وضاح التميمي
إذا أردت أن تعرف السبب الرئيسي في تخلف شعبٍ ما ، هنالك أسباب كثيرة من جملتها هو : الإستخفاف واللامبالاة بما تقدمه الطبقة الثائرة والمضحية من أجل ذالك الشعب , وعدم إحترام دماء الشهداء واستثمارها للصالح العام لغرض بناء البنية الثقافية والإجتماعية للمجتمع, ومن بين هذه الشعوب شعبنا العراقي الذي وقع تحت سطوة الإنتهازيين والنفعيين ، مما حال بين الناس وبين أن يتعرفوا على رموزهم وابطالهم ، الذين ضحوا من أجل الكلمة والشرف والقيم . كان من المفترض على النظام العراقي الجديد ، أن يؤسس لفكرة دراسة حياة وسيّر هذه الشخصيات العظيمة , عبر إنشاء مؤسسات ثقافية تعنى بهذا الأمر وتُرفد من قبل الدولة . فالدول الاوربية التي قطعت شوطا من التقدم والإزدهار هو بسبب إحترامهم لهذه القيم ، وعندهم دراسات خاصة في كل مؤسسة من مؤسساتهم حول المضحين والثائرين في تلك البلدان , لكي يتسنى للاجيال القادمة معرفة ماضيهم من خلال تعريفهم بالشخصيات الوطنية ، ومؤهلاتها التي أوصلتهم إلى درجة الجود بالنفس . وبهذه الطريقة تبقى ثقافة التضحية من أجل الوطن ثقافة تتورثها الأجيال لكي يبقى المفهوم ان الوطن فوق كل إعتبارات ، بحيث إذا دارالامر بين أن يضحي الإنسان في نفسه ومايملك ، أو الوطن يقدّم الوطن على كل شيء. فبهذه المقدمة البسيطة أردت أن أتطرق الى شخصية عظيمة ، نبعة من ملح البصرة ، وشامخة كشموخ نخيلها ، شخصية لها إمتيازات خاصة ، من حيث الدراسة (أولا) دكتوراء بالقانون (ثانيا) ماجستير بالقضاء ( ثالثا) وكالة بالقضاء من قبل المرجعية في حينها ، والسبب لحصوله على وكالة من المرجعية بالقضاء ، مع علم المرجعية أنّ النظام العفلقي نظام شوفيني مقيت ، ولكن لما تمتعت به هذه الشخصية من عدالة ونصرة للمظلومين ، حازت على ثقة المرجعية ، أما مقامه الإجتماعي فهو علم من أعلام بني تميم , وشيخ لقبيلة من قبائل تميم المهمة . أما مناصبه فقد عُين قاضٍ في دولة الكويت أُبان الغزو الصدامي للكويت ، وكان مؤمن بعدالة القضية الكويتية ورفض كل أصناف الإحتلال الصدامي للكويت ، فكان يقضي بعدالته غير آبه بقوانين صدام الجائرة على الكويتيين، مما أثارت مواقفه حفيظة المقبور( علي حسن المجيد ) وكان ذالك الخلاف بينه وبين علي حسن الذي لم يستطيع أن يملي إرادته على شهيدنا البطل. وهذا موقف جعل إحدى الجرائد الكويتية أن تذكر شهيد العراق بكل خير وإمتنان له ولبطولته وما قدمه لهم من نصرة حقة . ثم عُين رئيسا لمحاكم البصرة ، واستغل هذا المنصب لصالح المظلومين واستطاع ان ينقذ الكثير من حكم الإعدام أو السجن المؤبد ، ومساعدت الفقراء بما يستطيع من مساعدة . أما عن نشاطاته الوطنية ، فقد اشترك في الإنتفاضة الشعبانية وقاتل بها بكل شجاعة وبسالة ، منتصرا لحقوق الشعب العراقي ، وبعد فشل الإنتفاضة ذهب إلى إيران كي يكمل مسيرته النضالية ، وانخرط في صفوف المعارضة كقائد له ثقله في الميدان العسكري والسياسي ، ولكن بعدما رأى بعينه المزايدات الرخيصة وممارسة الذل على العراقيين ، عاد الى العراق مفضلا الموت بشرف على أن يبقى ذليلا تغلفه أجندة الوصوليين ، لكنه بقي على علاقة طيبة مع قادة فصائل المعارضة العراقية في الخارج والداخل ، وعمل رئيسا لمحاكم البصرة بعد عودته كما اسلفت ، ثم جاءت ساعة الصفر وكان الموقف والمروءة والشرف ، إذ كانت هنالك خلافات قوية جدا بينه وبين محافظ البصرة ، مما إستدعى تدخل المجرم ( سبعاوي و صدام كامل) وكان التحدي بين سبعاوي وشهيدنا البطل ، وكانت لشهيدنا فرصة جيدة أن يتخلّص من سبعاوي ويترك العراق لينجو بنفسه ، ولكن شجاعته ومروءته جعلته يقبل التحدي ومهما كلف الأمر ، هذا موقف في ظرف كانت به الناس تعيش في غياهب من التضليل والخداع الذي لم ينطلي على شهيدنا الرمز ، فكان هو اللبيبٌ من أهل الحجى يميّز بين الحق والباطل ، لا تأخذه في الحق لومة لائم . وإذا بسبعاوي وجبناء البعث يختالونه في غدرهم المعهود تحت جنح الظلام ، هو وبن عمٍ له الشهيد عدنان، أظن أنّ القارئ الكريم وبعد هذه الإطلالة البسيط تعرف قليلا على شخصية الشيخ البطل ( كنعان الكنعان التميمي) فهو شيخ وهو إستاذ على مختلف الأصعدة . أليس من العدل أن يكرم هذا الشهيد ولو بشيء بسيط ليكن معلما حضاريا في قلب البصرة ، فمثلا أن تكون هنالك ساحة خاصة بإسمة ينصب له بها تمثال شامخ كشموخ كنعان ، رحمه الله وأن يُكتب تحت التمثال مختطفات ، من تأريخه النضالي المشرّف ، فهل ياترى توجد هنالك شخصية سياسية في عراقنا الحاضر لها قدرات وامكانات شهيدنا السعيد ، وهل لديهم الشجاعة الكافية أن يضحوا ببعض إمتيازاتهم كما ضحى شهيدنا ، المغفور له . كتبت عن الشهيد كنعان ظنا مني أن الشهيد له حق علينا بتخليده وذكر مواقفه الوطنية ، واعتقادا مني انه قائد يستحق أن تُدرس شخصيته دراسة مستفيضة ، شأنه شأن أي قائد يستحق الخلود ، ونحن نعيش في ضرف نحتاج به الى رجال ككنعان العُلى ، الذي كان بوسعه أن يتبوء مناصب كثيرة ايّام النظام المقبور، ولكن أبة نفسه الكبيرة أن يكون ذالك الرجل الذليل الذي يقبل إملاءات النظام الصدامي ، واختار آخرته على دنيا الذل والهوان ، فهكذا الرجال وإلاّ فلا نامت أعين الجبناء...
https://telegram.me/buratha