سماحة السيد حسين الصدر
سلاماً يا أبا الاحرار أرى التاريخ يمشي مستطيلاً وفوق جبينه ألقُ الحسينِ تحدّى بالشهادة غاصِبيه ووّفى للمكارم كلَّ ديْنِقلْ لي مَنْ هو إمامُك ؟ أقلْ لك مَنْ أنت !وطبقاً لهذه المعادلة ، فأن الحسينيين هم حاملوا مشعل الوعي والحرية ، وهم حُماة الانسانية المعذّبة من براثن الاضطهاد والاستعباد ،ذلك أنهم ينهلون من مَعِين الأمام الحسين ( عليه السلام ) الفيّاض بكلّ ألوان العظمه ، والثبات على المبدأ ، والتضحيات الجسام ،بالنفس ، والاهل ،والاصحاب ، وبكل غال ونفيس ،من اجل الرسالة ،ومن أجل ازاحة كابوس الظلم والظلام، والانحراف العقائدي والسياسي والاجتماعي والاخلاقي ،والانحدار الى سفوح الرذيلة .....تلك هي بأختصار اهداف الامام الحسين (عليه السلام) في ملحمته العاشورائية الخالدة .انها ملحمة تحرير الانسان من كل ألوان الذل والهوان ،والأباطيل بكل ألوانها وأشكالها وفي كل الميادين .فحين يقول الأمام الحسين (عليه السلام) ( اني لا أرى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا بَرَما )يكسر حواجز الزمان والمكان ، ويرسم للأحرار عبر امتداد الأجيال ،استراتيجية المواجهة الساخنة مع قوى الشرّ والطغيان .والامام الحسين عليه السلام هو القائل :{ الناس عبيد الدنيا ،والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه مادرّت معائشهم ،فاذا محّصوا بالبلاء قلّ الدّيانون }تلك هي حقيقة الكثرة الكاثرة من الناس .ولو لم يكونوا عبيداً للدنيا ، لما ارتضوا ان يبايعوا رمز الرذائل ، وعصارة الدناءات ، النزق الطائش ، الولوع بالخمر والملاهي، واللعب بالفهود والقرود ،والمستهتر بكل الحرمات والقيم يزيد بن معاوية ؟يقول قائلهم :
فأن تأتوا برملة أو بهنْدٍنبايعْها أميرةَ مؤمنينا
وهذا منتهى الوقاحة والتخلف ، كما أنه يصّور أخلاقية الهزيمة التي تهون معها على الناس رسالتٌهم ، وتهون عليهم أنفسهم فلا يهتمون بأخطر الشؤون الدينية والسياسية والاجتماعية ..!!ان اخلاقية الهزيمة ، صوّرها الفرزدق حينما ، التقاه الحسين ( عليه السلام ) في طريقه الى العراق ، وسأله عن الناس فقال الفرزدق :{ الناس قلوبهم معك ، وسيوفهم عليك } ليس العجيب ان تكون قلوب الناس مع الحسين ، ذلك ان شموس الحسين (عليه السلام) غطّت بأشعاعها الفضاءات كلها ، وكانت مصدر التنوير ، والهداية ، والاشراق المتواصل على طول المدى. انّ اخلاقية الهزيمة تقنع بالعيش الذليل ، وتفر من مواطن التضحية والنضال ،الى كهوف الخنوع والاستسلام ،وليكن بعد ذلك ما يكون ....ان العديد من الشخصيات اللامعة في المجتمع الاسلامي ( كأبن عباس ) أشارت على الحسين بان يترك التوجه الى العراق ، وان يبحث عن ملاذ آمن بعيد عن المواجهة الساخنة .ان سبعين رجلاً من مجموع المسلمين فقط ، هم الذين آثروا الشهادة على الحياة الذليلة وأصروا على ان يفتدوا اسلامهم ، وأمامهم بآخر قطرة من دمائهم الزكية فساقتهم بطولاتُهم الى الخلود .وقد قال فيهم احد شعراء الولاء
لو لم تكن جُمعتْ كل العُلا فينا لكان ما كان يوم الطف يكفينا يوم نهضنا كأمثال الاسود به وأقبلت كالدبا زحفاً أعدادينا
جاءوا بسبعين ألفاً سل بقيتهم هل قابلونا وقد جئت بسبعينا ؟{ الدبا : الجراد }إنّ هؤلاء السبعين غيّروا مسار التاريخ .انهم الحسينيون الأبطال الذين أدركوا مغزى قول الامام الحسين (عليه السلام) :من لحق بنا استشهد ومن لم يلحق لم يبلغ الفتح .ان الامام الحسين (عليه السلام ) هاله ان تتفشى أخلاقية الهزيمة في الأمة فأراد ان يصنع لها أخلاقية جديدة ، تمكنها من احتلال موقعها العالي تحت الشمس .وقد جاءت مجزرة الطف ، بكل ما حملته من فجائع ، ورزايا ، وضحايا ،ودماء ، وأشلاء ،وسبي ،لتهز ضمير الأمة الخاوي وتكون الصاعق الذي يقودها الى ان تصحو من سباتها العميق .ان المرأة التي كانت تقول لزوجها قبل يوم عاشوراء :مالك والدخول في عمل السلاطين ،أصبحت بعد يوم الطف، هي العنصر الضاغط على أبنائها واخوانها وزوجها لينطلقوا محاربينأعداء الانسانية هاتفين :يالثارات الحسين وهكذا أحدثت الثورة الحسينية أخلاقية جديدة تتناغم مع المعطيات الاسلامية الاصيلة .الحسين ثأر الله لم يكن ثأراً لقبيلة أو طائفة أو قوميه معيّنه انه ثأر الانسانية من أعدائها .....والمبادئ السامية التي ضحى فيها من أجلها ، وقدّم القرابين الزكية ، من ابنائه وأهل بيته وصحبه ، حملته الى قلوب الأحرار، عبر امتدادات الزمان والمكان وعبر كل الاجيال .ان الربيع العربي في جوهره ما هو الا نفحة من نفحات الحسين (عليه السلام) ،واذا كان الحسين (عليه السلام ) لم ينتصر عسكرياً يوم عاشوراء ، فقد انتصر سياسياً في ايران وفي لبنان وفي العديد من أرجاء عالمنا الكبير .يقول احد شعراء الولاء مخاطباً الحسين (عليه السلام)
لُحْ فوق تاج الفاتحين شعاراً واسطع بدرب الثائرين منارا وأرِ الأُلى سيموا المذلة أنَّ في مقدروهم ان يصبحوا أحرارا
ان اسم الحسين (عليه السلام) يرعب الطغاة ويقض مضاجعهم وليس ثمة من نهج ،يورث العز والكرامة أروع من نهج الحسين (عليه السلام) .يقول الجواهري في رائعته :وحزنا عليك بحبس النفوس على نهجك النيّر المهيع وهكذا تطل علينا أيام شهر البطولة والفداء ، شهر محرم الحرام ، لتدعونا ان نجدد البيعة للأمام الحسين في المضي على نهجه لان هذا النهج هو مفتاح الاستقلال والعز والكرامة والحياة الحرّه .
https://telegram.me/buratha