من اعداد الشيخ حيدر الربيعاوي وتاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري ومن اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية النجف الاشرف
بعد أن فصّلنا الكلام في إخبارات سيد الشهداء (عليه السلام)، عندما كان ينعى نفسه للموجوادت بشتى أصنافها، إخباراً غيبيّاً بعلم من العليم المطلق (سبحانه وتعالى)، لكن كان ذلك الإخبار ـ المتقدم ـ في بداية رحلته الثورية قبل وصوله الى كربلاء، حينما رثى نفسه في مكة وخارجها، والمدينة ومابعدها، جاء الآن دور إخبارات في كربلاء قبل حصول واقعة الطف، وقد حصلت في بيانات مختلفة، وفي فترات زمنية متنوعة بالرغم من قصر تلك المدة المحدودة جداً، وهي على فروع:ـ
الفرع الأوّل: إخباره (عليه السلام)عند وصوله الى كربلاء: لما وصل سيّد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام)مع أهل بيته وأصحابه(عليهم السلام) الى ارض كربلاء، ونزلوا فيها، أخبرهم إخباراً عجيباً، حيث صور لهم مايجري عليه وعليهم بصورته الحيّة، عندما استقر بهم الحال على ارض رحيلهم من هذا الدنيا الفانية.فقد روي.... إنَّه لما نزل آخر منزل ونصبوا الخيام، جمع ولده واخوته واهل بيته في مكان خاص، فنظر اليهم وبكى ساعة بنظره اليهم وتذكّر مايجري عليهم ورؤيته حالتهم، فإنه لم يبق لهم مأمن، وهم أزعجوا عن موطنهم وعن كل مأمن حتى عن حرم الله الذي هو مأمن الكفار أيضاً وللحيوانات والاشجار والنباتات، فلذا بكي > فلذلك بكي< ساعة، وشكا ذلك الى الله فقال: > اللهمَّ إنّا عترة نبيك قد طردونا وأزعجونا وتعدت بنو أمية علينا <( ).أقول: لكن هذا لا يعني جزع الامام (عليه السلام)، وإنما اراد بذلك أن يوضح مظلوميّتهم، وظلم بنو أمية لهم ، مع إن هؤلاء الظلمة كانوا على علم بمقامهم من رسول الله '... على أي حال هكذا تدفع الدنيا من طلبها...وهكذا تفعل النفس الأمارة وشهواتها بمن تبعها.أمّا الامام الحسين وأهل بيته (صلوات الله عليهم) فقد رغبوا برضى الله وهاجروا للجهاد في سبيله، فخلدوا في الدارين، وعظم مقامهم دون رغبة منهم في هذه المنزلة.
الفرع الثاني: إخباره (عليه السلام)ليلة تاسوعا لأخته زينب ÷:أخبر الامام الحسين (عليه السلام) أخته زينب الكبرى (سلام الله عليها)؛ التي شاركت بعده مصائب قبل كربلاء، بشهادته عندما كان (عليه السلام) خارج الخيام وقد كانت بالقرب منه، فسمعت صيحة فدنت منه، وكلّمته فأخبرها بما سوف يجري عليه، بنص هذه الرواية:> كان جالساً أمام بيته محتبباً بسيفه ( )إذ خفق برأسه على ركبتيه وسمعت أخته الصيحة فدنت من أخيها وقالت:> يا أخي أما تسمع هذه الاصوات قد إقتربت <.فرفع رأسه (عليه السلام)فقال:> إنّي رايت رسول الله 'الساعة في المنام وهو يقول لي: إنّك تروح الينا <.فلطمت أخته وجهها ونادت بالويل.فقال لها الحسين (عليه السلام):> ليس لك الويل يا أختاه أسكتي رحمك الله <.وفي رواية: ...قال:>يا أختاه إنّي رأيت الساعة جدي محمداً 'وأبي علياً وأُمي فاطمة وأخي الحسن (عليهم السلام) وهم يقولون: يا حسين إنّك رائح الينا عن قريب <( ).فلطمت زينت وجهها وصاحت، فقال لها الحسين (عليه السلام):> مهلاً لا تشمت القوم بنا <( ).
الفرع الثالث: إخباره (عليه السلام)ليلة عاشوراء رثاءاً لنفسه وعزاءاً لأهل بيته: ذكر المؤرخون وأصحاب السيرة.. ان الامام الحسين(عليه السلام) جلس في خباءٍ له في ليلة عاشوراء فرثى نفسه، عندما تذكر مصرعه وقتله ـ وكان قد إعتزل عن أهل بيته فرثى نفسه ـ وهو يصلح أسلحته.ففي الرواية أنّه (عليه السلام)... كان يخاطب الدهر في رثائه، فيقول:يا دهر أفٍ لك من خليلكم لك بالأسراق والأصيلِ
من طالبٍ وصاحب قتيلوالدهر لا يقنع بالبديلِ
وإنما الأمر الى الجليلوكلُ حيًّ سالك سبيلي
قال سيد الساجدين (عليه السلام):> فلما أدها مرتين أو ثلاثاً فهمتها وعرفت ما أراد، فخنقتني العبرة، فردّدتها، ولزمت السكوت، وعلمت أن البلاء قد نزل.وأما عمتي فلما سمعت ما سمعت؛ وهي أمرأة، ومن شأن النساء الرقة والجزع، فلم تملك نفسها أن وثبت تجرُّ ثوبها وهي حاسرة حتى إنتهت اليه وقالت:>واثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن، يا خليفة الماضين وثمال الباقين <( ).فنظر اليها الحسين (عليه السلام)وقال لها:> يا أختاه لا يذهبن بحلمك الشيطان، وترقرقت( ) عيناه بالدموع، وقال: لو ترك القطا لنام.فقالت: يا ويلتاه، أفتغتضب نفسك أغتضاباً، فذلك أحرق قلبي وأشدَّ على نفسي.ثم لطمت وجهها وهوت الى جيبها وشقته وخرّت مغشياً عليها، فقام اليها الحسين (عليه السلام)فصبَّ على وجهها الماء، وقال لها:> يا أختاه إتقي الله وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن اهل الارض يموتون، وأهل السماء لايبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجه الله تعالى، خلق الخلق بقدرته ويبعث الخلق ويعودون، وهو فرد وحده، وأبي خير مني، وأمي خير، وأخي خير مني، ولي ولكل مسلم برسول الله 'أُسوة <.فعزّاها بهذا ونحوه، وقال لها:> يا أختاه: إنّي أقمست عليك فأبرّي قسمي.. لا تشقي عليَّ ثوباً، ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تدعي علي بالويل والثبور، إذا أنا هلكت <.ثم جاء بها حتى أجلسها عندي( ).أقول: سيدتي... يازينب الكبرى ما أعظم إخلاصك لإمامك الحسين(عليه السلام)، وما أعظم تعلّقك به كأخٍ سامي المقام وعظيم الشأن.. ويا لك من أخت مواسية، وفاضلة علمٍ بمقام الإمامة، وعمق أهداق الثورة الحسينيّة.وهذا هو التاريخ يحدثنا كثيراً عن مواقف هذه السيّدة العظيمة بعد أستشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، وكيفية تعاملها مع الطغاة..، فقد ساهمت في بيان رسالة الحسين وخطوط نهجه الحقّ، وفي قبال ذلك فضحت مخططات حكام الجور، بل أفشلتها عندما حاولوا القضاء على الإمامة بقتل الإمام السجاد (عليه السلام).
https://telegram.me/buratha