حمزة الدفان
يلفظ العراقيون يوميا اطنانا من الكلام ، ساستهم وعسكرهم ورؤساء عشائرهم وخطباؤهم ، كلام لا قيمة له ، موضوعات مكررة يمكن تصنيفها الى : اتهامات موجهة ، رد على الاتهامات ، توجيه رسائل مباشرة وغير مباشرة ، تهديدات ، خطاب تملقي ، شكوى وتظلم ، حماسة وتعبئة ، وكل هذه الاصناف من الخطاب لا تساوي شيئا عند العراقيين ، لأن مشاكلهم ما زالت بلا حل ، واصبحوا يكرهون كثرة الكلام ، حتى الكلام الجميل لم يعودوا ينتبهون له ، فقد الكلام مصداقيته ولم يعد أحد أهم وسائل الاقناع ، لانه كلام بلا رصيد مثله مثل الاوراق النقدية المطبوعة بلا غطاء لمعادلة التضخم ، عدة اطنان اضافية من الكلام تم قذفها في الهواء في الايام الأخيرة موضوعها الفدرالية ، فدرالية في صلاح الدين وفدرالية في الانبار وفدرالية ذات طابع مذهبي تجمع الاثنين مع الموصل وفدرالية البصرة وفدرالية الكحلاء وفدرالية الجبايش او الحويجة او حتى مندلي من يعرف ؟ هناك حقائق غير خافية لكن اتفق الجميع على الصمت عنها اي التواطؤ على اخفاءها وهي ان الوضع في العراق او اي دولة تمر بظروفه يحتاج الى ترتيب اولويات ، وهم يعرفون ان الفدرالية ليست اولوية لاعادة بناء العراق بل هناك ما يتقدمها من العناصر ، واذا سكت اصحاب المصالح فلماذا لا يتكلم المخلصون والمثقفون ؟ هناك عملية مخادعة للناس والرأي العام ، وكثير من الساسة عندنا لا ذمة ولا ضمير بامكانهم ذبح الشعب واحراق الوطن لاجل مصلحة شخصية تافهة ، غريب تركيب هذا الانسان ، الاعمار قصيرة والموت بالمرصاد وقد سبقهم الى هذه الهاوية القذافي ومبارك وبن علي والآخرون في الأثر ، يبدو ان ساستنا لم تكتمل حمولتهم الثقيلة من دماء الناس بعد ، بعضهم لا يتعض ، يكفيه بيت يأويه وسيارة تنقله وخادم يدبر شؤونه ومرتب ثابت لمأكله وملبسه حتى يأخذ الله امانته ، أما ان يفكر ساسة وهم قد تجاوزوا الخمسين والستين من العمر بابتلاع اقاليم وامتلاك محافظات فهذا سقوط مدهش في احضان الشيطان القديم ، ولا تصدقوا بعض كبار الكذابين عندما يعلنون انهم يعملون لمصلحة الطائفة الفلانية او المجموعة العلانية ويحملون همها ومظلوميتها ، فهم قوم اراذل لم يسجلوا في حياتهم موقف شرف ، هؤلاء الذين قضوا اعمارهم بالركض وراء الشهوات والعمالة وخدمة الظالمين وقمع الابرياء وأكل السحت والمعاصي والاكاذيب ينصبون انفسهم مدافعين عن مصالح الناس ! يجب مواجهة هؤلاء بفضح تاريخهم واعلانهم كاشخاص خطرين على مستقبل الوطن والمواطن . وافضل طريقة لفضحهم وكشف طموحاتهم الابتلاعية في شيخوختهم التعيسة هو توضيح قضية الاولويات في بناء اي بلد مهدم عمرانا وانسانا مثل العراق . ماهي مشاكل هذا البلد ؟ الفساد الذي انتشر في كل مكان ولم يعد الناس يفهمون الفرق بين الفساد والصلاح ، ومع الالتباس االمفهومي ترك المكلفون شرعا مهمتهم في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وفشلت الحكومة في العلاج ، واصبح المنكر معروفا في العراق الجديد ، مشكلة الارهاب وتحول العراق الى ساحة دولية لهذا التيار الدموي المنحرف ، وسهولة تجنيد العراقيين ليكونوا ادوات في حركة الارهاب وجرائمه ، ثم البطالة والأمية الحضارية التي افسدت جيلا كاملا فنشأ غير مبال غير شاعر بالانتماء الى وطنه او عقيدته ، غير عارف بالفرق بين الاستقامة والانحراف ، أمية منتشرة حتى بين طلبة الجامعات ، الجهل والسطحية والتقليد الاعمى للاجانب والضياع وفقدان الهوية كلها تحديات تدمر جيلا لا يجد من ينقذه ، ثم الفقر والفاقة وفقدان مقومات العيش ، ثم الفوضى الادارية التي تعم البلد فتتحول دوائر الحكومة الى عدو مكروه برويتينه وبيروقراطيته المقيتة ورشوته وفساده ، وفقدان الخدمات ، وعدم ميل المواطن العراقي الى العمل والانتاج وركونه الى الكسل وحب الاستهلاك ، وكثير من الناس يقضي وقته في اللغو والكذب والفراغ دون ان يفكر بالعمل ، واليوم هناك اجماع بين الدوائر الحكومية والقطاع الخاص على ان العامل العراقي لا ينتج لذا هم يستعينون بعمال اجانب والعمالة الاجنبية تتدفق الى العراق باستمرار ، لان العامل الاجنبي اجره مناسب وانتاجيته عالية كما ونوعا ومطيع وهادئ ومنضبط في مواعيده ومتواضع وقوي التركيز في ذهنه ، اما العامل العراقي فعلى الاغلب اجوره عالية وانتاجيته متدنية كما ونوعا ومتمرد ومتوتر ويفتقر للهدوء وشارد الذهن قليل التركيز ولا أبالي وكذاب ، حتى الكناس الاجنبي هو افضل من الكناس العراقي ، اي لدينا انسان محطم ذهنيا وقيميا ومهنيا ، ولو يتسع المجال لذكرت جميع الاشكاليات المعمرة التي يعاني منها العراق . وهنا يتفق العقلاء والخبراء في التنمية ان اعادة بناء البلد والانسان تحتاج الى خطة تنمية صارمة وشاملة ومركزية وذات طابع هي اقرب الى النظام العسكري في انضباطه ومسيره ، يحتاج العراق الى مركزة شديدة لانجاز التغيير تحت اشراف حكومي قوي على مدى السنوات العشر المقبلة على الاقل ، ولا يمكن لبلد مهدم ومنهار وفاسد الانسان والبنيان ان يبدأ عملية الاصلاح بتمزيق نفسه الى اقاليم الا اذا كانت هناك اجندات مشتركة داخلية وخارجية تريد ذلك ، العلم اكثر مصداقية من الاعيب السياسة ، علميا لا يمكن القيام بتنمية شاملة بدون مركزية صارمة ومن لديه نقاش في هذا الامر فليتكلم ، الفدرالية ليست اولوية لبناء هذا البلد لكنها اولوية مصلحية لدى ساسة مشبوهين . الامراض التي ذكرتها آنفا هل تحتاج الى فدرالية لمعالجتها ، بالعكس اذا قسم البلد الى اقاليم في هذه المرحلة فهذا يعني فدرلة المفاسد وعوامل السقوط والانهيار وتقويتها ودعمها والقضاء على عناصر الاصلاح واعادة البناء ، الفدرالية ليست ترفا ولا لعبة سياسية انها حاجة ادارية يشعر بها البلد بعد ان تستقيم اموره ويتوسع اقتصاده وينال قدرا كبيرا من الوفرة والرفاه والاستقامة في الحكم وتطبيق العدالة ويتسع نشاط وحداته الادارية بالقدر الذي لا يمكن معه الركون الى القرار المركزي فتضطر مراكز المدن الكبيرة الى استحصال صلاحيات فدرالية من أجل ادارة اوسع واسرع واكثر مواكبة واكثر قدرة على تلبية احتياجات التنمية المستدامة ، ماحاجة مدننا التعيسة القذرة المهدمة الى الفدرالية ؟ هل تعالج الفدرالية امراضنا الاخلاقية او الفساد او الارهاب وهل المركزية منعت أحدا من تنفيذ مشاريعه ، الفشل قائم في المحافظات وهو فشل ذاتي لا يمكن ان تعالجه الفدرلة خاصة وان كبار الفاسدين هم انفسهم باقون في ظل الفدرالية او المركزية ، ما هذه المغالطات ؟ يقال ان العراقي ذكي ولا يعبر عليه شيء ولكن في العراق الجديد يعبر كل شيء دون ان ينتبه اليه أحد .
https://telegram.me/buratha