سماحة السيد حسين الصدر
قيل لعامر الشعبي :ايها العالِم أفْتني ، فقال :انما العالم من اتقى الله ولا أدري كيف ضيّع تقواه يوم سار في ركاب الطغاة الظالمين ؟!!واين تقواه ،وهو يوالي امتداح نفسه ، ويبالغ في الثناء عليها ،وعلى ما اشتملت عليه من مواهب :قال :" ما سمعتُ حديثاً قط وسألت إعادتَه " في اشارة الى قدرته الفائقة على الاستيعاب بمجرد السماع ..!!والعلاقة بين الحجّاج والشعبي ،علاقة وثيقة ،فقد كتب الشعبي الى الحجّاج يسأله حاجة فأعتّل عليه ، فكتب اليه الشعبي :والله لا عَذَرْتُك ، وأنت والي العراقيْن وابن عظيم القريتيْن ..!!فقضى حاجتَه ..!!" وكان عروة بن مسعود الثقفي جد الحجّاج لأمه "العقد الفريد /1/214ان هذه العلاقة الوثيقة مع الحجّاج ، وهو السفّاح المعروف ، والجبّار الذي قال فيه عمر بن عبد العزيز :" لو جاءت كلّ أمة بجبّارها وجئناهم بالحجاج لغلبناهم "تكفي لادخاله في القائمة السوداء من الرجال الذين يركنون الى الظالمين والله سبحانه وتعالى يقول :{ ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار } ومما يؤكد هذه العلاقة الوثيقة بينه وبين الحجّاج ان عبد الملك بن مروان كتب الى الحجاج :" ان ابعث اليّ رجلاً يصلح للدين والدنيا اتخذه سميراً ، وجليساً ، فقال الحجاج :ما له الا عامر الشعبي وبَعَثَ به اليه " العقد الفريد / 1 / 326فهو اذن صاحب عراقة في صلته بالطواغيت ومن هنا أمكن لنا أن نضعه في خانة علماء السوء من فقهاء البلاط ووعاظ السلاطين وعامر الشَعْبي بعد هذا من قضاة بني أُميّه ، فقد ولي القضاء أيام عبد الملك بن مروان وهذا الأمر ، يكشف عن هويته الحقيقية ، وانه لم يكن من المتورعين الزاهدين ..!!وقصته مع المرأة الجميلة التي خاصمها زوجها عنده قصة معروفة فقد أدلت المرأة بحجتها وقرّبتْ بيّنتها ، فقال للزوج :هل عندك من مَدْفع ؟فأنشأ يقول :فُتن الشعبيّ لمّا رَفَعَ الطرفَ إليها فَتَنتْه بدلالٍ وبخطّيْ حاجبيها قال للجلواز قرّبْها وأحضرْ شاهديها فقضى جَوراً على الخصم ولم يقض عليها وحين دخل الشعبي على عبد الملك بن مروان نظر اليه وتبسّم ، وقال :فتن الشعبي لمّا رَفعَ الطرف اليها ثم قال :ما فعلتَ بقائل الأبيات ؟قال الشعبي :أوجعتُه ضرباً بما انتهك من حرمتي في مجلس الحكومة، وبما افترى به عليّ ! قال أحسنت العقد الفريد / ج 1 ص 84-83وقال الشعبي برواية الابشيهي في المستطرف ج1 ص31 " دخلتُ على الحجّاج حين قدم العراق فسألني عن أسمي فأخبرتهُثم قال :يا شعبي كيف علمُك بكتاب الله ؟قلتُ :عني ُيؤخذ .قال : كيف علمُك بالفرائض ؟قلتُ :اليّ فيها المنتهى .قال :كيف علمك بأنساب الناس ؟قلتُ :انا الفيصل فيها .قال :كيف علمُك بالشعر ؟قلت :انا ديوانُه قال :لله أبوك وفرض لي أموالاً وسوّدني على قومي ، فدخلتُ عليه وانا صعلوك من صعاليك هَمدان ، وخرجتُ وانا سيدهم }وهذا الخبر المشحون بالغرائب ، والمشوب بالكثير من المصائب ، لا يسوغ لنا أن نمرّ به مرور الكرام ، وانما يجب ان نقف عند نقطتين مهمتين :الأولى :ان الادعاءات العريضة ، والمبالغات في ما انطوت عليه الذات من مواهب ومعارف ، مسلك مشؤوم مذموم ، وهو ما لا يرتضيه الأبرار من العلماء دققْ في النص، تجد الشعبي وقد اسند الى نفسه الاحاطة بعلوم القرآن حتى قال :ان علم الكتاب عني يؤخذ ؟ وان علم الفرائض ينتهي اليه !!وهو العالم بالأنساب الى حدّ يكون قوله فيه فصل الخطاب !!وهو ديوان الشعر ..!!ومعنى ذلك أنه بلغ الغاية في العلم والأدب ،ولكن بالادعاء ،لا بشهادات العلماء والخبراء ..!!ومِثْلُ هذه الادعاءات لا تزيد أصحابها الا ضعفا ًوبُعداً عن المسلك القويموالمنهج المستقيم ..!!الثانية :يُخيّلُ للشعبي ان المكانة المرموقة للأنسان انما تُضفى عليه من قبل الحكّام والولاة فهم القادرون على نقله من " خندق " الى " خندق " وهكذا انتهى به المطاف للأعتقاد بان الحجاج هو الذي نقله من الصعلكه الى ان يكون سيد قومه وهذا وهم باطل ، وخيال محض ..!!ان مكانة الانسان الحقيقية تصنعها مواقِفُه ومساراتُه ،وتحددها مواهبه وكفاءاتُه ،ومن المؤكد أنه كلما ازداد من الطغاة قرباً ،ازداد من الله والناس بُعداً ......والصعاليك الذين يريدون التسلق الى المواقع المهمة ، من خلال الصلات بالحكام والسلطويين، ليسوا بقليلين ومنطقهم لا يختلف عن منطق الشعبي ان بضاعتهم هي نفس البضاعة .والمهم انهم انما ينتقلون من خندق الصعاليك الى خندق المماليك، لان السلطويين لا يتركونهم يفعلون ما يريدون، وانما يدفعونهم الى السير وفق ما يرسمونه لهم من مسارات، وطبق ما يحددونه لهم من اتجاهات، وعندها يصبح وصف المماليك صالحاً للأنطباق عليهم بدرجة كبيرة واين العبودية من الحرية ؟واين الاستقلالية من الذَيْليه ؟
https://telegram.me/buratha