سماحة السيد حسين الصدر
يعرفون من أين تؤكل الكتفجاء في كتاب البيان والتبيين للجاحظ /ج1 ص 80 أنه :{ دخل العُماني * الراجز على الرشيد ، وقد تزيّا بزي الأعراب فأنشده ثم دنا منه فقبّل يده وقال :يا أمير المؤمنين قد والله أنشدتُ مروان ورأيتُ وجهه وقبلت يده وأخذتُ جائزته وأنشدتُ يزيد بن الوليد وابراهيم بن الوليد ورأيتُ وجههما وقبّلتُ أيديهما وأخذتُ جوائزهما وأنشدتُ السفّاح ورأيتُ وجهه وقبلتُ يده وأخذتُ جائزتهوأنشدتُ المنصور ورأيتُ وجهه وقبلتُ يده وأخذتُ جائزتهوأنشدتُ المهدي ورأيتُ وجهه وقبلتُ يده وأخذتُ جائزتهوأنشدتُ الهادي ورأيتُ وجهه وقبّلتُ يده وأخذتُ جائزتههذا الى كثير من أشباه الخلفاء ، وكبار الأمراء والسادة الرؤساء ولا والله ان رأيت فيهم أبهى منظراً ولا أحسن وجهاً ، ولا أنعم كفاً ، ولا أندى راحةً منك يا أمير المؤمنين ووالله لو ألقي في روعي ان أتحدث عنك ما قلتُ لك ما قلت فأعظم له الجائزة على شعره وأضعف له على كلامه وأقبل عليه فبسطه، حتى تمنّى والله جميع من حضر أنهم قاموا ذلك المقام }هذه قصة واحدة من بين ركام هائل من قصص المتملقين الانتهازيين الذين يرصفون الكلمات المنمقة ، والعبارات المموسقة ، ويكيلون الأماديح بأفراط ،ويعقدون المقارنات ويتحدثون عن الشخصيات الكبرى ويخلصون من ذلك كله الى أنهم الآن أمام عظيم العظماء ، وفريد الرؤساء ، وكبير النبلاء ، ودرّة الخلفاء ، ومن ليس لصفاته الحسنى انتهاء وهكذا يوقعونه في الشَرَك ويستحوذون على ما ملك ..!!والسؤال الآن :كيف طابت نفس الرشيد ان يعامل العُماني معاملة استثنائية وهو الذي اعترف أمامه توّا بأنه كان يقبّل أيادي أعدائه الامويين ؟!!ألم يكن ذلك كافياً لاشعاره بان العُماني وضيع يتسكع على أبواب السلاطين اقتناصاً للمال الحرام ؟وكيف ارتضى لنفسه ان يُفَضَّلَ على كلّ اسلافه العباسيين ؟انهم أوصلوه الى هذا المكان فلا ينبغي عليه النسيان !!ان الانسان السويّ لا يفرح بتقديمه على أسلافه ،فلماذا غمر السرور فؤاد الرشيد ، وانتشى بكلمات هذا المحترف المستعد لتقبيل الأيادي دونما تردد متى ما سنحت له الفرصة ، وصولاً الى اقتناص المال الحرام؟هل هي النرجسية المحضه وحدها ؟أم انها النرجسية ممزوجة بسِحْر المحترف المذكور ، الذي جعله النسخة اليتيمه التي لا تُجارى ولا تُضاهى وتحت تأثير هذا السحر ، انترع منه ما أراد وفضلّه على كل الجُلَساء والروّاد ؟لقد غابت عن الرشيد في ظّل اصغائه وتفاعله مع العمّاني المدّاح كل المعطيات التي يستطيع من خلالها اكتشاف الحقيقة المتمثلة بأنه أمام محترف مداهن من طراز خاص ..!!ان هذه " السمفونية " قالبة للتكرار مع أبناء الرشيد ومع غيرهم متى ما سنحت الفرص لذلك .وبمثل هذه البضاعه ، لايسوغ الأغترار ، اذ ليس لها في ميزان التمحيص ايُّ اعتبار !!وعلى كل حال ، فان أمثال (العُماني) موجودون في كل بلد ، وفي كل آن،اننا بالأمس القريب كنا نشهد احتشاد اخوان (العماني) من الرضاعة من كل الأقطار،وهم يمّجدون (القائد الضرورة) ويرتفعون به الى أعلى القمم في الوقت الذي يعلمون فيه أنه بطل (المقابر الجماعية ) ،والحروب الغاشمه والممارسات الظالمة ،بحق شعبه وجيرانه ،وأنه لم يسلم من طغيانه ومجازره حتى رفاقه ناهيك عمن يعدهم من الأعداء ان رسائل جامعية عديدة كُتِبتْ عن عبقرياته ونظرياته وفتوحاته ،وكأنه العقل الكبير الذي ليس له نَظير ......اننا نعترف له بالعبقرية في مضامير الاجرام ،ومثل هذه الابتكارات الدموية لا بُدَّ ان تكون مورداً لضرب الأمثال في بربريته ووحشيته ودناءته ،لا في تلميع صورته والمبالغة الكبرى في مساره وسيرته ؟!وما إنْ زال كابوس تلك الدكتاتورية الغاشمة الظالمة الاّ وبدأت مرحلة جديدة نهض خلالها ورثة ( العُماني ) ومُداّح (القائد الضرورة)من رموز مدرسة الدجل بعزف الأناشيد والأماديح لهذا المسؤول الكبير أو ذاك ، حتى لقد صّدق بعضهم ما قيل فيه ، وذهب الى أنه ( المنقذ ) للبلد ، وأنه (الحامي) و (الراعي ) الذي لابد ان يُذْكر فيشكر !!اننا بصراحة نعتبر طلاّب مدرسة الدجل بمثابة الجراثيم الفتاكه الذي تنخر كيان الوطن ، وتمزّق أجساد أبنائه .ان المديح والثناء لا يستحقه الاّ أصحاب الانجازات الحقيقية في خدمة الوطن والمواطنين وفي ذلك فليتنافس المتنافسون أما الذين نهبوا ثروات البلاد وملاؤها بضروب الفساد فهم لا يستحقون الأ لعنة السماء والارض وانهم لخاسرون ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) . *العُماني : هو محمد بن ذؤيب الحنظلي شاعر بصريقيل انه لم ير " عُمان " لا هو ولا أبوهوأنما لقب بالعماني لصفرة لونه وكان شاعراً راجزاً من متوسطي شعراء الدولة العباسية وكان الرشيد يستظرفه ويهش له فأفاد من ذلك مالاً جليلا
https://telegram.me/buratha