نستكمل بحثنا ونستمر في استلهام المعاني الخالدة لثورة الحسين والتي تبقى تلك المعنى السامي لكل قيم البطولة والكبرياء والشموخ والتي كانت بحق منار ودليل لكل ثائر في الاستدلال بهدي واقعة الطف وماسطر بها من ملاحم خالدة تبقى خالدة في كل إنسان شريف يؤمن بقيم الحق والعدالة وانتصار المظلوم على الظالم والدم على السيف. وهذا أصدق ماقاله المستشرق الفرنسي موريس دوكابري بقوله :"يقال في مجالس العزاء أن الحسين ضحى بنفسه لصيانة شرف وأعراض الناس، ولحفظ حرمة الإسلام، ولم يرضخ لتسلط ونزوات يزيد، إذن تعالوا نتخذه لنا قدوة، لنتخلص من نير الاستعمار، وأن نفضل الموت الكريم على الحياة الذليلة".وتخيل أنك في الصف الأول من المعركة، وصوت الحسين العظيم ينادي : ألا هل من ناصر ينصرنا؟.. وإنك كفرد مطلوب منك أن تجيب أو تستجيب لهذ النداء قبل ان تدبك سنابك الخيول على صدر الحسين العظيم، وعندما تصحو من هذه المخيلة، ومعركة الحسين قد انتهت مكانيا وزمانياً.. ستكتشف أن الامتحان لم ينته، وأن نداء الحسين مازال حتى اللحظة يصرخ بالأجيال ويستحثها، ويشعل جذوتها ؛ لكي يبقى طريق الحق مفترقا عن طريق الباطل، ولكي لا يبقى طريق الحق موحشا لقلة سالكيه.. عندئذ ستكون نفسك هي من تطلب منك بصوتها الخفي، أن تتخذ القرار.فهذا القرار هو القرار الذي قاله الحر الرياحي عندما وقف وقال أني أخير بين الجنة والنار والتي ذهب إلى أبي عبد الله الحسين ليكفر عن ما قام به تجاه الحسين ويطلب التوبة وبالتالي ينال الخلود والرفعة ويسجل أسمه بمداد من نور في سجل وركب شهداء الركب الحسيني(ع)الخالدون .ولنأتي الى نقطة مهمة أحببت ان اشير اليها وهي غاية في التضحية والإيثار هو سفير الحسين (قيس بن مسهر الصيداوي) فلنتعرف على هذه الشخصية وهي كما تقول الروايات :"هو قيس بن مسهر بن خالد بن جندب بن منقذ بن عمرو بن قعين بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي الصيداوي . وصيدا بطن من أسد . كان قيس رجلا شريفا في بني الصيدا شجاعا مخلصا في محبة أهل البيت ( عليهم السلام ) .قال أبو مخنف : اجتمعت الشيعة بعد موت معاوية في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فكتبوا للحسين بن علي ( عليه السلام ) كتبا يدعونه فيها للبيعة وسرحوها إليه مع عبد الله بن سبع وعبد الله بن وال ، ثم لبثوا يومين فكتبوا إليه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي ، ثم لبثوا يومين فكتبوا إليه مع سعيد بن عبد الله وهاني بن هاني ، وصورة الكتب : " للحسين بن علي ( عليه السلام ) من شيعة المؤمنين : أما بعد ، فحيهلا ، فإن الناس ينتظرونك ، لا رأي لهم في غيرك ، فالعجل العجل ، والسلام " . فدعا الحسين( عليه السلام ) مسلم بن عقيل وأرسله إلى الكوفة ، وأرسل معه قيس بن مسهر ، وعبد الرحمن الأرحبي ، فلما وصلوا إلى المضيق من بطن خبت كما قدمنا جار دليلاهم فضلوا وعطشوا ، ثم سقطوا على الطريق فبعث مسلم قيسا بكتاب إلى الحسين ( عليه السلام ) يخبره بما كان ، فلما وصل قيس إلى الحسين بالكتاب أعاد الجواب لمسلم مع قيس وسار معه إلى الكوفة .قال : ولما رأى مسلم اجتماع الناس على البيعة في الكوفة للحسين كتب إلى الحسين ( عليه السلام ) بذلك وسرح الكتاب مع قيس وأصحابه عابس الشاكري ، وشوذبا مولاهم فأتوه إلى مكة ولازموه ، ثم جاؤوا معه (1) .قال أبو مخنف : ثم إن الحسين لما وصل إلى الحاجر من بطن الرمة كتب كتابا إلى مسلم وإلى الشيعة بالكوفة وبعثه مع قيس ، فقبض عليه الحصين بن تميم ، وكان ذلك بعد قتل مسلم ، وكان عبيد الله نظم الخيل ما بين خفان إلى القادسية وإلى القطقطانة وإلى لعلع وجعل عليها الحصين ، وكانت صورة الكتاب : " من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين : سلام عليكم . فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ، فإن كتاب مسلم جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم ، واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا ، فسألت الله أن يحسن لنا الصنع ، وأن يثيبكم على ذلك أحسن الأجر ، وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية ، فإذا قدم رسولي عليكم فانكمشوا في أمركم وجدوا ، فإني قادم عليكم في أيامي هذه إن شاء الله ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته " .قال : فلما قبض الحصين على قيس بعث به إلى عبيد الله ، فسأله عبيد الله عن الكتاب ، فقال : خرقته ، قال : ولم ؟ قال : لئلا تعلم ما فيه . قال : إلى من ؟ قال : إلى قوم لا أعرف أسماءهم . قال إن لم تخبرني فاصعد المنبر وسب الكذاب ابن الكذاب . يعني به الحسين ( عليه السلام ) . فصعد المنبر فقال : أيها الناس ، إن الحسين بن علي خير خلق الله ، وابن فاطمة بنت رسول الله ، وأنا رسوله إليكم ، وقد فارقته بالحاجر ، فأجيبوه ، ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه ، وصلى على أمير المؤمنين ، فأمر به ابن زياد فأصعد القصر ورمي به من أعلاه ، فتقطع ومات رضي الله عنه . فترقرقت عينا الحسين ( عليه السلام ) ، وقال : " * ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ) * اللهم اجعل لنا ولهم الجنة منزلا ، واجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمتك ، ورغائب مذخور ثوابك " (2)إلا يحق لمثل هذه البطولة أن تخلد وتعمل الكثير من التمثيليات وهي بطولة تستحق الأشادة بها وحتى عمل لها النصب وتسمية الشوارع او الساحات وحتى المدارس بأسمه؟ولنستمر في سرد النقاط لنستلهم الدروس والقيم العظيمة للثورة الحسينية ولندخل في ليلة العاشر من محرم والتي هي من أعظم الليالي والتي باعتقادي المتواضع جعلها من الليالي العظيمة والتي لها منزلة خاصة عند الله سبحانه وتعالى.8 - أما في ليلة العاشر من محرم فهذه الليلة التي سجلت أروع ملاحم البطولة والفخر والتي كتبت بأحرف ساطعة معنى الإنسانية التي سطرها أبي الشهداء ومعسكره والتي سوف نذكر ما نقدر والتي لو أحطنا بها فأنها تحتاج إلى وقفة لنا معها ليست بالقصيرة ومنها وليس على سبيل الحصر : أ ) بقاؤهم طوال الليل مابين قاريء للقرآن ومصلي وراكع وساجد وهذا يدلل على صلابة الأيمان لدى معسكر أبي عبد الله الحسين (ع) ومضيهم إلى طريق الشهادة والخلود بقلب ثابت ومؤمنين بالقضية التي يستشهدون من أجلها وإعلاء كلمة الإسلام وبذل مهجهم دون مولاهم أبي الأحرار وكما قيل في زيارتهم بحق (( طبتم وطابت الأرض التي دفنتم فيها)).ب ) موقفهم الثابت عندما طلب روحي له الفداء منهم الذهاب وقال لهم بالحرف الواحد (( أن هذا الليل قد جن فاتخذوه جملاً وأن القوم يطلبونني )) ولكن أبوا أن يتركوا سيدهم تجتثه سيوف ورماح الكفر والطغيان بل الموت وبذل نفوسهم الطيبة دون الحسين (ع) وهذا ما لمسته سيدتنا العقيلة والبطلة زينب (ع) عندما ذكر لهم ذلك روحي له الفداء.ج ) وإلحاقا بهذه النقطة السابقة أحسوا الأنصار بهواجس العقيلة فذهبوا إليها ورباطة الجأش بادية عليهم وكلموها ومن وراء الستار بأنهم ليوث هصورة ودفاع مستميت عن سيدهم وعن حرم رسول، فأي شموخ هذا وأي ملاحم يسطرها هؤلاء النخبة الصالحة والتي تذود عن حرم رسول الله (ص) وهذا التلاحم الإنساني فيما بينهم وفي ولاءهم حبهم إلى سيدي ومولاي روحي له الفداء وفي تطبيق مبادئ مولاهم وتصحيح مسيرة الإسلام فهل يوجد في تاريخ الغرب أو التاريخ العربي مثل هذا السفر الخالد في تسطير الملاحم البطولية الواحدة تلو الأخرى.9 - ونأتي إلى يوم العاشر من محرم اليوم الذي فيه سجلت أعظم رزية في التاريخ باستشهاد أبي الشهداء وسفك دمه الشريف بدم بارد غير مراعين لحرمته وحرمة أبن بنت رسول الله حيث تسجل الملاحم هنا بالتتابع منها :أ ) نصح روحي له الفداء معسكر الكفر والطاغوت ورفع المصحف عسى أن يرجعوا عن كفرهم ويهتدوا إلى طريق الهداية والصلاح ولكن لا حياة لمن تنادي وهذا ما يمثل قمة المواقف الإنسانية التي أبداها أبا الأحرار بصفته أمام عصره حتى أمام أعداءه مع العلم كانوا يضربونه بالسهام والعزف على الطبول لكي لا يسمعه معسكر الأعداء ولنسمع خطبته في معسكر الأعداء :ويلكم ما عليكم أن تنصتوا إلى فتسمعوا قولي، وإنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد، فمن أطاعني كان من المرشدين، ومن عصاني كان من المهلكين، وكلكم عاص لأمري غير مستمع لقولي، قد إنخزلت عطياتكم من الحرام وملئت بطونكم من الحرام، فطبع الله على قلوبكم، ويلكم ألا تنصتون؟ ألاتسمعون؟فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم، وقالوا: أنصتوا له.فقال الحسين (عليه السلام): تبا لكم أيتها الجماعة! وترحا، أفحين استصرختمونا ولهين متحيرين فأصرخناكم مؤدين مستعدين، سللتم علينا سيفا في رقابنا، وحششتم علينا نار الفتن التي جناها عدوكم وعدونا فأصبحتم ألباً على أوليائكم، ويدا عليهم لأعدائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، إلا الحرام من الدنيا أنالوكم، وخسيس عيش طمعتم فيه، من غير حدث كان منا، ولا رأي تفيل لنا.فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا وتركتمونا، تجهزتموها والسيف لم يشهر، والجأش طامن، والرأي لم يستحصف، ولكن أسرعتم علينا كطيرة الدبا، وتداعيتم إليها كتداعي الفراش، فقبحا لكم، فإنما أنتم من طواغيت الأمة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام،ومحرفي الكتاب، ومطفئي السنن، وقتلة أولاد الأنبياء، ومبيري عترة الأوصياء، وملحقي العهار بالنسب، ومؤذي المؤمنين، وصراخ أئمة المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين.وأنتم ابن حرب وأشياعه تعتمدون، وإيانا تخذلون، أجل والله! الخذل فيكم معروف، وشجت عليه عروقكم، وتوارثته أصولكم وفروعكم، ونبتت عليه قلوبكم وغشيت به صدوركم، فكنتم أخبث شيء سنخا للناصب وأكلة للغاصب، ألا لعنة الله على الناكثين الذين ينقضون الإيمان بعد توكيدها، وقد جعلتم الله عليكم كفيلا فأنتم والله! هم.(3)وما فعلوه نفس الشيء مع الأنصاري برير وزهير بن القين وحبيب ابن مظاهر (رضوان الله عليهم). فالغرب يتباهون ويفتخرون ويبثونها إعلاميا عن بعثاتهم التبشيرية ورهبانهم وكيف يعانون من ظروف قاهرة في التبشير بدينهم وما إلى ذلك من الأمور ولكن هل طبقوا ومارسوامثل مما مارس روحي له الفداء ومعسكره من ظروف قتل وعطش وإرهاب؟ قطعاً لا .ب ) وجاءت لحظة الفصل والخيار بين الجنة والنار فنرى أن الحر بن يزيد الرياحي قد أختار الجنة ويذهب إلى معسكر الحسين (ع) ويتوب على يديه وهذا الفارس البطل الذي وجد في الأمام ضالته وأن شاهد بأم عينه عندما جعجع به إلى أرض كربلاء كيف هذا الأمام الورع المتعبد وكيف كان خلقه القرآن وكيف كان أهل بيته وصحابته من أهل بيت نبوة وصحابة أبرار وبالمقابل شاهد معسكر الطاغوت والكفر وحب الدنيا والملذات فآبى ألا أن يكون مع معسكر أبي الأحرار معسكر الذين يخافون الله وحب دينهم ومولاهم والآخرة وزهدوا في دنياهم ويقبل توبته روحي له الفداء فهل يوجد مثل هذا التسامح الإنساني الذي يسطره أبا الأحرار وهو الذي جعجع بالحسين وضيق عليه، فالغرب يباهي بالدين المسيحي بالمسامحة وقول المسيح(ع) على الأرض السلام ولكن هل حدث مثل هذا السفر الخالد في تاريخهم القديم والحديث؟ وأترك الجواب لكم.ج ) ويبدأ القتال وتسطير الملاحم الإنسانية الواحدة تلو الأخرى من قبل صحابته فها هم يذودون عنه وبذل مهجهم وهاهو البطل مسلم بن عوسجه(رض) يوصي رفيقه حبيب بن مظاهر(رض) بسيده ومولاه وحينما صُرع مسلم بن عوسجة الأسدي ، مشى إليه الإمام الحسين ( عليه السلام ) وحبيب بن مظاهر الأسدي ، فَدَنا منه حبيب فقال : عزَّ عليَّ مصرعك يا مسلم ، أبشِرْ بالجنَّة . فقال له مسلم قولاً ضعيفاً : بشَّرَكَ الله بخير . فقال له حبيب : لولا أنِّي أعلم أنِّي في أثرك ، لاحِقٌ بك من ساعتي هذه ، لأحببتُ أن توصيَني بكلِّ همِّك حتَّى أحفظك في كلِّ ذلك . فقال له مسلم : بل أنا أوصِيكَ بِهَذا رحمَكَ الله - وأهوى بيده إلى الإمام الحسين ( عليه السلام ) - أن تموتَ دونه . فقال له حبيب : أفعلُ ورَبُّ الكعبة .(4)ويأتي وقت الصلاة والتي يأبى أبي الشهداء(ع) إلا أن يقيمها في وقتها والمعركة في أشد أوارها وهل هناك ثباتاً أكثر من هذا؟ وهل هذا كان موجود في معسكر الطغاة يزيد وعبيد الله وعمر بن سعد؟ والذين على أدعاء أئمة الجماعة بأنهم مسلمين ويقاتلون الخارجين على الدين وهذا الأنصاري الذي يذود عن الحسين(ع) وقت الصلاة ويتلقى السهام ويستشهد بين يديه فأي فداء وأي ثبات على الأيمان وأي خلود يصنع هذا الشخص والذي يبشره سيده ومولاه بالجنة التي وعد بها الله عباده المتقين.د ) وهذا مولى سيدي الحسين(ع) جون العبد والذي يستشهد ويضمه الحسين إلى صدره ويصبح ريحه ونفسه أطيب من ريح الجنة وأي تواضع وأي تلاحم وإنساني بين السيد ومولاه وهاهو الدرس الذي يعطيه أبا الأحرار في المفاهيم والتربوية والقيادة الإنسانية بين القائد وبين رعيته والذي تتلمذ عليها في مدرسة جده وأبيه وهو أمام عصره، فهل هذا كان يحدث بين كبار قادة الغرب مثل نابليون أو غيرهم بالمعاملة مع جنوده بهذه الكيفية، وهل يوجد مثل هذا التعامل الإنساني الذي نجده في حضرة سيدنا ومولانا الحسين(ع) نفسه في الغرب؟10 - ونأتي إلى الفاجعة الأليمة التي يتفطر فيها قلب العدو والكافر بغض النظر عن الدين والمذهب إلا وهي حادثة طلب الماء إلى عبد الله الرضيع وقتله على صدر أبيه أليس هذا منتهى الوحشية والإيغال في كره آل بيت رسول الله (ص) لأن حتى الرضيع لم ينج من فعلتهم الشنيعة والذين يقول اللعين عمر بن سعد(لا تبقون لهذا البيت باقية) ويريدون من هذا العمل الوحشي أن يستأصلوا العترة الطاهرة بأعمالهم المجرمة واليس هم أنفسهم أجداد النواصب والقاعدة الذين يمارسون نفس الشيء في قتل الأطفال والنساء والأبرياء بحجة الجهاد ورفع راية الإسلام وأي صلابة وأي شموخ لا تجده إلا في هذا الأمام روحي له الفداء وهو ينثر الدم فلم يسقط منه قطرة واحدة دلالة على أن السماء قد تقبلت دم هذا الرضيع وقامت بأسقاءه من حوض الكوثر ويستمر أبا الأحرار في ثباته ولا يقر ولا يعطيهم لأي من هؤلاء مايبغونه فهو الثائر الذي أراد من ثورته أصلاح مسيرة أمة جده التي اعتراها من تلوث وعودة إلى زمن الجاهلية الأولى ولكن بقى الدين ساطعاً وزاهياً بفضل هذه الملحمة الإنسانية التي سطرها أبي الشهداء الحسين (ع).11 - ونأتي إلى ملاحم يصنعها بطل مغوار الذي أعتبره ليس له مثيل في التاريخ ألا وهو أمامنا أبا الفضل العباس (ع) الذي سطر ملاحم وأقولها بحق لو وجدت في العالم الغربي لكان اسمه مذكور ومحفور في كل كتبهم وشواهدهم ونصبهم، فهذا أمامنا العباس (ع ) حامل لواء الحسين (ع) والذاب عن أخيه في كل محنه وفي هذه الواقعة فهاهم يأتون إليه من معسكر الأعداء بقيادة شمر اللعين ويطالبوه بالتخلي عن الحسين روحي له الفداء بحجة أنهم أخواله ولكن يأبى ذلك الصنديد الفحل أبن الفحول أن ينولهم ما يريدونه وهو الذي اصطفاه أمير المؤمنين (ع) لكي يكون ناصر وحامل لواء أخيه يوم الطف عندما يكون وحيداً روحي له الفداء في كربلاء فأي تلاحم أخوي وإنساني بين الأخوة وأي تربية تربى بها ذلك البطل قمر العشيرة فهي مؤكدة من قبل أبيه وأخيه وأمه أم البنين.ونأتي إلى الواقعة التي لا أكاد كلما أذكرها اذرف الدموع والانحناء أجلالاً وأدباً وهيبةً أمام هكذا ملحمة يصنعها هذا البطل ألا وهي عندما طلب العيال والنساء الماء فأبى على نفسه وهو حاميهم وكفيلهم ألا أن يجلب لهم الماء وأنطلق إلى النهر وبالرغم من شدة اشتعال المعركة وهمجية معسكر الأعداء وقاتلهم وكشف عن جانب المشرعة وهو وحده وكثرة معسكر الكفر ألا أن بطولته التي لا يضاهيها أحد وصل إلى نهر العلقمي وأراد أن يشرب الماء ومد يده الشريفة ليأخذ غرفة ولكن روحي له الفداء أبى أن يضع هذه الغرفة في فمه وقال كيف أشرب الماء وأخي الحسين عطشان ، ألا كان يستطيع شرب الماء وجلب الماء إلى معسكر الحسين؟ ولكن أبت نفسه الشريفة ذلك فهل توجد صورة إنسانية أكثر من هذه أم هل توجد مثل هذا الموقف العظيم في كل تاريخ العالم الغربي أو العالم الإسلامي؟ لا أظن بالتأكيد لقراءتي كل ذلك وهل لو كان موجوداً عندهم ألا يقيمون الدنيا ولا يقعدونها حول مثل هذه البطولة والإنسانية النادرة ويدونوها في كل أعلامهم وكتبهم شاخصة للعيون وفي كل وقت وحين.وجاءت المأساة باستشهاد السقاء (ع) وكيف تم قتله بصورة وحشية وهمجية يندى لها الجبين ورجع بالماء إلى المعسكر وهناك تكاثر عليه المجرمون وألا عداء وقطعوا يمينه غيلة وغدر ومن وراء وارتجز الرجز المحبوب لكل شيعي من مذهب أهل البيت وهو:والله إن قطعتم يميني إنّي أحامي أبداً عن دينيوعن إمام صادق اليقينويعتبر هو الشخص الثاني والسند ألأساسي في إصلاح أمة نبينا الأكرم والذي حمل لواء أخيه الحسين(ع) ولم يتوان عن نصرة أخيه فهو السقاء و كفيل زينب ، قمر العشيرة وباب ألحوائج الذي لم يخيب أحداً حين يدعوه ويقول (يا كاشف الكرب عن وجه أخيه الحسين أكشف كربي بحق وجه أخيك الحسين ) وهذا ضريحه الذي يعانق الثريا والذي يبين مكانته العالية والسامية وحين دفنه علي السجاد(ع) سلم وترحم عليه وقال له نعم العم الصابر المجاهد في نصرة أخيه وهو الفحل ابن الفحول والذي شارك في كل معارك أبيه أمير المؤمنين وأمه فاطمة بنت حزام (أم البنين)التي أختارها أبا الحسن لنسبها الشريف ولكي تنجب له ولداً يحمل لواء الحسين ويدافع عنه عندما يكون وحيد في كربلاء واستشهد.وجاء إليه أخيه الحسين(ع) بعد عرف أن حزام ظهره قد أنقطع باستشهاده وأراد أن ينقله إلى معسكره ولكنه سيدي العباس(ع) طلب عدم نقله لأنه يستحي أن يرجع إلى العيال ولم يأتي أليهم بالماء فما هذه الصورة الشامخة التي رسمها لنا مولانا أبا الفضل(ع) أم ما هي الكتابات التي يجب أن تكتب وبحروف من ذهب حول هذا الموقف الفريد من نوعه في كل أسفار التاريخ وكل مواقفه ألا حري بنا أن نمجد هذه المواقف ونسجلها ونقول هذا تاريخنا وهذا أسفارنا فهل لديكم مثل هذه البطولات والملاحم الإنسانية.12 - وجاءت المصيبة الكبرى والجريمة بحق الإنسانية التي لا تغتفر وهي دنو لحظة استشهاد أبي الشهداء (ع) وكيف قبل خروجه وهو رابط الجأش ويعرف أن لحظة منيته قد قربت وهاهو يوصي أخته العقيلة زينب(ع) بالعيال والمحافظة عليهم وعلى أبنه العليل السجاد(ع) لأنه يعرف وهو أمام عصره عن الدور العظيم المنوط بهذا الأمام أبنه ويقول لها ((تأسي بالله أخيه)) فهل يوجد مثل هكذا أيمان واستعصام بالله عز وجل عند أحد آخر؟ بالتأكيد لا، ألا عند آل بيت رسول الله(ص) وهذا شيء مؤكد. ويظهر الموقف الإنساني الذي لا يستطيع أحد إن يحصيها ألا وهو عند تقبيل العقيلة لأخيها الحسين (ع)إلى نحره وجيده وتقول هذه وصيتك يا أمي قد نفذت ووديعة ردت إلى الله فما أعظم هذا الموقف الذي يبين وبلا أدنى شك أنهم معدن الرسالة ومهبط الوحي ومختلف الرسل والملائكة وأنهم كانوا يعرفون بهذه الفاجعة الأليمة قبل فترة طويلة ولكن امتثلوا لأمر الله سبحانه وتعالى لغاية ألهيه أرادها الله في تصحيح مسيرة الإسلام بهذا القربان وبهذه الوديعة التي صعدت روحها إلى الله والتي بكت عليها الملائكة وجميع سكان السماوات،فما أعظم هذه الروح السامية وأجلها وقربها إلى عز وجل وكيف هذه الروح تكون مخضبة بالدماء التي هي سيد شباب أهل الجنة وكيف يقابلون الذين قتلوه ربهم ورسوله ووليه وسيدة نساء العالمين(سلام الله عليهم).13 - ومضى إلى منيته وهو ثابت النفس وهو رابط الجأش مردداً ((لا حول ولا قوة ألا بالله)) وخرج وقد تعمم بعمامة جده رسول الله (ص) لكي يذكر معسكر الكفر بنسبه ومن هو جده ولكن لاحياة لمن تنادي وبالرغم من كثرة معسكر الكفر والطاغوت إلا أنه قاتل ببطولة نادرة وتنهزم أمامه الجموع وعمرة سبعة وخمسين من عمره الشريف ومانعين عنه الماء ثلاثة أيام وقد استشهد كل عياله وأخوته وأهل بيته أصحابه أمامه ولكن لم ينكسر ولم تصغر روحه الأبية روحي له الفداء وقاتل قتال الأبطال الأشاوس حتى كتب التاريخ ذكرت ذلك وقالت لم نرى قتالاً مثل قتال هذا الشيخ وقد لاقى ما لاقى من صنوف القهر والتعذيب والعطش أليس هو أبن الصنديد قاتل الكفار ومفرقهم وممزقهم وأمام الأنس والجن وداحي باب خيبر وقاتل عمرو ومرحب فهذا الشبل من ذاك الأسد الضرغام سيدي ومولاي أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب(ع).وخرج وهو يدعوا بدعاء جده محمد(ص) الذي دعا بعد خذلان الطائف لدعوة النبي فما أشبه الاثنان روحي لهما وصدق حديث نبينا الأكرم عندما قال ((الحسين مني وأنا من الحسين , أحب الله من أحب حسيناه)) :وقال: أللهم أنت ثقتيفي كل كرب، وأنت رجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقةوعدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديقويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة مني إليك عمن سواك،ففرجته عني وكشفته، فأنت ولى كل نعمة، وصاحب كل حسنة ومنتهى كلرغبة. (5)14 - وينتهي المطاف بهذه المأساة الإنسانية باستشهاد أبي الأحرار وسيد الشهداء(ع) والذي يخر واقعاً من جواده ولا مكان من جسده الشريف ألا وفيه طعنة أو سيف أو سهم ويتناوشه الأوغاد بالسيوف وهذه المأساة تجري أمام كل قادة الكفر والطاغوت يزيد وعبيد الله أبن زياد وعمرو بن سعد(لعنهم الله) وفي هذه اللحظة يخرج طفلاً صغير هو من ذرية الحسن المجتبى (ع) وهو عبد الله ابن الحسن(ع)ويذهب إلى عمه ويجلس في حجره ويحاول أحد معسكر الكفر بضرب الحسين(ع) فينهره ويزجره ويقول كيف تضرب عمي وفي داخل الفتى أن هذا أمام عصره وأبن بنت رسول(ص) وسيد شباب أهل الجنة فيلتفت اللعين إلى الفتي ويقتله، ونقول أهم هؤلاء أبطال الإسلام والفاتحين للبلاد وناشرين الدين الإسلامي والذي لا يتورع عن قتل طفل صغير؟ أكيد هم وليعذرني القارئ الكريم أني انسبهم إلى الإرهابيين والقاعدة في هذا الزمان والذي تغيرت وجوههم فقط ولكن الأسلوب نفسه مع تغير أساليب القتل والدمار. ولنرجع إلى هذا الطفل وما هي الشجاعة التي يمتلكها بحيث يرد على ذلك الجندي وينهره ويوبخه أكيد أنها شجاعة أهل البيت الذي زقوا العلم زقا،ألا يفترض بهذا الطفل أن يمجد أسمه ويرفع في عليين وأنا متأكد لو كان في الغرب لأطلقوا أسمه حتى على مدارسهم وفي ساحتهم وحتى على الصناديد الذين استشهدوا في هذه الواقعة أليس بنا حرياًً أن نكرمهم ونمجد أسمائهم.وجاءت اللحظة التي يذرف فيها دماً وليس دمعاً كل مسلم شريف وهي لحظة حز رأسه الشريف وحاول كثير من أزلامهم بالحز ولكنه كان منشغل عنهم بالدعاء إلى ربه ويناجيه ويقول ((الهي إن كان هذا يرضيك لك العتبي فخذ حتى ترضى))ولكن رهبتهم من هذه الطلعة البهية والوجه المشرق والنور الساطع الذي هو من نور جده وأبيه وأمه وأخيه والذين خلقوا وكانت أسماؤهم على العرش قبل آدم ولكن المجرم موجود في كل زمان ومكان فيأتي الشمر اللعين أبن اللعين ويحز رأسه من قفاه وهو عطشان وخائر القوى وبدون أي رحمة ليتفجر الدم العبيط تحت كل صخرة ولتكفهر السماء ولتمطر مطراً أسود مشوب بالدم وأي أمام قتل وأي شهيد اغتالوه وأي جريمة لا تغتفر اقترفها هؤلاء الأوغاد بقتلهم أبن بنت رسول الله(ص) فلا هذا أسلام ولا يمت إلى الإنسانية بأي شيء ولا يمت بأي صله إلى ديننا الذين يتبجحون به ولحد الآن وصدقوني لقد وصفنا هذه الواقعة لأربعة من السواح الذين يدورون حول العالم مشياً على الأقدام عندما كنت في ليبيا مع جماعة من ألأخوة العراقيين المدرسين وباللغة الإنكليزية فبكوا بكاءً شديداً ومعهم امرأة وحزنوا وأرادوا المزيد من التوضيح والكتب ولكن قلة المصادر في ذلك في زمن الصنم هدام فأوضحنا ما قدرنا عليه مع التكتم لأن في ذلك البلد كانوا يكرهون وينفرون من كل شخصٍ من مذهب أهل البيت.ولنتوقف الى هنا ونستكمل بقية الموضوع في جزئنا القادم أنشاءالله أن كان لنا في العمر من بقية.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالمصادر :1 ـ تاريخ الطبري : 3 / 277 ، راجع الكامل : 20 .2 ـ تاريخ الطبري : 3 / 301 ، 308 . 3 ـ موسوعة كلمات الحسين .موسوعة الحديث في لجنة باقر العلوم(ع). ص5114 ـ مؤسسة الأمام علي(ع) لندن .www.najaf.org/friend/a_34.php?l=ARA5 ـ الإرشاد: ٢٣٣، تأريخ الطبري ٣: ٣١٨، الكامل في التأريخ ٢: ٥٦١ ذكر قبل الدعاء: ثم ركب الحسين...
https://telegram.me/buratha