حكمت مهدي جبار
تثير ثورة الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام على الحكم الأموي أبان خلافة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان أفكار وأذهان وعقول المفكرين والباحثين والعلماء ,لما تركت تلك الثورة من تداعيات بنيت عليها مواقف وأتجاهات فكرية مختلفة.ولايخفى على المتتبع للتأريخ العربي ألأسلامي لما للدولة الأموية من قوة في نظام الحكم والسياسة وبناء المؤسسات الحكومية التي حكمت ما يقارب 90تسعين عاما من سنة 40 - 132هجرية / 661- 750ميلادية ,والتي قامت على حنكة ودهاء وذكاء مؤسس السلالة الأموية (معاوية بن أبي سفيان).والذي أشتهر بخداعه والاعيبه السياسية .عندما حكم سورية في عهدي الخليفتين الأول والثاني عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان,لاسيما فيما يخص معارضته للأمام علي بن أبي طالب في الخلافة وحرب صفين سنة 37هجرية ثم قضية التحكيم .لقد حصل تحول (1) وتطور كبيرين نحو الحياة الحضرية زمن الدولة الأموية ,وخاصة على المستوى المعنوي والنفسي.عندما شعر العربي بوجوده القومي وزهوه العربي ,حيث بداية تأسيس الوعي القومي ,فضلا عن تثبيت مفهوم الأمة والدولة العربية الأسلامية.فكانت الحياة جميلة وممتعة.وهنا اغرت السلطة وبريق الحكم بني أمية ,ليبقوا متمسكين في الحكم ,فأدخلوا مبدأ جديد في النظام السياسي للدولة ,وهو مبدأ الوراثة في الحكم .وتحولت بذلك الخلافة الى نظام سياسي أبتعد عن مبدأ الشورى ,كما أبتعد عن التقاليد العربية ,التي وان اعترفت بحق حفظ السلطة في قبيلة معينة قريش مثلا لكنها لم تعترف بالوراثة المباشرة من الأب الى الأبن .وفي زمن (يزيد بن معاوية) وصل الرفاه والترف ذروته ,بسبب الأنتعاش الأقتصادي وقوة الجيش والشرطة وسيطرة المؤسسات الأمنية على الحياة وضبط الأفراد.الا ان ذلك الرفاه كان بعيدا عن المسلمين,وكان محدودا على رجال الحكومة والسلطة.فلم يكن يشغل بال الحكام والولاة سوى جمع الأموال وتجميع الثروة من خلال تفشي الفساد الأداري في مفاصل الدولة.فقد أدت السياسة المالية الجائرة التي انتهجها يزيد وأعوانه والساعية الى الحصول على مزيد من الاموال ,الى تفاوت طبقي صارخ,فقد انغمس في ترف باذخ ولهو بلا حدود.في حين كانت الضرائب تثقل كاهل العمة من الناس وتميتهم جوعا(2).كانت الدولة تمعن في التضييق على الطبقات العامة .وتتنعم هي وأتباعها بكل ما تقيضه لها ثرواتها الطائلة من بذخ ونعيم.فلم يجد المسلمون من ابناء الأمة حيلة أزاء ذلك الظلم ,ولم يستطيعوا تغيير الواقع والثورة عليه .فمنهم من اعتكف في بيته خوفا من الحاكم .ومنهم من اتخذ الصمت ومنهم من راح يسايرهم اتقاء من الشر وحفاظا على اهله وعياله ومستقبله.ومنهم من تصوف يتعبد الله يندب الأسلام الذي طمسه الحكم الأموي وتنكر لمبائه وتنصل عن فضائل أهل بيت النبوة . قرأ (الحسين بن علي عليه السلام) هذا الواقع الأليم ,فراح يخطط ويفكر ليقوم بتغيير المسار.منطلقا من مسؤوليته تجاه دين جده محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما ستؤول اليه ألأمة ألاسلامية بسبب أستهتار (يزيد بن معاوية) في المجتمع الأسلامي وتفضيل الحياة الدنيا على الآخرة وأغتصاب حق الحسين في قيادة الأمة.وقد شعر الحسين بضرورة انطلاق الثورة ,فلم تعد الأحوال الدينية والحياة التي دعى اليها جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخذت مكانتها في ,فقرات الدستور السماوي الأسلامي المحمدي جانبا ,تحت ذريعة بناء الدولة وتأسيس حكومة قوية تثبت أقدامها لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية .وأنشغل رئيس الدولة (يزيد) بالأهتمام ببناء القصور وتلميع وجه المؤسسات الحكومية بلذات الدنيا وشهواتها. لقد تناسى (يزيد) كرئيس جاء رغم انف المؤمنين من المسلمين الحقيقيين للدولة ونصب نفسه وراثيا كخليفة للمسلمين بعد ستين سنة من الرسالة الأسلامية فيها من الصراعات والمتناقضات داخل الجسد العربي الأسلامي الواحد.تناسى وجود أهل البيت ,وأغفل بل تغافل عن أمكانياتهم القيادية للأمة.تحت حجج القرابة والملك وألأرث لأبناء (محمد) كقائد مات.فليس من الحق أن تبقى الزعامة كما يرى يزيد ذلك بيد أبناء (علي بن أب طالب) أبن عم (محمد).علما أن أحقية قيادة ابناء (علي) قد سرقت منذ أن سرقت الخلافة منه ,تحت نفس الذرائع والحجج السابقة.أن من الخطأ قول البعض أن (الحسين) ثار لينتقم أو ليشعل نار الفتنة من جديد.أو ليتمرد على الحاكم الشرعي.فالحسين أستخلص التجربة التاريخية السابقة بكل دقة وأناة وتدبر.وأراد ألأمساك بخيوط المستقبل وتأشير المصائب التي ستقع للأمة نتيجة تخبط السياسة الأموية.و(الحسين) لم يكن في ذلك ببعيد عن طبيعة الواقع العربي ألأسلامي المتدهور.ولم يعتكف بصومعته تاركا أمور الدنيا والناس والمجتمع.فهو مع وجوده المطهر ذو النسل النبوي المقدس وكونه أمام ألأمة في ذلك العهد وولي المسلمين وحجة الله في الأرض ,فقد مثل أمتدادا لسياسة أبيه وجده في أدارة دفة أمور المسلمين..لذلك فأن شخصية (يزيد) المعقدة المليئة بالغيرة والحسد خافت من سطوع نجم (الحسين) ونوره الدري على ألأرض,دينا وسياسة ودولة وشخصية وأنسان.فكيف يسمح له في تسلم زمام أمور الدولة .ثم أن يزيد يتباهى ويفتخر وبكل أنانية بأفضال أبيه (معاوية) ذلك الذي اذهل الدنيا بخداعه السياسي وحيله وألاعيبه وهو من أسس اقوى دولة أسلامية دنيوية غفلت أمور السماء.نقول ان (الحسين) أضافة لكل تلك الكرامات والنعم الربانية ,فهو قد أمتلك عقلية مستقبلية خاصة ذات شروط ربانية .جوهرها الأيمان بالعقل السياسي اليقظ المتطور الفاعل .بينما يستبعد بعض المفكرين دور (الحسين) القيادي والسياسي ,متهمين أياه ,أنه ادى بنفسه للتهلكة.!!ثم انهم يستبعدون دوره كونه لايعدوا أن يكون (رجل دين) يدعوا (للمثالية).!!أن من ألأمور الجوهرية التي دعى اليها (الحسين) هو (ألأصلاح).ولما لم يقدر الناس تحت سيطرة الحكم الأموي أصلاح وتغيير ما جاء به (يزيد) وتفضيلهم السكوت على الظيم .فقد قرر الحسين (الثورة).ورأى فيها هي الحل الجذري لأسقاط حكومة (يزيد) مهما كلف الأمر من تضحيات وخسائر .وكان (الحسين) فضلا عن كل ذلك هو أعرف الناس بـ (يزيد).فهو يعرفه عن قرب.فلا يصلح أن يكون حاكما عادلا وليس من ذوي الشخصيات المؤثرة في أدارة مفاصل الدولة العربية الأسلامية.فالدولة زمن (يزيد) لم توجه بأتجاه أخصاب الحالة العامة للبلاد وأزدهار مناحيها المختلفة. أن الكثير من المفكرين والسياسيين والباحثين ,يعتبرون (3)أن مفهوم العدل السياسي لم يقدر عليه (رجل الدين) وأن يترك لرجل الدولة القوي الذي لايرحم!! ومثل لديهم (يزيد) أمتدادا لقوة وضبط وصرامة الدولة الأموية.وما (الحسين) الا رجل دين وفقيه ومشرع ديني.بينما العدل السياسي هو مفهوم ركزت عليه كل الشرائع السماوية والمعتقدات البشرية والرؤى الوضعية.(4)أن العدل السياسي هو سنة تاريخية أودعت في سياق هذا الكون والوجود الكبير وظاهرة سوسيولوجية تأتي ثمارها حينما يمارسها الناس الى جانب ممارستها الأساسية من قبل الساسة وولاة ألأمر في الدولة.أن تطبيق الشريعة الأسلامية وتجسيد مقاصدها على ألأرض هو ما يشكل غاية النظام السياسي لأي دولة في أفق الرؤية الأسلامية.وهذا هو ما رآه (الحسين) كمسلم يأخذه الحرص على مصير الدولة العربية الأسلامية. بينما انشغل (يزيد) مختصا بأعمار وتشييد المباني وزخرفها وتجميلها.ولم يهتم ببناء الكيان الأسلامي سلوكا وحياة وعمرانا روحيا ومعنويا.وأهمل العدل السياسي الذي أساسه العدل الألهي السماوي.وقد اغرته الدنيا ومتعة الكرسي وحلاوة السلطة.فأضاع الحلقة المهمة بين الدين والسياسة.ففي ذلك الزمان .كان الدين قويا حيث لازال في بداية نشوءه.ولم يمر على تأريخه سوى 61 عاما.فما الذي يخافه (يزيد) من الحضور الديني الحقيقي والعدل السياسي والأجتماعي المتمثل بـ (الحسين).ثم لماذا منع (الحسين) من ممارسة حقه الشرعي السماوي وألأرضي والذي اعترفت به كل الأمة الأسلامية عربا وغير عرب.فأذا كان (يزيد) قد أراد أقامة دولة أسلامية تؤسس على قواعد العدل والحق والمساواة,فكان عليه من الواجب أن يقر بأحقية وجود (الحسين) اماما وقائدا وزعيما للأمة العربية والأسلامية.رغم أن نوايا (الحسين) لم تكن دنيوية في تسلم أمور الأسلام كزعامة سياسية وخلافة ووجاهة ومنصب.انما دعى لخلافة عادلة ينتخبها المسلمون .الغرض منها أن يعيش المسلمون وتزخر البلاد في ظل حكومة عادلة بوافر من الحرية والكرامة والفضيلة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ1 - تأريخ خلفاء بني أمية - نبيه عاقل.2- تاريخ التمدن الاسلامي - الجزء الرابع - الكامل - 2/963 - المستقبلية الأسلامية - نهج البلاغة نموذجا لأنطلاق الرؤية - محمد سعيد الأمجد - بغداد - 20064 - = = = = = = = = = =
https://telegram.me/buratha