من اعداد الشيخ حيدر الربيعاوي وتاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري ومن اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية النجف الاشرف
عندما أُتيحت الفرصة لشيعة أهل البيت, وسمحت لهم الظروف بزيارة إمامهم سيّد الشهداء(عليه السلام), وأخذ الزوار يقصدونه من شتى البقاع, إقتضى الأمر أن يكون رمزاً شامخاً وحرماً مطهراً؛ لتعظيم المَزّور, ولكي يجتمع الزوار؛ ليمثلوا صورة ولائيّة حيّة, وبيعة عمليّة دائمة.ومن هنا بادر شيعة علي والحسين ببناء الحرم الحسيني المطهر، إجلالاً لصاحبة ووفاءاً بالعهد لثورته الخالدة, كما هو سائد في العرف العقلائي من تعظيم الشخصيات وتخليد افعالهم، وثوراتهم، وشجاعتهم برموز، أو رسوم تعبّر عما فعلوه؛ لتبقى خالدة بهذه الوسائل الأعلاميّة المعبّرة عن الحقائق الخالدة. ونلاحظ في عصرنا الحاضر قد جرت العادة على ذلك عند الحكومات في تخليد شخصياتها التاريخية, كبناء نصب الحريّة, للتعبير عن جهاد الشعوب من اجلها, وبناء تمثال الجندي المجهول تكريماً للشهداء ونصب صور العظماء، والأدباء، والشعراء .. أحياءاً لما قدموه .. إلى غير ذلك من الشعارات التي تعبّر عن تخليد أصحابها.لهذا، فليس من الغريب ان يكون لسيّد الشهداء صرحاً عظيماً، ورمزاً فاخراً يتلألئ في سماء العالمين, ليقصده شيعته ومحبيه؛ بل اصحاب الحق وطالبيه, والمجاهدين من اجل الاستقلال والحريّة وغيرهم.لكن هذا لم يكن يروق للطغاة؛ لأن الأزدحام بحرم الحسين, هو أعظم رمز للولاء العمليّ له, وفي نفس الوقت يعني الرفض لذلك الحاكم في كل وقت إن كان مخالفاً لنهج الحسين, وقد غصب مقام الإمام المعصوم في عصره، واستولى على الخلافة.فعندما كانت زيارة الحسين(عليه السلام) مظهراً معبّراً عن ثورة حيّة بوجه حكام الظلم والجور, لم يسكن جواً لهؤلاء الحكام آنذاك, ولم يهدأ لهم بالاً, بل إضطربت أوضاعهم السياسيّة, وأخذوا يحسون بالخطر الفعلي الذي يسحب بساط الحكم من تحت أرجلهم, فعمدوا للهجوم على هذا الرمز الثوري -حرم الحسين- وقاموا بتدميره مرات عديدة؛ لينفّروا الناس عنه ويفرّقوا جمعهم؛ بل أخذوا يهددونهم بالقتل إن فعلوا هذا التجمع, وعادوا الكرة, كما فعل الرشيد والمتوكل وغيرهم من حكام بني العباس, وأخذت الأحداث تتعاقب هذا الصرح العظيم, أمّا موالي الحسين وزواره فلا يبالون بهذه التهديدات, ولازالت زيارة الحسين بمظهرها الولائي لأهل البيت تهدد العروش الخاوية للطغاة, وستبقى هكذا على مرَّ العصور.من هنا جاء دور هذا الفصل للبحث عن تلك الأحداث التي تعاقبت على الحرم المطهر بغية القضاء عليه, لكن دون جدوى في هذه المحاولات الباطلة, ولكي تتضح هذه الأحداث قسمنا الكلام فيه على مبحثين:-
https://telegram.me/buratha