السيد حســـين الصـــدر
وسقط الجبار العنيدليس ثمة شيءٌ أحبّ الى الناس من أنْ يكتنفهم العدل بوارف ظلاله ، وان ينعموا بالأمن والاستقرار ،بعيداً عن الملاحقات والأضطرابات والاهتزازات بكل أنواعها سواءً كانت سياسية أم اقتصادية أم اخلاقية أم فئوية .....لا بل ان من أهم واجبات الدول ،تأمين الحماية لأرواح الناس وممتلكاتهم وأعراضهم والعمل على أرساء قواعد العدل والحرية والكرامة الانسانية.غير ان العقوق والأنانية والنرجسية ،كثيراً ما تدعو الحكاّم الى الاستئثار بالخيرات ،وحجبها عن المواطنين ،والانصراف الى ملذاتهم ومصالحهم والطغاة يختزلون البلاد بذواتهم ،ويصادرون بلا هواده ،كل الحقوق ويعبثون بالقيم والموازين ، ويعيثون فساداً في البلاد والعباد .لقد شاركت الشعوب العربية والاسلامية ،لابل شعوب العالم بأسره ، الشعب الليبي الشقيق أفراحه ، بمصرع الطاغية اللئيم معمر القذافي ، بعد ما زاد على أربعة عقود من السنين العجاف ،التي ذاق فيها الاحرار والحرائر في ليبيا ، أشد ألوان العذاب والنكال .انهم عاشوا في رعب كامل ، وقد نهبتْ عصابات القذافي أموالهم وثرواتهم ،كما صادرت حقوقهم وحرياتهم ، وجعلتهم أسارى نظام دكتاتوري قمعي أرعن ، يبدّد الثروات على المؤامرات ،ولا يشبع من الالتذاذ بجراح الانسانية .ان الشهور الأخيرة التي عاشها الثوار الليبيون وهم يحررون مُدُنهم واحدة بعد الأخرى زادتهم يقينا وبصيرة ،بحقيقة القذافي وأذنابه ،حيث أصرّ الطاغية على سفك دماء الأحرار والتخريب والتدمير في معركة معروفة النتائج ومحسومة لصالح الشعب الليبي المناضل .ان السفالة البشرية تجلّت في مسارات القذافي وما كان يصف به مواطنيه فهم الجرذان على حد تعبيره ..!!ولم يتروع عن الصاق أبشع النعوت والصفات بمعارضيه ويشاء الله ان يغمر هذا الطاغية العنيد بالخزي والعار ، فقد لجأ الى الاختباء بأنبوب المجاري ، تماماً كالجرذان الذين كان يُشبّه الأحرار بهم...!!ومَنْ منّا ينسى كلماته الذليله التي أطلقها حين وقع في قبضه الثوار ، لتكشف عن عمق جُبْنه وخسته ؟!هل كان من الصعب على القذافي ان يُجنّب نفسه وبلاده ، الويلات التي عانت منها ، وهو يدير من المخابئ عمليات القتل والذبح والاباده ،ويواصل بكل حقد وضراوة ، الاجهاز على البلاد والعباد ؟لماذا لم يختر ما اختاره رفيقه المخلوع زين العابدين بن علي حين قرأ القصة كاملة بكل فصولها وقرر الهروب إبقاءً على نفسه ، وحقناً لنزيف الدماء ؟!!وهل عزّ على القذافي ان يفهم أنه فاقد للشرعية ،بعد ان اعترفت الدول بالمجلس الوطني الانتقالي وأرسل هذا المجلس مبعوثيه للسفارات الليبية في العالم ؟لقد تضافرت الجهود الدولية مع الانتفاضه الجماهيريه الليبية ،على الدكتاتور القذافي وزبانيته ولم تنته الاّ بوقوع القذافي جثه مضرجة بالدماء ، لتُطوى صفحته الظلم والاجرام والاستبداد والاستئثار واقتراف الفظائع والكوارث دون مبالاة بالقيم الانسانية والأعراف الحضارية كلها ومن أروع ما قاله الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر -رضوان الله عليه - :{ الجماهير أقوى من الطاغاة ، وأنها قد تصبر ولكنها لا تستسلم }نعم إنَّ الشعوب اليوم تعيش ربيعها ولن يُفلت من غضب الجماهير كل الطواغيت والجبابرة ان القذافي كان قد حذّر الملوك والرؤساء العرب جميعاً من ان الدور آتٍ اليهم ..!!وهكذا استثنى الأحمق نفسه ، ظنّا منه أنه القائد المحبوب ، وأنه ملك ملوك أفريقيا كما كان يحلو له ان يسمّي نفسه ، وهو بعيد عن مهب الرياح الساخنه !!ولكنه سرعان ما راى عمق الكراهية الشعبية له ، ولبطانته وزمرته الظالمة الغاشمة ..!!وحين أُخرج من مجاري الصرف الصحي ، أفاق من تلك الغشاوة التي أعمت بصيرته، ودفعته الى المكابرات والحماقات الدمويه .إنّ هناك مَنْ يكثر الحديث عن المستقبل المجهول الذي ينتظر ليبيا ، ويثير العديد من الاحتمالات السلبية والافتراضات الوهمية ولهؤلاء نقول :ان اسوأ الافتراضات والاحتمالات لن تقود ليبيا بعد القذافي الى ما كانت عليه الأحوال إبان نظام حكمه الساقط تخلفاً وبشاعة وارهاباً .إنّ عصابات القذافي حولّت ليبيا الى دولة ارهاب ، وارهاب الدولة هو أبشع ألوان الارهاب على الأطلاق .لقد راقني كثيراً ما استمعت اليه من حديث احد الاخوة الليبيين الذين انيطت بهم مهمة تمثيل ليبيا في الامارات العربية المتحدة حيث قال :أنا أؤدى عملي تطوعاً ،فلستُ موظفاً ،وأنا انتظر ان تعيّن الخارجية الليبية الدبلوماسي المحترف لأسلمهُ السفارة الليبية ، وكل العاملين معي في السفارة هم متطوعون ..!!انّ هذه الروح الوطنية المخلصة تبشر بخير كثير ولا داعي للتشاؤم ، وتغليب السلب على الأيجاب ولكّن ذلك لا يعني ان الأوضاع في ليبيا ، تعيش ربيعها .ان أكثر من أربعة عقود من الزمن ،حافلة بألوان من المشكلات على مختلف الصعد ،وليس من السهل تجاوز كل تلك المشكلات والعقبات بين عشية وضحاها .ونأمل ان تتلاحم الجهود الوطنية المخلصة لبناء "ليبيا" الجديدة ، بناء دستورياً حضارياً ينعم في ظله الانسان الليبي بكامل حقوقه وحرياته ، بعيداً عن الاضطهاد السياسي ويعيش حياته الآمنه الكريمة حرّاً عزيزاً واننا لنزجي التهنئة الحارة للاشقاء في ليبيا على خلاصهم من كابوس الدكتاتورية القذافية الغاشمة ، متمنين لهم العزه والكرامة في عهدهم الجديد الذي نأمل ان يكون زاهراً عامراً .كما نأمل ان تكشف أسرار قضية تغييب الامام السيد موسى الصدر ورفيقيه في 31/8/1978 وبكل ما لهذه القضية الخطيرة من ملابسات. هذه القضية التي اخترق فيها الدكتاتور المصروع كل القيم والاعراف الحضارية والانسانية والقانونية والشرعية .ان تغييب الامام السيد موسى الصدر جريمة كبرى بحق العلم والدين والانسان والحضارة ولابد ان تنشر أوراق هذا الملف الخطير دون إبطاء أو تلكؤ .
حســـين الصـــدر
https://telegram.me/buratha