من اعداد الشيخ حيدر الربيعاوي وتاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري ومن اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية النجف الاشرف
الفصل الأولالإخبار الغيبي بشهادة الحسين (عليه السلام) من السماءلأفضل أهل الأرض في المجتمعاتفي عصور ما قبل الاسلام
مقدّمة تمهيديّة:اختلف العلماء من الفلاسفة - اليوانيين وغيرهم - والمتكلمين وأصحاب المذاهب والفرق الاسلامية في أول ما صدر عن الصادر الأول، وفي تعيين أول المخلوقات، فذهب الأكثر منه إلى أنّ العقل الأول هو أول المخلوقات ثمّ الثاني، والفلك الأول، حتّى ينتهي الامر إلى العقل العاشر والفلك التاسع وهيولى العناصر( ).وهكذا... فقد تقر في ملحه أنّ العقل الأول هو أول مخلوق صدر عن الله تعالى؛ والذي يكون لـه ثلاث لحاظات.. وجود اُفيض من الصادر الأول، ووجوب بلحاظ المبدأ الأول، وإمكان من حيث ذاته، فكان بذلك الموجود سبباً لعقلٍ آخر، وبذلك كان سبباً لنفس فلكٍ، وبإمكانه أصبح سبباً لجسمِ فلكٍ، وهكذا حتّى نصل ال العاشر في العقل والفلك التاسع.ولكن الذي قررّه أهل بيت العصمة والوحي (صلوات الله عليهم أجمعين)؛ وقد دلّت عليه الروايات الصحيحة - حتّى أن أغلب العامة ذهب لذلك- إلى أنَّ أوّل المخلوقات هو نور النبيّ الأعظم |، وكما هو مصرّح عنه: «أول ما خلق الله نوري»( ).على أنّه خلق من الله (جلّ وعلا)، كما قال حبيبه المصطفى (صلّى الله عليه وآله): «ألا إنا خُلقنا من نور الله»( ).ثمّ خُلق من ذلك النور - نور النبيّ الخاتم (صلّى الله عليه وآله) - نور الأئمة الأطهار (سلام الله عليهم) في عالم الملكوت العلوي في تلك النشأة العُليا؛ والتي لا يتناسب معها وجود الموجودات إلاّ وجودهم بأنوارهم الساطعة، وقد صرّحَ بذلك أئمة أهل البيت (عليهم السلام).قال أمير المؤمنين الإمام عليَّ (عليه السلام):«إنّا آلُ محمّد كُنّا أنواراً حول العرش، فأمرنا اللهُ بالتسبيح فسبحنا فسبحّتْ ا لملائكة بتسبيحنا، ثمّ أهبطنا إلى الأرض فأمرنا بالتسبيح فسبّحنا فسبّحتْ أهل الأرض بتسبيحنا»( ).وبما أن الحسين (عليه السلام) من أهل بيت النبيّ وعترته الطاهرة (عليهم السلام) ، بل هو سبط رسول الله وحبيبه، اذاً هو أحد أوّل هذه المخلوقات، وبهذا يتضح إنّه (عليه السلام) من أوائل الانوار التي هي أول ما خلقت في عالم الملكونت الأعلى قبل وجود عالم الامكان والتكوين البشري.إذا ثبت هذا... فلا غرَر أنْ أخبر الباري المصور (جلّت قدرته) عن شهادته، أنبيائه وأوليائه الصالحين في عالم الدّنيا قبل تنزّله من تلك النشأة العليا؛ وقد ثبت - كما سيأتي إن شاء الله تعالى - عنهم (عليهم السلام) جميعاً أنّهم رأوه ، بل توسلوا به (صلوات الله عليه) إلى ألله في قضاء حوائجهم، وقد قضيت ببركة وجود نوره المقدس، كما حصل لآدم (عليه السلام)( )، عن طريق دلالة أمين الوحي والتنزيل جبرائيل (عليه السلام) ، ثمّ تواردت الأخبارات الغيبيّة عن شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) منذ أنْ خلق الله (تبارك وتعالى) آدم وحواء‘، وجعله نبياً وأباً للبشر وزوجه أُماً لهم.وهكذا الحال بالنسبة لجميع الانبياء المرسلين (عليهم السلام) حتّى وصلت النوبة إلى خاتمهم نبينا محمّد |، وهذا بحد ذاته إنما يدل على عظم مصاب أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وعظيم منزلته عند خالقه العظيم (عزّوجلّ).ومن هنا دلّت الأخبار على أن جميع المخلوقات قد بكت على مصيبة الحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام)، فثبت هذا حقيقةً لا ضير فيها - كل بما يتناسب مع حال نشأته ووجوده - ولا مبالغةً في ذلك، فقد ورد أنَّ السماء بكت ومَنْ فيها( )، والأرض ومَنْ عليها، وإنكسرت لمصابه (عليه السلام) جميع الموجودات، بل ورد إنّ اعدائه وقتلته بكوا عليه بوجودهم العام وماهياتهم، وأصابهم الانكسار بفطرتهم وحقائقهم.. كل ذلك بلا اختيار منهم( )، وذلك بمقتضى الأثر الوضعي التكويني، لكنهم ارتكبوا هذه الجريمة النكراء بحقه بمقتضى أفعالهم الاختيارية التي انحرفت عن المسار الصحيح والعقيدة الحقة طلباً للسلطان والجاه الناتجين عن حب الدنيا وأهوائها، وبذلك استحقوا الخلود في جنهم وبئس المصير، وبكاؤهم هذا نتج عن عمق غفلتهم؛ لانهم كانوا يعرفون حقيقة الحسين، وإنما تجاهلوها تلبية لاهوائهم وشهواتهم، كما حصل للذين استيقنوا معرفة الله تعالى وجحدتها أنفسم ظلماً وعلواً من قبلهم، وقد غفلوا عن مقتضى جحودهم ونطقوا بالتوحيد.وهكذا الحال بالنسبة لاعداء الحسين وقاتليه، فهم في غفلتهم نطقوا بفضله، وبكوا على مصابه.. كما حصل لابن سعد (لعنه الله) عندما أراد الأمر يقتله، ويزيد لمّا رأى الأسارى ورق لهم، فقال: «قبُحَ ابنُ مرجانه»، وأما في حال عنادهم وظلمهم وطغيانهم، فقد أقدموا على قتله وسلب عياليه في أسرهم.ومن هنا .. ولعظم منزلة سيّد الشهداء (عليه السلام) وشدة مصابه أخبر عنه الحكيم (سبحانه) الانبياء والأولياء، وقد صوّر لهم وحياً هذه الجريمة التي ارتكبت بحقه من أجل ثباته؛ للحفاظ على دين جده محمّد |، ليأخذوا منها الدروس والعبر في مسيرتهم الالهيّة، ولهذا سوف نفصل الكلام في هذا الفصل من خلال بيان عدة مراحل: المرحلة الأولى:الإخبار الغيبي بشهادة الحسين (عليه السلام) وكتابتها في اللوح الإلهيّقد ثبت بأن شهادة الحسين (عليه السلام) في علم الله سبحانه وتعالى قبل وجود الخلائق، لعلمه (سبحانه) بما سوف يجري عليه في عالم الدنيا من المصائب؛ وأنّ مصيبته هي لمن أشد المصائب التي ستقع في هذا العالم، وإنها أعظم ملحمة تقع في سبيل الله ونصرة رسالته الحقه،لهذا بشر العليم الحكيم (عظمت قدرته) حبيبه المصطفى | بولادة الحسين ابن بنته فاطمة ÷ وعزّاه في نفس الوقت من خلال اللوح الإلهي الذي اهداه الجليل لنبيه.فقد روي الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن أبي بصير.. في حديث طويل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنّه قال:«قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري... أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد اُمي فاطمة بت رسول الله وما أخبرتك به اُمي أن في ذلك اللوح مكتوباً.قال جابر: أشهد بالله إني دخلت على امّك في حياة رسول الله أهنئها بولادة الحسين، فرأيت في يدها لوحاً...فقالت: هذا اللوح أهداه الله عزّ وجلّ إلى رسول الله... فاعطانيه أبي ليسرني بذلك.قال جابر: فأعطتنيه اُمك فاطمة فقرأته واستنسخته.فقال أبي: فهل لك أنْ تعرضه عليَّ؟فقال : نعم.فمشى معه أبي حتّى انتهى إلى منزل جابر، وأخرج إلى أبي صحيفة رقِّ.قال جابر: وأشهد بالله إنّي رأيته هكذا في اللوح مكتوباً:«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله العزيز العليم لمحمد بن عبد الله | نوره... إني فضّلتك على الانبياء ووصيّك على الأوصياء وأكرمته بشبليك بعده وسبطيك الحسن والحسين، فجعلت حسناً معدن علمي عبد انقضاء مدّة أبيه وجعلت حسيناً خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة وضمنت لـه بالسعادة فهو أفضل مَنْ اُستشهد وارفع الشهداء درجة...»( ).* * * المرحلة الثانية:علم أهل السماء وإخبارهم بشهادة الحسين (عليه السلام)عندما وَلَدت سيدة نساء العالمين فاطمة البتول (سلام الله عليها) الحسين (عليه السلام)، اخبر أمين الوحي جبرائيل (عليه السلام) النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بشهادة سبطه الإمام الحسين (عليه السلام)؛ وذلك لسابق علمه بها ايحاءاً من الله تعالى لملائكته وسكان سماواته؛ وعندها بكى النبيّ بكاءاً شديداً لتلك المصيبة، ودعا على قاتله بالحرمان من الشفاعة، ولمّا صار عمر الحسين(عليه السلام) سنة واحدة، هبط ملائكة السماء بوجوه شاحبة وعيون باكية يعزّون جده المصطفى (صلّى الله عليه وآله)، ويخبرونه بما سوف يجري على ولده الحسين (عليه السلام)؛ لانهم كانوا يعلمون بذلك أيضاً.ففي رواية لما أخبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بأنًّ فاطمة ÷ - لمّا آن حملها - ستلد الحسين (عليه السلام) اُخبرَ أيضاً بشهادته فبكى، ثمّ لما حملت، ووضعته، وأُتي به إليه في تلك الساعة وهو ملفوف في خرقة من صوف بيضاء فأذن في اُذنه اليمنى وأقام باليسرى ثمّ وضعه في حجره ونظر إليه ورثاه وبكى، وهو يقول:«سيكون لك حديث.. اللّهُمَّ العن قاتله»، ثمّ لمّا أتى عليه سبعة أيام عق عنه كبشاً أملح وحلق رأسه، وتصدق بوزن الشعر ورقاً، وحلق رأسه بالخلوق( )، ثمّ وضعه في حجره ورثاه وبكى هو يقول:«يا أبا عبد الله عزيز عليَّ، ثمّ قال: اللّهُمَّ اسألك فيما سألك إبراهيم (عليه السلام) في ذريته اللّهُمَّ إني أحبهما وأحب مَنْ يحبهما».ثمّ لمّا أتت عليه سنة كاملة أخذت الملائكة بالهبوط إليه للتعزية.فأوّل من هبط إثنا عشر ملكاً على صور مختلفة، أحدهم على صورة بني آدم، فهم منشورة أجنحتهم، وهم يرثون ويعزّونه، نزل ملك القطر وعزّاه، وبعد ذلك كانوا ينزلون حتّى لم يبق ملك إلا ونزل إليه يعزّيه بالحسين (عليه السلام) ويذكر قتله»( ).هذا وقد ورد الكثير من الروايات المعتبرة التي دلت على علم أهل السماء وإخبارهم للنبي الخاتم (صلّى الله عليه وآله) بشهادة الحسين (عليه السلام) وتعزيته بذلك، بغيت الفوز بثواب التعزية لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) على حد تعبير الشيخ الشتري (قده).قال علي (عليه السلام):«دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعيناه تفيضان، فقلت:بأبي أنت واُمي يارسول الله ما لعينيك تفيضان أغضبك أحدٌ؟قال: لا، ولكن أخبرني جبرائيل أن ولدي الحسين يقتل في أرض كربلاء وأشمني من تربته، ولم أملك عينيَّ أن فاضتا واسم الأرض كربلاء»( ).وفي رواية اخرى:لمّا أتت عليه - يعني الحسين (عليه السلام) - سنتان خرج النبيّ | إلى سفر فوقف في بعض الطريق وأسترجع ودمعت عيناه وسُئل عن ذلك فقال:«هذا جبرائيل يخبرني عن أرض بشط الفرات يقال لها كربلاء يقتل فيها ولدي الحسين وكأني أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه بها، وكأني أنظر إلى السبايا على أقتاب المطايا وقد أهدي رأس ولدي الحسين إلى يزيد لعنه الله فوالله ما ينظر أحد إلى رأس الحسين ويفرح إلا خالف الله بين قلبه ولسانه وعذبه عذاباً أليماً»( ).وهكذا تواردت إخبارات أهل السماء الغيبية على رسول الله | بمصيبة ولده الحسين وشهادته، فكان يُكثر من الدعاء على قتلته بالخيبة والخذلان والخزي في الحياة الدنيا ومحو الأثر، والعذاب الأبدي المهين في الآخرة، ويدعو للحسين بالبركة في الشهادة الميمونة والنصر الخالد، وقد حصل، كما روى عنه (صلّى الله عليه وآله) إنه قال: «اللّهُمَّ فبارك لـه في قتله واجعله في سادات الشهداء، اللّهُمَّ ولا تبارك في قاتله وخاذله وأصله حرَّ نارك وأحشره في اسفل درك من الجحيم»( ).* * *
المرحلة الثالثة:إخبار الأنبياء (عليهم السلام) بشهادة الحسين (عليه السلام) لاتباعهممنذ أن خلق العليم الحكيم (جلت قدرته) البشر، وبعث الانبياء (عليهم السلام) لهدايتهم وإيصالهم للكمال الانساني، أخبرهم سبحانه وأوليائهم بمصيبة وشهادة أبي الاحرار الحسين (عليه السلام)، وبما سيجري عليه وعلى أهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) على أرض كربلاء في يوم عاشوراء.وقد حصل كل ذلك لـه، ومن معه، لاجل طلب الاصلاح في الامة، ولكي تتحقق الهداية للناس، لغرض تكامل المجتمع وسموه في درجات الكمال عن طريق تطبيق حكم الله العادل في الأرض، وتطبيق الاحكام الالهية على أرض الواقع العملي، والاقتداء بثورته العارمة بوجه اعداء الدين البغاة.وهذا ما بُعث من أجله الانبياء (عليهم السلام) ومن هنا يظهر أنَّ ثورة الحسين(عليه السلام) إنما هي استمرار لنهج الانبياء والمرسلين، بل حفظاً لـه.ولذا كان أنبياء الله يؤكدون على الاخبار بشهادة سيد الشهداء الحسين (عليه السلام)، وإيضاح مظلوميته لاقوامهم بشكل عام، وأتباعهم بشكل خاص؛ لينهلوا منها الدروس والعِبر، وليقتدوا بنهج تلك الثورة الصارمة في الحفاظ على منهجهم وعقديتهم آنذاك، بل كانوا في أكثر المواقف الحاسمة لا يسموا لأصحابهم بمرافقتهم إلاّ مِنْ بعد أنْ يلعنوا قتلة الحسين واتباعهم والممهدين لهم على ذلك ، كما فعل نبي الله عيسى (عليه وعلى نبينا السلام) - كما سيأتي تفصيله.وفيما يلي تفصيل الكلام في إخبارات الانبياء بشهادة الحسين (عليه السلام) بحسب الفترات الزمنية لهم، وذلك في فروع:
الفرع الأول: إخبار آدم (عليه السلام) بشهادة الحسين (عليه السلام) وبكاؤه عليه:حين نظر آدم (عليه السلام) إلى ساق العرش ورأى أسماء الخمسة ولقنّه جبرائيل (عليه السلام) أن يقول: يا حميد بحق محمّد، ويا عالي بحق علي، يافاطر بحق فاطمة، يا محسن بحق الحسن والحسين ومنك الاحسان.فلمّا ذكر الحسين (عليه السلام) سالت دموعه وأنخشع قلبه، فقال: يا أخي في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي، فأخذ جبرائل في بيان السب راثياً للحسين (عليه السلام) وآدم والملائكة الحاضرون هناك يسمعون ويبكون فقال: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب.قال: وما هي؟قال: يقتل عطشان غريباً فريداً ليس لـه ناصر ولا معين، ولو تراه يا آدم وهو يقول: واعطشاه وا قلّة ناصراه حتّى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان فلم يجبه أحد إلا بالسيوف وشرر الحتوف فيذبح ذبح الشاة من قفاه وينهب رحله وتشهر رؤوسهم في البلدان ومعهم النسوان كذلك سبق في علم الواحد المنان»( ).
الفرع الثاني: إخبار نوح (عليه السلام) بشهادة الحسين (عليه السلام):إنّ نوحاً لما ركب في السفينة طافت جميع الدنيا، فلمّا مرت بأرض كربلاء أخذته الأرض وخاف نوح الغرق، فدعا ربه وقال:الهي طفت جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض؟فنزل جبرائيل فقال: يا نوح في هذا الموضع يُقتل الحسين (عليه السلام).فقال: مَنْ القاتل؟قال: لعين أهل السموات والأرض يزيد، فلعنه نوح أربع مرات فسارت السفينة حتّى بلغت الجودي واستقرت عليه»( ).وفي رواية اُخرى: «فبكى نوح وأصحاب السفينة ولعنوا قاتله ومضوا»( ).
الفرع الثالث: إخبار إبراهيم (عليه السلام) بشهادة الحسين (عليه السلام):حين فدى ولده بالكبش. قال الرضا (عليه السلام) لما أمر الله (عزّ وجلّ) إبراهيم (عليه السلام) أن يذبح مكان ابنه إسماعيل (عليه السلام) الكبش الذي نزل عليه، تمنى إبراهيم (عليه السلام) أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده وأنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده علىه بيده فيستحق بذلك رفع درجات أهل الثواب على المصائب، فأوحى الله (عزّ وجلّ) إليه: يا ابراهيم من أحب خلقي إليك؟فقال: يارب ما خلقت خلقاً هو أحب إليَّ من حبيبك محمّد|.فأوحى الله إليه افهو أحب إليك أم نفسك؟قال: بل هو أحب إليَّ من نفسي.قال: فولده أحب إليك أم ولدك؟قال: بل ولده.قال: فذبح ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟قال: يارب ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي.قال: يا إبراهيم فإن طائفة تزعم أنها من اُمة محمّد | ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواناً، كما يذبح الكبش ويستوجبون بذلك سخطي».فجزع إبراهيم (عليه السلام) بذلك وتوجّع قلبه وأقبل يبكي فأوحى الله (عزّ وجلّ):يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين (عليه السلام) وقتله وأوجبت لك درجات أهل الثواب على المصائب( )، وذلك قول الله (عزّ وجلّ):{وفديناه بذبح عظيم}( ).
الفرع الرابع: إخبار اسماعيل (عليه السلام) بشهادة الحسين (عليه السلام):إن إسماعيل (عليه السلام) كانت أغنامه ترعى بشطِ الفرات فأخبره الراعي إنّها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذُ كذا يوماً، فسأل ربه عن سبب ذلك؟فنزل جبرئيل (عليه السلام) وقال: يا إسماعيل سل غنمك فإنّها تجيبك عن سبب ذلك.فقال: لِمَ لا تشربن من هذا الماء؟فقالت بلسان فصيح: قد بلغنا أن ولدك الحسين (عليه السلام) سبط محمّد يُقتل عطشان، فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزناً عليه.فسألها عن قاتله فقالت: يقتله لعين أهل السموات والارضين والخلائق أجمعين يزيد.فقال إسماعيل: اللّهُمَّ العن قاتل الحسين( ).
الفرع الخامس: إخبار موسى (عليه السلام) بشهادة الحسين (عليه السلام):إنّ موسى (عليه السلام) رآه إسرائيلي مستعجلاً وقد كسته الصغره ترجف فرائصه وجسمه مقشعر وعينه غائرة، فِعَلمَ أنه قد دُعي لمناجاة فقال: يانبي الله قد أذنبت ذنباً عظيماً فأسأل ربك أن يعفو عني.فلمّا وصل إلى مقامه وناجى قال: ربّ أنت العالم قبل نطقي فإنَّ فلاناً عبدك أذنب ذنباً ويسألك العفو.قال: يا موسى اغفر لمن استغفرني إلا قاتل الحسين.قال: يارب ومَنْ الحسين؟قال: الذي مرَّ ذكره عليك بجانب الطور.قال: ومَنْ يقتله؟قال: تقتله اُمة جده الباغيّة الطاغيّة في أرض كربلاء، وتنفر فرسه وتصهل وتقول في صهيلها: الظليمة الظلميمة من اُمة قتلت ابن بنت نبيها، فيبقى ملقى على الرمال بغير غُسل ولا كفن وينهب رحله وتسبى نساؤه في البلدان ويقتل ناصروه وتشهر رؤوسهم على أطراف الرماح.يا موسى صغيرهم يميته العطش وكبيرهم جلد منكمش يستغيثون فلا نصار ويستجيرون فلا خافر( ).فبكى موسى (عليه السلام).فقال سبحانه: يا موسى اعلم أنّه مَنْ بكى عليه أو أبكى أو تباكى حرمت جسده على النار( ).
الفرع السادس: وصف عاشوراء وتفضيل امة محمّد | بتعظيم شعائر الحسين والبكاء عليه لنبي الله موسى (عليه السلام):من مناجاة موسى (عليه السلام) قال:«يارب بم فضلت اُمة محمّد على سائر الاُمم.فقال الله تعالى: لعشر خصال.فقال موسى: وما تلك الخصال التي يعملونها؟قال الله تعالى: الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والجمعة والجماعة والقرآن والعلم والعاشوراء.قال موسى : يا ربي وما العاشوراء؟قال: البكاء والتباكي على سبط محمّد | والمرثية والعزاء على مصيبتهِ.. يا موسى ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان بكى أو تباكى وتعزى على سبط محمّد (صلّى الله عليه وآله) إلاّ وكانت لـه الجنة خالداً فيها.. ومَنْ انفق من ماله في محبة ابن بنت نبيه درهماً أو ديناراً إلاّ وباركت لـه في دار الدنيا، الدرهم بسبعين وكان منّعماً في الجنة وغفرت لـه ذنوبه.يا موسى: وعزتي وجلالي ما مِنْ رجل من اُمتي أو امة من امائي جرت من دمع عينيه قطرة واحدة إلاّ وكتبتُ لـه أجر مائة شهيد.
الفرع السابع: إخبار سليمان (عليه السلام) بشهادة الحسين (عليه السلام):إِنَّ سليمان (عليه السلام) كان يجلس على بساطه ويسيرُ في الهواء فمرَّ ذاتَ يوم وهو سائر في أرض كربلاء, فأدارت الريح بساطه ثلاث دورات حتى خافوا السقوط( ), فسكنت الريح ونزل البساط في أرض كربلاء.فقال سليمان للريح: لِمَ سكنتِ؟فقالت:إنّ هنا يُقتل الحسين (عليه السلام).فقال:ومَنْ قاتلهُ؟قالت: اللعين يزيد.فرفع سليمان يديه ولعنه ودعا عليه, وأمن دعاءه الانس والجن, فهبت الريح وسار البساط( ).الفرع الثامن: إخبار زكريا (عليه السلام): بشهادة الحسين (عليه السلام):في رواية الحجة القائم (عجل الله فرجه)قال:«إِنَّ زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرائيل (عليه السلام) فعلمه إِياها وكان زكريا إِذا ذكر محمداً وعلياً وفاطمة والحسن (عليهم السلام) سرىعنه همه وإنجلى كربه, وإذا ذكر اسم الحسين(عليه السلام)خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة( ).فقال (عليه السلام) ذات يوم: إلهي مالي إذ اذكرت أربعة منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين (عليه السلام) تدمع عيني وتثور زفرتي فأنبأه الله تعالى عن قصته فقال:كهيعص: فالكاف إسم كربلاء,والهاء: هلاك العترة الطاهرة,والياء: يزيد لعنه الله؛ وهو ظالم الحسين (عليه السلام).والعين: عطشه (أي الحسين).والصاد: صبره.فلما سَمعَ ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومَنعَ فيهن الناس الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب, وكان يرثيه:إلهي أَتفجعْ خير جميع خلقك بولده, إلهي أتنزل بلوى هذه المصيبة بساحتهما؟ثم كان يقول: اللهمَّ إرزقني ولداً تقرُّ به عيني على الكبر فإِذا رزقتنيه فأفتني بحبه ثم أفجعني به كما تفجع محمداً | حبيبك بولده.فرزقه يحيى (عليه السلام) وفجعه به، وكان حمل يحيى ستة أشهر، وحمل الحسين (عليه السلام) كذلك( ).الفرع التاسع: إخبار عيسى (عليه السلام) بشهادة الحسين (عليه السلام):إنَّ عيسى بن مريم (عليه السلام) مَرَّ بأرض كربلاء, فرأى عدة من الظباء هناك مجتمعة فأقبلت إليه وهي تبكي, وإنّه جلس وجلس الحواريون فبكى وبكى الحواريون وهم لا يدرون لِمَ جلس ولِمَ بكى فقالوا: يا روح الله وكلمته ما يبكيك.قال (عليه السلام): أتعلمون أيُّ أرض هذه؟قالوا: لا.قال: هذه أرض يُقتل فيها فرخ الرسول أحمد |. وفرخ الخَيرة الطاهرة البتول شبيهة أُمي, ويلحد فيها, وهي أطيب من المسك؛ لانها طينة الفرخ المستشهد, وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء, وهذه الظباء كلمتني وتقول: إنّها ترعى في هذه الأرض شوقاً الى تربة الفرخ المبارك, وزعمت إنها آمنة في هذه الأرض.ثم ضرب بيده الى بعرِ تلك الظباء فشمها وقال:اللهمَّ إبقها أبداً حتى يشمها أبوه (عليه السلام) فتكون لـه عزاء وسلوة, وإنّها بقيت الى أيام أمير المؤمنين (عليه السلام) حتىشمها وبكى وأبكى وأخبر بقصتها لما مرّ بكربلاء( ).* * ** خلاصة الكلام:ظهَّر أنَّ الإخبار بشهادة الامام الحسين (عليه السلام) من السماء ـ وحياً ـ لافضل أهل الارض في عصر ما قبل الإسلام، أمر واقع، وحقيقة إلهيّة مفروغ منها؛ بل ثبت أن السماء والأرض ـ بجميع موجوداتها ـ بكتا؛ لعظم هذا المصاب الجلل.ففي السماء حزنت الملائكة لمصاب الحسين، وفي الأرض نعاه الأنبياء والأولياء، وهم خير الخلق في ذلك الزمان، فهم من محبي الحسين؛ شيعته والموالين له.وكل ذلك إنّما حصل للمكانة القدسيّة التي تميّز بها سيّد الشهداء(عليه السلام) عند الباري (جلّ وعلاّ).
https://telegram.me/buratha