من اعداد الشيخ حيدر الربيعاوي وتاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري ومن اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية النجف الاشرف
أَثبت شيعة آل محمد (صلوات الله عليهم) ولائهم وإخلاصهم لأهل البيت(عليهم السلام)في العهد العباسي, وذلك من خلال مواظبتهم على زيارة سيد الشهداء وأبي الأحرار الحسين(عليه السلام)؛ ليعلنوا بذلك أحقيّتهم بالأتباع والولاية دون غيرهم, وليبيّنوا لحكام بني العباس أنهم ليس على حقٍّ في إستيلائهم على الخلافة؛ وأنهم سائرون على منهج البغي الذي اتبعه بنو أمية لكن بثوب آخر.الأمر الذي زاد في بغض العباسيين لشيعة علي وزوار الحسين خاصة, مما أدى ذلك إلى وقوف الأعداء الذين تظاهروا بعداوتهم بشكل علنيّ للأئمة الأطهار(عليه السلام), فعمد الأغلب من هؤلاء الطغاة إلى الأعتداء على الحرم الحسينيّ المطهر وتخريبه, ومنع زواره من زيارته وفرض العقوبات الصارمة ضدهم إن بادر للزيارة؛ لأن هذا المظهر من الشعائر الألهيّة كان ولا زال يعبّر عن صرخة الحق بوجه الظالمين ورفضهم, وهذا الأمر يشكل خطراً كبيراً على هؤلاء ويهدد حكوماتهم بالأنهيار وإنقلاب الرأي العام عليهم، وفضح المخططات العدوانية لأعداء الولاية السماويّة الحقّة.ولهذا, عندما تقف عند المعاني التي تزور بها الإمام الحسين(عليه السلام) في زيارة عاشوراء( ), تجدها تؤكد في الأعم الأغلب على تجديد البيعة والولاء باخلاص لأئمة أهل البيت(عليهم السلام) والتعمق بمعرفتهم من جانب, وكشف الخط المنحرف لبني أمية وأتباعهم, والتبري منهم، ومَمنْ سار على منهجهم العدواني في كل عصر؛ لأنهم اعتدوا على الحسين وأهل بيته وأصحابه(عليهم السلام) مع علمهم باحقيّتهم ومكانتهم عند الله ورسوله؛ بل ان اللعن الوارد في الزيارة ذي مشروعية, وهو أعظم شعار لأظهار مظلومية الحسين(عليه السلام), وعظم جريمة قاتليه, وهذا السبب هو الرئيسي في شن الغارت على حرمه المطهر(عليه السلام)؛ لأن في زيارة هذه البقعة الطاهرة تعبير عن ظلم هؤلاء, وكشف لأغتصابهم للخلافة الألهية, وبغضهم لآل البيت.ومن هنا صدر الكثير من الأحداث العدوانية تجاه الحائر الحسيني الشريف, وسنتناول أهم هذه الأحداث -في هذا المبحث- بشيء من التفصيل بحسب الفترة الزمنية لهؤلاء الحكام البغاة من خلال بيان عدة محاور:
المحور الأوّل: الأحداث التي صدرت في عهد المنصور:بعد سقوط الدولة الأموية على يد العباسيين؛ الذي تمكنوا من القضاء على خصومهم على السلطة -الأمويين-, وأحرزوا نتيجة الصراع بين الطرفين لصالحهم؛ وهي استلام الحكومة الظاهرية كسابقيهم في غصب مقام الأئمة المعصومين(عليهم السلام), لكن هؤلاء -العباسيين- ألبسوا سياستهم ثوباً جديداً, وكسوا خطهم بستار مخفي، فحاولوا بذلك التقرّب للعلويين؛ لامتصاص نقمة الأمة وسخطها على الأمويين.ولذلك فسح السفاح المجال لزوار الحسين(عليه السلام) بزيارة مرقده الشريف آنذاك, وبقي الحائر الحسيني في أمان طول فترة حكمه ظاهراً؛ لأن العباسيين كان يشغلهم أمر السيطرة على زمام الأمور في الدولة الفتية في بادئ الأمر ولاغير.وهكذا .. إلى أن وصل الدور في الحكم إلى المنصور؛ الذي جاء للسلطة، وهو على أهبة الاستعداد للتنكيل بالعلويين والتضييق عليهم, وأخذ ينكل بهم مستخدماً شتى أساليب القسوة والأرهاب, خصوصاً آل الحسين.ونتيجة لتلك الضغوط المتواصلة بشدةٍ, والتعذيب الذي لاقاه السادة العلويين, حصلت ثورتان من قبلهم للحد من هذه المعاناة القاسية, حيث كانت الأولى في المدينة؛ وقد قام بها محمد بن عبد الله بن الحسن, ذو النفس الزكية, والأخرى حصلت في البصرة؛ والتي قام بها أخيه -ابراهيم بن عبد الله-, وقد كانت الثانية بعد فشل الأولى, لكنها هي الأخرى التي سيطر عليها العباسيون وأفشلوها. ولما إنتهت هاتين الثورتين بالفشل, وقد سيطر الطغاة على زمام الأمور, أشتدت المضايقات على آل محمد(عليهم السلام), حتى أصبحوا بين مسجون ومشرّد ومقتول, ولم يكتف العباسيون بتلك الأعتداءات والجرائم؛ بل تجاوزوا أكثر من ذلك, فبلغوا قمة الوقاحة في الأجرام, فطالت أيديهم قبر الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام), ومرقد إبنه سيد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام) بأمر من المنصور العباسي (لعنه الله)؛ الذي عمدَ للقضاء على آثار المراقد المشرّفة لأهل البيت(عليهم السلام), وخصوصاً مرقد الإمام الحسين(عليه السلام)؛ لتوافد الزوار عليه بأعداد هائلة من كل مكان, وإزدحامهم عليه بشوق ولهفة, وولاءٍ لانظير له.كان المنصور مندفعاً لمحو آثار مرقد الإمام الحسين, نتيجة لحقده الدفين وشدة بغضه لأهل البيت, ولذلك كان يدفع أعوانه سراً وليلاً؛ ليمحو آثار المرقد الشريف, بل كان يذهب معهم بنفسه للقيام بهذه المهمة الخبيثة, كما يحدثنا التاريخ بذلك, وذكر ذلك أهل الحديث والرواة.فقد روي صفوان الجمال, عن مولى لهم, قال:>أخبرني مولى لنا, عن مولى لبني عباس, قال: قال لي أبو جعفر المنصور: خذ معك معولاً وزنبيلاً, وأمض معي.قال: أخذت ما قال, وذهبت معه ليلاً, حتى ورد الغري, فاذا بقبر.فقال: أحفر.فحفرت حتى بلغت اللحد<( ).نعم!, .. إلى هذا الحد بلغت عداوة المنصور وحقارته وبغضه لآل محمد (صلوات الله عليهم), لكن لم يصل به الدهر إلى نتيجة, سوى الخيبة والخذلان في الدنيا, والخسران الأبدي في الآخرة .. كما هو مصير أعداء آل محمد دائماً وأبداً {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}( ).وهكذا بقي الحائر الحسيني رمزاً شامخاً, وصرحاً لامعاً بمشيئة الهيّةٍ وقدرة جبارة, حرماً آمناً يطوف حوله زوار الحسين ومحبيه, ومبدأ إنطلاق لثورات الشيعة
https://telegram.me/buratha