حافظ آل بشارة
يفتخر العراق بأنه الدولة الأولى التي جرى فيها التغيير السياسي في المنطقة العربية ، ومنه تهب رياح التغيير لتقتلع عروش الطغاة ، من باب الاستحياء نتجاهل احيانا ان ثورتنا المظفرة جرت بغزو واحتلال امريكي ورعاية اممية خاصة ، وهو ما لم يجر في البلدان الاخرى ، فقد جرى التغيير في تونس ومصر بجهد ودماء الشعب وبلا تدخل اجنبي ، وفي ليبيا كان التدخل الأجنبي من الجو فقط ولم يكن غزوا ولا احتلالا ، وفي اليمن وسورية والبحرين مازال الشعب يقاتل بدون معين لينتصر بدمه على سلاح الحاكمين ، العراق اسبقهم تغييرا ، لكنه اكثرهم تدخلا اجنبيا ورعاية دولية ، وأقلهم تطورا في تمشية البديل السياسي واستعادة الاستقرار . في تونس هناك انتخابات جيدة منتظمة وهادئة وخالية من النزاعات والاتهامات ، وفي مصر هناك محاكمة لرئيس النظام السابق واركانه تجري بهدوء ونضج في التعامل مع الملف ، والموالون لمبارك لا يفجرون بلدهم ولا يقتلون مواطنيهم انتقاما ، وفي ليبيا قاتل الثوار ببسالة وقدموا التضحيات الكبيرة ليتوجوا انتصاراتهم بقتل القذافي في الميدان ، لم تحدث في الدول الثلاث اية حواسم فالمواطن عندهم يخجل ان يكون سارقا لبلده ، ولم يحدث اي تدمير متعمد للمتلكات العامة ، ولم يحدث اي تدخل اقليمي تكفيري او طائفي في شؤون تلك البلدان التي جرى فيها التغيير ، ولم تتخذها العصابات الارهابية الدولية ساحة لجرائمها ، ولم تقسم تلك البلدان جغرافيا على المكونات المذهبية والعرقية ، ولم يحدث فيها خلاف على علم البلاد ونقوشه والوانه ، ولا توجد فيها اقاليم تهدد بالانفصال ويتوسل بها الجميع ويقبلون رجليها لكي لا تنفصل ! ومن المتوقع ان تجري انتخابات هادئة في تلك البلدان ويبدأ النظام الديمقراطي بلا تشكيك ولا معارك داخلية ، مضى على التغيير في العراق اكثر من 8 سنوات ولكن الوضع السياسي فيه مازال يراوح في المربع الأول ، تبدو الأطراف المقتسمة للسلطة وكانها ميتة ، واصبح مفهوما ان الانتخابات المتكررة في العراق وتدوين الدستور كلها جرت تحت التهديد الأمريكي ، ولولا ذلك التهديد لما انجزوا اي شيء ، ومع ذلك جاءت نتائج الانتخابات حافلة بالتزوير على نطاق واسع ، كان الناس يرفضون النظام السابق ويحترمون ويؤيدون معارضيه ، ولكن بعد ان اصبح المعارضون حكاما اصيب مؤيدوهم بالاحباط عندما اتضح ان اغلبهم كان يعارض النظام تنافسا على السلطة وليس بسبب تناقض قيمي سياسي او اخلاقي بين الطرفين ، وبدل ان يعالج النظام الجديد مرض الفساد أخذ يرعاه ويحميه ويعمق آثاره في الدولة والمجتمع ، ساستنا لا يعترفون بالفشل بل يتمسكون بلغة التبرير ويقولون : ان العراق هو الوحيد بين الدول الذي حدث فيه تغيير ، وليحدث التغيير في دولة أخرى وانظروا الى الكوارث والفوضى التي ستجري ، الآن يمكن مقارنة العراق بغيره من العرب خاصة عندما تنطلق الدول الأخرى التي حصل فيها تغيير باتجاه البناء السياسي والتنموي ونحن باقون في المربع الأول .
https://telegram.me/buratha