهيد جاءت بناءا على خلفيته الفقهية والشرعية، وصدرت من حكيم القى الله في روعه الحكمة فهو لايتاثر ولاينفعل ولايرتجل المواقف، بقدر ما يستنبط الاقوال من خلفياتها وحيثياتها الشرعية.
فقوله ( لوكان اصبعي بعثيا لقطعته ) كان نتيجة لعلمه ان البعث سيتكيف ويتلبس بلبوسات شتى ويدب كدبيب النمل وبنعومة الافعى السامة لذا حذر منه ومن دبيبه . كلنا تاجرنا بدماء العلماء والمراجع وخيرة رجالات العراق ، وكلنا تاجر بعذابات الاطفال والنساء والشيوخ ، وكلنا تصدى( كذبا وزورا) ليدافع عن حقوقوهم ويقتص من مجرمي البعث ويعيد البسمة الى شفاه الاطفال والكرامة الى عفيفات النساء، والعزة الى شعب حكم عليه بالاعدام .
وكلنا فشل بهذه التجارة وخسرنا الدنيا والاخرة ، اما الدنيا فقد خسرناها لاننا لم نكن عند حسن ظن الشرفاء وابناء وبنات المقابر الجماعية ،بقدر ما استخدمناهم وسيلة لتحقيق مصالحنا الشخصية ،ومطية نرتقي بهم المناصب والاستحقاقات ، ولذلك سوف لن يرحمونا في دنيانا اجلا ام عاجلا .اما اننا خسرنا الاخرة لان الله تعالى استخلفنا في الارض لنعيد الحق ونقتص من الظالم بعد ان كلت السنتنا من الدعاء والمسكنة، وعاهدناه تعالى لان مكننا من المجرمين لنقر عيون الشهداء الذين سبقونا بالشهادة، وكنا نأن انيين الثكالى ونقول( ياليتنا كنا معكم )، وها نحن نفشل في الاختبار الالهي عندما اوكلنا بحقوق الشهداء فبعناهم بثمن بخس( كرسي تافه )يكاتفنا فيه وبجواره بعثي قذر، واعطينا لانفسنا مسميات واهية لنزين من خلالها سوء وقبح اعمالنا منها ( مقتضيات المصلحة ) و( المصالحة الوطنية ) و ( هذا ملطخة ايادية ) و( وذاك غير ملطخة ايادية ) و ( هذا كفاءة وذاك غير كفاءة) و ( هذا البعثي نعبر به المرحلة )و (هذا محكوم بالاعدام الا انه مامور كونه وزير دفاع وينفذ الاوامر ) و ( ذاك تدعمه كتلة سياسية ولانريد ان نخسرها ) و ( هذا ماذا عساه ان يفعل لو تركناه )! بل تعدينا اكثر من ذلك وصرنا اسلاميين اكثر من الاسلام الذي يقول ( ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب ) لنقول كلا ( نريد ان نبين للعالم ان الاسلام دين تسامح ويعفو حتى عن المجرمين )، كل هذه الاوهام وضعناها لا لاجل الاسلام، ولا لاجل الشهداء ،ولا لاجل الكرامة ،بقدر ما وضعناها لاجل الحفاظ على وضعنا الجديد الذي ننظر من خلاله الى ما يقوله الاخر المحلي او الاقليمي او الدولي ولم ننظر الى مايقوله الحق والله والضمير والعدل .
امام هذه المعطيات الجديدة تعاطينا مع فلول البعث، فعطلنا القانون الوحيد الذي يمثل بلسم لجراحات واهات الشهداء وعوائلهم ( قانون المساءلة والعدالة)، وغضضنا النظر عن اغتيال الشهيد علي فيصل اللامي الذي وقف كامة لوحده يقارع عتاة البعث في السلطة وخارجها،وعندما اغتيل قلنا لقد تطرف وذهب حتف انفه ، وتجاوزنا ذلك لنفتح ما يسمى( مشروع المصالحة الوطنية )،وهو اهدأ مصطلح يمكن ان يمرر على بسطاء الناس، ويمكن من خلاله عودة عتاة البعث الى السلطة من جديد، بل تجاوزنا ذلك ليفتح وزير ( المصالحة ) الباب على مصراعيها ليقول انه يتحاورويفتح الباب حتى مع من انخرط مع( تنظيم القاعدة )الذي كفر وقتل العراقيين ، وهرولنا بسرعة ، بل تنافسنا فيما بيننا في هرولتنا لنثبت للاخرين اننا اقرب الى التسامح مع البعثيين من غيرنا ، حتى قال قائلنا ( اننا ليس لدينا اعداء لا في العراق ولا في اي دلة من دول الدنيا ) ونحن نعيش في غابة ياكل القوي فيها الضعيف .
واعداؤنا في الداخل بقدر اعداؤنا في الخارج ،بل اعداؤنا بعد سقوط النظام البائد اكثر من اعدائنا بعد سقوط النظام، لان بعض الاعداء كانوا يشفقون علينا بسبب مايشاهدونه من ظلم كبير وقع علينا.ثم بعد ان راينا ان العدو لم تنم عينه عندما نامت عيوننا في احضانه عاد بعضنا ليجبن البعض الاخر ويلقي باللائمة على اخيه ليقول انت الذي وقعت على عودة البعثيين، ويرد الاخر انني فعلت ذلك بعد ان رايتك تنظر اليهم اقرب اليك مني وانا شريكك بالدماء والعذاب والجهاد والمشروع . لكن ( ولات حين مناص)
خلال اقل من تسع سنوات تحول عتاة البعث من شذاذ افاق يحلمون بحفرة نتنة يشمون هواء الحياة الى ان يتحول عتاة المخابرات وجلادوا الامن الى اساتذة لهم حقوق ويطالبون باحتساب مدة التعذيب والقتل التي يمارسونها لاحتسابها خدمة مجزية بل ويسمون المجاهد الشريف بالطائفي المقيت .تهاوننا وتكالبنا على دنياهارون، ومصالحنا الضيقة، وسوء عاقبتنا هي التي سولت لنا ان نحول طريدا مثل صالح المطلك وظافر العاني و خنثاهما حيدر الملا ليصبحوا قادة وزعماء لبلد ملؤه شرف وعفة ورجولة وقادة !
https://telegram.me/buratha