الكاتب : عمار احمد
تعتبر مرجعية الامام السيد محسن الحكيم (قدس سره) بنظر العديد من المؤرخين والمحللين نقطة تحول مهمة في طبيعة العمل المرجعي، والتصدي الاكثر مباشرة للشؤون السياسية العامة التي لها مساس بمصالح الناس والبلاد.ويمكن ان نوعز ذلك الامر الى طبيعة شخصية الامام الحكيم ومنهجيته ورؤاه من جانب، ومن جانب اخر طبيعة المرحلة التي تصدى فيها لزعامة المرجعية في خمسينات القرن الماضي، حيث ظهور تيارات سياسية وفكرية واجتماعية مختلفة، كالشيوعية والماركسية والقومية الى جانب التوجهات والنزعات الليبرالية التحررية ببعدها الاجتماعي والسلوكي والاقتصادي، وكذلك تنامي حركات الاستقلال السياسي في دول العالم الثالث عبر اساليب وصيغ مختلفة بعضها ثورية وبعضها الاخر انقلابية.وفي اطار هذه الظروف والاوضاع والتفاعلات العامة اسس الامام الحكيم لمنهج له خصوصياته وميزاته في العمل السياسي وفي ادارة وتوجيه المجتمع بعيدا عن الحزبية الفئوية والطائفية والقومية، ولعل له مواقف تأريخية تثبت ذلك، قد يكون من ابرزها فتواه الشهيرة بتحريم قتال الاكراد، والتي كان لها اثر كبير جدا في تحديد مسارات الصراع بينهم وبين الحكومة المركزية، اضافة الى مواقفه الشجاعة والمبدئية من نظام حزب البعث التي اثارت حفيظة الاخير ودفعته الى ان يحيك المؤامرات ويدبر الخطط التي اراد من ورائها اضعاف المرجعية وتشويها صورتها في عيون ونفوس مريديها وانصارها واتباعها، وما اتهام العلامة الشهيد السيد محمد مهدي الحكيم نجل المرجع الحكيم بالتجسس لصالح جهات اجنبية الا دليل على حقيقة التوجه البعثي حينذاك، ودليل على عمق تأثير وحضور المرجعية.وكان من ابرز من تأثروا بمنهج الامام الحكيم هم المقربون اليه، لاسيما الشهيد اية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر، والشهيد اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم، واذا كان الشهيد الصدر لم يتمكن من ترجمة ذلك التأثر بسبب استشهاده في وقت مبكر، فأن شهيد المحراب سعى في ذروة الصراع المحتدم بين نظام البعث الصدامي من جهة ، والحركة الاسلامية من جهة اخرى مطلع عقد الثمانينات وبالتعاون مع شخصيات واطراف سياسية ودينية الى بلورة كيان سياسي قادر على التعبير عن ضرورات ومتطلبات الواقع، وقادر على ان يشغل حيزا في ساحة الصراع والمواجهة، في ذات الوقت الذي يحافظ فيه على الثوابت الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع، وكان المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق(المجلس الاعلى الاسلامي العراقي حاليا) هو ذلك الكيان السياسي الذي ولد في السابع عشر من تشرين الثاني 1982-الاول من صفر 1412هـ-ومن يقول ان الانبثاق الحقيقي للمجلس الاعلى لم يرتبط بذلك التأريخ وانما بأكثر من عقدين قبله، فهو في الواقع قول قريب جدا الى حقائق ومعطيات الامور، بل وملامس لها، فالاسس والمتبنيات الفكرية والسياسية والعقائدية لم تظهر في يوم التأسيس او مع اعلان البيان التأسيسي، بل انها تعود الى الامام الحكيم ومنهجه.فالمرجعية الدينية كانت ومازالت هي احد ابرز ثوابت المجلس الاعلى، من حيث الالتزام بتوجيهاتها ورؤاها وتصوراتها. وخلال العقود الثلاثة من عمره لم يلجأ المجلس الاعلى في اي وقت من الاوقات الى استخدام-او استغلال المرجعية الدينية كورقة سياسية يحاول من خلالها الحصول على مكاسب معينة، هكذا كانت علاقته مع مرجعية الامام ابو القاسم الخوئي، ومرجعية الامام الخميني (قدس سرهما الشريف)، وغيرهما من مراجع الدين العظام، ولم يتغير الحال مع التغير الكبير في الظروف والاوضاع السياسية العامة في العراق، وظهور الكثير من المغريات واحتدام التنافس بين القوى السياسية المختلفة بعد سقوط نظام صدام.يمكن ان يكون -او يبدو- التمسك بالمرجعية الدينية سببا في فقدان بعض الفرص في ساحة العمل السياسي، ونيل المواقع والادوار التنفيذية، وهذا صحيح في سياق الحسابات الانية والسريعة، لكنه في النهاية مبدأ وثابت من غير الممكن ان يدخل ويوظف كأداة من ادوات الصراع والتنافس السياسي، لمن يؤمن به ايمانا حقيقيا.ورؤية المجلس الاعلى قامت في الماضي وتقوم حاليا على اولوية الحفاظ على المباديء ومن ابرزها واهمها زعامة وقيادة المرجعية الدينية بصرف النظر عن طبيعة الاوضاع والظروف السياسية ومقدار الارباح والخسائر السياسية المتحققة والمترتبة على الالتزام بتلك المباديء والتمسك بها.
https://telegram.me/buratha