خضير العواد
عندما يتطلع المتابع للتحركات التركية في القضية السورية ويقارنها بعلاقة الطرفين قبل هذه الأحداث , عندها ستثار في ذهنه أسئلة كثيرة , أهمها لماذا هذا التحول الكبير بمواقف الحكومة التركية التي تربطها علاقات ممتازة جداً بالحكومة السورية , الجواب على هذا السؤال العلاقات التركية السورية عندما توّثقت لم تكن على قواعد متينة وصادقة بل الغاية الأساسية التي دفعت تركيا لهذه العلاقة هو الموقف السورية الداعم للمقاومة والمناهض للتطبيع مع إسرائيل , إحتياج تركيا لوسيلة لكي تدخل من خلالها العالم العربي والإسلامي فكانت القضية الفلسطينية أهم وأسهل وسيلة من خلالها ستكون الشعوب العربية والإسلامية المستقبل الأكثر شوقاً لدخول الأتراك الى قضايا الشرق الأوسط بسبب ما يعانيه من إحباط شديد ومنكسر إتجاه مواقف حكوماته المتخاذل , وبعد الدخول السريع للأتراك الى الساحة العربية والإسلامية بعدما منعوا من دخول الإتحاد الأوربي فأراد الغرب أن يعوض الأتراك فرحب وسهل تدخلهم بالمنطقة العربية ودعم وساعد على هذا التدخل , وبعد التغيير الكبير الذي حدث في مصر والفراغ الذي عانت منه الأنظمة العربية في منطقة الشرق الأوسط بسبب غيابها المؤثر لهذا أرادة هذه الحكومات أن تملئ هذا الفراغ الذي تركته مصر , فادارت السعودية وجهها الى الأتراك بعد الإنقطاع الطويل وبرودة العلاقات ما بينهما ولكن المصلحة تطلبت هذا التوجه من الجانب السعودي , فألتقت المصالح , الأتراك يرغبون العودة بقوة الى قيادة منطقة الشرق الأوسط بعد غلق الأبواب الأوربية أمامهم والسعوديون يريدون توازن القوى في المنطقة بعد غياب مصر السنية مع تصاعد النجم الأيراني الشيعي الذي أكتسح الساحة العربية بسبب مواقفه الداعمة بقوة للمقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي , وبعد هذا التناغم مابين الدولة المهمة جداً في المنطقة العربية وهي السعودية والأتراك وتلاقي المصالح مع مباركة الأمريكان لهذا التقارب الذي سيواجه الجانب المقاوم للتواجد الأمريكي والإسرائلي في المنطقة المتمثل بإيران وسوريا وكل حركات المقاومة وخصوصاً حزب الله , لهذا نلاحظ تغيير المواقف من جانب الأتراك إتجاه الحكومة السورية , ويدفع الأتراك لهذا الموقف المصالح التي يعتقدون ستتحقق من تغيير النظام السوري بأخر إسلامي متشدد سيساعد الأتراك في إضعاف حزب العمال الكردي من خلال تكوين علاقات إستراتيجية مهمة تكون الكفة فيها مائلة الى الجانب التركي , وإغلاق جميع الملفات التي تتعلق بالأراضي السورية التي يسيطر عليها الأتراك , بالإضافة الى قطع الطريق الممول للمقاومة الذي سؤدي الى إضعاف التأثير الإيراني في المنطقة , ولكن بسبب الوجود السعودي فأن الاتراك لايستطيعون تحقيق كل أحلامهم من تغيير النظام السوري بل سيكونون الخاسر الأكبر بسبب غياب أهم العوامل التي سببت مساعدة السعودية لتدخلهم في منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً القضية السورية وهي المقاومة ومواجهة التواجد الإيراني المتصاعد , بغياب النظام السوري فأن المنطقة برمتها تكون مفتوحة للسعوديين وليس هناك حاجة للتواجد التركي الذي يمتلك تاريخ سئ مع العائلة المالكة في السعودية التي ساعدت البريطانيين في إسقاط الإمبراطورية العثمانية (التركية) , بالإضافة الى إمتلاكها تجربة ديمقراطية يشار لها بالبنان وتلهث الشعوب العربية للإقتداء بأمثالها , لهذا فشهر العسل للعلاقات التركية السعودية سوف ينتهي بمجرد حدوث التغيير في سوريا , لأن اللاعب الأساسي والمهم سيكون السعوديون وسيعملون على تكوين حكومة سورية وستكون هذه الحكومة مناهضة للتواجد التركي بسبب ما يمتلكه من تجربة ديمقراطية , وتريد السعودية إبعاد الشعوب العربية عن جميع التجارب الديمقراطية الناجحة في المنطقة وخصوصاً التجربة التركية لهذا سيكون النزاع المحتمل مابين السعودية وتركيا إذا تحقق ماتبتغيه السعودية من تغير النظام السوري لأن التواجد الإيراني سوف يتلاشى بسبب ضعف المقاومة الذي سينتج عن غياب نقطة الوصل المتمثلة بالحكومة السورية الحالية , وبذلك ستتلاشى الحاجة للوجود التركي بل سيصبح وجوده مضر في المنطقة , لهذا فأن المصلحة الحقيقية للأتراك تتطلب ببقاء الحكومة السورية مع بعض التغييرات التي يحتاج إليها الشعب السوري, والمستفيد الأكبر من أي تغيير في نظام الحكم في سوريا هو الكيان الصهيوني بالإضافة الى أمريكا والسعودية, لان الذي سيهدد إستقرار هذا الكيان سوف يضعف بشكل كبير بغياب أهم مفصل من مفاصل المقاومة , أما السعودية فتعتقد بغياب النظام السوري فإنها سوف تصبح القوة الكبرى والمؤثرة في منطقة الشرق الأوسط ولكن مع وجود إسرائيل ذات الإمكانيات الكبيرة في كل شئ فأن التأثير السعودي سوف يتلاشى مع مرور الوقت فتصبح إسرائيل المدعومة من أمريكا القوة الكبرى الوحيدة المؤثرة في المنطقة مع أنحصار التأثير الإيراني والتركي .
https://telegram.me/buratha