من اعداد الشيخ حيدر الربيعاوي وتاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري ومن اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية النجف الاشرف
لا يختلف الحال بالنسبة لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) في تعامله وتفاعله مع مصيبة ولده الحسين (عليه السلام)، وما سوف يجري عليه في يوم عاشوراء عما أخبر به رسول الله '.فقد كان أمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام)يرثي ولده الحسين على منبر الكوفة بعناوين كثير، وتعابير مختلفة( )، ويذكر ما سيجري عليه وعلى أهل بيته وأصحابه (سلام الله عليهم)، بل أخبر ولده الحسين(عليه السلام)بتفاصيل واقعة الطف، وما سوف يجري عليه في أرض كربلاء.كما رثى الحسين (عليه السلام) وحزن عليه حزناً شديداً، واقام العزاء على مصيبته في المدينة، وكربلاء، والكوفة خاصة، وبكى في هذا المواضع عليه بكاءاً لا نظير له، حتى إخضلت لحيته الكريمة، وسالت دموعه على صدره لشدة بكائه.ومن تلك الأخبار ما سوف نذكره بأختصار:*: منها: ما أخرجه محب الدين الطبري، قال: أخرج أحمد وابن الضحاك عن علي (عليه السلام)،قال:> دخلت على النبي 'وعيناه تُفيضان، قلت:يا نبيَّ الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟قال: قام من عندي جبرائيل (عليه السلام)قبل، وحدثني: إنَّ الحسين يُقتل بشطَّ الفرات.قال: فقال: هل لك أن أشمك من تربته؟قلت: نعم، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أَنْ فاضتا.( )*: ومنها: ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام)قال:> مرَّ عليُّ (عليه السلام)بكربلاء في إثنين من أصحابه، فلمّا مرَّ بها ترقرت عيناه بالبكاء، ثم قال:> هذا مناخ ركابهم، هذا ملقى رحالهم، وها هنا تهراق دمائهم طوبى لك من عليك تهراق دماء الأحبة <( ).*: ومنها: ما روي عن ابن عباس قال: كنت مع أمير المؤمنين (عليه السلام)في خرجته الى صفين، فلما نزل بنينوى؛ وهو بشطَّ الفرات، قال بأعلى صوته:> يا ابن عباس أتعرف هذا الموضع ؟قلت له: ما أعرفه يا أمير المؤمنين.قال (عليه السلام):لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي.قال: فبكى طويلاً حتى إخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره وبكينا معه وهو يقول: أوه.. أوه مالي ولآل حرب، حزب الشيطان وأولياء الكفر، صبراً يا أبا عبد الله فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم.. الى ان قال(عليه السلام):والذي نفس عليّ بيده لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسم' في خروجي الى أهل البغي علينا: وهذه أرض كرب وبلاء يدفن فيها الحسين(عليه السلام)وسبعة عشر رجلاً من ولدي وولد فاطمة وإنها لفي السموات معروفة تذكر أرض كرب وبلا.. الى آخر الحديث.( )* * *
المبحث الثالثإخبار سيّدة نساء العالمين الزهراء ÷الغيبي بشهادة ولدها الحسين÷كانت الزهراء ÷الأم المحتسبة الصابرة التي توالت عليها المصائب والمحن والشدائد المنقطعت النظير في التاريخ البشري، لكنها ÷وقفت بكل صلابة بالرغم من تعاقب الكثير من تلك الاحداث عليها بشكل متواصل واحدة تلو الاخرى.وهكذا يُحدثنا التاريخ عن المواقف الشجاعة للسيّدة الصامدة، والفاضلة في تعاملها مع الظروف على جمّت صعوباتها، وسخونة احداثها في حدوثها، فتارة ترى معاناة أبيها رسول الله' في تبلغ الرسالة الألهيّة، وهو يتحمّل الاذى، وقد صبر على ما يواجه من منحرفي قريش، وأخرى تُخبر بمولودها، وسوف يقتله المارقون من أمة ابيها محمد، وثالثة تُفجعُ برحيل ابيها المصطفى '، وبعد ذلك تواردت عليها الاعتداءات المباشرة، فَصُدِمت بمداهمة بيت الوحي والنبوة من قبل مغتصبي الخلافة ـ الاول والثاني ـ ، اللذان إغتصباها طلباً للجاه والسلطان بمساعدة اعوانهم، ثم واجهة محنة الاعتداء على زوجها الامام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وهكذا استمرت المصائب... حتى بلغت الى شخصها .. فَكُسِرَ ضِلعُها وأُسقِطَ جنينها.. > فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت ÷من ذلك شهيدة <( ).وهكذا تحملت الزهراء المصائب والآلآم، وهي تشكو ذلك لأبيها رسول الله '، عندما كانت تأتي بين فترة وأخرى الى مرقده.( )ولكن الزهراء ÷ مع كل ما تُعانيه من الألم ، لا تأخذها في الله تعالى لومة لائم أبدا.. إنها تراه بعين الله عز وجل فلا تبالي بما يجري عليها.إلاّ أَنّها (سلام الله عليها) كانت تتوجع كثيراً، عندما تذكر مصيبة ولدها الحسين(عليه السلام)بعد ما أُخبرت بذلك من قبل أبيها المصطفى '، فكانت هذه الفاجعة من أشد المصائب على قلبها..؛ لهذا كانت تتوجّع لذكرها، وتزيد شجونها، وتهيج آلآمها؛ لذلك كانت ترثي ولدها الحسين(عليه السلام)، وتكثر البكاء لمصابه ولما يجري عليه، لعلمها به.فكلما سُئلت عن سبب حزنها وبكائها، أخبرت بأن ذلك على شهادة الحسين(عليه السلام)؛ بل كانت كلما أخبرها أبوها رسول الله 'أقامة العزاء رثاءاً لفلذة كبدها وولدها العزيز عليها، حتى روي ذلك بعد رحيلها..إنها تقيم مجالس العزاء، وتبكي ولدها الحسين (عليه السلام)في السموات كل يوم الى يوم القيامة، وذلك عندما يعرض أمامها مصرعه يوم عاشوراء، فتشهق شهقة تضطرب منها الكائنات وجميع الموجودات.روى الشيخ جعفر التستري (اعلى الله مقامه):> انها تنظر كل يوم الى مصرع الحسين (عليه السلام) فتشهق شهقة تضطرب بها اركان الموجودات من السموات، والارض، والبحار والملائكة، حتى يجئ النبي ' فيسكتها، ثم تدعو بعد ذلك لزوار ولدها <( ).وأخرج ابن حنبل في مسنده من حديث لأبن عباس (رضوان الله عليه).. من جملة حديث ذكر فيه... بكاء النبي'على الحسين (عليه السلام)في مواطن كثيرة، منها قبل ولادته، وذلك:> لما هبط جبرائيل قال: يا محمد يولد لك ولد تقتله شرار أمتك فبكى وقال: >لا حاجة لي فيه <.فقال جبرائيل: يا رسول الله أن الإمامة تكون فيه وفي ولده.فسكت 'وبكى عند ولادته، ذلك لمّا جاءت به صفية بنت عبد المطلب تحمله أخذه وشمه ثم بكى، فقالت له صفية: يا رسول الله وما هذا البكاء.فقال: إنَّ ولدي هذا تقتله شرار امتي، لا تخبري أبنتي فاطمة فأنها جديدة عهدٍ بولادته....وفي رواية: إنه 'لما دخل على فاطمة ورأى الحسين (عليه السلام) يبكي في المهد فقال: بنيه سكتيه فإنَّ بكاؤه يؤذيني ثم بكاه.وكان 'كلما نظر اليه يبكي، وإذا رآه في يوم عيد يبكي، وإذا رآه يلعب يبكي، وكان يقول (عليه السلام):> حسين وي حسين طمئنينتي حسين، حسين روحي التي بين جنبي، حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا ً<.*قال: ودخلا الحسن، وأخوه الحسين على النبي 'يوماً فشمَّ الحسن (عليه السلام)في فمه، وشم الحسين (عليه السلام)في نحره.( )فقال: وأقبل الحسين الى أمه ، فقال لها: > اماه شمي فمي هل تجدين فيه رائحة يكرهها جدي رسول الله '، فشمته في فمه فأذا هو أطيب من المسك، ثم جاءت به الى أبيها، فقالت له: > أبه لم كسرت قلب ولدي الحسين (عليه السلام)؟فقال ':ممَّ؟قالت: تشم أخاه في فمه، وتشمه في نحره، فلما سمع ' بكى، وقال: بنيه أما ولدي الحسن فإني شممته في فمه؛ لأنه يسقى السم فيموت مسموماً، وأما الحسين (عليه السلام) فإني شممته في نحره؛ لأنه يذبح من الوريد الى الوريد <.فلما سمعت فاطمة ÷بكت بكاءاً شديداً وقالت:أبه متى يكون ذلك؟فقال: بنيه في زمان خال مني ومنك ومن أبيه وأخيه.فأشتد بكاؤها، ثم قالت: أبه فمن يبكي عليه، ومن يلتزم بإقامة العزاء عليه؟فقال لها: بنية فاطمة إنَّ نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على ولدي الحسين وأهل بيته، ويجدّدون عليه العزاء جيلاً بعد جيل، فإذا كان يوم القيامة أنت تشفعين للنساء، وانا أشفع للرجال، وكل من يبكي على ولدك الحسين (عليه السلام) اخذنا بيده وأدخلناه الجنة.*( )* * *
https://telegram.me/buratha