حافظ آل بشارة
يلتقي الفلاسفة والانبياء في حلم واحد ، تكوين المدينة الفاضلة او جمهورية افلاطون او الأمة المثالية ، وبتعبير القرآن (كنتم خير امة اخرجت للناس) ، من اراد ان يرى المدينة الفاضلة فليتأمل زيارة الاربعين ، عناصر بناء الفرد الصالح هي نفسها عناصر بناء الأمة الصالحة ، التقى الاخلاقيون والفلاسفة عند نقطة تعريف الفضيلة ، وهي عندهم ذروة تهذيب قوى النفس الطبيعية ، الغضب والشهوة والفكر ، لانتاج الذروة في التوازن الثلاثي : الحلم والعفة والحكمة ، ينتقل الانسان في ارتقاءه من النشأة الحيوانية الى النشأة الملائكية ، افلاطون والفارابي تخيلا المدينة الفاضلة ، لكن الامام الحسين (ع) صنعها على الارض ، لم يكتف ذلك الوصي الفدائي بتوريث امته صفحات مكتوبة كما فعل الفلاسفة بل قاتل واستشهد واعطى كل مالديه لانجاز حلم المدينة الفاضلة ، الهوة واسعة ما بين (ملئت ظلما وجورا) وبين (كنتم خير امة اخرجت للناس ) هناك تختنق احلام الانبياء ، مدينة الحسين الفاضلة بأهلها وبركاتها هي مجتمع زيارة الاربعين ، عشرة ايام كالحلم ، عدة ملايين من الناس ينسلخون فجأة من كل انواع الرذائل ، حشود مليونية سائرة على الاقدام وسط الصمت والبكاء ، مئات الكيلومترات على حب الحسين ، يواجهون الموت والمتاعب ببهجة وشجاعة نادرة ، تتقرح الاقدام وتئن المفاصل ، فلا يزدادون الا سعادة ! ملايين لا يزدحمون ولا يتدافعون ولا يتشاجرون ، ملايين أخرى على الطرقات خالفت كل قواعد الاقتصاد وحب التملك ، وراحوا يقدمون للزوار الذ الاطعمة والاشربة والحلوى والفاكهة وكل مالذ وطاب مجانا ، صاحب الموكب يدعو الجميع الى مائدته فان اعرضوا عنه ظهرت علامات الأسف على وجهه ، فان استجابوا له واكلوا وشربوا لديه شعر بسعادة بالغة ، لم يترك خدام الاربعين طعاما يخطر على بال الا واتوا به ، فريق آخر هيأ اماكن الاستراحة المؤقتة فيستقبل الزائرين أكفأ خبراء الطب الرياضي والتدليك باجهزة المساج ووسائل التضميد والمسكنات ، فريق من سكان الاحياء المحاذية للطرقات افرغوا منازلهم وفتحوها للزوار يبيتون فيها على فرش وثيرة واغطية جديدة ، والحمامات نظيفة والماء ساخن والصابون معطر والمناشف تقدم مغلفة بالسلوفين ، مدينة فاضلة تمتد من البصرة الى كربلاء ، من الموصل الى كربلاء ، من المشارق والمغارب الى كربلاء ، سوق رائجة فيها الاكل والشرب والعلاج والمبيت من الدرجة الاولى ، فان سألت عن الثمن قيل لك حب الحسين (ع) ، وفي الطريق سجل ما حلا لك من القصص ، كرامات ومعجزات تحتاج الى مجلدات لاحصائها ، حب الحسين (ع) يصنع المدينة الفاضلة في عشرة ايام ، فكيف لو صح الاقتداء بعد الحب ، ماذا لو ان الناس تجاوزوا المكان فجعلوا المدينة الفاضلة كل العراق ؟ وتجاوزوا الزمان فجعلوا المدينة الفاضلة قائمة في كل يوم ؟ انها معجزة الحسين (ع) انه مصباح الهدى وسفينة النجاة وصانع المدينة الفاضلة.
https://telegram.me/buratha