عادل الجبوري
كانت مفاجأة من العيار الثقيل تلك التي فجرها مجلس محافظة صلاح الدين يوم الاربعاء الماضي بأعلانه الشروع بالاجراءات التنفيذية لتحويل المحافظة الى اقليم مستقل اداريا واقتصاديا.جاء الاعلان في خضم ارتفاع مؤشر الاحتقان السياسي بصورة واضحة، على خلفية الاعلان عن مخطط لانقلاب عسكري يقف ورائه حزب البعث المنحل، ادى الى شن حملة اعتقالات واسعة في صفوف اعضاء الحزب في محافظات مختلفة، وقبل ذلك اعلان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي اقصاء بعض التدريسيين والكوادر الوظيفية من جامعة تكريت وجامعات عراقية اخرى وفق قانون هيئة المساءلة والعدالة، ناهيك عن الازمة السياسية القائمة منذ بضعة شهور والمرتبطة بجملة ملفات لم تحسم حتى الان، ولايبدو انها ستحسم خلال وقت قريب.ولاشك ان هناك بعدان في اعلان مجلس محافظة صلاح الدين الاول، الاول دستوري، يعطي الحق لهذه المحافظة او اية محافظة اخرى تشكيل اقليم خاص بها في اطار النظام الاتحادي-الفيدرالي، سواء منفردة او مع محافظة او محافظات اخرى.والمادتين 115 و116 من الدستور العراقي النافذ في الخامس عشر من تشرين الاول-اكتوبر من عام 2005 تتحدثان عن هذا الامر ، حيث تشيران الى انه :"يحق لكل محافظةٍ او اكثر، تكوين اقليمٍ بناءاً على طلبٍ بالاستفتاء عليه، يقدم بأحدى طريقتين: اولاً :ـ طلبٍ من ثلث الاعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم.ثانياً :ـ طلبٍ من عُشر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم.(المادة 115)و"يقوم الاقليم بوضع دستورٍ له، يحدد هيكل سلطات الاقليم، وصلاحياته، وآليات ممارسة تلك الصلاحيات، على ان لا يتعارض مع هذا الدستور".(المادة 116).وكذلك فأن المادة 114 من الدستور تشير الى انه "يسن مجلس النواب في مدةٍ لا تتجاوز ستة اشهر من تاريخ اول جلسةٍ له، قانوناً يحدد الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الاقاليم، بالاغلبية البسيطة للاعضاء الحاضرين".وبالفعل فقد صوت مجلس النواب في دورته الاولى على ذلك القانون بشق الانفس وبضغط وتحرك واسع من قبل المجلس الاعلى الاسلامي العراقي، وتحديدا من قبل زعيمه السابق الراحل السيد عبد العزيز الحكيم في شهر ايلول-سبتمبر من عام 2007.ويتناول القانون المؤلف من اربع وعشرين مادة، في مواده الثانية والثالثة والرابعة الخطوات الاساسية لتشكيل الاقاليم ، وهي كالاتي:"المادة(2) يتم تكوين أي إقليم عن طريق الاستفتاء، ويقدم بإحدى الطرق التالية: اولاً: طلب مقدم من ثلث الاعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات المشكلة بموجب الدستور التي تروم تكوين الاقليم.ثانياً: طلب مقدم من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم.ثالثاً: طلب مقدم من ثلث اعضاء المجالس التشريعية في الاقاليم الراغبة في الاندماج.رابعاً: في حالة طلب انضمام احدى المحافظات الى اقليم، يقدم الطلب من ثلث اعضاء مجلس المحافظة مشفوعاً بموافقة ثلث اعضاء المجلس التشريعي للاقليم. المادة(3):اولاً:ـ يقدم طلب تكوين الاقاليم الى مجلس الوزراء موقعاً من رؤساء او الممثلين القانونيين لمجالس المحافظات او المجالس التشريعية للاقاليم حسب الاحوال خلال مدة لا تتجاوز اسبوعا. ثانيا:- يكلف مجلس الوزراء المفوضية العليا للانتخابات خلال مدة لا تتجاوز 15 يوما من تقديم الطلب باتخاذ اجراءات الاستفتاء ضمن الاقليم المراد تكوينه وخلال مدة لا تتجاوز الثلاثة شهور. المادة(4):اولا: اذا كانت احدى الرغبات مقدمة وفقا للمادة/2 اولا يقدم الطلب ابتداء من 500 من الناخبين الى مكتب المفوضية العليا للانتخابات في المحافظة يتضمن شكل الاقليم المراد تكوينه، وعلى المفوضية الاعلان عن ذلك خلال 3 ايام من تقديم الطلب بالصحف ووسائل الاعلام، وان تحدد مدة لا تقل عن شهر للمواطنين الذين تتوفر بهم شروط الناخب في ابداء رغباتهم الداعمة للطلب ضمن سجل معد لذلك من اجل حساب تحقق النصاب المطلوب.ثانيا:- اذا تعددت الرغبات في الطلبات المقدمة من اكثر من جهة وفقا للمادة 2 من هذا القانون تتبع الاجراءات التالية:-أ- اذا كانت احدى الرغبات مقدمة وفقا للمادة 2/ اولا وتجاوز الطلب موافقة ثلثي اعضاء اي من مجالس المحافظات تتبع الاجراءات الواردة في المادة 3/ اولا.ب- يضع مكتب المفوضية العليا للانتخابات في المحافظة استبيانا يحدد فيه شكل الاقاليم المطلوبة، يعرض على الناخبين لاختيار اي منها في مدة لا تتجاوز شهرين من تقديم الطلبات، ويعتبر شكل الاقليم الذي يقدم للاستفتاء عليه من يحصل على اكثر اصوات الناخبين المشاركين في الاستبيان". ولعل مجلس محافظة صلاح الدين اتبع السياقات الدستورية، اذ صوت اكثر من ثلث اعضائه على تشكيل الاقليم، ليصار الى رفعه لرئاسة مجلس الوزراء الاتحادي، وهكذا مع الخطوات الاخرى اللاحقة.ويذكر ان خطوة مماثلة قد اتخذت في محافظة البصرة قبل حوالي عامين وتبناها النابب السابق في البرلمان والقاضي وائل عبد اللطيف لتحويل تلك المحافظة الى اقليم مستقل، بيد ان تلك المحاولة لم تبصر النور، لانه تبين من خلال الاستفتاء الذي اجرته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في حينه ان عدد الذين ايدوا تشكيل الاقليم من بين سكان المحافظة كان قليل جدا، بحيث لم يتجاوز العشرة بالمئة.واذا كان البعد القانوني-الدستوري لخطوة مجلس محافظة صلاح الدين مقبول ومنطقي ولاغبار عليه، فأن البعد السياسي الذي لاتوجد نصوص قانونية لتسويقه وتكييفه مع الواقع، بل توجد قراءات وفرضيات واحتمالات، تنحى في مجملها الى التطرف والتشدد، سواء بأتجاه الرفض او القبول، هذا البعد هو محور الازمة حينما طرح مشروع قانون الاجراءات التنفيذية لتشكيل الاقاليم، وحينما طرحت مبادرة تشكيل اقليم البصرة، وسيكون حاضرا بقوة في اي طرح من هذا القبيل.ولعل رئيس الوزراء نوري المالكي اشار في لقائه بعدد من شيوخ ووجهاء عشائر محافظة صلاح الدين قبل يومين الى البعد السياسي في موضوعة تشكيل الاقاليم على اساس فيدرالي، حينما قال"ان العراق اكبر من الوزير ومن رئيس الوزراء، وان وحدة العراق يجب ان يكون هدفا يسعى اليه الجميع لا ان يقسم تحت مسميات مختلفة".وحذر المالكي من وجود محاولات تستهدف وحدة العراق اضافة الى التحديات التي تمر بها المنطقة مشيرا الى ان جميع محافظات البلاد ترفض فكرة التقسيم، وان تنفيذ الفيدرالية في هذا الوقت قد يفتح ابوابا للتفرقة والاقتتال الداخلي".وكان المالكي قد اكد بوضوح ان مجلس الوزراء سيرفض طلب مجلس محافظة صلاح الدين. ولم تتأخر معظم الاطراف والقوى السياسية من التعبير بوضوح عن رفضها لتشكيل الاقاليم على اساس طائفي او قومي او مذهبي، مشيرة وان كان بصورة ضمنية الى ان توجهات بعض القوى والشخصيات السياسية الى تشكيل اقاليم انما ينطلق من حسابات سياسية خطيرة تهدد الوحدة الوطنية وربما تخدم اجندات خارجية، وتبحث عن توفير بيئة امنة لحزب البعث المنحل وتنظيم القاعدة.وقد قوبلت دعوات رئيس مجلس النواب العراقي والقيادي في القائمة العراقية اسامة النجيفي التي اطلقها قبل فترة وجيزة من واشنطن ولندن لتشكيل اقليم سني بأستهجان ورفض واسع ليس من الاوساط الشيعية وانما من اوساط سنية عديدة.لكن المناخ الشعبي العام في المحافظات ذات الاغلبية السنية، وهي صلاح الدين والانبار والموصل، قد يتجه بفعل التعبئة الاعلامية والسياسية لبعض الاطراف الى التفاعل بدرجة اكبر مع اطروحات تشكيل الاقاليم، وتلويح مسؤولين في الانبار والموصل بأتخاذ خطوات مماثلة للخطوة التي اقدم عليها مجلس محافظة صلاح الدين، وتحت ذريعة طبيعة تعامل الحكومة الاتحادية معها، يشير الى ان التوجه نحو خيار تشكيل الاقاليم الفيدرلية قد يأخذ منحى اخر، ويتحرك بأيقاعات اسرع، صحيح ان العوائق والمعوقات امام مثل هذا التوجه سوف لن تكون قليلة، لكن في كل الاحوال فأنه لابد ان يحدث حراكا اغلب الظن انه سيزيد من حالة الفوضى والارتباك والتقاطعات والتجاذبات في ساحة مثل الساحة العراقية التي مازالت تفتقد الى مستوى الاستقرار الحقيقي المطلوب، والمفتوحة على مشاريع واجندات اقليمية ودولية مختلفة قد يكون الجزء الظاهر منها للعيان هو القليل وما خفي منها اعظم واخطر!. وربما تكون ازمة تشكيل الاقاليم التي اطلت هذه المرة من بوبة صلاح الدين اخطر من ازمات اخرى مزمنة في المشهد العراقي العام.
https://telegram.me/buratha