الكاتب والإعلامي قاسم العجرش
تشكل مفهوما "الوطنية" الحديث منذ أوائل القرن الفائت، وأرتبط هذا المفهوم المستحدث إرتباطا وثيقا بالتحرر من الإستعمار، وباتت الأنظمة التي تخلصت من الإستعمار تسمى بأسم "الأنظمة الوطنية" ويسمى نظام حكمها "بالحكم الوطني"، وسميت الحركات التحررية الكبرى التي خاضت نضالا مريريا للتخلص من الأستعمار "بحركات التحرر الوطني"، وأطلق العديد من القوى السياسية الفارغة على نفسه إسم "الحركات الوطنية"، مع أنها بالحقيقة حركات محلية، والمحلية مفهوم مقارب للوطنية من بعض جوانبه، ثم تطور إستعمال لفظة "الوطنية"، فأطلق على القوى والأفراد الميالين الى اليسار في فترة ما، فيما أطلق في وقت لاحق على القوى المغرقة بالأقليمية قبالة القوى ذات التطلع القومي، وبمرور الزمن تحدد إستخدام "الوطنية" بالعمل ذي المنفعة العامة، وأصبح كل ما سواها يعبر عن ضدها، فعندما تشكلت أول شركة نفط عراقية خالصة قبالة شركات النفط الأجنبية العاملة فيه، سميت تلك الشركة بأسم شركة النفط الوطنية، وأخذت بالحقيقة بعدا "وطنيا" كما صارت بالوقت نفسه واحدا من الرموز "الوطنية"، ومنذ ذلك الحين تَرَمَزَ العمل الحكومي الخالص بـ "الوطنية"، وهكذا أنتجنا سكاير"الوطني"!،وبنينا المسرح "الوطني"، وتأسست شركة التأمين "الوطنية"، وشركة الكهرباء "الوطنية"، واللجنة "الوطنية" للموسيقا، والمركز "الوطني" لنقل الدم!، والمركز "الوطني" لحفظ الوثائق، والمكتبة "الوطنية"، وفي البصرة شارع "الوطني" وسينما "الوطني"! وتغير إسم السلام الملكي الذي تعزفه موسيقا الجيش للضيوف الرسميين للبلاد، الى السلام الجمهوري في بداية عهد كريم قاسم، ثم تحول إسمه الى النشيد "الوطني" حينما أضاف له نظام البعث إسمه بقصيدة الكمالي (شعلة البعث صباحا)، وهكذا أصبح القادم بقطار أمريكي "وطنيا" يُقرأ نشيده صباح كل خميس بالمدارس في رفعة العلم، ومع أن مفهوم "الوطنية" كمسمى راق يعبر عن الإلتصاق بالوطن وحبه تحديدا، وهو مفهوم سياسي الأبعاد كما هو واضح، إلا أن الإسراف في إستخدامه في غير موضعه مسألة تحتاج الى إعادة نظر، ففي عهد جمهوريتنا الخامسة، أطلق على القوات العسكرية التي شكلت حديثا إسم "الحرس الوطني)" الذي ألغي فيما بعد وأضيف الى الجيش، لكنه بقي قيد الأستخدام الشعبي لحد الآن، كما أنشئت وزارة أسمها وزارة "الأمن الوطني"، وجهاز مخابرات سمي "الوطني"، فيما أستحدثت قوة عسكرية لا هي شرطة صرف ولا هي جيش صرف سميت "الشرطة الوطنية"، تدارك أهلها الأمر وسموها شرطة إتحادية، لكن إسم "الوطنية" بات لصيقا بها! والسؤال الذي يفرض نفسه: إذا كان مفهوم "الوطنية" يعبر عن مفهوم سياسي كما مر، فلماذا تضيفه الحكومة الى عناوينها الرسمية وهي ليست بحاجة الى تأكيد ذلك؟ ؟! سؤال له دلالة تحتاج الإجابة عليه إعادة قراءة ما تقدم...كلام قبل السلام: آخر المستحدثات "الوطنية" هو (التوازن الوطني) وهو إعتلاء لظهورنا مجددا بعنوان جذاب..! سلام
https://telegram.me/buratha