مثل هذا الاعلان امر ينتظر سماعه ملايين العراقيين بلا شك , وقد يعتقد البعض لاول وهلة ان هذا ضرب من الخيال ,والاسباب كثيرة.اذ لاشك ان كل وزارات الدولة تعاني من تخمة في عدد الموظفين كشكل من اشكال البطالة المقنعة التي تزداد مع كل انتخابات, وتكون الكتلة صاحبة العدد الاكبر من الوزارات هي الاكثر توظيفا ,فضلا عن حصة الاسد لرئيس الوزراء* !كما يتطلب الامر تخصيص تلك الدرجات من قبل وزارة المالية وحساب ذلك سلفا اثناء اعداد الموازنة العامة التي تنوء بعبء رواتب ملايين الموظفين في حالة فريدة لامثيل لها في أي بلد اخر ,حيث تفوق الموازنة التشغيلية نظيرتها الاستثمارية بينما يحدث العكس في مختلف الدول!اذن كيف حصلت وزارة النفط على الاموال اللازمة ؟ وكيف خصص لها ذلك العدد من الدرجات الوظيفية ؟ لنتابع مايلي قبل الاجابة !بعد الدمار الذي حل بالعراق عام91اثر حرب الكويت والانتفاضة , تقرر الحاق وزارتي النفط والكهرباء بهيئة التصنيع العسكري سيئة الصيت بقيادة حسين كامل ,وذلك للاستفادة من صلاحياته الغير محددة ماليا واداريا لمعالجة اثار الحرب على هذين القطاعين . وقد حافظ منتسبوا هذين القطاعين على درجاتهم الوظيفية بعد صدور قانون الرواتب الاخير استنادا للتعليمات التي شرعتها المالية لتنفيذ قانون الرواتب والتي قضت بان تعتمد الدرجة الوظيفية للموظف بتاريخ 112008 ان كانت قد احتسبت استنادا الى قانون نافذ . وبذلك تميز قطاعي النفط والكهرباء بدرجات وظيفية عالية مقارنة بنظرائهم في وزارات اخرى ممن يماثلونهم في مختلف المؤهلات مما ادى الى ان تكون روابتهم مرتفعة .عدا ذلك , فان هاتين الوزارتين (النفط والكهرباء) تعملان وفق نظام الشركات ,الامر الذي يعني وجود نظام حوافز شهرية , وارباح سنوية ,وهذا مالاتعرفه ولاتعمل به وزارات اخرى .واذا علمنا ان متوسط مبلغ الحافز الشهري بحدود 300-400 الف دينار(وقد يزيد على مليون دينار) علمنا انه يعادل راتب موظف في وزارة اخرى . اما مبلغ الارباح السنوية فانه بدوره يتراوح بين مليونين الى اربعة ملايين كمعدل متوسط !مؤخرا , ناقشت وزارة النفط مشروع قانون رواتب خاص بها , ومن مشروع القانون ( الذي اطلعت على نسخة منه) تبين انه يبغي رفع رواتب القطاع النفطي بنسبة تتراوح بين 30 - 60 % من الراتب الحالي . وقد بين مشروع القانون الغاية من هذه الزيادة بالحفاظ على كوادر القطاع النفطي من ترك العمل في شركات الوزارة والالتحاق بشركات اجنبية . واود ان ابين معنى هذه الفقرة حيث نعلم ان هناك شركات اجنبية قد دخلت العراق وشرعت بتطوير بعض الحقول النفطية , وقد وجدت تلك الشركات في كوادر القطاع النفطي العراقي فنيين محترفين يمكنها التعاقد معهم برواتب مغرية تفوق مايتقاضونه من الحكومة مع ان هذا يمثل اجورا ادنى مما لو استقدمت تلك الشركات فنيين اجانب !اذن , فقد يحمل تبرير الوزارة شيئا من الصحة , ولكن الامر ليس كذلك في حقيقة الحال , اذ ان تلك الشركات لاترغب بالتعاقد الا مع فنيين باختصاصات معينة وممن تتوفر فيهم شروط معينة كالخبرة وسنوات الخدمة , وهؤلاء لايشكلون الا نسبة ضئيلة في تلك الاعداد الضخمة من الموظفين في الشركات النفطية . فضلا عن ان هنالك موظفين اداريين باعداد كبيرة , او فنيين باختصاصات عادية لايقتصر وجودها على القطاع النفطي كفنيي السيارات والكهرباء والاتصالات والحاسبات وغير ذلك !وبذلك تتضح حقيقة واحدة من اخطر السياسات التي تنتهج حاليا في المساواة بين الجميع بغض النظر عن العطاء والمؤهلات , والاخطر هو عدم المساواة حتى , حيث يحظى الكثير من الاداريين بعدة امتيازات جعلتهم في مرتبة افضل من اكثر الفنيين خبرة ومهارة بسبب سوء استخدام السلطة والصلاحيات . وهذا الامر ينطبق على كل مفاصل الدولة لا على قطاع بعينه .وكان الاولى بوزارة النفط ان تهتم بتلك الشريحة التي ترقى لدرجة (خبراء)بدلا من معاملة كادرها كفنيين تابعين لاحول لهم ولاقوة امام امتيازات الكادر الاداري المتقدم وبعض المسؤولين في القطاع .على اية حال , يبدو ان مشروع قانون زيادة الرواتب قد تم تجميده لاسباب كثيرة , واستبدل بقرار وزاري بزيادة مبلغ الحافز الشهري بنسبة 100%!وهذا يعني ان من كان يتقاضى حافزا شهريا قدره 400الف دينار صار يتقاضي ضعف ذلك , وقد علمت ان هناك الكثيرين باتوا يتقاضون حافزا شهريا يزيد على المليون ونصف المليون دينار.......فضلا عن الراتب ذاته !والملاحظ ان قيمة الزيادة هذه تعادل راتبا مرتفعا لموظف في وزارات اخرى , الامر الذي كان يعني امكانية تعيين عدد من الموظفين يزيد على عدد منتسبي وزارة النفط الذي لايقل حتما عن 250الف منتسب !وان نظرنا الى خشية الوزارة على فنييها المحترفين باختصاصات معينة , فقد كان على الوزارة ان تحدد الاختصاصات المرغوبة من الشركات الاجنبية ,ثم تعلن عن الحاجة الى التعيين في هذه الاختصاصات ,سواء اكانت اختصاصات هندسية او فنية ساهم في تخريج عشرات الالاف من اصحاب الاختصاص فيها معاهد النفط في بغداد والبصرة وكركوك .وهؤلاء لازالوا عاطلين عن العمل وبلا خبرة , الامر الذي يمنع الشركات النفطية الاجنبية من التعاقد معهم , اما في حالة انخراطهم في القطاع فانهم سيشكلون البديل المناسب والجاهز لاي عدد من الفنيين ممن قد يفضلون التعاقد مع الشركات الاجنبية , وهذا بالطبع افضل بكثير من استقدام تلك الشركات لفنيين اجانب في ظل البطالة الكبيرة التي يعاني منها البلد !ثم ان الوزارة بلاشك ستكون بحاجة الى خبرات نفطية كثيرة لادارة المواقع والمصافي النفطية الجديدة التي ستتولد نتيجة جولات التراخيص (بعد عمر طويل).لكن واقع الحال يشير الى ان مثل هذه القرارات تصدر لخدمة فئات معينة او اشخاص محددين ,وكمثال على ذلك ,اعلان صدر في العام الماضي عن وزارة النفط يعلن فيه عن نية الوزارة التعاقد مع خريجي الصف السادس العلمي من حازوا على معدل 91 فما فوق من الدور الاول اذا ماقبلوا في بعض الاختصاصات الهندسية والعلمية التي حددها الاعلان مع امتيازات منها منحة سنوية وراتب للطالب فضلا عن ضمانه لفرصة التعيين فور تخرجه في القطاع النفطي !والتساؤل المطروح هو , الا تتوفر اعداد كبيرة من حملة شهادات بتلك الاختصاصات ضمن صفوف العاطلين عن العمل ؟ الا يعني ذلك امكانية تعيين مباشرة وسد حاجة الوزارة (ان كانت محتاجة) لتلك الاختصاصات ؟ فما الداعي اذن لان تصرف الوزارة على طالب مدة اربع سنوات ثم تقوم بتعيين مباشرة مع وجود المواصفات المطلوبة جاهزة ومجانا؟؟!هذا بالتاكيد لايعني الا ان مضمون الاعلان وتفاصيله تنطبق على عدد من اولاد المتنفذين واصحاب القرار في الوزارة ليس الا . وقد ألفنا مثل هذه القرارات من زمن الطاغية المقبور وكانت بصورة قرار تسريح او انتداب يطبق على واحد او اثنين من ابناء كبار المسؤولين!اذن فقد اهدرت وزارةالنفط فرصة تعيين عشرات الالاف من الموظفين , رغم انها امرت بصرف الاموال الكفيلة بذلك في غير مجال استحقاقها!وهذه واحدة من اخطر صور سوء استخدام السلطة والادارة , ومظهر من مظاهر الفساد وسوء التخطيط , وان كنا نامل الارتقاء بالواقع المعاشي للموظف العراقي عموما , ولاصحاب الخبرة والكفاء ة خصوصا ,ولو كان الامر محصورا بهم لما تطرقنا للموضوع اصلا , ولكن المطلوب هو تحقيق التوازن المقبول بين مختلف القطاعات , وان تكون الامتيازات قد حددت بناء على عوامل علمية وموضوعية ,لاعشوائية ,ولاذاتية !
_________________ *اعتاد سكنة مدينة الناصرية على التهافت على مكتب (الشيخ الناصري) عند زيارة المالكي للناصرية حيث يكون هذا مقره فتتوافد الناس هناك لتقديم معاملات التعيين ويشاهد اصحاب المحال والدور القريبة نقل تلك الفايلات محملة بعدد من الصناديق الكارتونية الى السيارات المرافقة للمالكي.وفي اسوأ الاحوال سيحصل على المواطن على الاقل ...مضروفا فيه (250)الف دينار فقط لاغير !
هشام حيدرالناصريةhttp://husham.maktoobblog.com/
https://telegram.me/buratha