حسن الهاشمي
لا تزال القيم المعنوية المستكنة في نهضة عاشوراء يستوحي منها المؤمنون كل معاني الإباء ورفض الظلم والطغيان أينما حل وأينما ارتحل، ومهما تمادى الطغاة في غيهم فإن جذوة الحق المتقدة في قلوب العاشقين لا يمكن لها أن تخبو ولا يمكن لها أن تضمحل، بل إنها ستزداد اتساقا وارتفاعا وعلوا وشهوقا، وطالما دفع العاشقون ضريبة حبهم وولعهم لمولاهم ومقتداهم الإمام الحسين عليه السلام من طواغيت عصرهم لما يمثل الإمام الهمام من غصة في أفواههم لا تروق لهم الحياة إلا بمحاولة التخلص منها ولكن دون جدوى، فالإمام عليه السلام بما ضخه في الأمة من فكر وقاد وعاطفة مرهفة يبقى من أنجع وسائل التوفيق والنجاة مادام الإنسان يريد العيش الرغيد الحر الهانئ في الحياة بشقيها المؤقت والأبدي.عندما نردّد أهزوجة الصّلاة, وترانيم الفلاح المعطرة بذكر الله, ونتحرر من سلاسل الخطايا, وذلّ الذنوب, وثورة الأنا, وحبّ الجاه, وطاعة الشيطان, كما تحرّر الإمام الحسين عليه السلام من أسر كلّ تلك القيود ورفض ذلّ الاستسلام إلى عبد الهوى وربيب الفساد يزيد, وعندما نردد أهزوجة المجد وأنشودة الخلود, التي سطرها لنا الحسين عليه السلام بتضحيته وأماط لثام التشويه والزيف عن وجه الإسلام الحقيقي, الذي حاول يزيد اللاعب بالقرود والفهود إخفاء معالمه وطمس حقائقه, فكانت عظمة التضحية, وجلالة الرزء, وهول الحدث, وفداحة المصيبة في السماء والأرض, دليلا على عظمة الهدف واستقامة الخطى ونزاهة الثورة.أما حبّنا وولاؤنا للحسين عليه السلام, فينبغي أنْ ينبع من العقل والعاطفة, ليكون رسالة للولاء تحرّك فينا الوعي واليقظة, وتثير فينا الثورة أوّلا على واقعنا النفسي, وعلى أنانياتنا ومصالحنا الخاصة, ثم الثورة على سلبيات الواقع المنحرف الذي يجرف لا محالة كل حالات الفساد والمفسدين دون رجعة.إنّ العاطفة مطلوبة طريقيا وموضوعيا، حيث إن الله تعالى أقرب ما يكون إلى المنكسرة قلوبهم، وما حال القلب الذي يكسر لنموذج مثل الحسين عليه السلام، الذي يكون البكاء عليه طريقا واضحا وبينا لموضوعة المبادئ والقيم التي ضحى من أجلها الإمام المفدى.ولكن عندما نريد أنْ نحوّل هذه الحركة العاطفية إلى رسالة كما يريد الإمام الحسين عليه السلام فهنا نحتاج إلى جهد كبير ومضاعف لاستيعاب هذه الرسالة، وطالما تمتزج العاطفة بالفكر بالمناسبات الدينية والشعائر الحسينية بالتحديد, وينبغي أن تقع تحت توجيه العقل من أجل الحق والدين والرسالة, ومن أجل المبادئ والقيم التي حملها الحسين عليه السلام, فإنّها تحتاج في طريقها إلى طاقة من الصبر وإصرار على الاستقامة على طريق الهدى.فإذا ما تحرّكنا بهذا المعنى الضخم الذي امتزج بالمأساة وانغمرت به ساحة الشهادة, فإننا بذلك, نكون قد تحرّكنا بإرادة الحسين عليه السلام وصبره, وبروحه وفكره, ونكون قد اتجهنا بالاتجاه الصّحيح في استثمار هذه النهضة، للمضي قدما لتكريس مبدأ العدالة والقسط بين أفراد الأمة الواحدة التي تتوحد إزاء المخاطر التي تواجهها وتشاطر الأمم في اقتسام الهموم والغموم التي تواجهها إيغالا في التعامل الإنساني الفذ في مبدأ التوحد والتراحم في مواجهة المؤامرات والأزمات في التعامل الأخلاقي مع بقية المجتمعات الإنسانية. ومن هذا المنطلق نطرح التساؤل التالي: لماذا نقدس الإمام الحسين عليه السلام؟! هل لشخصه أم لمواقفه النبيلة وما كان يحمل من قيم وأهداف سامقة؟! قد يقول قائل نقدسه لمبادئ الحق والعدل التي كان عليه السلام يتصف بها ويدعو من أجل تحقيقها لتنعم البشرية بحياة حرة كريمة بعيدة عن منغصات الطواغيت وظلم الجبابرة ونزوات المفسدين والمتغطرسين والمتكبرين، ولكننا نقول بضرس قاطع لابد من وجود مواشجة بين الوارد والمورود، وبين الظرف والمظروف، وبين الحال والمحل إن صح التعبير، ولولا تلك المواشجة لا يمكن أن نقدم على أي عمل ماديا كان أم معنويا لا فرق في ذلك. ومن هنا وردت عديد الروايات التي تؤكد على إن الله تعالى اختبر الذوات المقدسة لأهل البيت عليهم السلام ووجدها لما اختبرها مؤهلة فأودعها أسرار الحكمة الإلهية وانتخبها لتكون طريقه المهيع الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ربما تكون المواقف النبيلة للإمام الحسين عليه السلام وحدها مسيل لعاب التواقين إلى الحرية، ولكن تقديس أهل الإيمان لهذه الحقيقة الكونية إنما يكون لشخصه وللقيم التي يحمل. وهذه الثنائية هي التي تعطي للحق طعمه وللكرامة ألقها وللمواقف النبيلة عظمتها، إذ إن عظمة المبادئ بحاجة إلى عظيم يجسدها ويقدمها للبشرية للإقتداء والنجاة والتحرر، وما أحلى تلك المبادئ الإلهية إذا كان يحملها من يقول الرسول الأعظم بشأنه هو مني وأنا منه وإنه مصباح هدى وسفينة نجاة، فهذه المواشجة بين الوارد والمورود هي مواشجة إلهية أين منها بقية المواشجات؟! ولعظمها فنحن نلمسها ونتحسسها عندما نتناول مفردة الحب والعاطفة وما تنهل منها من تداعيات مبدأية تعتمد بشكلها الجوهري على إن فقدان أحدهما يستدعي اللوعة على الآخر حتى يصبا معا في القلوب المفعمة بالإيمان صبا، ولتأكيد تلك المواشجة جاءت الأحاديث لتؤكد إن لقتل الحسين عليه السلام حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا.
https://telegram.me/buratha