بقلم ماجد الأزرقي
في خضم موجة المسلسلات التركية التي اجتاحت الفضائيات العربية منذ خمسة اعوام تقريبا برزت بعض التساؤلات عن فحوى هذا الاندفاع المفاجئ والقوي تجاه تركيا بعد سنوات من القطيعة نتيجة لنهاية الحقبة الاستعمارية المتمثلة بالدولة العثمانية وهيمنة المستعمر الامريكي والاوربي كبديل عن ذلك على هيكل النظام العربي بشكل عام واندفاع تركيا بنفس الوقت باتجاه اوروبا في محاولة مستمرة للانضمام لعضوية الاتحاد الاوربي.في احدى الجلسات التي كانت تجمعني ببعض الاخوة تطرقت حينها الى هذا الموضوع واشرت الى ان موضوع المسلسلات التركية هو مجردعملية تمهيد لغزو ثقافي وسياسي من قبل تركيا الى العالم العربي من خلال هذه النافذة,لم استغرب انذاك مارأيته من بعض الابتسامات بل وحتى الانتقادات لهذا الطرح الغريب فما علاقة مهند بارودوغان ,أليس هذا من باب التهويل والمبالغة? للتوضيح فان مهند هو احدى الشخصيات التي قام باداءها احد الممثلين الاتراك الذي حصل على شعبية لاباس بها في المجتمعات العربية.لم تكن الاجابة حينها مقنعة للذين شككوا بهذا الطرح الفنطازي بل بدا لهم هومجرد اوهام لاقيمة لها فالموضوع كله هو عرض لمسلسل اجتماعي يتناول الواقع التركي بشيء من المسحة الرومانسية التي جعلت بعض العرب يستمتع باجواء الحياة التركية الحالمة والتي على الارجح لاتمت الى الواقع التركي بشيء من الصدق والواقعية,لاننكر في حقيقة الامر ان هذا الموضوع لايخلو من دوافع اقتصادية رافقت هذه الخطوات لكن يبقى البعد السياسي هو الاهم في كل ماجرى وسنتناول اهمية الدوافع والاسباب من شقها السياسي لتبيان بعض الحيثيات التي ساهمت في الاندفاع بهذا الاتجاه على الرغم اننا لاننكر اهمية القضايا الاخرى المتصلة بهذا الموضوع.1-ان تركيا كانت ولازالت تحاول بكل الوسائل اقناع الاتحاد الاوربي بضرورة انضمامها اليه في حين لم تلق هذه الدعوة اذان صاغية من قبل الاطراف المؤثرة في هذا الاتحاد كفرنسا مثلا والتي تثير باستمرا قضية ابادة الارمن على يد الاتراك ومطالبة تركيا بالاعتذار كمبرر للحيلولة دون انضمام تركيا لهذا النادي الذي تراه معظم دول الاتحاد الاوربي ناديا مسيحيا يجب ان يبقى على هذا المنوال, وبعد سلسلة طويلة من المحاولات اليائسة لتركيا لتحقيق هذا الهدف دون جدوى كان لابد لها من محاولة الضغط ايضا على الاتحاد الاوربي من خلال اتجاهها الى الدول الاسلامية وتحسين علاقاتها السياسية والاقتصادية معها فكانت باكورة هذا التوجه ان وصلت العلاقات التركية الايرانية والتركية السورية الى مستويات عالية تستطيع تركيا من خلال هذه العلاقات ان تبعث برسائل متعددة للغرب منها ان تركيا من الممكن ان تكون بوابة للتواصل مع البلدان التي لايستطيع الغرب الدخول اليها وبالتالي يمكن ان تلعب دورا في استقرار منطقة الشرق الاوسط باعتبارها وسيطا مقبولا من جميع الاطراف اضف الى ذلك الدور الذي تسعى فيه لحلحلة العقبات التي تحول دون تحقيق السلام بين اسرائيل وبقية الدول العربية التي لم توقع معاهدة سلام مثل لبنان وسوريا باعتبار ان تركيا ترتبط باسرائيل بعلاقات عسكرية واقتصادية وسياسية متميزة والتي تستفيد منها تركيا ايضا بالحصول على الدعم الكبير من الولايات المتحدة وقد اتضح ذلك من خلال تسلمها هذه الملفات بشكل ملفت للنظر فبدأت بفتح ملف السلام بين اسرائيل وسوريا ثم الملف النووي الايراني واقتراح صفقة التبادل النووي بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الاراضي التركية.
2-بعد احتلال الولايات المتحدة الامريكية لافغانستان والعراق برزت عدة مشاكل حقيقية تواجه الجيش الامريكي وانعكس كل ذلك على الوضع الاقتصادي الامريكي ونتيجة لتلازم الدور السعودي باستمرار وفاعلية وقوة الدور الامريكي نتيجة للارتباط الاستراتيجي الكبير فان ذلك انعكس بشكل واضح في حدوث بعض الكبوات للسياسة السعودية منها خسارة حلفاء السعودية اي فريق 18 اذار لمنصب رئاسة الوزراء في لبنان سبقها قبل ذلك خسارة حليفها في العراق اياد علاوي ممثلا بالقائمة العراقية للوصول الى رئاسة الورزاء وبما ان الضعف قد دبّ بمفصلي هذين الحليفين فانهما لم يتوقفا عن الدفع بالامور باتجاه الخصم وهو ايران وحلفاءها في لبنان وسوريا فبعد ان استغل الغرب قضية اغتيال الحريري وبدعم من الدول العربية الحليفة كالسعودية لتحقيق بعض النجاح في اخراج القوات السورية من لبنان استمر مسلسل تصفية الحسابات بين ايران وامريكا الى مناطق متعددة من العالم حتى وصل الى العراق حيث اصبح كل طرف يسعى الى تحقيق الانتصارات على الطرف الاآخر وبما ان السعودية استنفذت في هذه الحالة جميع اوراقها واصبح من الواضح للامريكيين ضرورة الاستعاضة ببعض الحلفاء لملأ هذه الفراغات الجيوسياسية بدليل اكثر فاعلية وقبول لدى الشعوب العربية خلافا للصورة السلبية التي تحملها المملكة السعودية في ملفات عديدة كحقوق الانسان والحريات والفساد المالي والاداري وعدم نجاعة السياسة السعودية في المرحلة السابقة رغم ان الدور السعودي لايمكن الاستغناء عنه امريكيا فكان لابد من ايجاد البديل المناسب لهذا العجز السياسي بحيث يكون له حضور وقبول اكثر من الحضور السعودي الذي يفتقر لكل مقومات العمل السياسي بسبب ترهل وفساد تلك الانظمة واعتمادها على النظام العائلي في ادارة امور الدولة دون النظر الى المهنية المطلوبة في المسؤولين التي تناط لهم ادراة الدولة ,من هنا كانت البداية وهي ايجاد البديل المناسب وبما ان تركيا ابتعدت تاريخيا عن البلدان العربية بعد نهاية الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى وظهرت تركيا العلمانية التي اردات التخلص من ذلك الارث عبر ارتمائها بالاحضان الغربية فكيف اذن لتركيا ان تستعيد دورها في المنطقة دون التمهيد لها من خلال ايجاد الارضية المناسبة لقبولها في المنطقة. كان التمهيد للدور التركي قد مر ببعض المراحل أبتدأها بالدراما التركية التي ساهمت اللهجة السورية بايصالها الى المشاهد العربي بشكل جيد حيث ابتلعت سوريا الطعم التركي من خلال انفتاحها الفني و الاقتصادي والسياسي على تركيا حتى اوشكت العلاقة بين البلدين الى مرحلة التنقل بين مواطني البلدين دون الحاجة الى تاشيرة دخول,اذن ماالذي جرى لتنقلب تركيا اوردوغان هذا الانقلاب لتصبح راس الحربة في مشروع اسقاط النظام ؟للاجابة على هذا السؤال يمكن ذكر الاسباب التالية:1- ايجاد مناطق نفوذ لتركيا لعزل ايران وقطع الطريق على النفوذ الايراتي المتنامي ومنع استمرار ماسمي في وقت سابق( بالهلال الشيعي) والبدء باستهداف سوريا لعزلها عن ايران وايجاد (هلال )بديل وبمباركة امريكية حيث يبدأ من تركيا مرورا بسوريا فالاردن ثم السعودية ودول الخليج الاخرى لمحاصرة ايران وتجريدها من كل اوراق الضغظ التي تملكها بل والوصول الى الهدف الاساسي لكل هذه الاطراف وهو اسقاط النظام في ايران فيما بعد.
2- السعي في هذه المرحلة على الاقل الى عدم السماح بعودة العلاقات المصرية الايرانية الى طبيعتها التي تشكل خطرا على دور السعودية ودول الخليج واستبدالها بمحور تركي مصري زائدا دول الخليج حيث ان التقارب الايراتي المصري يجعل منهما قوتين محركتين لمجريات الاحداث في منطقة الشرق الاوشط باكمله وهذا مما تتخوف منه هذه الدول ومن هنا يسعى الامريكيون ودول الخليج الان على استمالة المجلس العسكري الحاكم بالدعم المالي من اجل ابقاء مصر تحت المظلة الامريكية الخليجية كما هو الحال في عهد حسني مبارك او من خلال اثارة الفتن الداخلية واشغال مصر عن القيام بدورها التاريخي في قيادة العرب وبالتالي قطع الطريق على أي تقارب ايراني مصري يغير موازين القوى ويعيد تشكيل خارطة سياسية جديدة تجعل من الهيمنة الامريكية الاسرائيلية في مهب الريح .
3- لم يعد كافيا لاوردوغان ان يعتمد على الدراما التركية للقيام بالدور المطلوب لوحده لتحقيق الطموحات التركية المرجوة ويدع العرب يعيشون الاجواء الرومانسية دون ان يضع اوردوغان ايضا اصابعه الساحرة على الاوتار التي يدغدغ من خلالها مشاعرهم ,فها هو وبحركات بهلوانية وعلى خشبة المسرح يقف امام الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز وباداء مسرحي باهر يترك المسرح بغضب وتحد ليجد في اليوم التالي الملايين من العرب الذين يصفقون ويهللون للسلطان اوردوغان الذي بات قاب قوسين او ادنى من تحرير القدس بعد ان فشل من سبقه في ذلك من السياسين الذين مارسوا لعبة تحريك المياه الراكدةاضف الى ذلك ان اوردوغان لديه من عوامل القوة مالم تتوفر لغيره فهو لم تعد شعاراته مشكك بها حاله حال احمدي نجاد فهو سني المذهب فلن تتصدى له التيارات والحكومات التي تتصدى لاحمدي نجاد لاسباب طائفية معروفة اضف الى ذلك هو التنسيق المسبق مع هذه الاطراف من اجل سحب مشاعر التأييد والدعم لجهات مناوئة للمشروع الامريكي وبالتالي فان نجاح اوردوغان في هذه المهمة هو نجاح لامريكا ايضا حيث وصول النفوذ التركي الى هذه المناطق يعني انحسار النفوذ الايراني وهذا ماتريده امريكا بالطبعمن خلال ماتقدم يبقى السؤال قائما ماهي الخلاصة وما هي النتيجة المتوقعة من هذا الصراع؟الاجابة بالتأكيد ليست سهلة وهي لاتعدو كونها مجرد قراآت واستنتاجات شخصية لا تحمل الطابع الغيبي ولاتصل الى مرحلة التنبؤ وخلاصتها الاتي:ان الصراع بين ايران وحلفاؤها من جهة وامريكا وحلفاؤها من جهة اخرى قد وصل الى درجة حرجة حيث تبذل الجهود من كل طرف لتسجيل النقاط رغم ان الكفة تميل نظريا الى امريكا وحلفاؤها من ناحية القدرات والامكانيات السياسية والمادية ومناطق النفوذ فان ذلك لايبدو بالامر السهل ان تصل امريكا وحلفاؤها الى ما تريد,ان سوريا اليوم اصبحت حافة التماس بين الطرفين فالدول الغربية ودول الخليج تسعى بكل ماتملك من امكانيات مادية واعلامية وسياسية لتحطيم جانب من الحائط الذي تتكأ عليه طهران وبالتالي فان سوريا اصبحت اليوم هي المفصل الذي يعيد رسم الخارطة السياسية من جديد فاذا نجح النظام السوري في الصمود والبقاء وتجاوز هذه المحنة فانه من الممكن ان تتغير المعادلة لصالح الطرف المناوئ لامريكا وحلفاؤها وسيستعيد الطرف الاخر عافيته ليتوغل في مناطق قد يتخلى عنها الامريكيون.ان محاولة امريكا وحلفاؤها من دول االخليج السطو على الانجازات التي حققتها بعض الشعوب العربية كالشعب المصري والتونسي ومحاولة مصادرتها من خلال المال الخليجي والتوغل السياسي الغربي هو سباق مع الزمن لمنع هذه الثورات من تحقيق اهدافها وخصوصا الثورة المصرية التي ابرزت الرفض الكبير لسياسة مبارك الذي انصهر في لعبة التحالفات التي تتقاطع مع رغبات وتطلعات الشعب المصري الذي ينحاز دائما الى قضايا الامة العربية والاسلامية.ان نجاح الشعب المصري في تحقيق اهدافه دون هيمنة النفوذ الامريكي وسلطان المال الخليجي سيعيد الوزن الحقيقي لمصر وستقود بذلك العرب من جديد اذا تحقق لها ان تاخذ خيارها بنفسها وان تحدد سياستها الخارجية باستقلالية وبعيدا عن الاملاءات الخارجية. ان التغييرات التي ستحصل في سوريا ستكون مهمة ومؤثرة في شكل الخارطة السياسية الجديدة اذا اضفنا لها نجاحات الشعب اليمني والبحريني في الخروج من حبائل ودسائس الحكومةالسعودية ومن يوجهها واذا تحقق كل ذلك فاننا فعلا امام شرق اوسط جديد بمعنى الكلمة وستكون دول الخليج في هذه الحالة معرّضة لهزات قوية ربما تقتلعها على المدى المتوسظ ان لم يكن ذلك على المدى القريب. أما في حالةعدم تحقق السيناريو الاول فان المنطقة مقبلة على مرحلة اشد خطورة وستصل الى مرحلة الاحتكاك الفعلي أو ربما تلجأ دول الخليج وبدعم امريكي في تأجيج حرب طائفية في بلاد الشام تشبه الى حدما الذي حصل في العراق وربما تنخرط في هذا الصراع دول اخرى مما يؤدي الى اشتعال منطقة الشرق الاوسط بأكملها لاقدّر الله. لابد لي هنا من الاشارة الى الدور القطري الذي اصبح منافسا للدور السعودي حيث تسعى قطر للاستفادة من التغيرات التي حصلت في المنطقة ومن الدعم الكبير لها من اسرائيل وامريكا في توسعة نفوذها السياسي من خلال دعم حركة الاخوان المسلمين حيث يتبنى القرضاوي وقناة الجزيرة هذا المشروع وبدعم مالي وسياسي من ال ثاني حيث اصبحت قناة الجزيرة هي المنبر الاعلامي لهذه الحركة فالدعم الكبير لها في ليبيا وتونس واليمن ومصر وسوريا بدا واضحا للعيان لان حكومة قطر باتت تدرك ان التغيير في الدول العربية من خلال مايسمى بالربيع العربي ستكون حركة الاخوان هي الرابح الاكبر فيه حيث بدات هذه الحركة في بعض الدول تتماهى مع النموذج التركي المقبول غربيا حتى وصل الامر الى اقتباس اسم حزب اوردوغان وهو حزب التنمية والعدالة في محاولة لاستمالة الاطراف الغربية المشككة بنهج هذه الحركة.من الواضح ان الدور القطري مرهون بهذه المرحلة فمبجرد استقرار الامور في منطقة الشرق الاوسط فان قطر ستعود الى حجمها الحقيقي فقطر اريد لها ان تلعب هذا الدور بتوصية اسرائلية امريكية . ان السنوات القادمة ستحصل فيها تحولات كبيرة فالشرق الاوسط الجديد بدأ يتشكل فعلا ولكن ليس بالرؤية التي نادت بها غوندليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية السابقة .أن عدم وجود رؤية حقيقية لحل المشاكل الحقيقية والاكتفاء بمعالجات جانبية يظن البعض انها ستكون البديل عن الحل الحقيقي في ارجاع الحقوق الى اصحابها سوف تجعل العالم يقف على شفا الانهيار لمنظومته الاخلاقية والسياسية وبالتالي فان هذه التغييرات لاتستثني احدا فما نشاهده اليوم من حراك عالمي لمواجهة الاستغلال والانتهاكات الواضحة لحقوق الاغلبية قد بدا فعلا في الدول التي كانت تبشر بما يسمى ثورات الربيع العربي وليس من المستبعد ان تتطور الامور في تلك البلدان الى الحد الذي يوجد التغيير المنشود.ان الشعارات التي تطرح اليوم من على المنابر الدولية لاتعدو كونها اوراق ضغط سياسية تمارسها الدول الكبرى لتحقيق مآربها فبعدما رايناه من انتهاكات لحقوق الانسان في بعض الدول الموالية لبعض الدول الكبرى دون ان تحرك ساكنا لدعم مطالب تلك الشعوب وتخليصها من قمع السلطات الغاشمة مثلما هو الحال في اليمن والبحرين فاننا نراها على العكس تماما تقف ضد ارادة هذه الشعوب وتدعم الحكومات المستبدة تلك بالدعم السياسي والعسكري مما افقد تلك الدول مصداقيتها وشعاراتها المرتبطة بحقوق الانسان والعدالة والحرية وبالتالي فان هذه الاوضاع تعزز مقولة الذين يؤمنون بحتمية وجود المنقذ الذي ينتشل الانسانية من براثن الظلم والجوروالحرمان.
https://telegram.me/buratha