حافظ آل بشارة
مرور محرم الحرام سنويا نعمة كبيرة ، موسم للعبادة كشعبان ورمضان وذي الحجة ، الانبياء والائمة اصبحوا مثالا لانهم عباد مخلصون لله ، والله تعالى مصدر العدل ، وجوهر عدله القواعد الثابتة في الارتقاء المعنوي ، جعل الله الانبياء والائمة والتابعين قدوة فهو يري البشرية مواقفهم عمليا ليتذوق الناس عبر العصور رسالتهم ويتأثروا بها ، يريهم مقام ابراهيم (ع) وطوافه ومعركته مع الشيطان في منى ، ومسعى هاجر(ع) التي اثمر ارتقاؤها الروحي ظهور بئر زمزم وتغير قوانين الصحراء ، يروي لهم قصة مريم (ع) وحملها وولادتها بمعجزة والرعاية الالهية الخاصة لها ، وقصة اصحاب الكهف (ع) الذين اثمر حبهم الخالص لله عن رقود امتد 3 قرون ، يريهم سيرة اناس يتعاملون مع الغيب بقدر هائل من اليقين ، ثم حياة خاتم الانبياء (ص) وتكامله النهائي كأعظم انسان في تاريخ البشرية ، وسيرة وصيه امير المؤمنين (ع) كحالة مماثلة وخارقة للمعتاد ، ثم سيرة الامام الحسين (ع) وفيها تفاصيل شخصيته وموقفه الذي يعبر عن وراثته لكمالات الانبياء والائمة ، هذا التسلسل المتواصل يقدم للبشرية قواعد لانجاز الرقي الاخلاقي والاصلاح . التقدم المعنوي والتقدم المادي للجماعة الانسانية متصلان ، الأمم المعاصرة التي تقود العالم حاليا ماديا وتكنلوجيا واقتصاديا هي أمم متفوقة اخلاقيا قبل كل شيء ، وقد اثمر تفوقها الاخلاقي عن تفوق مادي ، والامم المتخلفة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا تحولت الى أمم تابعة ومضطهدة وهي أمم متخلفة اخلاقيا قبل كل شيء . القيم التي تقدمها واقعة الطف ناقوس سنوي في مسامع البشرية ، ونداء الحسين (ع) : (لم أخرج اشرا ولا بطرا انما خرجت طلبا للاصلاح في امة جدي) تضحيات الطف كانت لاجل الاصلاح ، وحين يحييها الناس اليوم فيجب ان يكون الاحياء لاجل الاصلاح ايضا ، وقول الامام الصادق (ع) : (احيوا أمرنا رحم الله من أحيا امرنا) معناه ابقاء صورة وسيرة وفكر الائمة حاضرة في الحياة الثقافية للأمة لكي تبقى معايير الحق حية فيكون كل الانحراف واضحا ويمكن تطويقه واصلاحه ، العراق ادرجته الامم المتحدة في تقريرها السنوي في آخر قائمة دول العالم وليس بعدنا في التسلسل الا الصومال فنحن الاكثر تخلفا في الاستقرار الأمني وتنفيذ التنمية ومستوى الفساد المالي وتدني النزاهة والاكثر بطالة وفوضى وفقرا وتضخما ، ولكننا أكثر شعوب العالم زيارات مليونية ومواكب وهيئات ومساجد وحسينيات وبذل وعطاء لشعائر محرم ، واكثر شعوب المنطقة لطما وبكاء ورثاء ، وأكثرهم حوزات ومراجع ورسائل عملية ونقاشات عقيدية ، هذا الحراك الشعائري والمعرفي الديني المتواصل يجب ان نحصل على آثاره الاخلاقية لانقاذ انفسنا من الذل والتبعية والرعب اليومي والقتل والفقر ، فاذا لم تكن لهذا الحراك آثار في الدنيا فلن تكون له آثار في الآخرة ، العلماء والخطباء والقراء والمثقفون مدعوون لمناقشة هذا الملف ، فهل هو حراك اصلاحي أم مجرد طقوس عاطفية متكررة لا تنفع ولاتضر ؟
https://telegram.me/buratha