عزيزي القارئ اليك مقامات العترة الطاهرة على شكل حلقات كما مر عليك في فضائل العترة الطاهرة وصفاتها من تاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري واعداد الشيخ حيدر الربيعاوي ومن إصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرفلو أراد المتفحّص في سيرة العترة الطاهرة (عليهم السلام)، النظر فيما ورد عنهم(عليهم السلام)من خلال سيرتهم وسلوكهم وطريقتهم في التعامل مع شيعتهم ومواليهم، وذلك للوقوف على ضفاف مقاماتهم السامية; لإدراك اليسير ـ على فرض تحقّقه ـ وهذا اليسير إنّما يستكشف مما بيّنوه لخاصّتهم الذين عايشوهم ورافقوهم وتتلمذوا على أيدهم (صلوات الله عليهم أجمعين)، فكانوا المصداق الحقيقيّ لشيعتهم ومحبّيهم الذين عرفوا مقامهم وأخلصوا لهم في الولاء والمحبّة في كافّة حركاتهم وسكناتهم.لكنّ هذه المعرفة تبقى موقوفة على كشف أئمة أهل البيت(عليهم السلام)الحجب عن أبصارهم; وإلاّ لمّا توصّلوا إلى شيء من تلك المقامات الرفيعة، ومع ذلك لم يكن لديهم من المعرفة ما يكفيهم للتعامل مع أئمّتهم آنذاك طبقاً للمعرفة الحقيقية والصورة الباطنيّة لمقام أهل البيت (عليهم السلام).وقد أوضحت الروايات الواردة بخصوص هذا الأمر كشف الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)للحُجب عن أبصار بعض الموالين، فمنها ما حصل مع ابن سعيد، عندما دخل على الإمام الهادي (عليه السلام) في ذلك السجن المظلم، حيث قال:«دخلت على أبي الحسن (عليه السلام): فقلتُ: جُعلت فداك في كلّ الأمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك، حتّى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك.فقال (عليه السلام): هاهنا أنت يابن سعيد؟!!؟ثم أومأ بيده وقال: انظر، فنظرت فإذا بروضات آنفات، روضات ناظرات، فيهنّ خيرات عطرات وولدان كأنّهم اللؤلؤ المكنون، وأطيار، وظباء، وأنهار تفور، فحار بصري والتمع، وَحَسِرت عيني.فقال (عليه السلام): حيث كنّا فهذا لنا عتيد، ولسنا في خان الصعاليك) .هكذا كان ابن سعيد يرى الإمام الهادي (عليه السلام) في ذلك السجن المظلم ظاهراً في بداية الأمر، لكنّ الامام (عليه السلام) كان يعيش في رياض الجنة باطناً لقربه من الخالق الحقّ تبارك وتعالى واتّصاله به، وهذا المعنى تجسّد في كلمات ابن سعيد بعدما كشف له الإمام (عليه السلام) بعض الحقيقة، فقال: فنظرت فإذا بروضات آنفات، وروضات ناظرات، فيهنّ خيرات عطرات وولدان كأنّهم اللؤلؤ المكنون، وأطيار، وضياء، وأنهار تفور، فحارَ بصري وحسرت عيني.ثمّ يؤكّد الإمام (عليه السلام) على هذا المقام، وأنّهم يعيشون فيه حيثما كانوا بقوله المبارك: «حيث كنّا فهذا لنا عتيد».وبما أنّ أهل البيت (عليهم السلام) خلقوا من نور واحد، فكانوا حقيقة واحدة كما وصفهم النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّ هذا النور المبارك خلق من نوره بعدما خُلق من النور الإلهيّ.ويؤيّده ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «أوّل ما خلق الله نوري».وهكذا وصلوا (صلوات الله عليهم أجمعين) إلى أعلى مرتبة من الكمال والقرب الإلهيّ، لطهارتهم التي نصّ عليها القرآن الكريم بقوله تعالى:(إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً).إذاً كلهّم في مقام واحد، وقد عجزت العقول عن إدراكه، ولكن امتثالاً لوصاياهم وتقديساً لمقامهم السامي وخدمة لمذهبنا العزيز الذي خطّوه بفيضهم المستمدّ من فيض الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) المتّصل بالفيض المطلق بادرتُ مستعيناً بالله تبارك وتعالى متوكّلاً عليه، متوسّلا بنبيّه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الميامين (صلوات الله عليهم أجمعين) بهذه المحاولة راجياً فيها القبول والنجاح، وأن أرى ذلك في إتمامها.ومِنْ الجدير بالذكر أنّه لا يوجد إنفصال حقيقي بين هذه المقامات وإنّما يستلزم أحدهاالآخر ذاتاً، ولكننا نذكرها مستقلةً عن بعضها البعض; لأجل بيان حقائقها ومفاهيمها، مضافاً إلى تعدادها.فعن عبدالسلام الهرويّ، قال: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول:_«رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقلت: كيف يُحيى أمركم؟قال (عليه السلام): يتعلّم علومنا ويعلمّها الناس فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا» .ومن باب ما لا يُدرك كلّه لايُترك جله، حاولت بيان بعض المقامات المستفادة من الكتاب العزيز والسنّة المطهّرة.وإليك بعض منها مع ممّا نُصّ عليها في النصوص القرآنيّة والروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في هذا المجال:
إصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرف
https://telegram.me/buratha