عبود مزهر الكرخي
الجزء الأول ----------------بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على نبينا الأكرم ابو الزهراء محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين
من المعلوم أن ثورة أبي الأحرار أبا عبد الله الحسين (عليه السلام ) كانت تطرح كل القيم العظيمة بما فيها القيم الإنسانية والتي سوف أؤكد في مقالتي هذه ، حيث من الواضح أن كثير من أبناء العامة وكذلك الغرب لا يعرفون ماهية هذه الانتفاضة التي هزت العرش الأموي وكذلك صححت مسار الإسلام الذي أخذ ينحى إلى مسارات خاطئة من قبل كثير من الطلقاء والمحسوبين على الإسلام فبقاء الإسلام ودوامه كان بفضل هذه التضحيات التي قدمها سيدنا ومولانا الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وصحابته الأبرار . وقد تيسر لي السفر إلى بلدان غربية وشرحت لهم ماهية الثورة ومعانيها العظيمة فصدقوني قد بكوا على هذا المصاب العظيم وكيف يتم قتل هذا القائد الملهم لكل المعاني الخالدة ونخبته الوفية الذين قدموا مهجهم في سبيل ثبوت ورسوخ الإسلام ومبادئه العظيمة ونفس الشيء كذلك في الدول العربية وهنا في عالمنا العربي والإسلامي يكون الأمر أعظم حيث بتوجه من علماؤهم المحسوبين على الدين من وعاظ السلاطين ومن لف لفهم يتم التوجيه على أمور عدة من ابسطها أن يزيد هو خليفة وقد حارب الخارجين على الخلافة وبضمنهم الحسين ( ع ) ونفس الشيء بالنسبة إلى معاوية حتى أذكر لكم أنه في دول شمال أفريقيا يتم الاحتفال بيوم ((10)) عاشوراء ويقولون كل سنة وأنت طيب ويقدمون الأكل والحلويات للاحتفال بهذا اليوم لأنه تم إفهامهم انه من العشرة التي ذهب فيها نبي موسى إلى ربه ولا يتم التطرق أبدا إلى واقعة الطف وهذا هو التزوير في التاريخ والتحريف من قبل الفكر الأموي.
ولهذا ومن هذا المنطلق سوف انطلق في مبحثي هذا في كيفية إيصال المعاني الإنسانية لثورة أبي الأحرار وخصوصاً في العالم الغربي الذين لا يعرف عامتهم من الناس وحتى المثقفين هذه الثورة الخالدة ،فبعد التطور في المعلومات وخصوصاً الانترنيت وكذلك الفضائيات أدعو ومن هذا المنبر إلى توثيق هذه المعلومات في مسلسلات وأفلام جادة ورصينة تشرف عليها جهاتنا العلمية والدينية والفقهية لتوضيح أهداف هذه الثورة التي خطت حروفها بدماء الأمام الزكية مع أهل بيته الطاهرين وأصحابه المنتجبين وأن تكون مترجمة وتبث بالخصوص إلى العالم الغربي وبعدها إلى العالم العربي وأن يتم التطرق إلى المعاني الإنسانية لهذه الملحمة الخالدة ليس فقط إلى وقائع الواقعة والتاريخ الخاص بها فهناك إحداث إنسانية وتضحيات وإيثار بالنفس لم تحدث في كل التاريخ الإنساني العالمي والعربي فخطباؤنا في المنبر الحسيني جزاؤهم الله ألف خير قد أوصلوا وقاموا بالدور المسند إليهم في توصيل هذه المعاني القيمة لهذه البطولات النادرة والقيم النبيلة لواقعة الطف ولكن لمن إلى شيعتنا وبعض من أرجاء عالمنا العربي والإسلامي والعالم الغربي لم يصل إليهم هذا الصوت الشريف وكثير من عالمنا العربي والإسلامي لم تصل هذه المبادئ العظيمة لهذا الثورة الخالدة، ومن هنا دور الأعلام ممثل الفضائيات والانترنيت بإيصال هذه المعاني وأن يتم التركيز على الجوانب الإنسانية لهذه الواقعة الأليمة والتي سوف أذكر قسم وهي تمثل قطرة بل اقل من ذلك من منهل الإنسانية المتجسدة في ثورة أبي الأحرار ألحسين (ع ) وأترك الباقي لأصحاب العلم والدين الأجلاء في توضيح كل الأمور الخافية علينا لأننا ننهل من علماؤنا وفقهاؤنا من علم ودين وسوف أذكر قسم منها وحسب علمي القليل تاركاً الباقي لمن له دراية بها وأوردها في نقاط لكي تكون الصورة واضحة ومبسطة للجميع
1 ـ ونريد أن نوضح في البداية إن الحسين لم يبايع يزيد ولم يقر لأنه كان أمام زمانه و لايجوز مبايعة مثل هذا الفاجر اللعين ولهذا كلنا نعرف مقولاته الخالدة في هذا المجال والتي لو بايع ذلك اللعين يزيد لأصبحت مثلبة يتلطخ به هو وأهل البيت و لايجوز بل ويحرم فعل مثل هذا لأخير لهذا قام بها الفعل العظيم بسفك دمه الشريف وهو عارف بذلك من طلب الإصلاح في أمة جده وتصحيح مسيرة الإسلام والذي أرادوا بنو أمية أن يبقى بالاسم فقط وإفراغه من كل معانيه العظيمة والخالدة والتي سوف نتطرق إليها في نقاطنا القادمة والذي كان هذا الدور العظيم منوط بهذه الشخصية الخالدة منذ ولادته والتي قال لها نبينا الأكرم محمد(ص) ((أن لك درجة في الجنة لن تنالها إلا باستشهادك)).
ولكن لنعرض المقولات التي قالها الحسين في هذا المجال والتي توضح عظمة الدور الذي قام في النهوض بالإسلام من كبوته وتصحيح مساره ومدى صلابة وأيمان الحسين بالدور والمهمة العظيمة التي قام بها.
"(إنَّا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فَتح الله وبنا يختم ، ويزيد رجل شَاربُ الخُمورِ ، وقاتلُ النفس المحرَّمة ، مُعلنٌ بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحَقّ بالخلافة))
((مَن رأى سُلطاناً جائراً مُستَحلاًّ لِحَرام الله ، ناكثاً عهده ، مخالفاً لِسُنَّة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغيِّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقاً على الله أنْ يُدخِله مَدخَله()((إِنِّي لا أرَى المَوتَ إلا سَعادةً ، وَالحَياةَ مَع الظالمين إِلاَّ بَرَماً(((لا وَالله ، لا أُعطِيكُم بِيَدي إعطَاءَ الذَّليل ، وَلا أفِرُّ فِرارَ العَبيد))"
ومن هنا أحببنا إن نوضح هذا الأمر لكي تكون واضحة من خلال المقولات الخالدة والإنسانية التي ذكرها الإمام الحسين روحي له الفداء وهذه المقولات مروية بكل كتب التاريخ وكل كتب السنة والجماعة.
2 - أول حادثة لسيدنا الحسين (ع) هو خروجه يوم الثامن من ذي الحجة وهي معروفة لدى الجميع وفي يوم التروية وعدم إكماله مناسك الحج ، وقد نصحوه آل هاشم بالمكوث والبقاء ولكن قال إن يزيد سوف يقتلني على أستار الكعبة إذا بقيت ولنأتي إلى ماقاله المؤرخون في تلك الحادثة والتي تدلل على علم أبي عبد الله بمصرعه ومصارع أهل بيته
"إرادة الخروج وخطبته (عليه السلام):ولما أراد الخروج من مكة، طاف وسعى وأحل من إحرامه وجعل حجه عمرة؛لأنه لم يتمكن من إتمام الحج مخافة أن يقبض عليه.[٣٤٩] - ١٣٢ - وعنه:وروي أنه (عليه السلام) لما عزم على الخروج إلى العراق، قام خطيبا فقال: الحمد للهوما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، [وصلى الله على رسوله]، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم، خط بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقر بهم عينه، وينجز بهم وعده، من كان باذلا فينا مهجته،وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء الله[تعالى]." (2)
وهذا له من المعاني القيمة والعظيمة حيث آبى سيد الشهداء إن يسفك دمه الشريف في رحاب الكعبة وهي بيت الله الحرام وهذا مالا يقبله أهل بيت رسول الله (ص) وحادثة وفاة الحسن (ع) ليس بخافية في عدم سفك أي دم ووصيته إلى أخيه الحسين (ع ) عندما وقف بعض المحسوبين على الإسلام والطلقاء وعارضوا دفنه قرب جده رسول الله (ص) ولأجل حقن الدماء ووصية الحسن (ع) تم دفنه في البقيع فأي معنى سامي لموقف أبي الأحرار وذهابه إلى الموت وهو يعلم ولكن تمسكه بدينه وعدم أعطاء الذريعة ليزيد (لعنه الله) خرج من مكة وهو يعرف أن منيته واستشهاده سيكون في كربلاء ليقول أن رضى الله من رضا أهل البيت الذين معدن الرسالة ومختلف الوحي ومهبط الملائكة والذين بهم يفتح الله وبهم يختم ، والنقاط سوف توضح أكثر في هذا المجال.
3 - ذهابه ومع أهل بيته وبضمنهم عقائل رسول الله وهذا له معنى إنساني آخر وهو يعرف بأنه سوف يتم سبيهم وحرق خيمهم ولكن هذا كله قدر من الله سبحانه وتعالى وهو عالم بذلك لكي يبين ماهية هؤلاء القوم الذين ثار ضدهم الحسين والذي رفض مبايعة يزيد وهو الذي يقول سلام الله عليه (لا وَالله ، لا أُعطِيكُم بِيَدي إعطَاءَ الذَّليل ، وَلا أفِرُّ فِرارَ العَبيد)فهل يوجد أعظم من معنى إنساني لهذه التضحية العظيمة في سبيل تصحيح مسار الإسلام ومسيرة جده رسول الله (ص) في أخراج أهل بيته من النساء والأطفال وإفهام العالم ماهية يزيد الذي تلبس بثوب الإسلام والخلافة وهي بريئة منه كل البراءة ، ولنقرأ هذه الحادثة التي حدثت مع أخته العقبلة زينب الحوراء(ع)
"عندها أنثنى على قبضة سيفه وأنشد يقول :
يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالاشراق والأصيلمن صاحب أو طالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديلوإنما الأمر إلى الجليل * وكل حي سالك السبيلفأعادها مرتين، أو ثلاثا حتى فهمتها فعرفت ما أراد، فخنقتني عبرتي، فرددت دمعي ولزمت السكوت، فعلمت أن البلاء قد نزل.فأما عمتي فإنها سمعت ما سمعت - وهي امرأة، وفي النساء الرقة والجزع -فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها - وإنها لحاسرة - حتى انتهت إليه، فقالت:واثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة أمي، وعلي أبي، وحسن أخي، يا خليفة الماضي وثمال الباقي!فنظر إليها الحسين (عليه السلام) فقال: يا أخية! لا يذهبن بحلمك الشيطان.قالت: بأبي أنت وأمي، يا أبا عبد الله! أستقتلت؟ نفسي فداك.فرد غصته وترقرقت عيناه وقال:لو ترك القطا ليلا لنام!قالت: يا ويلتي! أفتغصب نفسك اغتصابا؟! فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي! ولطمت وجهها، وأهوت إلى جيبها وشقته وخرت مغشيا عليها!فقام إليها الحسين (عليه السلام)، فصب على وجهها الماء وقال لها:يا أخية! اتقي الله وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته، ويبعث الخلق فيعودون، وهو فرد وحده، أبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة.فعزاها بهذا ونحوه، وقال لها:
يا أخية! إني أقسم عليك فأبري قسمي، لا تشقي علي جيبا، ولا تخمشي علي وجها، ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت. ثم جاء بها حتى أجلسها عندي." (2)
والمقولة المشهورة التي قالها لأبن عمه أبن عباس ((شاء الله أن يراهن سبايا ، وشاء الله إن يراني قتيلاً)) لهي خير دليل على ذلك.
3 - عند ذهابه وفي الطريق إلى كربلاء التقى بالشاعر الفرزدق الذي خيم هو وأمه في مخيم أبا عبد الله (ع) سأله عن أهل الكوفة فقال له (سيوفهم عليك وقلوبهم معك ) وهو يعرف ذلك وهم الذين من قبل خذلوا أبوه وأخيه ولكن يمضي في صنع أروع ملاحم البطولة والاستشهاد في التأريخ الإنساني ولكي يبقى دين جده خالداً على مر العصور ووصوله خبر استشهاد سفيره وأبن عمه مسلم أبن عقيل(ع) وانسحاب كثير من أتباعه لعلمهم بغدر أهل الكوفة ولكن مضى في طريقه متمسكاً بدينه وقدره الذي باستشهاده وصنع هذا السفر الخالد في وهب روحه الزكية طلباً في إصلاح أمة جده رسول الله(ص) والذي كان مقدراً من الله سبحانه وتعالى وهذا ما ×بره به جده وابيه(سلام الله عليهم )
4 - ونأتي هنا إلى لحظة للعراق وبدأ مسيرة الاستشهاد حيث كما معروف جاء (الحر بن يزيد الرياحي ) هو ومعه ألف فارس لكي يجعجع بالحسين إلى أرض كربلاء وحسب أوامر من الطاغية يزيد وعند وصولهم كانوا قد تقطعت السبل بهم في الحصول على الماء وأشرفوا على الهلاك فما من سيدنا ومولانا أبا عبد الله (ع) إلا إن قام بأسقائهم بالماء وارؤاهم وهو الذي عنده الجمع الهائل من أنصاره وأهل بيته ، وأي صورة إنسانية في أسقاء عدوه بالماء وهم بعد ذلك يمنعون عنه الماء عنه وحتى عن النساء والأطفال وهل وجد في كل كتب التاريخ من يسقي عدوه بالماء وهل الذي يسير به إلى منيته فهل يوجد في كل سفر التاريخ مثل هذا السفر الخالد الذي يصنعه أبا الأحرار وأي مدرسة إنسانية يتعلم بها الإنسان في رحاب هذا الأمام العظيم والذي تعلمها من مدرسة جده وأبيه سلام الله عليهم .
5 - وحتى في طريقه إلى كربلاء كان الجيش الذي يجعجع به كان معه ويصلي مع الحسين (ع) في صلاة الجماعة ويخيم معهم وحتى الأكل وكل شيء فهل يوجد مثل هكذا أليس من المفروض أن يكون على بعد منهم ولا يسمح لهم بالاقتراب منه لأخذ الحيطة والحذر ولكن روحي له الفداء كانً مربياً وقائداً وإنساناً يعلم الناس كيف يكون التعامل الإنساني ويعطي الدرس تلو الدرس في مسيرة استشهاده الخالد على مر الزمن ونورد هذه الحادثة لتأكيد ماذهبنا إليه أنفاً.
"ودنت صلاة الظهر، فقال الحسين (عليه السلام) للحجاج بن مسروق: أذن، رحمك الله!وأقم الصلاة حتى نصلي! قال: فأذن الحجاج، فلما فرغ من أذانه صاحالحسين (عليه السلام) بالحر بن يزيد. فقال له: يا ابن يزيد! أتريد أن تصلي بأصحابكوأصلي بأصحابي؟فقال له الحر: بل أنت تصلي بأصحابك ونصلي بصلاتك."(3)
6 - وفي طول الطريق كان يوجه أهل بيته وأنصاره وصحابته بالمنهج الإسلامي القويم وكانوا طول أوقاتهم مابين مصلي وقائم وراكع وقاري للقرآن وكان روحي له الفداء يعلم بأنه ماضي في طريق الاستشهاد وأنهم قد اختاروا الآخرة وأنهم طلقوا دنياهم وشروا أخرتهم فما أحلى هذا الشراء وهذه التجارة الرابحة الذين استحبوا أخرتهم ووهبوا أنفسهم وأرواحهم الطيبة وأنهم ماضين إلى طريق الخلود وأن دماؤهم هي التي تعبد لطريق الإسلام الصحيح الذي أنحرف وأخذ كل مأخذ بعد أن تلاعب به الطلقاء وأبن آكلة الأكباد كتلاعب الصبية بالكرة كما قال رأس الشرك والنفاق أبو سفيان (لعنه الله)فهل توجد مثل هذه الملحمة الإنسانية التي خطها أبي الشهداء أم كيف هم أهل بيت وصحابة وأنصار هم الذين تربوا في مدرسة سيدي ومولاي أبا عبد الله الحسين (ع) يمضون إلى الشهادة وهم عارفين بها ولكن لا هم لهم ألا مرضاة الله ورسوله وأمامهم لكي يخطوا بدمائهم بأحرف من نور أعلى آيات وأروع أمثال البطولة والحفاظ على دينهم القويم ولو نرجع الى خطبته في مكة والتي قال فيها
((من كان باذلا فينا مهجته، وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى)).
أذن أشترط على من يسير معه شرطين هو بذل نفسه ومعرفته بأنه سوف يستشهد في سبيل الله وفي سبيل مرضاة الله ومرضاة أمامه أبي عبد الله الحسين والذي يمثل الامتداد الصحيح للدين الإسلامي ، نتزود من عظيم القول في خطبته الى أصحابه المنتجبين حيث يقول :
"وأصحاب الحر بالبيضة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس! إن رسولالله (صلى الله عليه وآله) قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كانحقا على الله أن يدخله مدخله.ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وأنا أحق من غير.
قد أتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولاتخذلوني، فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي، وابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم في أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم! والمغرور من اغتر بكم، فحظكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم (فمن نكث فإنما ينكث علىنفسه) (4) وسيغني الله عنكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته." (5)
7 - وعند وصوله إلى كربلاء ولنأتي الى هذه النقطة ونقف عندها وماذا قال الأمام روحي له الفداء عند وصوله إلى أرض نينوى :
"فقال الحسين (عليه السلام) للحر: سر بنا قليلا ثم ننزل، فسار معه حتى أتوا كربلاء، فوقف الحر وأصحابه أمام الحسين ومنعوهم من المسير وقال: إنزل بهذا المكان، فالفرات منك قريب.قال الحسين: وما اسم هذا المكان؟قالوا له: كربلاء.
قال: ذات كرب وبلاء، ولقد مر أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفين، وأنا معه، فوقف، فسأل عنه، فأخبر باسمه، فقال: هاهنا محط ركابهم، وهاهنا مهراق دمائهم، فسئل عن ذلك، فقال: ثقل لآل بيت محمد (صلى الله عليه وآله)، ينزلون هاهنا." (6)
وبدء مرحلة الحصار والتضييق على أبي الشهداء وقطع الماء عنه وعن عياله وأنصاره آبى أن يقر مذعناً إلى ذلك ومبايعة الطاغية يزيد ولم يرفع السيف ضدهم ولحد ليلة العاشر من عاشوراء كان في نصح دائم ومخافة الله في قتل ذرية رسول الله وسبي حرمه وتحذيرهم بالعذاب الواقع في حال فعل هذا الأمر الجلل ولكن كانوا هم فئة ضالة رضوا بالحياة الدنيا لا هم لهم إلا رضا قادتهم الظالمين والحصول على الدراهم التي يهبها لهم جلاوزة بني أميه وطلب منهم تأخير الهجوم لحد يوم العاشر فقبل ذلك عمرو بن سعد (لعنه الله) وكان يردد روحي الفداء((لاحول ولا قوة ألا بالله)) وكثير من الأدعية والآيات القرآنية التي تدلل على الصبر على نزول العاقبة والرضاء بقضاء الله الذي لا يرد ولا يبدل
وقال:
"أللهم أنت ثقتي في كل كرب، وأنت رجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة مني إليك عمن سواك،ففرجته عني وكشفته، فأنت ولى كل نعمة، وصاحب كل حسنة ومنتهى كل وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة." (7)
والذي دعاء جده رسول الله(ص) في الطائف عندما خذلوه فما أشبه الحسين بجده محمد(ص) في قلة العدد والخذلان.
وأي فرق بين السماء والأرض بين معسكر أبي عبد الله ومعسكر يزيد بين معسكر الآباء والشموخ والخلود ومعسكر النفاق والمذلة والرخيصين في حب الدنيا والذي صفهم الحسين(ع) بقوله
"((النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنْيَا ، وَ الدِّينُ لَعِقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ ، فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُون))"(8)
والى هنا نتوقف عن تسجيل الملاحم الإنسانية والتي سطرها أبي الأحرار روحي له الفداء لكي نسجل في جزئنا القادم أن شاء الله عن تسطير الملاحم في ليلة عاشوراء ويومها والتي كلها تبعث على الفخر والزهو لمن كان أمامه بهذه البطولة النادرة والتي لم يجد الزمان بها لا في الأولين ولا في الآخرين بعد جده وأبيه وأخيه (سلام الله عليهم أجمعين).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
---------------------------------------------------------------------------
المصادر:
1 - مثير الأحزان: ٤١، اللهوف: ٢٦، كشف الغمة ٢: ٢٩، بحار الأنوار ٤٤: ٣٦٦، العوالم ١٧: ٢١٦، أعيان الشيعة ١: ٥٩٣، معالي السبطين ١: ٢٥٠.
2 - تأريخ الطبري ٣: ٣١٦، الإرشاد: ٢٣٢، المناقب لابن شهرآشوب: ٤ / ٩٩ مع تفاوت يسير، الكامل في التأريخ ٢: ٥٦٠، تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٤٣، البداية والنهاية ٨: ١٩١ مع الاختصار.
3 - الفتوح ٥: ٨٥، مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي ١: ٢٣٠، اللهوف: ٣٣ من قوله: ألنا أم علينا، أعيان الشيعة ١:٥٩٦.
4 ـ سورة الفتح
5 - تأريخ الطبري ٣: ٣٠٦، الكامل في التأريخ ٢: ٥٥٢، إحقاق الحق ١١: ٦٠٩، وقعة الطف: ١٧٢
6 - الأخبار الطوال: ٢٥٢، معالم المدرستين ٣: ٩٥.
7 ـ الإرشاد: ٢٣٣، تأريخ الطبري ٣: ٣١٨، الكامل في التأريخ ٢: ٥٦١ ذكر قبل الدعاء: ثم ركب الحسين (عليه السلام) دابته
8 ـ بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 44 / 382 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية.
https://telegram.me/buratha