حافظ آل بشارة
كان البعض يخاف على العراق من هجوم اجنبي بعد الانسحاب الامريكي ، بسبب الفراغ الأمني ، لكن الشعب العراقي يعلم ان الخطر الحقيقي يأتي من الداخل ، وان مشكلة العراق هي الخلاف بين الحاكمين حول الملفات الخطيرة التي تفتح الآن ، وهي لا تخص اناسا عاديين بل تخص مسؤولين كبارا وقيادات سياسية وحزبية فمسؤول متهم بالقتل والعمليات الارهابية و مسؤول متهم بالسرقات الكبيرة ، ومسؤول متهم باستغلال منصبه لنفسه وعدم تقديم اي خدمة للناس ، وبعض التهم تتوفر حولها ارقام كبيرة ومؤكدة لو كان عشرة بالمئة منها صحيحا لكان كافيا لارسال المتهم بها الى المشنقة ، يقال ان الاحتلال شجع على تأجيل هذه الملفات حفاظا على التوازن السياسي وقد فسر هذا التأجيل بأنه توفير حماية لكثير من من المتورطين والمطلوبين ، وبعد رحيل الاحتلال رفعت الحماية وبدأ مسلسل فتح الملفات المختلفة ، عملية خطيرة ، لكنها ضرورية ، فالبلد أمام خيارين احلاهما مر أما ان يؤجل فتح ملفات التهم فيستمر الارهاب والفساد ينخران في جسد البلاد برعاية ودعم رجال في السلطة ، ويستمر سيل الدماء ونهب الاموال خاصة وان المتهمين يتخذون من مؤسسات الدولة وسيلة لتنفيذ عملياتهم ، وفي ظل هذا الواقع يصبح العراق دولة مافيات جهنمية تتصرف به وتستعبد اهله ، واما ان تفتح هذه الملفات بشفافية كاملة وبلا انتقائية مع الاستعداد الرسمي والشعبي لتحمل النتائج ، ومن الطبيعي ان تنفجر أزمة كبيرة يصعب السيطرة عليها ، عندما يواجه اي بلد ملفات خطيرة كهذه فانه يلجأ الى ثلاث مرجعيات عامة جامعة وغير مسيسة او الى واحدة منها لحل المشكلة ، الاولى هي الدستور ، والثانية القضاء ، والثالثة رأي الشخصيات الجامعة التي تحظى باحترام وثقة الاطراف ، في العراق تشكو جميع هذه المرجعيات من النقص ولا تحظى بالثقة الكاملة ، فالدستور كسيح ومتهم ، والقضاء ضعيف وفاقد المصداقية ، والشخصيات الوطنية العريقة غائبة . وهذه الحقائق المؤلمة تعد مادة أولية لتأسيس الفوضى والتدافع العشوائي والصراع الدموي ، يقال ان العراقيين فشلوا في بناء تجربة قادرة على الصمود امام الهزات ولم يستثمروا الرعاية والدعم الاجنبي ايجابيا فبدأ كل شيء يسير بالمقلوب ، الآليات الديمقراطية ومنذ سنة 2003 وحتى الآن لم تثمر سوى الارهاب والفساد والفوضى والشلل التنموي ، القيم الصحيحة في الحكم داخلة في معركة مع قيم التخلف والظلم ، فتغلبت قيم الظلم والقسوة والانانية ، النظام السياسي الجديد عاجز عن حماية نفسه ليتحول الى مجرد شعارات بائسة ، ولا يوجد نظام صالح في العالم استطاع ان ينتصر بدون وجود قوة حماية ، النظام الوحيد في العالم الذي يريد ان ينتصر بلا حماية وسط حشد من الاعداء هو نظام العراق الحالي ، جسد العراق مريض تلزمه جراحة خطيرة لا يقوم بها الا طبيب قبل ان يكون حاذقا فعليه ان يكون شجاعا ، ثم شجاعا ، ثم شجاعا .
https://telegram.me/buratha