فلسفة وجود الامام المهدي (عج)(الحلقة الثالثة)
ولادة المهدي(ع) وحياته بين الظروف السياسيه وموقف الموالين والمخالفين
عزيزي القارئ اليك محاضرات فلسفة وجود الأمام المهدي المنتظر (عج) وتكون هذه المحاضرات في حلقات من تاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري واعداد الشيخ حيدر الربيعاوي ومن اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرف سائلين المولى العلي القدير ان يتقبل منا ومنكم نعم المولى ونعم النصير .
الولادة الميمونة=======ولد مهدي أل محمد(صلوات الله عليه وعلى أبائه) في ظروف سياسيه خطرة كانت تحيط بأبيه الامام العسكري(عليه السلام); حيث الاعداء نصبوا عيون المراقبه حوله، وكشفوا الضغوط، منعوه من الخروج أو الانتقال من مكان إلى آخر ولم يكتفوا بهذا، بل عمدوا الى مداهمة داره(عليه السلام) مرات عديدة; وفي أوقات مختلفه ومتفاوته، حتى وصلوا الى اقصى درجات الحماقة في تصرفاتهم مع عائلة الامام العسكري(عليه السلام)، كل ذلك لشدة خوفهم من البشارات التي سمعوها آنذاك بشأن ولادة المهدي(عليه السلام); وأنه المنفذ للبشرية الذي يهد عروش الظالمين وينشر العدل في انحاء العالم إجمع، بدليل إن أمه قد تعرضت الى التفتيش والبحث عن حملها من أجل القضاء عليه قبل ولادته، لكن المشيئه الالهيه حالت بينهم وبين الوصول الى أهدافهم الدنيئه، فكان حمله حفياً ليس كما يظهر عند النساء في الحاله الطبيعيه الاعتياديه، وهذا في حد ذاته اعجازاً الهياً خارقاً للعاده، وبذلك لايتمكن أحد من الفاحصين حتى القوابل، خلال مدة الحمل... من التعرف على وجوده، فضلا عن النظر الى امه هل هي حامل أم لا.وهكذا الحال بالنسبه لولادته(عليه السلام)، فلم تكن أقل أعجازاً، بل كانت في غاية الاعجاز، فقد تجسدت فيها عظمة اللطف الالهي، وبعد أن اشرقت الارض بنور ولادة الامام المهدي(عليه السلام) لم يخبر أبيه أحداً إلا خاصة أصحابه، للزوم تعرفهم على الحجة من بعد الامام الثاني عشر(عليه السلام)، فأمر ابوهُ الامام العسكري(عليه السلام)، أبا عمر و عثمان بن سعيد، وهو من أخص أصحابه لديه... بأن يعق عن المولود الجديد عدداً من الشياه و أن يشتري عشره الاف رطل من الخبز و عشره الاف رطل لحماً ويوزعه على الفقراء، هذا فيما يخص ولادته المباركه(عليه السلام).أما ما يخص حياته الشريفه، فقد كان حال حياة أبيه الامام العسكري(عليه السلام) في مدينه سامراء، وبقي الامام المهدي(عليه السلام) في مدينه سامراء العراق طوراً من السنين ساكناً في دار أبيه العسكري(عليه السلام) في جو ساخن بالمخاطر من جراء المحاولات العدوانيه التي قامت بها السلطات الطاغيه آنذاك من المطارده له والكبس على داره من قبل هولاء منهم المعتمد والمعتضد العباسيين ـ وهو عليه السلام موجوداً فيها، ولكنه يتخلص من كيدهم بقوة غيبه وحكمه الأَلهيه، وقد عاش(عليه السلام) في غايه الكتمان بين أصحابه وشيعته، ولم ينقطع اتصاله بهم مع كل هذا الاحداث وصعوباتها، وانما كان ليتصل عن طريق نوابه الثقات كيف لا!،... و قد تعلق الغرض الالهي الملزم بهدايه البشريه في آخر الزمان بشخصه المبارك، وتنفيذ وعدالله الحق على يده الشريفه بأقامه حكم الله في الارض، وهذان الامران يتوقفان على ولادته وبقائه حياً في أمداً طويلا من الزمان، ومن هذا أفاض الباري(جلت قدرته) عنايه خاصة ولطفاً لا متناهاً في حفظه(عليه السلام).ومن هنا جاءت اهميه هذا الفصل للاحاطه بأهم الاحداث التي حصلت عند ولادته(عليه السلام) نستعرضها من خلال بيان عددة جوانب.
الجانب الأول:نبذة مختصرة عن حياة المهدي (عليه السلام)كان مولد الامام المهدى (عجل الله فرجه) ليله النصف من شعبان سنه (255) هـ وكان سنّه عند وفاة أبيه الامام الحسن العسكري(عليه السلام) خمس سنين وكانت ولادته(عليه السلام) في عهد الخلافه المذعومه للمهتدي العباسي، مرحلة الفتن والاضطرابات.ولد الامام المهدي(عليه السلام) في كنف أبيه الامام العسكري(عليه السلام) فأحاطه بالرعايه والسريّه التامه خوفاً عليه وتنفيذاً لوعد الله تبارك وتعالى وعده الذي توارثه عن جدّهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).( )روي عن أحمد بن الحسن بن اسحاق القمي، وقال: (لما ولدا الخلف الصالح(عليه السلام) ورد من مولانا أبي محمد الحسن بن علي، على جدي أحمد بن اسحاق كتاب واذا فيه مكتوب بخط يده(عليه السلام) الذي كان يرد به التوقيعات عليه: «ولد المولود، فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً».( )وفي رواية اخرى عن أحمد بن اسحاق قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري(عليه السلام) يقول: «الحمدلله الذي لم يخرجني من الدنى حتى اراني الخلف من بعدي...»( )الجانب الثاني: الأعجاز الألهي واللطفُ الخفي في الولادة الميمونة:روي المحدث الثقه الشيخ عباس القمي (رحمه الله) عن حكيمه... في حديث طويل... إنها قالت: «... ثم أخذتني فتره وأخذتها فتره، فانتبهت بحسن سيدي، فكشفت الثوب عنه فاذا انا به(عليه السلام) يتقلي الارض بمساجده فضممته اليَّ فإذا أنابه نظيف منظفُ، فصاح بي أبومحمد(عليه السلام): هلمّي اليّ ابني ياعمّه، فجئت به إليه، فوضع يديه تحت اليتيه وظهره، ووضع قدميه على صدره، ثم ادلى لسانه في فيه وأمدّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثم قال: تكلّم يا بنىَّ، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً(صلى الله عليه وآله وسلم)رسول الله، ثم صلى على أمير المؤمنين وعلى الائمه(عليهم السلام) ألى أن وقف على أبيه ثم احجم، قال أبو محمد(عليه السلام): يا عمّة اذهبيى به الى أمّه ليسلم ورددته ووضعته في المجلس»( )الجانب الثالث: الظروف السياسيه التي أحاطت بولاده المهدي(عليه السلام):ينقل لنا المؤرخون المعانات العصيبه التي عاشها الامام العسكري(عليه السلام) من حكّام عصره العباسين، ومواجهتهم له، كما يحدثنا التاريخ عن أضطراب الاوضاع الامنيه والاخلاقيه والسياسيه والاقتصاديه، واشتداد خوف السلطه من أئمه آل البيت(عليهم السلام) وفي تلك الفترة المضطربه يثبت الرواة ولادة الامام المهدي(عليه السلام). ولاهميه هذه الشخصيه العظيمه، ودورها الخطير في حياة البشريه الذي يحقق أهداف الرسالات الالهيه، ينبغي لنا أن نعرف الظروف السياسيه التي أحاطت بولادته وغيبته وواضح أن الخلفاء العباسيين كانوا قد عهدوا الامامه في ذرّيه الحسين بن علي(عليه السلام) وعاصروا الامام الصادق(عليه السلام) من بدايه تسلمهم السلطه سنه (132) هـ .وبدأ صراعهم مع أهل البيت(عليهم السلام) ممتداً، الواحد تلو الاخر فقد اشتبكوا في صراع مع الامام موسى بن جعفر(عليه السلام) وسجنوه حتى مات في السجن، وقد فتر هذا السراع في عهد المأمون في حياة الامام الرضا وولد الامام الجواد(عليه السلام) ثم استؤنف الصراع ضارياً وارهابياً ضد الامام الهادي(عليه السلام)، الذي تحمل اعباء الامامه بعد وفاة ابيه مباشره، وامتدت هذه المواجهه الحاقه والعنيفه من قبل المعتز والمهتدي والمتوكل مع الامام العسكري(عليه السلام).إنَّ الخوف والارهاب والملاحقه لأهل البيت(عليهم السلام) ومعرفه العباسيين بأن الامامه في ذريّه الامام العسكري(عليه السلام) واصرارهم على استئصال امتداد الامامه. هو الذي دعا الامام العسكري(عليه السلام) الى التكتم على ولده، وعدم الاعلان عن ولادته.الجانب الرابع: وصيه الامام الحسن العسكري(عليه السلام) لابنه المهدي بالغيبه.لما إشتدت الظروف السياسيه المحيطه بأهل البيت(عليهم السلام) في زمان الامام الهادي(عليه السلام)، نتيجة لاضطراب الاوضاع وتدهور الامور في أوساط الحكومه العباسيه، إتَّخذ الامام الهادي(عليه السلام) نهج التقيه في الارتباط بشيعته ومواليه، واعتمد الاحتجاب عن الناس، كما كان ايضاً; هو تمهيد لغيبتة صاحب الامر(عليه السلام) الامر و من ثم اتخذ الامام العسكري نفس الخط الرسالي لابيه الهادي(عليهما السلام).ومن هنا أوصى الامام العسكري(عليه السلام) أبنه الامام الححه من بعده بالغيبه والاحتجاب عن الناس إلا الخاصه من مواليه وشيعته في الغيبه الصغرى. فمن وصاياه(عليه السلام) لولده الحجه(عليه السلام) بالغيبه، ما بينه(عليه السلام)، لابراهيم بن مهزيار حين قابله في بعض اطراف مكه وقال له فيما قال: «إعلم يا أبا اسحاق إنه ـ يعني الامام العسكري(عليه السلام) - قال: صلوات الله عليه: يا بني، ان الله جل ثناؤه لم يكن ليخلي أطباق أرضه بلا حجه يستعلي بها وإمام يؤتم به... وأرجو يا بني أن تكون أحد من أعده الله لنشر الحق وطي الباطل وإعلاء الدين وإطفاء الضلال. فعليك يا بني، بلزوم خوافي الارض وتتبع أقاصيها...»وفي حديثه مع علي بن ابراهيم بقوله: «والله مولاكم أظهر التقيه فوكلها بي، فأنا في التقيه الى يوم يؤذن لي بالخروج.»( )الجانب الخامس: مكائد الحكومه الجائره فى محاولات القبض على الامام المهدى(عليه السلام)كانت المكائد و الدسائس تحاك بصوره مكثفه من أجل القضاء على الامام المهدى(عليه السلام) حيث كان القبض عليه هو أحد الاهداف الرئيسيه للحكومه العباسيه و اسيادها، وعلمهم بأن المهدي(عليه السلام) هو الامام المذخور لرفع الظلم والجور عن المظلومين و المحرومين في زمان ظهوره، وسوف ينتشر في العالم، و سيقضى على جميع الحكومات، ولا حكم الا الله عن طريق الحجة المعصوم من اهل بيت النبي الخاتم(صلى الله عليه وآله) هذا شنت هذه الحكومات ثلاث غارات، و هي على التولى:
غارت المعتمد و حملته في محاولة القبض على الامام المهدي(عليه السلام)بعد المحاولات العديده التي قام بها جعفر بن علي، بغية كسب الامامه له، ابتداء من محاوله الصلاة على الامام العسكري(عليه السلام) بعد استشهاده، الى مقابلته لوفد القمبين و من هنا قام المعتمد العباسي حينما استمع لوشاية جعفر بالمهدي، بأرسال الخيل و الرجال الى دار الامام العسكري(عليه السلام) من اجل القبض على الامام المهدي(عليه السلام) والكبس عليه، فقاموا بالتفتيش عنه و الفحص الدقيق في جميع غرف الدار و خفاياها، فلا يعثروا عليه، فلم بحدوا أحداً في الدار، إلا أم المهدي، فيقبضون عليها و يأخذوها الى السلطه الحاكمه انذاك، فتعرضت هناك الى الشدائد و الظغوط عليها في محاوله الوصول الى المهدي لكنها واجهة هذه المحنه بالخلاص و صمود، و استطاعت الخروج منها منتصره و هكذا نجى الامام(عليه السلام) من هذه المحاوله عند ما بائت بالفشل الضريع.
غارة المعتضد الأولى و محاولته في القبض على الامام المهدي(عليه السلام) و فشلها:كان من أهم المهام التي اولاها المعتضد، هو تجديد محاولة القبض على المهدى(عليه السلام)لذلك بعث على ثلاث نفر فيهم امرهم رشيق صاحب المادراي و يأمرهم أن يخرجوا الى سامراء مخففين لايكون معهم قليل و لا كثير إلا أن يركب كل واحد منهم فرساً و يجنب معه آخر و وصف لهم محله و داراً و قال: «اذا أتيتموها تجدون على الباب خادماً اسود، فاكسوا الدار و من رأيتم فيها فأتوني برأسه»( ) فهو يعلم بأن الامام المهدي(عليه السلام) يسكن في هذا الدار، و يحتمل العثور عليه حال كبس الدار بصوره مفاجئهثم انهم استمروا على مهمتهم فكبسوا الدار و جاسوا خلالها فوجدوا غرفة سريه و عليها ستر جميل جديد قال رشيق: ما نظرت قط الى أنبل منه، كان الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت و لم يكن في الدار أحد فرفعوا الستر، فرأوا بيتاً كبيراً كأنه بحر فيه ماء و في أقصى البيت حصير يبدو كأنه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناسن هيئه، قائم يصلي و بقي مشتغل بصلاته متوجهاً الى ربه لم يلتفت اليهم كأنه لم يرهم فبقي رشيق و هو قائد الحمله، مبهوتاً واجماً، وأيس من نيل الغرض واراد ان يلطف من خاطر هذا المصلى و يزيل ما قد يكون قد علق بذهنه من هذه الحمله فتوجه اليه قائلا المعذره الى الله و اليك فوالله ما علمت كيف الخبر و لا الى من اجي و انا تائب الى الله... و إنصرفنا عنه.و هكذا فشلت هذه الغاره كسابقتها في النتيجه بالاعجاز الالهي الذي حصل الامام المهدي(عليه السلام)
غارة المعتضد الثانيه في محاولة القبضى على الامام المهدي(عليه السلام) و فشلها:بعد اَنْ فشلت الغاره الاولى للمعتضد في محاولة القبضى على الامام الحجة (عليه السلام)، ظن إن هذه الحمله فشلت بسبب قله عدد الرجال الذين أكلوا لاداء هذه المهمه; والذين بُعثوا لتنفيذها، متغافلا عن حاله الاعجاز الالهي واللطف اللامتناهي في حفظ الحجة (عليه السلام)، ومن هنا جهزَّ هذه المرة حمله أخرى في محاوله جديده كي يظفر بما يبغي الوصول اليه فيها. قال الرواي: ثم بعثو عسكراً أكثر، فلما دخلوا الدار سمعوا من السرداب قراءة القرآن فأجتمعوا على بابه، وحفظوه حتى لا يصعد ولا يخرج....فخرج من السكنه التي على: باب السرداب، ومرَّ عليهم فلما غاب، قال الامير: انزلوا عليه.فقال: اليس هو مر عليك. فقال: ما رأيت.قال: ولم تركتموه.قالوا: انا حسبنا انك تراه.( )وفي هذه الاثناء استغل الامام المهدي(عليه السلام) أروع لحظه من لحظات ذلك الحصار، لحظه اقترنت بالتوقيت والضبط في التدبير والعناية الالهيه....فخرج امامهم من السرداب، وإختفى.وهكذا فثلت هذه المحاوله، هي الاخرى بالفشل الذريع.
إصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرف
https://telegram.me/buratha