حسن الهاشمي
"والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا اقر لكم إقرار العبيد" لا زال هذا الشعار يتردد من على شفاه الذين أشربوا في قلوبهم الحرية التي تحلق بهم في فضاءات العطاء الإنساني الراقي، إنها الحربة التي يخشاها الطغاة وقد هشم بها رؤوس الطغاة سابقا ولاحقا، سابقا عندما نهض هو وأهل بيته وأنصاره عليه السلام ضد ظلم وفسق ومجون يزيد وأتباعه، ولاحقا عندما اقتبس منه الأحرار في العالم جذوة رفض الظلم والضيم والفساد وعلى مر التاريخ إلى يومنا هذا بل إلى أبد الدهر، تبقى الدنيا حلبة صراع بين الحق والحرية الذي يمثله الإمام الحسين بوقفته الخالدة في طف كربلاء ضد الطغمة اليزيدية المنغمسة في الذل والفساد والانتهاك. وها هم أتباع الحرية الذين انتهجوا نهج الشهيد بكربلاء يصارعون الباطل أينما وجد، ولا يقبلون بعنجهياته وتخرصاته وأباطيله حتى لو كلفهم ذلك حياتهم، فالحسين عليه السلام علم الحرية للبشر جميعا من دون تمييز، الحرية من ربقة الطغاة والمعتدين بالسلاح والقوة، الحرية من التبعية الفكرية والثقافية، الحرية من وصاية الطغاة وأهل الباطل، الحرية من كل أصفاد الحكام الظالمين، الحرية من كل قهر وظلم وتعسف وتهجير وتقتيل، الحرية من كل فكر إقصائي وتهميشي واستعلائي، الحرية من كل قيد اقتصادي واجتماعي يضعه الطغاة للحد من التحرك الجماهيري المؤمن، وأخيرا وليس آخرا الحرية من الآلهة البشرية والحجرية والأهوائية التي تعترض درب الأسوياء في هذه المعمورة. هكذا سطر الحسين عليه السلام منذ بداية مسيرته نحو الحرية أروع الأمثلة في إباء الضيم والفسق والفجور وعلى مر الأزمنة والأمكنة والدهور، هكذا عرف أهله وصحبه وأتباعه الرسالة الصاعقة والمدوية ضد الطواغيت ومفادها تحرير الناس من العبودية البغيضة بكل أنواعها، تحرير المرأة من قيود الجهالة والجهل وفك قيود الوصاية على عقلها؛ العدالة بين بني البشر من دون تمييز لمعتقد أو لون أو طائفة، كانت مسيرة الحسين نحو الإصلاح محفوفة بالمخاطر الجسيمة إلا أنه رأى إن هذه المسيرة تستحق جميع التضحيات للوصول إلى الحرية التي كادت أن تموت لولا تضحياته المشهودة الشاهدة علينا جميعا لرفض الظلم أينما حللنا وفي أي زمان عشنا، وهكذا كان لسان حال كل فرد من أتباعه: آليت إلا أن أعيش حرا.كم هذه المفردة استوقفتني وهي خلاصة ثورة الحسين عليه السلام الإصلاحية، أراد من خلالها أن يلهم البشرية العيش الحر الكريم الذي يرفض رفضا باتا لكل وصاية أو إذلال أو استهتار بالكرامة الإنسانية، فإنها تبقى مقدسة عند الإمام الشهيد ولا يقايض بها ولو كان مقابلها ملء الأرض ذهبا وفضة ومجوهرات، أين الكرامة من ملذات الدنيا الفانية؟! أين العيش العزيز في رحاب الإسلام من عيش الذل والهوان التعس في وحل الظلمة والجبابرة وأهل الهوى والغدر والطغيان؟! أين الثرى من الثريا وأين الحصا من نجوم السما؟!.إن ثورة الحسين عليه السلام في صورتها الأولى قد تظهر للناس عموما أنها ثورة إسلامية، غير أننا إذا ما غصنا عميقا في مفرداتها فإننا سنقف أمام نهج فريد من نوعه يهدف في نهايته إلى الحرية للبشرية جمعاء، حرية يتباهى بها الفقراء والمعدومون والناشدون إلى العيش الكريم، حرية يكون فيها رأس الإنسان مرفوعا وجبينه عاليا، وسنرى من هذا المنطلق كيف أن غالبية الثورات إن لم تكن في مجملها التي سطرها لنا التاريخ والتي كانت تهدف في جوهرها إلى رفع الظلم والحيف عن الإنسان والتأسيس لنظام يكفل للجميع فيه العيش بكرامة قد أكلت أصحابها، أشعلت فيهم النار ووضعت رؤوسهم تحت المقاصل وقطعتها وطاردتهم في كل مكان، بينما نجد ثورة الحسين عليه السلام وحدها من خلدت شهداءها على الرغم من موتهم الظاهري وقتلت أعداءها على الرغم من انتصارهم المادي، إنه انتصار الفضيلة على الرذيلة وانتصار القيم على الفساد، ثورة الحسين عليه السلام تعيد أهداف الحرية إلى الوجود عاما بعد عام وتتوسع عاما بعد عام إلى مشارف أخرى من العالم، فهي ثورة لم ولن تموت، وصدق الشاعر حين قال: كذب الموت فالحسين مخلد*** كلما أخلق الزمان تجدد.
https://telegram.me/buratha