د علي الذهبي
الطائفية مرض خطير يهدد المجتمعات ،وقد كثرت الطروحات والافكار التي تحاول ان تشخص العلاج لهذا المرض ولكنها كانت تدور حول ذلك باطار عام ، ولم تدخل الى جوهر مشكلة الطائفية وفرز المفاهيم التي يمكن ان تداخل معها وهي ليست منها ، غير اننا نجد في طروحات نائب رئيس الجمهورية السابق السيد عادل عبد المهدي تشخيصا علميا وموضوعيا لداء الطائفية ، اذ شخص الداء وبين واعطى الدواء باسلوب رصين خبر المجتمعات وتعمق باساليب حياتها، وتكمن قوة طروطات عبد المهدي من خلال واقعية حلولها ، وواقعية نظرتها ، فلم تقف عند النقد بل اعطت الحلول ،اذ فرق عبد المهدي تفريقا دقيقا بين الطائفية والولاء بحج عقلية مبهرة لم يتطرق اليها باحث من قبل ،فيقول في مقال له نشر في افتتاحية صحيفة العدالة والتي حملت عنوان(الولاء ليس الطائفية)في ذلك(يخلط كثيرون بين الطائفية والولاء.. فلكل انسان ولاؤه وعقيدته التي يفتخر ويعتز بها ويمارس طقوسها وشعائرها.. هذا حق له.. يجب ان توفره وتحترمه القوانين والسلطات العامة.. ويحترمه الاخرون بعضهم ازاء بعض.. فلو تعاملنا مع الطائفية كعقيدة وولاءلإتهمنا جميع سكان الارض بالطائفية.. فلا يوجد انسان لا ايمان او عقيدة له.. فحتى من يقول بعدم ايمانه فهو يؤمن بشيء له طقوسه وشعائره ونمطياته. فالطائفية ليست الدين والمذهب والفرقة والطريقة والعقيدة.. الطائفية -كما نتداول معناها هنا- انكار حق الاخر، واخراجه من «الجماعة» او «المدينة» بالمعنى الحقوقي ان لم يكن الجسدي، وجعلهم من «الميتيك» كما في تعابير الاغريق، او «العبيد» و»الغرباء» الذين لا يتمتعون بنفس حقوق الجماعة كما في ادبياتنا وتاريخنا. وهي جعل الناس من مستلبي الحقوق.. او من مواطني الدرجة الثانية.. او من الشرائح المهمشة الذين ان لم تمنعهم القوانين من حق المساواة والمواطنة الكاملة، فتمنعهم التطبيقات من التمتع بحقوقهم التي تقول بها الدساتير والشرائع. بل هي قد تصل لانكار حق التواجد والحياة.. اما بالتهجير والطرد والاقصاء، او بالقتل والمجازر الجماعية وحروب الابادة.. والامثلة على ذلك كثيرة. وكل ما يؤسس لمثل هذه النتائج ويمهد لها فكراً او ممارسة.. ولالغاء مبدأ المساواة في الحقوق المدنية، والمواطنة، وامام القانون فانه يؤسس للطائفية باشكالها المتعددة.فالدين والمذهب ليس طائفية.. والولاء لال البيت (عليهم السلام) والتأسي بهم واحياء ذكراهم ليس طائفية.. وان يسبل المصلون او يتكتفون او يرسمون علامة الصليب على صدورهم ليس طائفية.. الطائفية الاخضاع والنفي باداة الدولة او بالقهر الذي تستخدمه الجماعة ضد غيرها.. وعدم الاعتراف بالاخر بهدف الاستيلاء والهيمنة والتفرد.فالولاء لفكرة او معتقد والدفاع عنه حق ما دام للاخر نفس الحق.. وما دام ذلك كله يدور في الحقوق المتبادلة وفي اطار الدستور والحقوق المدنية الخاصة والعامة.. ودون تمييز او اكراه حسب الدين والمذهب والقومية والمعتقد. فالمبدأ ان يقف الجميع متساوين امام القانون وميزان العدالة الذي لا يميز او يفرق بين احد.. يقول امير المؤمنين (عليه السلام )"اعرفوا الرجال بالحق ولا تعرفوا الحق بالرجال".. ويقول الامام الشافعي "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)كما نجده في محور اخر من هذا الموضوع يحذر من خطر تلبس الارهاب بالطائفية ، ويميز بين الارهاب والطائفية ، ومع وجود ذلك التمايز فانه يعد الطائفية والارهاب خطرين عظيمين ، فيقول في مقال له نشر في افتتاحية صحيفة العدالة والتي حملت عنوان (الارهاب والطائفية.. ايهما الاخطر؟ )(الطائفية والارهاب خطران عظيمان ان اصاب احدهما امة هددها في كيانها ومستقبلها، فما بالك ان اصابها الخطران.. فالارهاب هو ليس العنف مجرداً.. بل هو صراع جماعة ضد كل الجماعات الاخرى.. انه حرب تقوم بها سلطة ضد غيرها او جماعة ضد الدولة والمجتمع.. فهي القتل الجماعي.. وحرب الابادة لمصلحة معتقد ونموذج لا يقبل غيره. انه حرب على المجتمع وليس بين اطرافه.. وعلى الاهالي وليس بينهم.اما الطائفية -ورغم التداخل- فشكلها الاخطر صراع السلطة المؤدلجة ضد جمهور يخالفها المعتقد.. او صراع طائفتين او "دينين" لازاحة او اخضاع الاخر... فالطائفية والارهاب يقودان لبعضهما ولكل منهما جذور في الاخر. رغم ذلك هناك بعض التمايزات.• الارهاب سلوك وعقيدة يمكن ان يتحد ضده الجمهور بتلاوينه.. فهو يستهدفهم، لا يميز بين دين ومذهب وشعب وقومية.. اما الطائفية فخطر ممتد ودائم وتنال جماعات كاملة، فتقود بالضرورة للارهاب ولحرب اهلية او خارجية.• الارهاب مهما عظم فهو مؤقت يمكن تجفيف مصادره، والسيطرة عليه لتعيش المجتمعات حياتها طبيعياً.. فالامم في معظمها -اذا استثنينا العراق وقلة من الدول- طورت حصاناتها وتعلمت كيف تتعايش مع الارهاب، كما تعايش الانسان مع السرطان بطرق الوقاية والعلاج. اما الطائفية فخطر، ان تجذر، فسيخترق الثقافة والعقيدة والاجيال ويشكل وعياً جمعياً لا يرى الصواب والحق الا في اتجاه واحد.. ولا يرى الاخرين الا بعين الباطل.. ليس بما يقومون به، بل بما يعتقدونه.. فالطائفية نتيجتها الارهاب تربي عليه وتنتشر به.
• ارهاب الدولة بوسائلها القمعية -داخلياً وخارجياً- تجربة عاشتها شعوب كثيرة.. لكن هذا الارهاب يمكن في النهاية ان يتوقف، بانهيار هذه السلطة او الدولة، كما حصل في اماكن وتجارب عديدة. اما الصراع على السلطة طائفياً فيقود بالضرورة لحرب اهلية او خارجية.. فبرنامجه الوحيد انهاء او اخضاع الاخر. فلا سياسة ولا اجتماع ولا اقتصاد.. بل صراع وجود لا غير.توفر لدينا وعي كاف لرفض الارهاب.. لكن وعينا لرفض الطائفية ما زال هشاً وقلقاً.. فمناخات انتشار الطائفية غير قليلة ولها محفزات كثيرة.. فهو يتغذى بالارهاب وتغذيه. وخلاف الارهاب الذي لا اجماع في دينه ولا احد يدعي تاريخه.. فان للطائفية "دينا" تتلبس به جماعات واسعة.. وتاريخ ووقائع تربي كلها على الحقد والكراهية والموت).وهكذا يعطي عبد المهدي حلولا لمفاهيم خطيرة لم يستطع الكثير من الباحثين والدارسين ان يدخلوا في صلبها وينتزعوا العلاج من داخلها.
https://telegram.me/buratha