هشام حيدر الناصرية
اشترك مؤخرا اكثر من 15مليون انسان في اكبر دورة مفتوحة عرفها التاريخ على الاطلاق . ولازال الجميع يعيش حتى الساعة اثر تلك الاجواء العجيبة التي حولت الاف الكيلومترات الى قرية عربية تخطت بكرمها سمعة قبيلة(طي) حيث مدت سفرة هذه القرية مسافة الاف الكيلومترات بضيافة لم يسمع عنها في قصص الكرم العربي !من سمع عن توسل بالضيف لياكل ولو قليلا ,او لتغسل ثيابه,او لتدلك قدميه ؟؟؟!ولست اريد الحديث اليوم عن تلك الصور التي اجتهدت بعض الفضائيات لابرازها,في حين اجتهدت اخرى لتهميشها وتقديمها بصورة هزيلة دفعتها للامتناع حتى عن بث صور الشوارع المكتظة بالسائرين فتقدم بدلا عنها صورا لمشاة متفرقين هنا وهناك,فضلا عن اخرى تجاهلتها اصلا !ما اريد الحديث عنه جانب اخر !اقول,ان مدرسة الحسين عليه السلام قدمت الكثير من الدروس العظيمة التي لابد ان ننهل منها خلال هذه الدورة العظيمة ومنها الايثار الذي نفتقده للاسف الشديد وتتراجع امامه مميزات مادية كان حري بنا ان نجتنبها, وكمثال اسوقه بين يدي هذه الظاهرة حالة التنافس لاجل الحصول على اكبر عدد من الضيوف الزوار ,وهذا بدوره يخضع لمن يملك وسيلة النقل الكبيرة ,والتفرغ التام,ومن يملك اولادا كبار يتمكنون من الانتشار في الطريق مبكرا لحجز الزوار مما يؤدي الى حرمان اخرين لاتتوفر فيهم تلك المواصفات ولهذا الامر سلبيات كثيرة!منها, ان هذا يصيب الاخرين باحباط كبير وحسرة على عدم التبرك بخدمة ضيوف ابي عبد الله الحسين ع مع تصور انه قد يكون محروما لخلل فيه هو!ومنها, ان ضيافة عدد كبير من الزوار يعيق تقديم افضل الخدمات لهم حيث يضيق مكان راحتهم ومنامهم,ويحتاجون الى الوقوف بالدور لدخول الحمام او المرافق الصحية , وحتى طريقة تضييفهم ستكون ذات صفة جماعية بخلاف تضييف عدد قليل يمكن المضيف من رعايتهم بصورة ممتازة فضلا عن نيلهم قسطا كبيرا من الراحة لقلة عددهم !الامر الاخر,والوجه الاخر لهذا الموضوع , هو النعمة الكبيرة التي تخلقها هذه التظاهرة العالمية ,وهي حالة خلق صلات اجتماعية جديدة في عصر الاغتراب والتفكك الاجتماعي الذي تسعى انماط الحياة الجديدة الى فرضها عبر وسائل الضخ الاعلامي الموجه عالميا,فتتولد علاقات جديدة بين الضيوف والمضيف الذي يطلب منهم ارقام هواتفهم ويبقى على اتصال بهم للاطمئنان عليهم ,ثم يبقى ينتظرهم الى العام المقبل فيتصل بهم مذكرا ومؤكدا على ضرورة ان يكونوا ضيوفه هذا العام ايضا!كما ان البعض يلاحظ ان هناك دولا عديدة تقوم بتدريبات اجلاء لبعض المدن تحسبا لحالات الحرب او القصف النووي او التعرض لاخطار البراكين والزلازل ,فتقوم باعداد امكان طوارىء لايوائهم ,او ترتب لاستضافتهم لدى بعض العوائل في مدن اخرى , ولاتتجاوز اعداد المشتركين في هذه الممارسات الا بضعة الاف ,وليتهم يطلعون على استضافة هذه الاعداد المليونية وبهذه الضيافة التي ابهرت العدو قبل الصديق,فهي اذن ممارسة لابد من الاستفادة منها لحالات طوارىء نسال الله السلامة منها !وقد كشفت هذه التظاهرة عن قاعدة مفادها ان الشعب اقوى من الحكومة , فلو حاولت الحكومة ان تقوم بهذا العمل لما كان بهذه الصورة , كما ثبت ان بامكان الشعب ان طبق حالة التكافل الاجتماعي هذه ان يقضي على الفقر تماما , ولو فطن الناس الى هذه الحقيقة , وعمدوا الى القيام بتظاهرة شبيهة ,ولو بمقدار عشر هذه , لراينا العجب العجاب .ولنستفد من نعمة التعود على الانفاق والتسابق فيه اذ ان الانفاق امر عظيم ليس كل يقوى عليه !ولاهمية الانفاق ولصعوبته على النفس البشرية قال الله تعالى في مدح المؤمنين من الناس بقوله "الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُون"َ .لان المال اعز من النفس عند غالبية بني البشر,هذه حساباتنا,اما حسابات خالقنا فهي على النقيض من ذلك لذا نراه جل شأنه يتعامل مع الموضوع من جهته بطريقة مختلفة فيقول سبحانه "إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ"فتقدم سبحانه في شراء النفس قبل المال !ومن الملاحظات التي لابد من الاشارة اليها ,حالة الانجازات العظيمة التي نراها متجددة مطردة متزايدة من قبل القائمين على العتبات المقدسة في كربلاء المقدسة ,من اعداد السيارات الخاصة بالعتبة والمخصصة لخدمة الزوار حيث نراها تزداد في هذا العام بفارق كبير عن العام الماضي في حين لازالت (الحكومة)تراوح في استخدام سيارات الحمل الخاصة بوزارة التجارة او بقطعات الجيش او البلدية !كما نلاحظ ازدياد اعداد المضائف الخاصة بالعتبتين المقدستين ,اضافة الى مراكز الايواء العاجلة ,فضلا عن اعداد كبيرة من الحمامات الصحية المتنقلة المنتشرة في كافة طرق ومداخل المدينة المقدسة لتقضي تماما على ازمة كان الزائر يعاني منها دوما دون تدخل الحكومات المتعاقبة!كما لاحظنا ان اكوام النفايات تجتمع في مختلف شوارع كربلاء الا في منطقة بين الحرمين التي ظل عمال التنظيف الخاصين بالعتبتين يعملون فيها على مدار الساعة رغم تزاحم تلك الاعداد الكبيرة في تلك المنطقة ,وما نامله ان تتحول طرق السائرين بفضل الوعي والتوعية الى طرق نظيفة تماما مستقبلا احتراما على الاقل لما يطلق عليها من تسمية (طريق الحسين ع)!اخيرا اقول لقد اثبتت هذه الاعداد المليونية الزاحفة المتزايدة خسارة رهان الاعداء والمنافقين على ثني عشاق الحسين عليه السلام عن السير على طريقه وان عابوا علينا ذلك وشنعوا, وهذا عين مااطلع عليه المصطفى صلى الله عليه واله امير المؤمنين عليه السلام حيث اخبره بما سيجري عليه وعلى ذريته,وعلى ماستعظم به قبورهم وكيف تزار من قبل شيعتهم وفضل ذلك عند الله ثم قال ص (ولكن حثالة من الناس يعيرون زوار قبوركم بزيارتكم كما تعير الزانية بزناها) !هذا يقول مضيعة للوقت وهذا يقول اسراف واخر يقول لم لانركب السيارة بدل المشي والى اخر هذه الاقوال التي اكل الدهر عليها وشرب !هاجر النبي ص الى المدينة مشيا على الاقدام , ولما تبعه الامام علي ع بالفواطم , تاسى بهجرة النبي وقطع المسافة مشيا رغم وجود الرواكب حتى تشققت قدماه وسال منها الدم !اما الحج مشيا الى البيت الحرام فانه مفخرة تنسبها كل فرقة لائمتها ,فينسب الشيعة الامامية للامام الحسن ع انه اكثر من حج مشيا الى الكعبة , في حين ينسب اخرون لهارون العباسي ذلك مثلا !نقل بعض الثقات عن اية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم دام ظله اجابته على بعض من ساله حول خروج النسوة ودعواه ان العلماء يطلبون من الناس الخروج ثم لايخرجون ولاتخرج نسائهم ,فقال سماحته يشهد الله اننا نخرج , واننا نخرج نسائنا قبل خروجنا!فهنيئا لمن سار على هذا الدرب,ولمن واسى النبي صلى الله عليه واله وامير المؤمنين والزهراء والامام الحسن عليهم السلام بتلك المصيبة بشتى انواع المواساة , من المشي الى كربلاء, الى حمل النساء والاطفال مواساة لزينب عليها السلام , الى تضييف اصحاب هذه المسيرة وخدمتهم!ولن تثنينا مفخخات التكفير , او (خطط الحكومة الامنية) التي اوصلها اجتهادها الى قطع طريق كربلاء من بعد 40كيلومترا واجبار الناس على المسير عدة كيلومترات ثم النقل بعربات الحمل , كما لم تثن الزوار من غير العراقيين عراقيل الحكومة العراقية على الحدود ,او فرض 150دولارا على كل زائر على انها(فيزا) لو ضربت في 500الف زائر لكانت 75 مليون دولار توفر اضخم اسطول بري لنقل الزائرين ,ولكن مانقول لحكومة (عجزت) عن بناء مطار في كربلاء , رغم نجاح عبد الحسين عبطان في بنائه في النجف رغم انفها؟؟!!
هشام حيدرالناصريةhttp://husham.maktoobblog.com/
https://telegram.me/buratha