عادل الجبوري
ربما مثلت الاحتفالات الجماهيرية في عدد من المدن العراقية بمناسبة انسحاب القوات الاميركية الحدث الابرز الذي اسدل الستار على مسيرة عام 2011 في العراق.. وطيلة هذا العام كان موضوع الانسحاب حاضرا بقوة على الصعيدين السياسي والشعبي، وداخلا في كل التفاعلات السياسية في المشهد العراقي العام، وهذا يعني انه كان العلامة الفارقة لمسيرة عام 2011.وموضوع الانسحاب انطوى على ابعاد اقليمية ودولية الى جانب البعد المحلي-العراقي، وبدا في معظم الوقت انه يمثل -او يتحكم ببوصلة المواقف والتوجهات حيال مختلف الاحداث والوقائع السياسية والامنية في البلاد، وتعابير مثل عام الانسحاب ، وعام الاستقلال ، وعام السيادة شغلت حيزا غير قليل في وسائل الاعلام العراق-فضلا عن العربية والاجنبية-والخطاب السياسي العراقي.وارتباطا بذلك فأنه يمكن القول ان موضوع الانسحاب قد القى بظلاله على ايقاعات الحدث العراقي منذ الايام الاولى لعام 2011، فالحكومة العراقية الرابعة التي اعلن عن تشكيلها في الاسبوع الاخير من عام 2010 برئاسة نوري المالكي ، كان واحدا من ابرز مهمامها هو انجاز عملية استعادة السيادة الوطنية بالكامل عبر تهيئة الاجواء والارضيات المناسبة لانهاء الوجود الاجنبي في البلاد استنادا الى الاتفاقية الامنية المبرمة بين بغداد وواشنطن في اواخر عام 2008 والتي نصت على أنسحاب كامل القوات الاميركية من العراق خلال فترة اقصاها الحادي والثلاثين من شهر كانون الاول-ديسمبر 2011.وفي ذات الوقت الذي كان هناك تيارا شعبيا وسياسيا له ثقله وتأثيره وحضوره يدعم ويساند بقوة انهاء الاحتلال، كان هناك توجها اخرا يعمل على ابقائه ارتباطا بحسابات واجندات سياسية خاصة، وبتأثير قوى اقليمية ودولية من بينها-او ابرزها-الولايات المتحدة الاميركية، ولعل الجولات المكوكية التي قام بها عدد من كبار المسؤولين في الادارة الاميركية الى العراق وبعض دول المنطقة، وفي مقدمتهم نائب الرئيس جوزيف بايدن، ووزير الدفاع السابق روبرت غيتس وخلفه ليونيل بانيتا، ووزيرة الخارجية هيلاري كلنتون، تمحورت حول هدف رئيسي تمثل ببلورة توجه لتمديد بقاء القوات الاميركية في العراق تحت اي عنوان من العناوين او مسمى من المسميات. ولعل الولايات المتحدة حاولت استغلال وتوظيف بعض الظروف والادوات لفرض امر واقع على العراقيين ومن يعنيهم الامر، للبقاء فترة اطول، ومن هذه الظروف والادوات، ثورات الربيع العربي، وبعض المشاكل والازمات بين العراق وجيرانه كالكويت وايران وتركيا، وهي مشاكل وازمات ترتبط بوجود بعض القوى المعارضة على الاراضي العراقية، كما هو الحال مع حزب العمال الكردستاني التركي(PKK)، وحركة (بيجاك)، ومنظمة (خلق) الايرانيتين، وملفات المياه والحدود، ناهيك عن ازمة ميناء مبارك الكبير مع الكويت، والديون والتعويضات والحقول النفطية المشتركة، اضف الى ذلك فأن اخراج العراق من الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة مع ضمان عدم فقدانه لامواله المودعة في صندوق تنمية العراق بالولايات المتحدة الاميركية كان بمثابة ورقة ضغط تلوح بها واشنطن لبغداد متى ما قدرت ان ذلك ضروريا وملحا، واكثر من ذلك فأن معلومات تسربت من هنا وهناك عن تحرك اميركي لاستخدام ورقة تنظيم القاعدة للضغط على الحكومة العراقية لارغامها على ابداء مرونة في المفاوضات لتمديد بقاء جزء من القوات الاميركية في العراق بعد عام 2011. واليوم، ومع انسحاب القوات الاميركية -وان كانت هناك مظاهر اخرى للوجود الاميركي في العراق الى جانب وجود عسكري كبير قريبا منه في دول الخليج وتركيا-لايجادل احد في حقيقة ان واشنطن طوت صفحة وجودها العسكري مرغمة لامختارة، وهذا بحد ذاته يعني ان خيارات التدخل بأوجه وصور مختلفة -غير عسكرية-تبقى قائمة، لاسيما وان الاوضاع السياسية والامنية العراقية تمتاز بكثير من القلق والارتباك والانفتاح على مختلف الخيارات والاحتمالات، وما ازمة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الا اشارة بسيطة واولية على خطورة وحساسية الملفات التي ستواجه الساسة العراقيون بعد مرحلة الانسحاب الاميركي.من يدري ربما تدخل واشنطن على الخط من خلف الستار لتفتح ملفات وتفتعل ازمات وتحرض هذا الطرف على ذاك، لتمهد ارضيات مناسبة للتدخل والحضور والتأثير والتوجيه، وهذا ماينبغي الالتفات والتنبه اليه، وفعلا فأن بعض الزعامات السياسية والدينية قد اشارت في الاونة الاخيرة ضمنا او صراحة الى هذا الامر. والتنبيه الى حقيقة ان مرحلة مابعد الانسحاب الاميركي-العسكري من العراقي فيها استحقاقات كبيرة، وتنطوي على مخاطر وتحديات جدية، لاينفي ولايلغي ولايقلل من اهمية ماحققه العراقيون بأرغامهم قوات الاحتلال على ترك بلادهم، وما كان ذلك ليتحقق لولا وجود ارادة قوية وصلبة وحقيقية لتغييرالواقع الذي اوجدته الولايات المتحدة الاميركية في العراق.
https://telegram.me/buratha