جواد ابو رغيف
لاشك أن الرؤية الإستراتيجية الثاقبة التي امتازت بها المدرسة الحكيمية منذ تأسيس الدولة العراقية منذ بدايات القرن الماضي يؤشر امتلاكها القوة والجرأة على اتخاذ مواقف لاتستطيع قوى أخرى اتخاذها توجساً من ردة الفعل المصاحبة لتلك التغييرات !بيد إن قراءة دقيقة ومتأنية لأسباب ومقومات توفر عنصر القوة والجرأة تزيل الدهشة و الاستغراب لدى المراقبين فالمدرسة الحكيمية التي تعاقبت على قيادة تيار شهيد المحراب لم تكن طامعة في حطام الدنيا ولاهي ساعية لإثبات هويتها وشخصيتها فهي ابعد من ذلك بل هي حملت الهم العراقي على مدى عقود ودفعت ضريبة مواقفها تجاه قوى الظلم والطغيان!!ولم تتردد تلك القيادة أن تحرف بوصلتها مع إرادة الجماهير غير آبهة أو خائفة من التأويلات السياسية التي يطلقها بعض قصار النظر ،وكانت ولازالت تتعامل مع نتائج الإرادة الجماهيرية !فهي لم تحمل لواء المقاومة إلا من اجل الجماهير ، ولو القينا نظرة خلفية على مواقف تلك المدرسة تجاه الإحداث التي تعرض لها المجتمع العراقي الخارجية والداخلية منها لوجدنا أنفسنا أمام حيرة قراءة وتفسير تلك المواقف! *فتوى الامام محسن الحكيم(قد)فلو استعرضنا موقف الأمام السيد محسن الحكيم (قد) تجاه القضية الكردية وفتواه التي حرمت القتال ضد الشعب الكردي آنذاك ومواجهة النظام البعثي الدكتاتوري على الرغم من اختلاف الأيدلوجيات الفكرية وتناقضها وتحّمل السيد الحكيم ضريبة هذه الفتوى التي تعني مواجهة النظام وآلته البوليسية حيث دفعت أسرة آل الحكيم ثمن هذا الموقف دما وتهجيرا وسجنا !بيد أن موقف الأمس تجلى اليوم وبعد ما يقارب الثلاثة عقود عبر شراكة حقيقية بين مكونين مهمين من مكونات المجتمع العراقي هما الأكراد والعرب الشيعة حيث شكل هاتان المكونان الضمانة الحقيقية لحفظ التجربة الديمقراطية مابعد تغيير النظام عام (2003)السيد شهيد المحراب(قد)يمهد لتغييرالنظام في المهجر!! وبعد اشتداد الضغط على أسرة آل الحكيم من قبل النظام البعثي وحملات التصفية الوحشية تجاه قوى المعارضة العراقية آنذاك اضطرت المعارضة العراقية إلى الخروج من العراق والانتشار في أصقاع المعمورة ماأدى الى تشتيت جهود المعارضة العراقية وتلاشيها ! لولا جهود السيد محمد باقر الحكيم (قد)بلملمة أشتات المعارضة العراقية الإسلامية وجعلها في بوتقة واحدة وتوحيد جهودها لإسقاط النظام البعثي المجرم الذي اهلك الحرث والنسل !عبر اعلانه تأسيس المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق عام (1982). وكانت أهدافه الإستراتيجية الثلاثة التي رفعها آنذاك هي باكورة فكر السيد شهيد المحراب التي عبرت عن رؤية عميقة قل نظيرها للواقع العراقي ومعالجة عملية ومنطقية تعبر عن مشروع سياسي وطني بعيد عن العواطف والعقد الشخصية ! وتمثلت بأهدافه التالية :1ـ إسقاط النظام الدكتاتوري في العراق .2 ـ كسر المعادلة الطائفية التي حكمت العراق طيلة (80) عام .3 ـ أضعاف المركز وتطبيق النظام الفدرالي (أي النظام الإداري اللامركزي) في العراق .فكانت مرحلة المهجر هي مرحلة التمهيد لتغيير النظام في العراق والتي استطاع السيد شهيد المحراب فيما بعد من جمع شتات المعارضة العراقية بكل أطيافها في مؤتمرات عدة دولية وإقليمية ومحلية كان للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي قطب الرحى والسنام العالي الذي ينظر اليه العراقيين في الداخل والخارج لإنقاذهم من نظام المقبور صدام حتى تحقق ذلك على يد قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بضغط قوى المعارضة العراقية وفي مقدمتها وفرس رهانها المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بقيادة السيد شهيد المحراب والذي كان يرى بعدم دخول قوات أجنبية لحساسية العراقيين من تلك القوات وطلب من القوات الدولية بتامين حظر جوي على الطيران العراقي وتتكفل المعارضة العراقية بإسقاط النظام وهذا ما رفضته الولايات المتحدة الأمريكية لتكتشف خطا إستراتيجيتها فيما بعد وهذا ما كشفه التغيير في ليبيا حيث اكتفت القوات الدولية بمساندة الثوار عبر حظر الطيران الليببي وتوجيه ضربات جوية لكتائب ألقذافي وبالتالي إسقاط النظام !وما أن دخل المجلس الإسلامي الأعلى إلى العراق حتى تعرض إلى صدمة كبيرة تمثلت في اغتيال السيد شهيد المحراب الذي لم يكن اغتيالا شخصيا بل كان الهدف منه اغتيال المشروع السياسي للمجلس الإسلامي الأعلى في العراق وعلى الرغم من عظم الخسارة التي تعرض لها تيار شهيد المحراب غير إن المدرسة الحكيمية الولود تأبى الأفول، عزيز العراق(رحمه الله) يتصدى لمرحلة التأسيستصدى السيد عزيز العراق لمهمة تأسيس الدولة العراقية ،فاستطاع بحكمة القائد الحكيم من تحديد الإطار العام لشكل الدولة العراقية القادمة عبر كتابة الدستور العراقي الدائم وهو الدستور الدائم الأول عبر ثمانين عام من الدساتير المؤقته!!وقد ضرب مثلاً رائعاً للقيادة حيث استطاع تحقيق مشروعين الاول (وطني) والاخر (طائفي)واستطاع ان يؤائم بين المتناقضين لخدمة الوطن في معادلة قل نظيرها لايجيد مفرداتها ألا القادة! عبر توحيد الصف الشيعي وبالتالي استثمار قوته في الحفاظ على العراق من إن تمزقه أنياب الطائفية ومشاريع تدمير الوطن من خلال وضع أطار الدولة العام وهو (كتابة الدستور ) فكان الخيمة التي يأوي لها العراقيين بجميع أطيافهم عندما تشتد المحن وكان كبرياء العراق عندما يحاول الآخرين التقليل من شأن العراق .وبعد رحيل السيد عزيز العراق رحمه الله الى جوار ربه اتفقت القوى السياسية المنطوية في تيار شهيد المحراب على تأييد السيد عمار الحكيم رئيسا (للمجلس الاعلى الإسلامي) السيد عمار الحكيم يقلب التوقعات!!فكانت القيادة الشابة التي أثارت لغطا كبيرا في الأوساط السياسية العراقية بين منتقد ومتوجس للاختيار لأسباب في مقدمتها عمر السيد عمار الحكيم قياسا إلى الإرث الكبير لمسيرة المجلس الأعلى ،بيد أن السيد عمار الحكيم وعلى الرغم من خطورة المرحلة المتمثل بوضع البلد العام وبوضع تيار شهيد المحراب الخاص فالوضع العراقي العام كان مربكا بسبب طبيعة الصراع بين القوى السياسية المتنافسة على السلطة وما رافقه من تداعيات قاربت من الحكم بالإجهاض على التجربة الديمقراطية في العراق ! وبين وضع تيار شهيد المحراب الخاص بسبب تعرضه إلى ضربتين موجعتين خلال ثمان سنوات الأولى كانت استشهاد السيد محمد باقر الحكيم والثانية برحيل السيد عبد العزيز الحكيم !ولو أن أي فصيلاً سياسيا فقد خلال تلك الفترة الوجيزة لقيادات بحجم شهيد المحراب وعزيز العراق لفقد وجوده ككيان سياسي غير أن السيد عمار الحكيم قلب طاولة التوقعات رأسا على عقب واثبت بما لايقبل غير اليقين انه امتداد لتلك المدرسة الحكيمية واستطاع بفترة وجيزة أن يفرض تيار شهيد المحراب كلاعب أساسي في المعادلة السياسية العراقية على الرغم من نتائج الانتخابات البرلمانية عبر مواقفه الحكيمة وخطابه الإعلامي المعتدل الذي اتصف بالحكمة والمصداقية والاعتدال وليس الدعائي، ماجعله قبلة للوفود الدولية والإقليمية والمحلية على الرغم من عدم التمثيل الحكومي وكانت مبادراته لحلحلة الأزمات تترى من دون توقف خالية من أية مآرب سوى حفظ العراق والسير بمركبه إلى بر الأمان! فكانت الطاولة المستديرة التي أنتجت اتفاقية اربيل وتشكيل الحكومة وإنقاذ العراق من حافة الهاوية بسبب الصراعات السياسية ثم أردفها بمبادرة عيد الفطر المتكونة من سبع نقاط لمعالجة الوضع السياسي المتأزم ثم قدم رؤيته الإستراتيجية بالنقاط الخمسة وهي ضرورة وجود مشروع سياسي ستراتيجي دستوري متفق عليه من جميع القوى السياسية يتمتع بغطاء دستوري يمنحه الشرعية لتطبيقه على ارض الواقع ليصبح خارطة طريق لعمل الفر قاء السياسيين يكون مرجعا سياسيا يعودون أليه كلما دعت الحاجة الى ذلك وثانيهما هو بناء عامل الثقة بين العناوين السياسية وثالثهما ضرورة معالجة (هلامية ) بعض قوانين الدستور وقابليتها على التمدد وإمكانية تأويلها على أكثر من محمل وبهذا برز دور فقهاء التعاريف الذين حرف بعضهم بعض المواد الدستورية ورابعهم عدم التعاطي بمزاجية مع مواد الدستور والابتعاد عن الانتقائية . .وخامسهم محاربة ظاهرة الاتفاقات السرية والتفاهمات الجانبية وما يدور خلف الكواليس وتحت الطاولة !ومن الطبيعي أن توفر مثل هذه الأسباب كفيل بإجهاض أي تجربة سياسية لأنها تمثل غياب المشروع السياسي وبالتالي غياب الهوية الوطنية ومن ثم ضياع الجميع ،ثم كانت الخطوة المهمة وهي التي أثبتت حركية تيار شهيد المحراب ومرونته وانه يتحرك لحاجة الجماهير ويتعامل مع النتائج التي تصب في خدمة الشعب العراقي فهو الغاية وهو الهدف، وما التغييرات التي أطلقها السيد عمار الحكيم في خطبة عيد الفطر المبارك لاسم وشعار تيار شهيد المحراب إلا لإثبات حركية التيار وموائمته لضرورات المرحلة ومتطلباتها وتمتعه بمرونة عالية قل نظيرها على خارطة القوى السياسية المتنافسة في الساحة العراقية ،فتغيير بهذا الحجم لابد إن يحدث خللاً في البناء التنظيمي لأية مؤسسة حزبية أو كيان سياسي !فكانت رسالة التغيير التي أطلقها سماحة السيد عمار الحكيم واضحة وقوية تعبر عن قوة ومنهجية المدرسة الحكيمية.
https://telegram.me/buratha