السيد حسين الصدر
ثمة نفوس مريضة يستعر في جوانبها الحقد على الناس ، وتطوي الضلوع على شرور متراكم وانحطاط متعاظم ، يدفعها الى التخريب والإضرار ، بدلاً من الاصلاح والاعمار ..!!ولاتنحصر الأدوار الخبيثة لهذه الحفنة الماكره في جانب معيّن من الجوانب الحياتيه ،وانما تمتد لتشمل مساحات واسعة في الميادين الاجتماعية والسياسية والاقتصاديه .....انّ مَثَلَ أحدهم مَثلُ ذلك القائل :وكنتُ فتىً مِنْ جند أبليسَ فارتقى بيَ الحالُ حتى صار أبليسُ من جندي انهم ينفذون من كلّ المسارب والمسامات ، ليوقعوا الفتنة والاضطراب ،والفرقه بين الأحباب ، والتباعد والتصارع بين الفئات والأحزاب ..!!الوشاة والنمّامون هم جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة المنكرة، والمنافقون - وما أكثرهم - هم الجزء الأخطر من تلك المنظومة..والطامعون التواّقون الى الارتقاء بأوضاعهم نحو الأفضل بأي ثمن هم جزء آخر والأعداء المتزيّون بزيّ الأصدقاء ،وربما الحكماء ،هم شريحة اخرى وهكذا تتعدد الشرائح والطبقات فيما يبقى المنهج الدنيء واحداً ان أصحاب الضمائر الحرّه يسعون ، وبكل ما اوتوا من طاقه ، لإصلاح ذات البيْن بين الزوجين المتخاصميْن والصديقيْن المختلفيْن ، ناهيك عن الأزمات الكبرى التي يمّر بها الوطن والصراعات المتأججه بين الجهات والأطراف بينما نرى المتصيدين في الماء العكر يتفننون في إذكاء الخلافات والصراعات .ان المسائل الاجتماعية والسياسية تختلف بطبيعتها عن المسائل الرياضيه التي لا تقبل جدالاً ولا نقاشاً ...انّ الخلاف بين شخصيْن من طائفتيْن مختلفتيْن لا يعني الصراع بين طائفتيهما .الاّ انّ المتصيدين في الماء العكر يُضفون على أمثال تلك الخلافات طابع الصراع الطائفي ، كل ذلك اشعالاً لفتيل الفتنة .وانّ الخلاف بين حزبييْن - من حِزبين مختلفين - لا يعني الصراع بين حزبيهما وان حاول المتصيدون في الماء العكر ذلك .انها محاولات محمومة لإغراق البلد في بِرَكِ الدماء ، وإشاعة ثقافة الخصومة والعداء ...والخاسر الوحيد هو الوطن وابناؤه ولا ينبغي ان تغيب العقلانية عن المشهد السياسي بحال من الاحوال ،ذلك أنَّ " العقلانية " هي صمام الأمان ،أمام الاندفاعات العاطفية التي يراهن عليها المتصيدون في الماء العكر وقد يبلغ التصيد في الماء العكر ذروته عند بعض المحترفين السياسيين حين يُعلن استغرابه من صمت الحكومة العراقية ازاء ما أعلنته بعض دول الجوار من قرارات في حالة الاضرار بمصالحها!!لابُدَّ ان نغلق الأبواب أمام كل المحاولات التصعيديه التي تزيد أوضاعنا الراهنه تعقيداً وتأزيماً .الشاهد التاريخي ومن الجميل هنا أنْ ننقل ما أورده الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات ج 14 ص 668 في ترجمة علي بن الهيثم الانباري حيث ( دخل يوماً على المأمون ،وعنده أحمد بن الجنيد الأسكافي ، وجماعة من الخاصة فقال المأمون :يا عدو الله يا فاسق يالصّ يا خبيث سرقتَ الأموال وانتهبتها والله لأفرقّنَ بين لحمِك ودمِك وعظمك ولأفعلنّ ولأفعلنّ ...ثم سكن غَضَبُه قليلاً ، فقال أحمد بن الجنيد :نعم والله يا أمير المؤمنين إنّه وانّه .....لم يدع شيئاً من المكروه الاّ قاله فيه ،فقال له المأمون :متى اجترأت عليّ بهذه الجرأة ؟رأيتَني وقد غضبتُ ، فأردتَ ان تزيد في غضبي أما أني ساؤدبّك أدبا يتأدب به غيرُك ياعلي بن الهيثم قد صفحتُ عَنك ووهبتُ لك كلَّ ما قَدّرتُ أنْ أطالبك به ورفع رأسه الى الحاجب وقال : لايبرح ابن الجُنيد الدار ،حتى يحمل لعليّ بن الهيثم مائة ألف درهم، ليكون له بذلك عقل ،فلم يبرح حتى حملها الى ابن الهيثم )والسؤال الآن :أين هم اولئك الذين يقابلون المتصيدين في الماء العكر بمثل هذه الصرامه ؟لقد دارتْ على المتصيّد بالماء العكر الدوائر وهكذا يجب ان يكون الحال في الحاضر !!
https://telegram.me/buratha