عادل الجبوري
تسعة عشرا عملا ارهابيا خلال سويعات قلائل تسببت بسقوط عشرات الشهداء والجرحى في العاصمة العراقية بغداد، لترسم صورة سوداوية قاتمة في بعديها السياسي والامني على السواء، وترفع مؤشرات الهواجس والمخاوف، وتزيد الهوة بين الفرقاء السياسيين.من الدورة جنوب بغداد، مرورا بالبياع وحي العامل والعلاوي والمنصور والشرطة الرابعة والشعلة والشعب والاعظمية والباب المعظم والامين والكرادة والجادرية، كانت السيارات المفخخة والعبوات الناسفة تزهق الارواح وتسفك الدماء وتبث الرعب والفزع في المدارس والشوارع والاسواق والمؤسسات الحكومية.لم يكن يوم الخميس الماضي اول خميس دام تشهده العاصمة بغداد، او يشهده العراق على وجه العموم، فقبله كانت هناك عشرات الايام الدامية على امتداد الاعوام التسعة المنصرمة.ولعل استعراض الاشكاليات في السياقات والخطط الامنية ونقاط الضعف والخلل والاختراقات سيكون تكرارا لما قيل في اوقات سابقة وفي ظل ظروف واوضاع مماثلة، فبدءا من طريقة تنفيذ العمليات الارهابية وتوقيتاتها وطبيعة اهدافها، مرورا بتبريرات وحجج الاجهزة الامنية، والاجراءات المتخذة من قبلها، والمهاترات والسجالات بين الفرقاء السياسيين، انتهاءا بما يمكن فعله للحؤول دون تكرار وقوع مثل تلك العمليات، لاتختلف الصورة الكلية الاجمالية لما حصل يوم الخميس الماضي عن صورة ماحصل عشرات المرات قبل ذلك.والنقطة الجوهرية المهمة التي ينبغي التوقف عندها هو ان تصاعد العمليات الارهابية في الشارع العراقي غالبا مايقترن ويرتبط بتأزم الاوضاع السياسية في البلاد، وزيادة حدة الاحتقان بين القوى المشاركة في العملية السياسية.لم تمر ثمانية واربعين ساعة على بث اعترافات عدد من افراد حماية نائب رئيس الجمهورية والقيادي في القائمة العراقية طارق الهاشمي بتنفيذ عمليات ارهابية، وصدور مذكرة اعتقال قضائية بحقه حتى استيقظت بغداد على صباح دموي.لايمكن بأي حال من الاحوال فصل الازمات السياسية عن الكوارث الامنية، بل على العكس من ذلك، فالترابط بينهما قائم على طول الخط، ومهما قيل عن ان احداث الخميس الدامي لاعلاقة لها بالتداعيات السياسية السابقة لها بوقت قصير، فذلك غير مقنع بالمرة، فالشارع العراقي بمختلف توجهاته يتحدث اليوم عن خلافات السياسيين وانعكاساتها على الواقع الامني، ويلقي بكل اللوم عليهم، بل واكثر من ذلك ان السياسيين انفسهم يقرون بأن صراعاتهم وخصوماتهم تعد السبب الاكبر وراء الاحتقان السياسي والاضطراب الامني والضعف الخدماتي، بعبارة اخرى اكثر تحديدا ووضوحا، ان العلميات الاخيرة وسابقاتها هي في الواقع سببا ونتيجة في ذات الوقت للواقع السياسي بتفاعلاته الداخلية ومؤثراته الخارجية.يقول مسؤول امني كبير "ان الهدف من تفجيرات اليوم-اي الخميس-كان زعزعة ثقة المواطنين بقدرة القوات الامنية في حفظ الامن بعد الانسحاب الامريكي، وانها كانت متوقعة لا سيما في ظل التعقيدات السياسية الحالية في البلد".ويقول سياسي في كتلة ائتلاف دولة القانون "ان تزامن سلسلة التفجيرات التي شهدتها بغداد مع اصدار مذكرة الاعتقال بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي تؤكد ان هذه الانفجارات انعكاسا للاجراءات القضائية المتبعة تجاه الهاشمي، وان ما حصل اليوم يؤكد ان الاتهامات الموجهة للهاشمي هي حقيقية وليست مفبركة كما يشيع بعض الساسة، حيث ان البلاد ابتليت بتسلم شخصيات متورطة بالارهاب لمناصب عليا في الدولة العراقية مما ادى الى تكرار الخروقات الامنية".ولايختلف ملف الهاشمي وطبيعة الاتهامات الموجهة اليه عن ملفات شخصيات سياسية ودينية اخرى من المكون السني مثل رئيس ما يسمى بهيئة العلماء المسلمين في العراق حارث الضاري، والنائب السابق في البرلمان، المقيم حاليا في العاصمة الاردنية عمان عدنان الدليمي، ووزير الثقافة الاسبق وابن شقيقة الهاشمي، اسعد الهاشمي، والنائب البرلماني السابق محمد الدايني، وكذلك النائب السابق عبد الناصر الجنابي، واخرين.فهذه الشخصيات راهنت منذ الاطاحة بنظام صدام على استخدام ورقة الارهاب لفرض اجنداتها التي جاءت متطابقة مع اجندات اقليمية ودولية اريد اسقاطها على الواقع العراقي، ولعل الولايات المتحدة الاميركية وقوى اقليمية مثل المملكة العربية السعودية كانت من بين اكثر الاطراف دعما واسنادا لتلك الشخصيات والقوى السياسية التي تمثلها وتقودها.ورغم دخول بعض شخصيات وقوى المكون السني في العملية السياسية عبر بوابة الانتخابات الا ان المراهنة على ورقة الارهاب بقيت قائمة لدى قسم منهم، وهذا كان احد العوامل وراء التأزم والاحتقان السياسي والامني المستمر في المشهد العراقي.وما اميط اللثام عنه بخصوص نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي ربما كان غيضا من فيض، او مثلما قال نائب رئيس الوزراء السابق سلام الزوبعي، "ان ما تم الكشف عنه لاتتعدى نسبته الواحد بالمائة من الجرائم المرتكبة".ولكن يبقى الامر المهم-او الاكثر اهمية-هو انه ايا كانتن طريقة التعاطي مع ملف الهاشمي فأنها ستفرض معطيات وحقائق وتوجهات سياسية جديدة، واعادة ترتيب للاوراق، اشار اليها ضمنا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في مؤتمره الصحفي ظهر يوم الاربعاء الماضي، اي قبل اقل من عشرين ساعة على خميس بغداد الدامي.هل سيذعن الهاشمي لاجراءات القضاء واحكامه، ام سيهرب خارج العراق كما هرب اخرين قبله؟.وهل ستذعن القائمة العراقية لحقائق الواقع وتحافظ على مواقعها في الحكومة، ام انها ستراهن مرة اخرى على خلط الاوراق واعادة العملية السياسية الى المربع الاول او الى نقطة الصفر؟.اين سيقف الاكراد بأعتبارهم يمثلون بيضة القبان ونقطة التلاقي بين الفرقاء؟.وماذا ستفعل-واين هي-واشنطن التي ما ان اكملت سحب قواتها من العراق حتى راحت ايقاعات الحراك السياسي في العراق تتخذ وتيرة اسرع واعقد؟.وهل ستطرح الخيارات والبدائل الاخرى التي لمح لها المالكي على طاولة البحث والنقاش لتدخل من جديد كأوراق في لعبة الصراع والتنافس "والتفاهم" السياسي في العراق. كل هذه التساؤلات وغيرها قد تكون هي محور النقاشات والسجالات الحادة والساخنة خلال المرحلة المقبلة.
https://telegram.me/buratha